الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الميتافيزيقا

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 6 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٨٢ - ما وراء الطبيعة

وكلمة "ميتافيزيقا - Μεταφυσική" تستخدم أحياناً لوصف الأسئلة أو العقائد التي تعتبر بديهية، أي تلك التي تفترض أنها تتناول ما يتجاوز التجربة، وخاصة التجربة الحسية. وعلى هذا فإن أي نظام قد يُطلَق عليه وصف الميتافيزيقيا إذا كان يحتوي على عقائد، مثل الافتراضات النظرية حول طبيعة الخير واشر أو طبيعة العقل البشري أو طبيعة المقدس والله .. إلخ، والتي من المفترض أن تُعرَف حقيقتها بشكل مستقل عن التجربة (الحسية). وقد اتسمت الفلسفة منذ بداياتها بمثل هذه النظريات، كما اتسمت بالاعتقاد بأنها ذات معنى وقيمة. ولكن منذ بداية العصر الحديث، بدأت مدارس فلسفية مختلفة في إنكار شرعية وضرورة النظريات الميتافيزيقية البديهية. وتعتبر الميتافيزيقا اليوم كفرع الفلسفة الذي يدرس الطبيعة الأساسية للواقع، أي البحث عن معنى الواقع وطبيعته وذلك يعني بالضرورة البحث فيما وراء وفيما يتجاوز هذا الواقع. وهي مهتمة بمفاهيم مثل الوجود والكينونة والهوية، والمكان والزمان، والسببية، والضرورة والاحتمال. ويتضمن بشكل خاص أسئلة حول طبيعة الوعي والعقل والعلاقة بين الوعي والمادة، أو بين المادة واللغة وبين المادة والفكرة. تعتبر الميتافيزيقا أحد الفروع الأربعة الرئيسية للفلسفة، مع نظرية المعرفة والمنطق والأخلاق. ويجب الإشارة إلى أن هذه التسمية، مثل العديد من التسميات، جاءت عن طريق المصادفة ولم تكن مقصودة في الأساس من قِبل أرسطو، فيبدو أنها مجرد تصنيف مطبعي في البداية على الأقل، فالكتاب المعروف اليوم بإسم الميتافيزيقا لم يكن في الأساس يحمل هذا الإسم، وإنما سمي كذلك لأنه في التصنيف جاء بعد كتاب "الطبيعة". ويُنسب هذا التعبير تقليديًا إلى نيقولا الدمشقي Nicolas de Damas (القرن الأول قبل الميلاد)، في استئنافه لتصنيف أعمال أرسطو الذي قام به معاصره أندرونيكوس الرودسي Andronicos de Rhodes، لكن هناك خلطًا محتملاً بين نيقولا االديمشقي ونيقولا اللاودكية Nicolas de Laodicée (القرن الرابع الميلادي) مما يجعل تأريخ هذا التواجد الأول مشكوكًا فيه جدًا. وبالتالي فإن معنى كلمة ما وراء الطبيعة هو معنى تحريري في المقام الأول، وهو ما لا يستبعد بأي حال من الأحوال احتمال أن يكون المحررون القدماء قد استلهموا من أرسطو طريقة لتنظيم المعرفة. والذي ساهم في هذا الإرتباك أن كلمة ميتا Μετα اليونانية والتي تترجم عادة بـ "ما بعد" قد تعني أيضا "ما وراء"، وهذا ما جعل الترجمة المعتمدة هي ما وراء الطبيعة وليس ما بعد "الطبيعة"، ولا سيما في العصور الوسطى. وقد كتب سيمبليسيوس Σιμπλίκιος ὁ Κίλιξ أحد معلقي أرسطو التابع للإفلاطونية الجديدة في القرن السادس، في تعليقه على فيزياء أرسطو بأن العلم الذي يعتبر الحقائق منفصلة تمامًا عن المادة وعن النشاط المحض للعقل في الفعل والعقل في الإمكان، الذي يرتقي إليه بحقيقة النشاط، كل هذا يسمونه اللاهوت والفلسفة الأولى والميتافيزيقا، لأنه يقع وراء الحقائق المادية.
الميتافيزيقا إذا هي فرع من فروع الفلسفة يبحث في أصول الأشياء، أي ما يتعدى الطبيعة ويتجاوزها إلى المباديء والأسس الأولية للأشياء والكائنات. وقد أكتشف أرسطو في بحثه بأن كل كائن يتكون من المادّة (hulê) والصورة (eidos أو morphê)، وكلاهما يكوّنان أحد أبرز التزاماته الفلسفية الرئيسية، أي: المادّة الصورية أو الصورة المادية (Hylomorphism) وذلك لتفسير التغير بالقول بأنّ التغيّر لا يخرج عن احتوائه لعاملين على الأقلّ: شيء يستمرّ، وشيء يُكتسب أو يُفقَد. ففي حالة نحث تمثال ما في الرخام على سبيل المثال، يستمرّ الرخام كحجر لكنّه يكتسب بعد عملية النحت صورة جديدة، وهي صورة جوهرية، وليست عرضية. وفي كلّ الحالات، سواء كانت جوهرية أو عرضية، فإنّ التحليل المعتمد على العاملين السابقين ينتج عنه: شيء ما يبقى على حاله وشيء يُكتَسب أو يُفقَد. فما يتبقّى هو (المادّة) وما يُكتَسب هو (الصورة). ومن المهمّ أن نشير إلى أنّ المادّة والصورة تُقرنان بتمييز اساسي آخر، وهو التمييز بين (الإمكانية - أو الوجود بالقوة) و(الحقيقية - أو الوجود بالفعل). وبالعودة إلى حالة توليد التمثال: قد نقول بأنّ الرخام هو (في الممكن) تمثال بالقوة، لكنّه لا يكون تمثالًا بالفعل (حقيقيًا) إلّا حينما، وفقط حينما، يُشكَّل ويتحقق على صورة تمثال. ويبدو وكأن الأمر يعود من جديد لخط البداية الأولى بخصوص التفكير في الكينونة، فنعود من جديد لنجعل الكينونة خاضعة وتابعة للكائنات الفردية المتفرقة في العالم. حيث نجد العقل المفكر يتفحص ويحلل الأشياء الخصوصية في الحياة العادية، أي الكائنات المنفصلة بعضها عن بعض ومحاولة إيجاد ما يربط بينها. نفس الإشكالية القديمة المستعصية، كيفية معالجة التناقض الصارخ والقائم بين الكينونة كمفهوم عام ووحدة مطلقة وبين تعدد الأشياء وتشتتها في الزمان والمكان، كيفية دراسة الكينونة ومعرفة طبيعتها الحقيقية، إذا كانت هذه الكينونة لا تظهر ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال تعين الكائنات الفردية ؟ وقد طرحت الفلسفة اليونانية، إفلاطون وأرسطو ومن بعدهم هذا السؤال بطريقة مغايرة، سؤالا يتعلق بالفوسيس أو ما يسمى بالطبيعة. فتسائلوا عن ماهية هذا النظام القائم الذي يسمح بالتأليف بين الطبيعة بوصفها مجموع الأشياء والكائنات المتواجدة في العالم وبين الطبيعة بوصفها ماهية الشيء؟ أي النظام الداخلي الذي يجعل هذا الشيء على ماهو عليه؟ هل الطبيعة هي النظام العقلي أو اللوغوس أم هو الترتيب الكوني أو الكوزموس؟ كلمة فوسيس phusis الإغريقية وكلمة natura اللاّتينية تدلان على القدرة على التغير والنمو الكامنة في كل الأشياء أي القوة الحاضرة بصورة كلية في الكائنات والتي تسيطر على الإنسان نفسه بوصفه جزء من الطبيعة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير سياسي من مبابي بشأن انتخابات فرنسا


.. بوتين يزور كوريا الشمالية لأول مرة منذ 24 عامًا.. وهذا ما سي




.. ضحايا وعشرات المصابين على إثر حريق مستشفى خاص في إيران


.. الجيش الإسرائيلي يحقق في احتمال تهريب حماس رهائن إلى خارج رف




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة| #ال