الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم يواجه زمناً عصيباً

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2024 / 6 / 11
التربية والتعليم والبحث العلمي


كتبت العديد من المقالات على التعليم، تناولت في اخر مقال العملية التعليمية في العراق بعد كثرة المدارس الاهلية، واسس منح الاجازات لها من قبل وزارة التربية والتعليم العالي، وتداولت مفاصل ومحاور مهمة في التعليم ومعايير التقييم الموضوعية لتلك المحاور، واني أرى بان مسألة الموضوعية امر واسع وقابل للاجتهادات وفق رؤى المقيميين، واحاول في هذا المقال ان اجمع بعض الحقائق والرؤى الفلسفية المجردة لكبار الفلاسفة عن عملية التعليم، لأخلص في مقال اخر الى تقييم كمي للمحاور التقييمية المرنة التي أحاول تصميمها وفق هذه الرؤى الفلسفية والحقائق.
يواجه التعليم زمنا عصيبا من القلق والخوف والمنافسة وبلدا مكتظا بالسكان والفقر وحكومات غير فعالة وفاسدة. في مثل هذه البيئة يبحث الطلاب عن الحرية والتحرر من الخوف وعدم قبولهم بنصح الكبار لأنهم يواجهون عالما مضطربا ويخافون من مصائرهم. هنا يبدا الصراع بين رغبة الطالب في التحرر والاحساس بالأمان وبين مجتمع متوافق مع ضروراته الخاصة، بأن يصبح الناس مهندسين، أو علماء، أو جنودًا، انه عالم مخيف.. يقع الطالب بين رغبته في الحرية في فعل ما يريد ومطالب المجتمع بالامتثال، يعتمد الأجيال في كم معاناتها على ما خلفتها الأجيال السابقة، فكلما كان الجيل السابق ثرا كان الصراع اللاحق اقل للأجيال القادمة.
إذا كان التعليم، كما هو الآن، يهدف إلى إعداد الأطفال للعيش في صراع دائم وخوف، فيجب علينا أن نتساءل عن معنى كل ذلك. هل الحياة حركة تتدفق من الألم والقلق، وذرف الدموع التي لم تذرف، مع توهجات من الفرح والسعادة بين الحين والآخر؟ ولسوء الحظ، نحن الجيل الأكبر سنا، لا نطرح هذه الأسئلة، وكذلك المربي. لذا فإن التعليم، كما هو الآن، هو عملية مواجهة وجود كئيب وضيق ولا معنى له. لكننا نريد أن نعطي معنى للحياة. يبدو أن الحياة ليس لها معنى في حد ذاتها ولكننا نريد أن نعطيها معنى، كأن نخترع آلهة وأشكالًا مختلفة من الدين ووسائل ترفيه أخرى، بما في ذلك القومية وطرق قتل بعضنا البعض، من أجل الهروب من حياتنا الرتيبة. هذه هي حياة الجيل الأكبر سنا وستكون حياة الشباب.
القضية الحقيقية هي نوعية أذهاننا. ليست معرفتها بل عمق العقل الذي يلبي المعرفة. العقل اللانهائي، هو طبيعة الكون، الذي له نظامه الخاص، وله طاقته الهائلة. إنه مجاني إلى الأبد. إن الدماغ، كما هو الآن، عبد للمعرفة، وبالتالي فهو محدود ومجزأ. عندما يحرر الدماغ نفسه من تكييفه، يصبح الدماغ لانهائيًا. عندها فقط لا يوجد انقسام بين العقل والدماغ. التعليم إذن هو التحرر من التكييف والاشتراط، ومن المعرفة الواسعة المتراكمة للتقاليد. وهذا لا ينفي قيمة التخصصات الأكاديمية، التي لها مكانتها المناسبة في الحياة.
