الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الايروس واللوكوس في الحاضرية الوجودية
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
2024 / 6 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الأيروس في الفكر الفلسفي الحاضري الوجودي يشير إلى الجانب العاطفي والشهواني من الوجود البشري. إنه يمثل الرغبة، والشوق، والانجذاب العاطفي نحو الآخر والعالم. هذا الأيروس هو ما يدفع الإنسان إلى الانخراط في التجربة الحية، وتشكيل علاقات. في المقابل، اللوكوس يمثل الجانب العقلاني والمنطقي من الوجود, إنه يشير إلى القدرة على التفكير المجرد، والتحليل الموضوعي، وصياغة الحجج العقلانية. اللوكوس هو ما يمكن الإنسان من إدراك الحقيقة والمعنى في الوجود, الحياة في الحاضرية الوجودية قد تتعلق بتوازن الفرد بين العاطفة والعقل، بين الانفعال والتفكير الراديكالي.
في الحاضرية الوجودية، الحياة تتمحور حول التوازن والتفاعل بين هذين الجانبين - الأيروس واللوكوس. الفرد الحاضري الوجودي يسعى إلى التوفيق بين العاطفة والعقل، بين الانغماس في اللحظة الراهنة والتفكير الناقد.وهذا يتطلب منه أن يعيش بكامل وجوده، مندمجًا في التجربة الحية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على وعي نقدي وقدرة على التأمل, هذا التوازن بين الأيروس واللوكوس هو ما يمكن الفرد من تحقيق أصالة وجوده..
تحقيق التوازن المثالي بين الأيروس واللوكوس باعتبارهما دوافع غريزية وتطبيقه في الحياة اليومية يتطلب جهدًا مستمرًا في مقاومة الرجوع الى الدوافع الغريزية للحياة واستمرارهما. هناك بعض الاستراتيجيات :
اليقظة والوعي الذاتي: على الفرد أن يكون يقظًا ومدركًا لما يجري داخله وحوله في كل لحظة. هذا يساعده على ملاحظة عندما تميل كفة الأيروس أو اللوكوس إلى الارتفاع بشكل مفرط.
التأمل والانعزال: ممارسة التأمل والانعزال عن الضجيج اليومي يساعد الفرد على استعادة التوازن بين العاطفة والعقل. هذا يتيح له الفرصة للتفكير بعمق والاستماع إلى صوت داخله.
اتخاذ القرارات المتوازنة: عند اتخاذ القرارات المهمة، على الفرد أن يوازن بين الاعتبارات العاطفية والعقلية. فلا يجب أن ينساق وراء العواطف فقط، ولا أن يكون جافًا وعقلانيًا بشكل مفرط.
الممارسة والتجربة الحية: على الفرد أن ينخرط بكامل وجوده في تجارب الحياة اليومية، ولا يكتفي بالتفكير التجريدي. فالتوازن يتطلب الاندماج في اللحظة الراهنة جنبًا إلى جنب مع القدرة على التحليل والتأمل.
تنمية الحساسية والرحمة: تنمية الحساسية العاطفية والرحمة تجاه الآخرين يساعد على موازنة العقلانية بالعاطفة. فالفرد الوجودي لا يجب أن يكون جافًا أو منعزلاً عن المشاعر.
التطرف والميل إلى الأطراف
قد يميل الفرد إلى الانجرار نحو الإفراط في العاطفة والرغبات (الأيروس)، أو العقلانية والموضوعية المفرطة (اللوكوس).
الكثير من الفلاسفة الذين بحثوا في هذه الثنائية بين الأيروس واللوكوس في نظرياتهم الفلسفية:
سيجموند فرويد
في نظريته النفسية التحليلية، طرح مفهوم الغرائز الحياتية (الأيروس) والغرائز الموتية (التاناتوس), أكد على الصراع الدائم بين هذين النزعتين والحاجة إلى إيجاد توازن بينهما.
كارل يونغ
في نظريته النفسية التحليلية، ربط بين الأيروس (الوظائف النفسية الإبداعية) واللوكوس (الوظائف النفسية التنظيمية), رأى أن التكامل بين هذين الجانبين هو المؤشر على الصحة النفسية والنضج الشخصي.
إريك فروم
في كتابه "هروب من الحرية"، ناقش هذه الثنائية من منظور اجتماعي-ثقافي
أكد على الحاجة إلى التوازن بين الاستقلالية الفردية (اللوكوس) والانتماء الجماعي (الأيروس).
آبراهام ماسلو
في نظريته عن التحقق الذاتي، ربط بين الحاجة إلى الإبداع والتعبير الذاتي (الأيروس) والحاجة إلى الأمن والانتماء (اللوكوس). أكد على أهمية تحقيق التوازن بين هذه الحاجات لتحقيق الصحة النفسية والنمو الشخصي.
هناك بعض الفلاسفة الآخرين الذين ناقشوا هذه الثنائية بين الأيروس واللوكوس من منظورات مختلفة:
أفلاطون
في حواره "المأدبة"، طرح مفهوم الأيروس كنزعة إلى الجمال والكمال الروحي
ربط الأيروس بالفضيلة والسعي نحو المُثل العليا، متجاوزًا الجانب الجسدي.
