الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن : أثر التصوف فى تدهور المستوى ( العلمى ) فى العصر المملوكى

أحمد صبحى منصور

2024 / 6 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عن : أثر التصوف فى تدهور المستوى ( العلمى ) فى العصر المملوكى
كتاب : أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )
عن : أثر التصوف فى تدهور المستوى ( العلمى ) فى العصر المملوكى
1ــ كتب بعض الباحثين رأيا طيبا في العلم في العصر المملوكي يقول (ازدهرت الحركة العلمية والأدبية في أواخر القرن الثامن الهجري واوائل القرن التاسع وحفل القرن التاسع بالأخص بعدد كبير من الأساتذة البارزين في سائر العلوم والفنون وساهم الأزهر الى جانب المدارس الأخرى ) . وهذا الرأي يقيس الازدهار بالكمّ دون اعتبار للكيف والنوع .
والواقع أن العصر المملوكي عصر التلامذة من الناحية العلمية ، إذ تكاثر فيه المتعلمون بدرجة تلميذ ، وندر فيه وجود الأستاذ أو العالم الحقيقى بالمعنى العلمي ، وحورب فيه الاجتهاد . وهذا شيء طبيعي في عصر ازدهر فيه التصوف المملوكي وتوارت فيه العلوم العقلية. وهكذا فإن محاربة الاجتهاد وشيوع الحفظ ـــ كبديل للاجتهاد ــ وخفوت صوت العلوم العقلية تمثل أضلاعا ثلاثة للحياة العلمية المملوكية ، وتتأثر في نفس الوقت بالضلع الرابع الأساس ، وهو تسيّد التصوف المسئول عن هذه الردّة العلمية .
2ــ وتحريم الاجتهاد جهد صوفي بحت أعاق العقل عن البحث العلمى ليزدهر التصوف المملوكي في غيبة من العقل يقول الدسوقي : ( فيض الربوبية اذا فاض أغنى عن الاجتهاد ) والغزالى الصوفي الشهير هوصاحب القول المشهور: ( ليس في الإمكان أبدع مما كان ) ، وتمسك متصوفو العصر المملوكي بتلك الكلمة لترسيخ التقليد وتحريم الاجتهاد ، فوضعوا عليها الشرح مثل محمد المغربي والسيوطي والشاذلي والشعرانى ..
ونتج عن تحريم الاجتهاد ان صار التقليد سيد الموقف. فعاب الفقيه السنى الصوفى ابن الحاج فى القرن الثامن على صوفية مصر تقليدهم ، وقال : ( أوضعوا تلك العوائد التي نشأت بها نفوسهم موضع السنن ، حتى انك إذا قلت لبعضهم: السنة كذا ، يقول جوابه لك على الفور : عادة الناس كذا وطريقة المشايخ كذا .! . فإن طالبته بالدليل الشرعي لم يقدر على ذلك إلا انه يقول : نشأت على هذا وكان والدي وجدي وكل من اعرفه على هذا المنهج ) أى هى طريقة الجاهليين فيما وجدوا عليه آباءهم . وابن الحاج كوافد مغربي لمصر يتعجب لهذه الظاهرة ــ ظاهرة تقليد السابقين واتخاذها سنة مع تعطيل العقل وتقديم طريق الأشياخ عليه.
3 ـ والصوفية قرنوا دعواتهم لنبذ الاجتهاد بتحصين طريقهم الصوفي من الاعتراض بشتى الطرق . يقول ابرهيم الدسوقي : ( صاحب الجهد قاصر ما لم يقرأ في لوح المعاني سر عطاء القادر ، فقد يعطي المولى من يكون قاصرا ما لم يعط أصحاب المحابر ، وليس مطلوب القوم الا هو ، ( أى الله ) فان حصلوا على ما ارادوا عرفوا بتعريفه كل شيء من غير تعب ولا نصب . ثم ان صحت له المعرفة فلا حجاب له بعد ذلك ) ...أي أنه يجعل الاجتهاد من نصيب أصحاب العلم اللدني دون غيرهم . ومن يصل الى الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ( تصح له المعرفة بلا حجاب" ) ...