تتحكم الدولة في التعليم، وتتدخل في الكيان الإنساني وشروطه لتحقيق أغراضها الخاصة سواء ان كانت اقتصادية تنموية او خدمية او سياسية وإدارية.. المدارس بشكل عام تتبع أسلوب الفهم بالتحفيظ والتكييف للمناهج الموضوعة ومنها علمية تطبيقية تم التوصل اليها بالتجارب الواقعية ومنها سردية تقبل الاجتهاد ولا تنطوي على اية برهان بل مجرد توجيه وفق السياسة الراهنة للدولة، تلك التي تجعل على سبيل المثال الحقبة العثمانية من الحقب الزمنية الذهبية وعندما يتغير الزمن وتأتي الى السلطة معارضي الحكومة السابقة تجعل منهاج الحقبة العثمانية من الحقب المظلمة في التاريخ البشري، وهكذا نرى ان المتلقي للدراسة في هكذا بيئة تتكون لديه أفكارا متكيفة ومتحكمة على سلوكه في الجوانب النفسية ولن يمكنه من إطلاق العنان للتفكير الحر اللامنتمي ليجعله نبراسا يشق فيه طريق التنوير والوعي. غالبا يكون لبيئة الطالب خارج المدرسة دوراً في امداد التكيف بحسب درجة تعلم الوالدين وحرصهم على تعليم أبنائهم، او يكون الطالب من اسرة متفككة جاهلة متخلفة تعمق التكيف الفكري لأتفه الأسباب. لذلك لا تعطي المناهج مجالا للتمرد او التوافق، فهم اللذين يضعون القواعد (افعل هذا ولا تفعل ذلك). العقل الذي يتعلم هو عقل حر، والحرية هي ان تشعر بالمسؤولية دون وصاية أحد.
جوهر التعلم هو الحركة المستمرة دون التثبت بنقطة جامدة. إذا كان الهدف هو تحيزك وآرائك واستنتاجاتك، وانطلقت من هذا العائق، فإنك تتوقف عن التعلم. التعلم لانهائي، العقل الذي يتعلم باستمرار هو لا نهائي وهو أبعد من كل المعرفة. لذلك يفترض ان تتعلم وتتواصل. عندما يكون المرء صغيراً تكون لديه رغبة في التوافق، وعدم الشعور بالغربة عن الأشياء. إن معرفة طبيعة المطابقة وآثارها يجلب نظاماً خاصاً بها. واضعا في الاعتبار دائمًا عندما نستخدم كلمة الانضباط أن كلا من الطالب والمعلم في علاقة تعلم، وليس تأكيداً وقبولاً. عندما يتم فهم ذلك بوضوح، تصبح القواعد غير ضرورية. عندما لا يكون هذا واضحا، فلا بد من وضع القواعد. قد تثور ضد القواعد، أو ضد أن يقال لك ما يجب أن تفعله أو لا تفعله، ولكن عندما تفهم بسرعة طبيعة التعلم، فإن القواعد سوف تختفي تمامًا. فقط العنيدون، الحازمون ذاتياً، هم الذين يضعون القواعد (افعل كذا ولا تفعل ذلك).
التعلم ليس متعة مثل الجنس او شرب الكحول، انه علاقتك مع المحيط والعالم، تعلم الهندسة او الطب يجعلك مهندسا او طبيبا وتؤمن على حياتك خلال مصدر ارتزاق اقتصادي وتساهم المجتمع في خططها التنموية، ولكن جودة التعليم يستهدف العقل. ولكي تبقى حيا فلابد ان يعمل العقل والقلب معا..
العقل الذي يتعلم يجب ان يكون حرا، الانضباط في التعليم يجب ان لا يستهدف تلك الحرية ويكيفها ببرنامج وضعي يتآكل مع الزمن، تعليم العقل هو ان تجعله يراقب ويتأمل بنشاط.
الدولة من خلال مؤسساتها التعليمية تريد الطلاب ان يجتازوا الامتحانات لكي تكسب كل وحدة تعليمية تقديرا ضمن معايير التقييم التي تتبعها المؤسسات، وهذا ما يرغب به أولياء الأمور، ومن الأوائل من يحصل على فرصة لإكمال دراساته العليا واما الغالبية يبحثون عن مصدر ارتزاق من الدولة، ومن بين الاف المتخرجين تجد واحدا قد اكتسب الشعلة الإبداعية ، وقد لا يجد فرصته فيندثر في بيئة متخلفة لتطفأ تلك الشعلة، لو تفحصنا مخرجات تلك المؤسسات التعليمية نرى بانها تخرج من يقرا ويكتب وبالكاد اكتساب بعض المعرفة التقنية غير الكافية لإنتاج بيئة تنمية اقتصادية قائمة على الابتكار، الذي هو عامل مهم في التنمية.
إذا كان هدف التعليم تخريج فرد متكامل يساهم في خطط الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والتعليمية والزراعية وغيرها من صنوف التنمية، فهي نظرة ضيقة انية، لان المستقبل سيعتمد الانسان الالي في تلك المجالات. اما إذا ارادت الدولة مواطنا مطيعا لها فهي بالحقيقة تنتج خرفانا متكيفة لنمط الحكومة وتوجهاتها، أي متكيفة لتراثية الدولة وعرضة للتقادم والافول.. ان مشكلة التكيف يقتل الابداع، اذن كيف نخرج فردا متكاملا؟ التكامل لا يأتي من خلال تحفيظ الأنماط الدراسية المتوارثة التي جاء بها عالِم اقتصادي او سياسي او علمي، ديني.. فهذا تنويم جماعي، المطابقة ليس تكاملا!
ان تطبيق وسائل الانضباط في التعليم يدمر التكامل، لان الانضباط يؤدي الى التكيف والامتثال لنمط رجعي ويعني انماء الخوف لدى الفرد، ذلك العائق الجوهري امام الابداع والتوافق القسري من اجل الأمان النفسي بوعي او بغير وعي. اذن التحكم في الكيان الإنساني للفرد لتحقيق أغراض الدولة هو بداية لطمس الذكاء خلال الانضباط القسري. فلا يرى الفرد الحق ولا يرى الباطل بسبب الخوف وهي قوة وعامل تفكيك.
فكيف نؤسس نظاما بدون الخوف والانضباط؟ طالما تمضي الدولة في التعليم الشمولي وإنتاج كم من المتخرجين دون النوعية، والدولة تريد من يطيعها بوسائل الانضباط والخوف والمكافأة أي الثواب والعقاب، نحتاج الى خلق الصراع لكي نتحرر من الركود، والتحرر بحاجة الى كفاح، ومن جانب اخر اليس الصراع عامل تفكك أيضا؟
لا يمكن أبدًا فهم الموجود من خلال شاشة الفكرة؛ يفترض أن يتم تناوله من جديد. وبما أن الموجود ليس ثابتًا أبدًا، فلا يجب على العقل أن يكون مرتبطًا بالمعرفة، أو الأيديولوجية، أو الاعتقاد، أو الاستنتاج. إن الصراع بطبيعته هو انفصالي، مثل كل معارضة؛ ولكن أليس الإقصاء والانفصال عامل تفكك ايضا؟ إن أي شكل من أشكال السلطة، سواء كانت فردية أو تابعة للدولة، أو أي جهد للزيادة أو التقليل، هو عملية تفكك. جميع الأفكار والمعتقدات وأنظمة التفكير منفصلة وحصرية. إن الجهد والصراع لا يمكن أن يحققا التفاهم تحت أي ظرف من الظروف. الصراع له اشكال فعلى سبيل المثال، الصراع بين الزوج وزوجته، بين ما هو موجود ونقيضه من المثالية، بين الموجود والمستقبل، والسؤال هل يمكن فهم المشترك خلال هذا الصراع بين الاطروحة والنقيض؟ لا يوجد نهاية للصراع ان لم يكن هناك فهم لطبيعته، فهم لما هو كائن، وحين نفهم يكون هناك حالة التكامل. الرغبات هو سبب الصراع، وحيث ينتهي نصل للتكامل، عندما نفهم العوائق بعيدا عن التبرير والتماهي، حين ذلك يكون الحرية، المراقبة السلبية تكشف العوائق، ومع التحرر منها يأتي التكامل الى الوجود.
