الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أوراقي/ حزيرانيات

عيسى بن ضيف الله حداد

2024 / 6 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حزيرانيات – حلقة 2 / من أوراقي
" الذاكرة.. الذاكرة.. تصلح الذاكرة لفهم ما جرى.. ولكم ما فيها من العبرة لنا.. للآتي..
-----------------------
إرتكاس- في لحظةٍ ما أكون كسير النفس.. ضجيج في الرأس.. هزيمة شاملة.. زلزال هائل.. يعصف بعنف في ذات الفرد العربي.. في لحظة أخرى أثوب إلى نفسي.. لا بد من النهوض.. خسرنا معركة.. ولم نخسر الحرب.. عبد الناصر يحاول تنظيم شؤون مصر، ورص الأنظمة العربية حول إستراتجية محددة، محورها ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.. ولاءات عبد النصر الثلاث.. لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض.. – حرب الاستنزاف..
نظريات الكفاح المسلح وحرب الغوار تتصدر المكان.. تشكيلات الفدائيين والتنظيمات المسلحة تتكاثر كالفطر..
راح نفر يُنظّر: النكسة هزيمة للبرجوازية الصغيرة هي ونظمها، فكرها ودورها.. إلى سوفيتات العمال والفلاحين، أيها الرفاق الميامين..
في الساحة العربية، تندلع انقلابات عسكرية متعددة.. تقلدت سمة ثورات: في العراق، في ليبيا، في السودان. ..هل جاءت تلك الثورات في لحظتها كرد فعل إرتكاسي للهزيمة.. أم هكذا أرادوها أو روج لها صانعوها.. !!
في الجامعة: في صميم اندفاعنا الشبابي، رحنا كعادتنا نتلمس نبض الثورة في أعماقنا.. نعكسه ذاتياً على الواقع عكسا.. صار أرنستو تشي غيفارا لنا نموذجاً، فكراً وسلوكا.. دوريتنا الطلابية تتحوّل كناطق رسمي للخط الثوري في نهجه الغيفاري.. الحرب الشعبية طويلة الأمد شعارنا الأول والأخير..
أخذت على عاتقي في مستقبلي الطبي الالتحاق في إحدى تنظيمات حرب الغوار.. أطلعت عن كثب على قواعد الفدائيين، على تخوم الحدود في العرقوب (لبنان) وفي الأغوار(الأردن)..
على صخرة قائمة على منتهى الركن الجنوبي الشرقي لبحيرة طبرية وقفت متـأملاً، أرنو إلى الشمال صوب الجولان، متذكراً، أثناء رحلاتنا الجامعية، تلك الإطلالة الرائعة من أعلى الهضبة على البحيرة.. كنا قد اعتدنا النزول إلى قرية الحمة للتمتع في مغاطس مياهها الحارّة.. لكم ما تعمدنا مراراً في مياهها المقدسة.. !!
من جديد هبت على مسامع ذاكرتي تلك الأغنية الرائعة، التي اعتاد أن يترنم بها بصوته الشجي - (رفيقنا منير حنا).. تعلق قلبي طفلة عربية...- قصيدة غزلية لامرئ القيس، لعلها من أروع غزلياته (تغنيها هيام يونس) - للقصيدة نكهة خاصة، تشدنا إليها شدا، تعودنا أن نردد برفقة مغنينا أبياتها جلها، بما لها من وقعها الخاص، لاسيما أمام رفيقاتنا.. لعل الآتي من الأبيات هي التي ما فتئت تطربنا وتهيمن على أفئدتنا وخيالاتنا..
تعلق قلبي طفلة عربية - تنعم بالديباج والحلي والحلل / لها مقلة لو إنها نظرت بها - إلى راهب قد صام لله وابتهل / لأصبح مفتونا معنى بحبها - كأن لم يصم لله يوما ولم يصل/ حجازية العينين مكية الحشى – عراقية الأطراف رومية الكفل / تهامية الأبدان، عبسية اللمى - خزاعية الآسنان درية القبل / ولاعبتها الشطرنج خيلي ترادفت - ورخي عليها دار بالشاه بالعجل / وقد كان لعبي كل دست بقبلة - أقبل ثغرا كالهلال إذا آهل / فقبلتها تسعاً وتسعين قبلة - وواحدة أخرى وكنت على عجل/ وعانقتها حتى تقطع عقدها وحتى - لالىء العقد من جيدها انفصل/ كأن لألئ العقد لما تناثرت - ضياء مصابيح تطايرن من شعل/
تحطمت تلك الذكريات.. على مرآى زورق بحري صهيوني، راح يجوب البحيرة طولاً وعرضا.ً. وقفت على صخرتي ملتاعاً.. أخاطب نفسي قائلاًُ: أين أنت يا يسوع الناصري.. ها هم سلبوا منك البحيرة.. مراكبها.. أسماكها وناسها وذكراها.. وأنت معها..