والشعراني يفتخر بتصديقه للصالحين في كل ما يخبرون به وأن أنكره العقل ، بينما يبيح الاجتهاد لأهل الكشف لاطلاعهم على الأسرار الإلهية بلا نظر وتأمل. وفي نفس الوقت الذي يحرم فيه عن المريد التفكير وإطالة النظر رغبة في الفهم، ويستخدم في ذلك المنطق المعكوس والتخويف (.... اذ ينبغي التأدب مع الله ولا نتكلم إلا بما نعلم .... ولا نخوض من غير تحقيق .) وافتخر الشعرانى بعدم قوله بالرأي في الأمور الدينية ، أى لا يقول رأيا جديدا ، أو لا يجتهد فى إبداء رأى جديد ، ويقول إنه اذا لم يجد في المسألة تصريحا توقف على العمل بها ولا يقدم عليها ، إلا أن رأى فيها نصا أو اجماعا او قياسا جليا . ( وقد منع بعض العارفين من القياس ) . ويهدد الشعراني من يختلف مع أحد الأئمة الأربعة ، فيروى قصة عن شخص ألّف كراسة في الرد على أبي حنيفة وعرضها على الشعراني ، فطرده ، ثم وقع لذلك الشخص مكروه اعتبره الشعراني عقابا له على جرأته على أبي حنيفة ، ورفض أن يزوره في محنته ادبا بالإمام أبي حنيفة ، يقول : ( حتى لا أوالى من أساء الأدب معه ) ..
4ــ وفي عصر يسوده التقليد ويُحارب الاجتهاد لابد أن يكون الحفظ هو مقياس النبوغ العلمي فكان ( العالم ) في العصر يوصف بأنه (أعجوبة عصره في الحفظ ) ، وتُروي الحكايات بالتدليل على ذلك . وقد عقد مجلس لامتحان الهروي ــ قاضي القضاة ــ وقد ادعى حفظ اثنى عشرة ألف حديث بأسانيده، وحضر السلطان المجلس مع العلماء ، وظهرت في روايات ابن حجر في ذلك المجلس العلمي ــ وكان حاضرا ــ تفاهة الأسئلة وسطحية الإجابات مما لا يتفق مع شهرة أسماء الحاضرين . .. وقيل عن الفوى : ( فأبهت الحاضرين من قوة استحضاره ) ..
وفي مناظرة بين ابن مغلى والسيرامى حضرها السلطان المؤيد شيخ تبارى المتناظران في الحفظ وصاح المنتصر في النهاية: ( مولانا قاضي القضاة حفظه طاح ) .. ووُصف سراج الدين البلقيني باجتماع شروط الاجتهاد فيه حتى قيل انه مجدد القرن التاسع ، وليس في ترجمته مع ذلك ما يدل على الإبتكار ، ولم يرد فيها غير موهبته في الحفظ والاستحضار الذي كان المقياس العلمي للعصر المملوكي ...
5 ــ وقد وضعت "الفوائد" للتمتع بدوام نعمة الحفظ . يقول الابشيهي : ( اذا أردت أن لا تنسى وكذا أردت ان ترزق الحفظ ، فقل خلف كل صلاة مكتوبة : بالله الواحد الأحد ....... الخ .. ومن فوائد سيدي الشيخ صالح بن عجيل في الحفظ : يقرأ في كل يوم عشر مرات: ففهمناها سليمان ...... الخ .. ) .
6 ـ وبسبب إتعدام الاجتهاد وشيوع التقليد تركز جهد أولئك ( العلماء ) على إختصار ما كتبه السابقون ، أو شرحه ، وتلخيص الشرح. وعقد ابن خلدون فصلا في المقدمة فى ( أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم، وان ذلك الاختصار في أمهات الكتب كان لتسهيل حفظها ) وذلك منتظر من ابن خلدون الذي كان نادرة لا ينتمي لعصره المملوكى.
7 ـــ ولم يكن غريبا أن يخاف أولئك ( العلماء) في العصر من تهديد الصوفية لهم بسلب العلم والقرآن ،أي سلب ما لديهم من الحفظ ، الذي هو كل محصولهم العلمى ، مما يعد دليلا على ضعف الشخصية العلمية وهبوطها العقلي الذي يعتمد أولا وأخيرا على مجرد الحفظ ، ويعتقد في قدرة الكرامات الصوفية على محو ذاكرتهم وما يحفظونه ، فتخشاهم إبقاء عليها. وترددت كرامات فى تخويف أولئك العلماء بسلب ما يحفظون ، وكان لها أبلغ الأثر فى تدعيم سٌلطة الصوفية من ناحية ، وفى هبوط المستوى العقلى والعلمى من ناحية أخرى.
8 ـ وفي الوقت الذي أصبحت فيه خرافات التصوف علما ـــ حوربت العلوم العقلية ، فالسيوطي قد ألّف : ( الغيث المغدق في تحريم المنطق )، وجاء شخص للشيخ الفتوحي الحنبلي قاضي القضاة يريد ذلك الشخص أن يقرأ عليه شيئا من المنطق فقال له " يا ولدي قد صار الفقه ثقيلا على قلبي ، فما بالك بعلم أفتى بعض العلماء بتحريم الاشتغال به ) . وقد سبق السبكي في الانكار على من اشتغل في الفلسفة ، وهاجم الفارابي وابن سينا
9 ــ والحصاد العلمي لهذا العصر معدوم من الناحية النوعية فى رأى بعض الباحثين . ( واذا نظرنا إلى الأبحاث والمجادلات التي كانت في مجالس الغوري مثلا عرفنا ضيق الأفكار وقلة المعارف والولع بسفاسف الأمور والقصور في جلائها ) . والسيوطي خير ما نتخذه مثلا للعلم المملوكي فمن عادته أن يفخر ( بالسرعة لا بالتدقيق ) واهتم بنقله من كتب المتقدمين دون استنباط للجديد أو ابتداع للفكرة المستقلة ، وحتى دون ان يبدو في منقوله جهدا يوفيه ويرتبه ويهذبه ويستدل به ويعلق عليه ) . هذا ما قاله بعض الباحثين المعاصرين .
وأقول إن القارىء للسيوطى يشعر أن السيوطي بأنه لا يستعمل عقله فيما ينقله. ففي إجابته عن سؤال أين تذهب الشمس بعد الغروب قال بأنه " يبتلعها حوت وتغرب في عبن حمئة ، وقيل انها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول يا ربي ان قوما يعصونك فيأمرها بالرجوع ، وقال امام الحرمين وغيره لا خلاف في ان الشمس تطلع عند قوم وتغرب عند آخرين والليل طويل عند قوم وقصير عند الآخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين " ) ..هى اجابات مختلفة نقلها وأراح عقله من محاولة الترجيح والاجتهاد .... والسيوطى صاحب أكبر عدد من المؤلفات ، وكلها تجميع وإختصار ونقل بلا وعى ، وسطو على مؤلفات الغير . نقول هذا بعد بحث ومراجعة لمؤلفاته ومعظمها رسائل لا تزال مخطوطة . وعليه فلا عبرة بما يجمعه من كتابات السابقين ، فإن قيمة العالم فيما يبتكره ولو كان قليلا وليس فيما يجمعه ولو كان كثيرا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد عباس: المقاومة الاسلامية تملك السلاح الفعال وقادرة على


.. مسلمون يؤدون -رمي الجمرات- أثناء الحج




.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa