الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من جسد السلطة إلى قوة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو (الجزء الأول)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 6 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يشكل الجسد محوراً قوياً في فكر ميشيل فوكو. في عام 1963، قدم كتاب «ولادة العيادة» نفسه باعتباره تاريخا للتوزيعات المكانية التي تجريها النظرة الطبية على الأجسام. إنما بعد ذلك في السبعينيات، وخاصة عندما أعطى التحول الجينيالوجي الذي أحدثه فوكو للجسد أهمية أساسية: شكل الأخير آنذاك نقطة البداية لتحقيق كان يرتكز على التجربة الجسدية للسجن، في نفس الوقت ظهر، في نهاية هذا التحقيق، كدعم وهدف لسلطة أعيد تعريفها. ولكن من الضروري التأكيد على أن الجسد يظهر في هذا البحث بشكل ثانوي، كمفهوم نسبي دائما: نسبي بالنظر إلى المعرفة المأخوذة من الأجساد المعرضة للنظر، ونسبي قبل كل شيء بالنظر إلى السلطة التي تخترق هذه الأجساد و تشكلها كموضوعات لهذه المعرفة.
لكن من خلال هذه النسبية أيضا استقطب الجسد جوانب مختلفة من كتابات فوكو، مثل كمون لم يلج إليه إلا جزئيا ومن خلال تحقيقات متتالية، دون أي ادعاء يالكشف عنه في حقيقته.
هذا الوضع الغامض للجسد، الذي يبدو أساسيا وثانويا في نفس الوقت، والذي كشف عنه البحث ولم يلج إليه، يجب إلحاقه منذئذ بصعوبة داخلية في هذا الأفهوم. إن تحديد هذه الصعوبة يشكل مساهمة فوكو الأساسية في الفهم الفلسفي للجسد، وفي الوقت نفسه يشير إلى موقع مشكلة أساسية تؤثر على تأويل عمله.
تتمثل لفتة فوكو في اعتبار الأجساد سطحا لنقش سلطة حقيقتها الوحيدة هي العمليات التي تجريها عليها. لكن في المقابل، لا يمكن القبض على الأجساد إلا بالشكل المحدد الممنوح لها من خلال سلطة لا يمكنها الهروب منها. لذلك فإن كل شيء يحدث كما لو أن الجسد والسلطة يكيف كل منهما الآخر بشكل متبادل، والمشكلة التي تتبع ذلك هي مشكلة حقيقة الأجساد خارج السلطة، ولكن أيضًا مشكلة فعاليتها المحتملة ضد السلطة.
من هنا يمكن رؤية هذه المشكلة من ثلاث وجهات نظر. الصعوبة مفاهيمية في المقام الأول. منذ السبعينيات، جنح فوكو إلى تعريف الجسد والسلطة بشكل متبادل، بحيث لا يمكن فصل حداثة تصوره للجسد عن إعادة صياغة أفهوم السلطة. في هذه الصياغة، ليست السلطة جسدية فقط من حيث أن تعريفها يتم من خلال "ميكرو-فيزياء " محايثة للجسد الاجتماعي، بعيدا عن نموذج دولتي، ولكنها تفرز أيضا أجسادا فردية تمارس عليها وتندمج فيها.
بين السلطة المحددة بجسديتها والأجساد الفردية المتأثرة بالسلطة، يطرح السؤال حول التمييز الذي يمكن أن يأتي لتحديد أفهوم الجسد ويمنع من تماهيه بشكل صارم مع أفهوم السلطة.
من محايثة السلطة للجسد تنتج أيضا صعوبة أنطولوجية. وبقدر ما لا تصبح الأجساد مرئية إلا في الشكل المحدد الممنوح لها من خلال استثمارها من قبل السلطة، فإن الأخيرة تظهر في الواقع كشرطها الإبستيمي. فمن خلال السلطة تصبح الأجساد في تعددها متاحة بشكل موضوعي للمعرفة.
يقترح ماتيو بوت-بونفيل تصور التعريف المعياري للجسد باعتباره "علة وجود تعددية الأجساد الأقدم منها، وهي تعددية تمنع بالتالي اعتبار الصيغ المختلفة للفردية الحديثة بديهية، مرضية ونهائية". ومنذ ذلك الحين، يطرح السؤال مع ذلك حول الأساس الأنطولوجي المحتمل للأجساد باعتبارها ركيزة للسلطة. لمتابعة القياس الكانطي الذي افتتحه ماتيو بوت-بونفيل، ألا يمكننا في الواقع التأكيد على أن الأجساد تشكل علة وجود للسلطة؟ عندها لن يتم إنتاج الأجساد بواسطة السلطة بنفس الطريقة التي يتم بها إنتاج الفرد الذي يجعل المعرفة الموضوعية بهذه الأجساد ممكنة؛ أو أن الذات هي التي تجعل من الممكن عودة انعكاسية إلى نفسها. ومع ذلك، يفترض مثل هذا المنظور أن يكشف عند فوكو، خلافا للموقف الاسمي الذي يدعيه، عن حيوية يمكن للإلهام النيتشوي الذي يدعم التحول الجينيالوجي أن يسندها.
(يتبع)
المرجع: https://journals.openedition.org/philosophique/1782








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قالت وزيرة الخارجية الألمانية عن صحفيي غزة؟


.. لبنان وإسرائيل .. مبعوث بايدن يحمل رسالة إنذار أخيرة من تل أ




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تنظر في قانون منح صلاحيات واسعة ف


.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع من داخل مدرسة لتوزيع المساعدات بش




.. استشهاد سيدة إثر استهداف قوات الاحتلال منزلا لعائلة المقادمة