الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
-ضغوط البكالوريا: بين تطلعات الأسر ومعاناة المراهقين - مأساة فتاة من أسفي بالمغرب-
كرم الدين حسين
صحفي باحث وكاتب
(Karameddine Hcine)
2024 / 6 / 13
التربية والتعليم والبحث العلمي
تعد البكالوريا مرحلة مهمة في الحياة التعليمية للإنسان، وبوابة لولوج التعليم العالي، وخطوة أساسية لبناء المستقبل المهني والثقافي. إن الحصول على شهادة البكالوريا يعد من أكبر هموم فترة المراهقة وحلم كل شاب يافع، بل هي أيضًا حلم ورغبة أسر هؤلاء التلاميذ، هذه الأسر التي لم تذخر جهدًا طوال 12 سنة، من التعليم الابتدائي والإعدادي إلى غاية التعليم الثانوي التأهيلي، مما يجعل الأسرة تحرص على نيل التلميذ لشهادة البكالوريا أكثر من التلميذ نفسه.
وهنا مربط الفرس، حيث إن هذا الضغط الأسري والمجتمعي وتعظيم شأن امتحان البكالوريا إلى حد أنه مسألة حياة أو موت قد يكون له أثر سلبي، خصوصًا أننا نتعامل مع فئة حساسة جدًا وهي المراهقين. هذه الفترة تشبه الشرنقة التي يخرج منها الإنسان من مرحلة الطفولة والبراءة إلى مرحلة الشباب والنضج، حيث يواجه مشاكل الحياة ومصاعبها لوحده.
إن الإنسان في مرحلة المراهقة تكون همومه وأحماله غالبًا تتمحور حول ذاته ورغباته دون أي شعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وهذا هو الأصل والفطرة السليمة. لكن تهويل أمر امتحان البكالوريا من طرف بعض الناس من محيط التلميذ وخصوصًا المحيط الأسري، يحمل هذا التلميذ المراهق أكثر مما يمكنه تحمله، حيث يحس أن نجاحه أو فشله في امتحان نيل شهادة البكالوريا لا يهم مستقبله وحده فقط بل مستقبل واستقرار أسرته كلها، وهو ما يزيد من الضغوط النفسية على المراهق سواء قبل أو أثناء الامتحان.
إن هذا الضغط الأسري والمجتمعي يفسر لنا ما حدث بمدينة آسفي المغربية، يوم الاثنين 10 يونيو الجاري، حيث أقدمت تلميذة في مقتبل العمر على الانتحار برمي نفسها في البحر، بعد أن تم ضبطها بحالة غش بواسطة هاتف وتحرير محضر بذلك في أول أيام الامتحان.
دفعت هذه الحادثة الأليمة التي شغلت الرأي العام المغربي كثيرًا، إلى التفكير والتأمل العميقين في سؤالين مهمين هما:
الأول هو: من المسؤول عن إقدام الفتاة على الانتحار؟ حيث أجمع أغلب رواد المواقع على أن الأستاذة التي حررت المحضر كانت مسؤولة حيث أعلمت الفتاة أنها لن تتمكن من إجراء الامتحان لمدة سنتين على الأقل، بينما حمل البعض الآخر، ومنهم عم الفتاة، إدارة المؤسسة والمشرفين على الامتحان داخلها المسؤولية، بحيث كانوا ملزمين بعدم ترك الفتاة تغادر المؤسسة وكان يجب إعلام ولي أمرها بما حدث وتسليمها له.
أما السؤال الثاني الذي تبادر إلى ذهني وكان الأهم بالنسبة لي، هو: ما الذي يدفع بفتاة في مقتبل العمر أن تلقي بنفسها في البحر، وهي التي لم تثقل كاهلها بعد هموم الدنيا وأثقالها؟ خصوصًا أن تصريحات عائلتها ومقربين منها تؤكد أن حياتها كانت عادية ولم تكن تعاني من أزمات أو مشاكل حادة في حياتها. أهمية هذا السؤال بالنسبة لي تكمن في أن الجواب عليه سيمكننا من جواب عن السؤال الأول، وتحديد المسؤول الرئيس عما حدث.
لا شك أن الانتحار في أغلب الأحيان قرار انفعالي، يكون نتيجة يأس أو خوف، وهو ما يمكن أن يسقط على حالتنا هذه، لكن بتفكير مالي في الأمر، خصوصًا أن الضحية أرسلت رسالة صوتية عبر تطبيق "الواتساب" إلى عائلتها تطلب منهم المسامحة وتخبرهم بنيتها الإقدام على الانتحار، أي أن غضبًا لحظيًا وخوفًا من محضر الغش ليسا الدافع الرئيسي، خصوصًا وأن التلميذة كانت عازمة على الغش وبالتالي كانت تضع في حسبانها احتمال انكشافها ولو بنسبة 1٪. وبالتالي يبقى الضغط الأسري والعائلي هو السبب الأول في نظري.
أما مسألة أن المؤسسة كانت ملزمة بالحفاظ على الفتاة إلى غاية تسليمها إلى ولي أمرها، فإنها وإن كانت تبدو مسألة منطقية، إلا أنها صعبة لسببين: أولاً أن التلاميذ في المغرب يجتازون الامتحان في مؤسسات تعليمية غير مؤسساتهم، وبالتالي المؤسسة مركز الامتحان لا تتوفر على المعلومات اللازمة مثل رقم هاتف ولي الأمر، بالإضافة إلى أن يوم الامتحان يكون كل الأطر التدريسية والإدارية في حالة استنفار.
أنا هنا لا أدافع عن طرف وأحاسب آخر، لكن أحاول أن أكشف عن تصرف خاطئ يمارسه المجتمع والأسرة خلال هذه المرحلة الدراسية. وإذا كان ما وقع لهذه الفتاة المسكينة في آسفي هو حدث نادر الوقوع، فإن حالات عديدة يكون هذا الضغط سببًا في ضياع أصحابها بطرق أخرى غير الانتحار مثل الخدر الدراسي، الإدمان، الهرب، الغش، وغيرها من الظواهر السلبية. بل قد يكون هذا الضغط سببًا في إخفاق الطالب في النجاح أو في حصوله على شهادة بمعدل ضعيف رغم تفوقه الدراسي.
كلامي هذا لا يعني أن تتملص الأسرة من دورها أو أن تتعامل مع البكالوريا كمجرد مرحلة دراسية عادية، بل يجب مراقبة التلميذ وحثه على النجاح دون الغلو في ذلك، وتصوير الحصول على البكالوريا كأنه عمل يقوم به التلميذ من أجل أسرته بأكملها. بل العكس، هو أمر مهم له وحده ومستقبله لوحده.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. نقل مصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي لمستشفى في حيفا
.. الحرب تحول السودان إلى دولة غير صالحة للعيش مع نفاد مقومات ا
.. العربية ترصد انطلاق الطائرة السعودية الثانية للبنان لمساعدة
.. قتيل وعدد من الجرحى في حادث قطار بصعيد مصر
.. مع توسيع إسرائيل عمليتها البرية في لبنان.. هل يمتلك حزب الله