نيتشه
في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، ناقش الأيروس والإرادة إلى القوة كمحركات للفرد والمجتمع, رأى الأيروس كقوة خلاقة تسعى لتجاوز الواقع والارتقاء بالإنسان.
هايدغر
في فلسفته الوجودية، ربط بين الأيروس (التطلع إلى الماضي) واللوكوس (التطلع إلى المستقبل)، رأى أن الصراع بينهما هو جوهر الوجود الإنساني وسبيل الحرية والتحقق الذاتي.
دريدا
في نظريته عن البنيوية والتفكيكية، ناقش الثنائيات المتضادة في اللغة والفكر, طرح فكرة "الآخر" كعنصر مؤثر في تشكيل الهوية والمعاني.
هناك بعض الفلاسفة ما بعد الحداثيين الذين قدموا آراء نقدية حول هذه الثنائيات الفلسفية التقليدية بين الأيروس واللوكوس:
ميشيل فوكو
انتقد الثنائيات الكلاسيكية وطالب بتفكيكها وفضح الهياكل السلطوية المضمرة فيها,رأى أن هذه الثنائيات تنتج "الآخر" وتشكل أشكالاً للهيمنة والقمع.
جيل دولوز وفيليكس غواتاري
في "رأسمالية الرغبة"، انتقدا الثنائيات الكلاسيكية باعتبارها تقيد الإبداع والرغبة الإنسانية, اقترحا مفاهيم مثل "الشرخ" و"التدفق" كبديل لفهم الهوية والوجود خارج الثنائيات.
جوديث باتلر
في "مشكلة الجنس"، انتقدت الثنائيات الجنسانية التقليدية واقترحت مفاهيم الجندر والهوية الجنسية المتحولة, رأت أن الثنائيات تنتج "هويات مهيمنة" وتغفل عن التنوع والاختلاف.
إدوارد سعيد
في "الاستشراق"، انتقد الثنائيات الاستعمارية مثل "الشرق والغرب" باعتبارها تنتج صور نمطية وهيمنة ثقافية, اقترح مفهوم "الهجين" كبديل لفهم الهويات والثقافات خارج الثنائيات المتضادة.
هناك أي آراء نقدية لهذه الثنائيات الفلسفية من منظور ما بعد الاستعمار وتحليل الخطاب الاستشراقي:
فرانز فانون
في كتابه "معذّبو الأرض"، انتقد الثنائيات الاستعمارية مثل "المستعمِر والمستعمَر" باعتبارها تنتج هويات مضطهدة وتكريس للتبعية, اقترح أن تحرر الإنسان المستعمَر يتطلب تفكيك هذه الثنائيات والنضال ضد هيمنة الثقافة الاستعمارية.
هومي بابا
في كتابه "مواقع الثقافة"، انتقد الثنائيات الاستشراقية باعتبارها تنتج "هويات مهجّنة" تتجاوز الحدود الثقافية, اقترح مفهوم "الثالث المرجعي" كفضاء للتفاوض والتداخل الثقافي خارج الثنائيات.
آنيا لومبا
في كتابها "الأيديولوجية البيضاء"، انتقدت الثنائيات العرقية والجندرية في الخطاب الاستعماري, اقترحت منهجية "النسوية السوداء" كبديل لتفكيك هذه الثنائيات وإنشاء هويات مقاومة.
هناك إمكانية لتطبيق المناهج النقدية لفلاسفة ما بعد الاستعمار من خلال الحاضرية الوجودية باعتبارها فلسفة حاضرة و مستقبلية. هناك بعض الطرق التي يمكن من خلالها ربط هذين المنظورين الفكريين:
التركيز على الوجود والتجربة الحية
تستند الحاضرية الوجودية إلى التركيز على الوجود والتجربة الحية للفرد، وهو ما يتشابه مع التأكيد لدى فلاسفة ما بعد الاستعمار على الخبرة المعاشة للأفراد والجماعات المستعمَرة.
نقد الموضوعية والتمركز الأوروبي
تنتقد الحاضرية الوجودية الموضوعية والمنطق العقلاني الكلاسيكي، وهو ما يتوافق مع نقد فلاسفة ما بعد الاستعمار للتمركز الغربي والمقولات الكونية.
البحث عن هويات متعددة ومتحررة
تركز الحاضرية الوجودية على إمكانات التحرر الفردي والوجود المتميز، وهو ما يتوافق مع بحث فلاسفة ما بعد الاستعمار عن هويات جديدة ومتحررة من الهيمنة الاستعمارية.
تفكيك الثنائيات الجدلية
تسعى الحاضرية الوجودية إلى تجاوز الثنائيات الجدلية التقليدية، وهو ما يتوافق مع محاولات فلاسفة ما بعد الاستعمار تفكيك الثنائيات المركزية مثل,المستعمر/المستعمَر
بهذه الطرق، يمكن رؤية إمكانية لتطبيق المناهج النقدية لفلاسفة ما بعد الاستعمار من خلال منظور الحاضرية الوجودية باعتبارها فلسفة مستقبلية متحررة وداعمة لإنتاج هويات جديدة. من خلال هذه المناهج النقدية، يمكن للحاضرية الوجودية أن تساعد في إنتاج رؤى وممارسات بديلة تتحدى الهيمنة الاستعمارية والتمركز الغربي، وتفسح المجال أمام تعددية الهويات والتجارب الوجودية. منهجية مابعد الاستعمار تؤكد على الاطار الايروسي في استدامة الهيمنة والتفكيك في حين الحاضرية الوجودي تعمل على تطوير اللوكوس في مقاومة الهيمنة.