قيض لي أن أشارك في مؤتمر دعم الثورة الفلسطينية المنعقد في عمان، صادف في زمنية انعقاده، اختطاف ثلاث طائرات من قبل الجبهة الشعبية.. ما أثار دهشتي تلك الشعارات المنتشرة في كل مكان من عمان، تبشر بسوفيتيات (مجالس) العمال والفلاحين.. على وقعها.. تذكرتُ قولاً للينين، يستنكر فيه مرض اللغو والجمل الثورية..
الشيوعيون يفدون إلى ميدان السباق، ليبشروا بأن النظام السوفيتي وكتلته تجاوزت مرحلة الاشتراكية، وعبروا بخطى ثابتة إلى طور الشيوعية.
في غمرة هذا النزال، وأثناء زيارةً لي مع وفد طلابي إلى ألمانيا الشرقية، أتيح لي أن أستلهم حقائق عن الواقع الجاثم في تلك البلاد، عبرتُ عنه علناً في تصريح شفوي لرفاقي، ولمّحت إليه كتابة عبر مقاربة نظرية في دوريتنا الطلابية.. وما كان لي أن أجنح بعيداً لطرق أبواب التابو المهمين على العقل الرسمي، عن ديار المقدس الاشتراكي.. بيد أنني قد تجرأت لذكر الآتي: " ثمة تزييف خطير أخذ بتلابيب النظام الاشتراكي، وقد غدا مكرساً لمصالح الطبقة السياسية المهيمنة على شؤون الدولة، و سرعان ما تحولت إلى ما يماثل طبقة برجوازية جديدة متحكمة بشؤون البلاد، كما لو كانت تتملكها من دون عناء.. عدا عما ما تعانيه ألمانيا الشرقية من استلاب قومي، بخضوعها غير الطوعي للنير السوفيتي." ألح علي العديد من رفاقي أن ألتزم الصمت، لأن العقل المهيمن عصي على المناظرة، في هذه المسألة الخطرة..
كان من شأن تسليط الأضواء على هذه الحقائق- ولو من بعيد- إثارة غيض الشيوعيين.. بدورها دوريتنا الطلابية غدت عدوهم اللدود.. صار شأني، كمن جدف على الرب في بهو كنيسة أو صحن جامع..!!
أمام عواصف هذه الشعارات وصخبها وما لف لفها، شرعت مقولات تضج في ذاكرتي وتعرض ذاتها علي تباعاً: الهروب إلى الأمام، سوق المزايدات، الخروج عن منطق اللحظة، عكس الأمنيات على الواقع..
في البلاد: شرع يترآى منطقان: منطق الثورة ومنطق السلطة، بدأت
أتلمس، كون السلطة شرعت تبتلع الثورة، وسارت في الابتلاع شوطاً بعيدا.. وما الحديث عن الثورة سوى مجرد لغو وترهات..
ما أثار توجساً خفياً لديّ، تفاقم انشطار القوى بدلاً من تلاحمها.. وتصاعد وتيرة الشقاق بين سورية والعراق، بدلاً من الوفاق..
الشك يعتريني، رحت أتساءل: هل نحن في زمان الهروب إلى الأمام.. أهو خداع الذات للذات.. هل تغوينا الكلمات.. هل نشحن ذواتنا بالكلمات.. نتوهم بكون، كن فيكون..
شرعت أنظر فيما حولنا.. أتلمس واقعنا.. هبَّ خاطر علي أقلقني.. هل نعيش حالة فصام..!!
مستنقع هذا الواقع.. تعشش فيه نفايات الماضي هذا الواقع.. تسود علاقات المحلّة والعشيرة والدين والطائفة في هذا الواقع.. القمع الجنسي مهيمن على هذا الواقع.. من دون العصر هذا الواقع..
نعيش الاستلاب بكل ما فينا عقلاً ونفساً وجسداً.. ومَن نكون كطلبة سوى ثلة نكتب عن الثورة، ونظن أنها قائمة من دون وقائع.. أليس هذا فصاما..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع