الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الجسد المادي والجسد المعرفي في الحاضرية الوجودية
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
2024 / 6 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في سياق الفلسفة والنظريات المعرفية، هناك نقاشات مهمة حول الجسد المادي والجسد المعرفي, الجسد التشريحي (Physical Body) هذا هو الجسد المادي، المكون من الأنسجة والأعضاء والعظام والأجهزة البيولوجية, يمكن دراسته والتحقق منه بالوسائل التجريبية والتشريحية, هو الموضوع الرئيسي للعلوم الطبية والبيولوجية. الجسد المعرفي (Cognitive Body) هذا يشير إلى الجوانب الإدراكية والعقلية للجسد البشري, يتضمن العمليات المعرفية كالإدراك والتفكير والذاكرة والوعي, هذا الجسد غير مادي بحت، وهو موضوع دراسة علم النفس والفلسفة ,يتفاعل الجسد المعرفي مع الجسد التشريحي في تكوين التجربة الإنسانية, علماء الأعصاب والفلاسفة يناقشون العلاقة بين هذين الجسدين وكيف تؤثر الحالات العقلية والذهنية على الجسد المادي، والعكس. هذا النقاش له أهمية كبيرة في فهم طبيعة الوجود الإنساني وحدود المعرفة. إن التفاعل بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي هو موضوع نقاش فلسفي وعلمي مهم. هناك عدة طرق يمكن أن يتفاعل بها هذان الجسدان:
التأثير المتبادل
الحالات العقلية والذهنية (الجسد المعرفي) يمكن أن تؤثر على الجسد التشريحي، مثل التوتر النفسي الذي قد يسبب تغييرات جسدية, بالمثل، الحالات الجسدية والفسيولوجية (الجسد التشريحي) يمكن أن تؤثر على الجوانب المعرفية والنفسية.
التنظيم والضبط
الجسد المعرفي له دور في تنظيم وضبط وظائف الجسد التشريحي، كالتحكم في الحركة والإدراك الحسي, العمليات المعرفية تستقبل وتفسر المدخلات الحسية من الجسد التشريحي.
التكامل والوحدة
على الرغم من التمييز المفاهيمي، الجسد المعرفي والجسد التشريحي يشكلان وحدة متكاملة في التجربة الإنسانية, النظريات الفلسفية تناقش مدى اتحاد الجسد والعقل في تكوين الشخص.
الانفصال والتجسيد
بعض النظريات ترى إمكانية انفصال الجسد المعرفي (العقل) عن الجسد, التشريحي، كما في مفهوم "الروح," مقابل ذلك، نظريات التجسيد ترى أن العقل والجسم لا ينفصلان ولا يمكن فهم أحدهما بمعزل عن الآخر. هذه هي بعض الجوانب الرئيسية للتفاعل بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي، وهي موضوع نقاش مستمر في الفلسفة والعلوم المعرفية.
هناك عدد من النظريات الفلسفية والعلمية التي تناولت بتفصيل أكبر العلاقة بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي، وأبرزها:
النظرية الديكارتية (Cartesian Dualism)
تقوم على التمييز الجوهري بين العقل (الجسد المعرفي) والجسم (الجسد التشريحي)
ترى أن العقل والجسم هما جوهران منفصلان ولكن متفاعلان, تواجهت هذه النظرية بالكثير من الانتقادات حول طبيعة هذا التفاعل.
النظرية المادية (Materialism)
ترى أن الجسد المعرفي هو محض ناتج للجسد التشريحي، أي أن العقل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدماغ والجهاز العصبي, تفسر الظواهر المعرفية والذهنية انطلاقًا من الأسس البيولوجية والكيميائية للجسد.
نظرية التجسيد المتجاوز (Enactivism)
ترى أن الجسد المعرفي والجسد التشريحي لا ينفصلان، بل إن الوعي والإدراك ينشآن من خلال التفاعل الديناميكي بينهما, تركز على دور الجسد في تشكيل الخبرة المعرفية والعقلية.
النظرية الفينومينولوجية (Phenomenology)
ترى أن الجسد المعرفي والجسد التشريحي يشكلان وحدة متكاملة في التجربة المعاشة للشخص, تهتم بالبُعد الظاهراتي للجسد والخبرة الحية للشخص.
هناك العديد من النماذج والنظريات الأخرى التي تناولت هذا الموضوع بتفاصيل أكبر، كل منها له منظوره الفريد في فهم هذه العلاقة المركبة بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي. هناك بعض النظريات الأخرى التي تناولت العلاقة بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي من منظورات مختلفة عن تلك التي ذكرتها سابقًا:
النظرية التفاعلية (Interactionism)
تقوم على فكرة التأثير المتبادل بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي, ترى أن الحالات العقلية والنفسية لها تأثير على الحالات الجسدية والفسيولوجية والعكس صحيح, تركز على دور التفاعل بين الجسد والعقل في تشكيل الخبرة الإنسانية
النظرية البيولوجية-الثقافية (Biocultural Theory)
تنظر إلى الجسد المعرفي والجسد التشريحي في سياق التفاعل بين الجوانب البيولوجية والجوانب الثقافية-الاجتماعية, ترى أن الخبرة المعرفية والجسدية للإنسان هي نتاج هذا التفاعل المعقد, تركز على دور الثقافة والسياق الاجتماعي في تشكيل إدراكنا للجسد وخبراتنا الجسدية.