هناك نقاط هامة يجب التأكيد عليها:
البُعد الإيروسي في ما بعد الاستعمار
تؤكد ما بعد الاستعمار على كيفية استدامة الهيمنة من خلال البُعد الإيروسي، أي الرغبة والشهوة المتأصلة في العلاقات القوة والخضوع. هذا البُعد يحفز ديناميكيات الاستعمار على المستوى النفسي والثقافي.
تطوير اللوكوس في الحاضرية الوجودية
بالمقابل، تركز الحاضرية الوجودية على تطوير "اللوكوس" أو المركز الذاتي للفرد والجماعة. هذا يعني تقوية الأساس الوجودي والجذور الثقافية للهويات المهمشة كوسيلة للمقاومة
التمايز في النهج
في حين تكشف ما بعد الاستعمار الآليات الإيروسية للهيمنة، تعمل الحاضرية الوجودية على بناء مركزية الذات والأصالة الثقافية كمنطلق للتحرر من الهيمنة. وهذا يمثل تمايزًا هامًا في النهج النظري والعملي.
إمكانية مساهمة الحاضرية الوجودية في تطوير استراتيجيات فعالة للمقاومة الثقافية والسياسية، هناك عدة جوانب يمكن التطرق إليها:
تأكيد الهوية والأصالة الثقافية
تركز الحاضرية الوجودية على تطوير الوعي الذاتي والشعور بالهوية الثقافية الأصيلة لدى الجماعات المهمشة. هذا يُمكّنها من المقاومة الفاعلة للتهميش والتغريب الثقافي.
بناء الفاعلية السياسية
عبر تمكين الجماعات المهمشة من إدراك قيمتها الوجودية والثقافية، تساهم الحاضرية الوجودية في بناء الثقة بالنفس والقدرة على المشاركة الفاعلة في المجال السياسي. هذا يعزز قدرة هذه الجماعات على المطالبة بحقوقها وتحقيق التغيير.
التأصيل في الواقع المعاش
تركز الحاضرية الوجودية على الخبرة المعاشة والواقع اليومي للجماعات المهمشة. وهذا يُمكّن من تطوير استراتيجيات مقاومة مُلائمة للسياق المحلي والتاريخي، بعيداً عن النماذج المستوردة.
التحالفات والتضامن
من خلال تعزيز الشعور بالهوية والأصالة الثقافية، تُسهم الحاضرية الوجودية في بناء تحالفات وتضامنات بين الجماعات المهمشة على المستوى المحلي والعالمي. وهذا يُعزز قوة الحركات المناهضة للهيمنة.
بهذه الطرق، يمكن للحاضرية الوجودية أن تساهم بشكل فعال في تطوير استراتيجيات متجذرة ثقافياً وواقعياً للمقاومة السياسية والثقافية للهيمنة والتهميش, تركز الحاضرية الوجودية على فهم وتحليل الواقع المعاش من منظور الجماعات المهمشة أنفسهم. وهذا يساعد في تطوير وعي ذاتي بقيمتهم الثقافية والوجودية, تعمل الحاضرية الوجودية على إزالة الإحساس بالأجنبية والانفصال عن الذات والثقافة. وهذا يمكّن الجماعات المهمشة من إعادة اكتشاف وتقدير هويتهم الحقيقيةمن خلال التأكيد على الخصوصية الثقافية والربط بالتاريخ والمكان، تساهم الحاضرية الوجودية في تعزيز الشعور بالانتماء والارتباط بالجماعة والتقاليد, إدراك قيمة الهوية الثقافية وأصالتها يمنح الجماعات المهمشة الثقة بالنفس والشعور بالقوة. وهذا يساعدهم على المقاومة بفاعلية, تُمكّن الحاضرية الوجودية الجماعات المهمشة من التحرر من التبعية والأجنبية الثقافية، وبالتالي التخلص من الشعور بالنقص والدونية, بهذه الطرق، تساهم الحاضرية الوجودية في تنمية وعي ذاتي قوي وهوية ثقافية متماسكة لدى الجماعات المهمشة. وهذا يُعد أساس المقاومة الفعالة للتهميش والاستبعاد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هبوط طائرة مدنية في مطار بيروت تزامنا مع الغارات الإسرائيلية
.. كاميرات مراقبة توثق هلع حيوانات لحظة قصف ضاحية بيروت الجنوبي
.. أين الدور العربي مما يحدث في لبنان؟
.. حدث يقام لأول مرة في فرنسا منذ 33 عاما.. استضافة قمة الفرانك
.. لحظة انضمام إيلون ماسك للتجمع الانتخابي لترمب في بنسلفانيا