ان الوظيفة الحقيقية للتعلم ان تنمي الذكاء ليحاول إيجاد الأجوبة لكل هذه المشاكل دون خوف. في الصِغر من المهم جدًا أن تعيش في بيئة لا يوجد فيها خوف. كما ان معظمنا، مع تقدمنا في السن، يصبح خائفًا؛ نحن خائفون من العيش، خائفون من فقدان الوظيفة، خائفون من التقاليد، خائفون مما قد يقوله الجيران أو الزوجة أو الزوج، خائفون من الموت. يعاني معظمنا من الخوف بشكل أو بآخر، وحيث يوجد الخوف لا يوجد ذكاء.
في بيئة لا خوف فيها بل جو من الحرية؛ والحرية ليست فقط في فعل ما نحبه ولكن في فهم عملية الحياة برمتها؟ الحياة جميلة جداً حقاً، إنها ليست هذا الشيء القبيح الذي صنعناه منها، ولا يمكنك تقدير ثرائها وعمقها وجمالها الاستثنائي إلا عندما تثور ضد كل شيء (ضد المعتقدات المنظمة، تسيس الدين، ضد التقاليد، ضد الحاضر الفاسد، المجتمع) حتى تكتشف بنفسك كإنسان ما هو الحق. ليس بالتقليد بل بالاكتشاف. هذا هو التعليم، من السهل جدًا الالتزام بما يخبرك به مجتمعك أو والديك ومعلميك، هذه طريقة آمنة وسهلة للوجود، لكن هذه ليست حياة، لأن فيها خوفاً وانحطاطاً وموتاً. أن تعيش يعني ذلك أن تكتشف بنفسك ما هو حقيقي، ولا يمكنك أن تفعل ذلك إلا عندما تكون هناك حرية، عندما تكون هناك ثورة مستمرة داخلياً، داخل نفسك، أن تعيش يعني ذلك أن تكتشف بنفسك ما هو صحيح.
الانضباط ليس بوسائل السيطرة أو القهر. التعلم يعني الاهتمام، أي أن تكون مجتهدًا. إن العقل المهمل فقط هو الذي لا يتعلم أبدًا. إنه يجبر نفسه على القبول عندما يكون سطحياً، ومهملاً، وغير مبالٍ. العقل المجتهد يراقب ويراقب بنشاط، ولا يغرق أبداً في القيم والمعتقدات المستعملة السائدة. العقل الذي يتعلم هو عقل حر، والحرية تتطلب مسؤولية التعلم. إن العقل المنشغل بآرائه الخاصة، والمتحصن ببعض المعرفة، قد يطالب بالحرية، ولكن ما تعنيه بالحرية هو التعبير عن مواقفه واستنتاجاته الشخصية، وعندما يتم إحباط ذلك فإنه يلهث ويبكي من أجل تحقيق الذات. لذلك عندما تأتي إلى هذه المدارس، أو إلى أي مدرسة في الواقع، يجب أن تكون هناك هذه النوعية اللطيفة من التعلم، ويصاحبها شعور كبير بالمودة. عندما تكون حنونًا حقًا، فإنك تتعلم، والحرية مجانية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرشقون آليات الاحتلال بالحجارة ببلدة بيتا


.. اختتام اليوم الثاني من اجتماع رابطة -آسيان-.. ما أبرز مخرجات




.. إسرائيل لن تنتظر دعم واشنطن لمواجهة حزب الله|#غرفة_الأخبار


.. أولمبياد باريس ..مخاوف من ضعف الجانب الأمني|#هجمة_مرتدة




.. أولمبياد باريس.. حفل غير مسبوق في نهر السين|#هجمة_مرتدة