النظرية الترابطية (Connectionist Theory)
تتبنى منظورًا حاسوبيًا في فهم العلاقة بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي,
ترى أن الجسد المعرفي ينشأ من خلال نماذج ترابطية معقدة في الدماغ, تفسر الظواهر المعرفية والذهنية باعتبارها ناتجة عن أنماط التفاعل بين وحدات متعددة في الشبكات العصبية. هذه بعض الأمثلة على النظريات البديلة التي قدمت منظورات مختلفة لفهم العلاقة بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي. كل منها يسلط الضوء على جوانب مختلفة من هذا التفاعل المعقد.
الحاضرية الوجودية
في إطار الحاضرية الوجودية، يُنظر إلى الجسد (المتجسد) باعتباره الوسيلة الأساسية للتجربة الوجودية والمعرفية للإنسان. فالجسد ليس مجرد كيان مادي بل هو الطريقة التي نتواجد بها في العالم وننخرط فيه:
وفقًا للحاضرية الوجودية
الجسد المعرفي والجسد التشريحي لا ينفصلان، بل يشكلان وحدة متكاملة في التجربة الإنسانية, الجسد المعرفي هو الطريقة التي نعيش بها وندرك بها أجسامنا التشريحية. فالجسد هو آلية الوجود والإدراك في العالم. التجربة الجسدية تتجاوز مجرد الإحساسات الفسيولوجية، لتشمل الأبعاد الوجودية والذاتية والاجتماعية للوجود البشري. الجسد ليس مجرد موضوع خارجي، بل هو الطريقة التي نتواجد بها كأشخاص في العالم والتي من خلالها ننخرط في المعنى والخبرة. إذن، الحاضرية الوجودية تقدم رؤية متكاملة للعلاقة بين الجسد المعرفي والجسد التشريحي، حيث ينظر إليهما باعتبارهما وجهان لعملة واحدة في التجربة الإنسانية. هناك اختلافات جوهرية بين الحاضرية الوجودية وبعض النظريات الأخرى في تفسير العلاقة بين الجسد والعقل:
الثنائية الديكارتية
ديكارت فصل بين العقل (الجوهر الفكري) والجسد (الجوهر المادي)، واعتبر أنهما كيانان منفصلان, في الحاضرية الوجودية، الجسد والعقل لا ينفصلان بل يشكلان وحدة متكاملة في التجربة الإنسانية.
النظريات السلوكية
السلوكيون ركزوا على الجانب الخارجي المُلاحظ للسلوك، دون الاهتمام بالجوانب الذاتية والمعرفية. الحاضرية الوجودية ترى أن الجسد ليس مجرد آلية سلوكية، بل هو وسيلة للوجود والمعنى في العالم.
النظريات المادية أو الطبيعانية
هذه النظريات تختزل العقل إلى أنشطة عصبية وكيميائية في الدماغ, الحاضرية الوجودية ترفض هذا الاختزال، وترى أن الجسد والعقل متداخلان ولا يمكن فصلهما.
النظريات المعرفية التقليدية
ركزت على العمليات العقلية المجردة دون الاعتراف بدور الجسد في المعرفة ,الحاضرية الوجودية ترى أن الجسد هو وسيلة الإدراك والمعرفة، وليس مجرد آلية للتنفيذ. إذن، الحاضرية الوجودية تقدم رؤية متميزة للعلاقة بين الجسد والعقل، تتجاوز التصورات الثنائية أو الاختزالية السائدة في النظريات الأخرى. في إطار الحاضرية الوجودية، يُنظر إلى الجسد باعتباره المحور المركزي في تشكيل الخبرة الإنسانية. وهناك عدة جوانب تظهر كيف يساهم الجسد في هذا الصدد.
الجسد كوسيلة للوجود في العالم
الجسد هو الطريقة الأساسية التي نتواجد بها كأشخاص في العالم والمكان من خلال جسدنا نتفاعل مع الأشياء والآخرين ونخوض تجاربنا اليومية.
الجسد كآلية للإدراك والمعرفة
الحواس والقدرات الجسدية هي الوسيلة التي نفهم بها العالم ونكتسب المعرفة ,الإدراك والمعرفة ليست عمليات عقلية مجردة، بل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجسد
الجسد كمصدر للذاتية والهوية
الجسد هو المحور الذي ننظر منه إلى العالم ونشكل منه هويتنا وذواتنا,الشعور بالذات والهوية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخبرات والإحساسات الجسدية
الجسد كبنية اجتماعية وثقافية
الجسد ليس مجرد كيان بيولوجي، بل هو أيضاً مشكَّل اجتماعياً وثقافياً, الممارسات والتمثيلات الاجتماعية والثقافية للجسد تؤثر على خبراتنا وتجاربنا, إذن، وفقاً للحاضرية الوجودية، الجسد هو المحور الأساسي الذي تتشكل من خلاله تجربتنا الوجودية والمعرفية في العالم. فالجسد ليس مجرد آلية بل هو وسيلة الوجود والانخراط في المعنى والخبرة. تُعتبر الحاضرية الوجودية مقاربة فلسفية قد تساهم في تطوير طرق جديدة للتفكير الإبداعي، وذلك من خلال عدة طرق:
التركيز على الخبرة المتجسدة
بتركيزها على الخبرة المتجسدة بدلاً من المعرفة المجردة، فإن الحاضرية الوجودية تشجع على التفكير الذي ينطلق من الملموس والحسي, هذا قد يؤدي إلى اكتشاف رؤى وحلول إبداعية جديدة تنبع من التفاعل الحيوي بين الجسد والعالم.
التأكيد على السياق والخصوصية
بتأكيدها على أن المعرفة متأصلة في السياق التاريخي والثقافي، تدفع الحاضرية الوجودية إلى تقدير الخصوصية والسياقات المختلفة, هذا قد يؤدي إلى تفكير أكثر تنوعًا وإبداعًا، متجاوزًا النماذج المعرفية الشائعة.
الانفتاح على التجربة المباشرة
بتركيزها على الخبرة المباشرة بدلاً من المعرفة المجردة، تشجع الحاضرية الوجودية على الانفتاح والاستكشاف, هذا قد يؤدي إلى اكتشاف أفكار وحلول جديدة خارج الإطار المعتاد.
التحرر من المفاهيم المسبقة
بتحديها للمركزية العقلية، تدفع الحاضرية الوجودية إلى التحرر من المفاهيم المسبقة والافتراضات الضمنية, هذا قد يفتح المجال لتفكير أكثر ابتكارية وإبداعية.
بشكل عام، يمكن القول أن الحاضرية الوجودية توفر إطارًا فلسفيًا يشجع على التفكير الإبداعي من خلال التركيز على الخبرة المتجسدة، واحترام السياقات والخصوصيات المختلفة، والانفتاح على التجربة المباشرة، والتحرر من المفاهيم المسبقة.
التحديات الرئيسية التي قد تواجه تطبيق الحاضرية الوجودية لتطوير التفكير الإبداعي:
هناك بعض التحديات الرئيسية التي قد تواجه تطبيق الحاضرية الوجودية لتطوير التفكير الإبداعي:
التحدي الثقافي
الحاضرية الوجودية تتحدى الافتراضات والمفاهيم المسبقة التي غالبًا ما تكون متأصلة في الثقافة والتقاليد, للتغلب على ذلك، يجب توفير التوعية والتدريب المناسب للتعرف على هذه المقاربة الفلسفية وفوائدها.
التحدي المؤسسي
قد تواجه الحاضرية الوجودية صعوبة في التكيف مع الهياكل التنظيمية والنماذج السائدة في المؤسسات, للتغلب على ذلك، يمكن إنشاء بيئات عمل وتعلم تشجع على المرونة والابتكار، وتدعم الممارسات القائمة على الحاضرية الوجودية.
التحدي المعرفي
تتطلب الحاضرية الوجودية نوعًا مختلفًا من التفكير والتعلم مقارنة بالنماذج المعرفية التقليدية, للتغلب على ذلك، يجب توفير التدريب والتوجيه اللازم لتنمية المهارات المطلوبة، مثل التفكير التأملي والخبرة المتجسدة.
التحدي المنهجي
قد يكون من الصعب قياس أو تقييم نتائج تطبيق الحاضرية الوجودية على التفكير الإبداعي بطريقة موضوعية, للتغلب على ذلك، يمكن تطوير أساليب وأدوات تقييم مناسبة تراعي الطبيعة الفلسفية والتجريبية لهذه المقاربةز
في النهاية، نجاح تطبيق الحاضرية الوجودية لتطوير التفكير الإبداعي سيعتمد على القدرة على التعامل مع هذه التحديات بطريقة مبتكرة وتكيفية ونظرة جديدة لتفاعلية الجسد المادي والجسد المعرفي لبلورة اتجاه حقيقي للابدع الإنساني.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تونس: ملايين الناخبين يصوتون لاختيار رئيسهم الجديد وقيس سعيّ
.. هل تباغت إسرائيل أميركا بضرب منشآت إيران النووية؟
.. خليل العناني: هناك تغير إقليمي قادم وأمريكا لم تعد قوة عظمى
.. غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
.. الكوفية حاضرة في مهرجان وهران الجزائري