الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما فعله الإسلام السياسي لشعوبنا العربية

الطيب طهوري

2024 / 6 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مبدئيا لباسك أنت الرجل أو انت المراة لا يهمني..ملتح ومقمص ،متحجبة أو غير متحجة، قضية شخصية تخصكَ أنتَ وتخصكِ أنتِوحدكما..
ما يهمني أساسا هو سلوككما وموقفكما من قضايا الواقع المشتركة بيننا في محليتنا أو في عالميتنا..
من هذا المنطلق أتحدث..ما قبل ثمانينيات القرن الماضي وما قبل ظهور الاسلام السياسي كان للمرأة في البادية لباسها الموروث عبر القرون..في المدينة كان لباس المراة يشبه لباس اختها في البادية أحيانا ،وأحيانا تلبس ما اتفق على تسميته باللباس العصري..ولم يكن الناس يرون في هذا اللباس أو ذاك عيبا..كما لم يكونوا يهتمون بحلق اللحية أو تركها..كان انشغال الناس عموما يتعلق بالعمل والعلم وبكل القضايا المشتركة بين الناس..وكان هناك أمل يدفع بالناس إلى حب الحياة والعمل من اجل تحسينها..المرأة العاملة والتلميذة والطالبة كلهن كن غير متحجبات مع بعض الاستثناءات المحدودة..
بظهور الاسلام السياسي وتمويل دول الخليج لممثليه ،دعاة وأحزابا وجمعيات دينية وخيرية، بدأ التحول الدراماتيكي..بدأ الاهتمام بالشكل اكثر..بدأ الانغلاق والتعصب والاقصاء ورفض المختلف..وبدأ الاهتمام بقضايا الحياة الدنيوية الأساسية المشتركة بين الناس يختفي تدريجيا..بدأ الامل في الحياة يقل وحل محله تدريجيا اليأس..وراحت اللحى تنتشر بشكل كبير..مثلها راح الحجاب ينتشر..وظهر ما عرف بأسلمة الحياة سياسة واقتصادا وثقافة، وأسلوب عيش عموما..ظهر الاقتصاد الاسلامي والادب الاسلامي..الخ..وقسم المجتمع من قبل الاسلاميين إلى مؤمنين وغير مؤمنين..كل من يخالف الاسلام السياسي واسلام الحركات الدينية ليس مؤمنا..ظهر التكفير..حورب الفكر النقدي فقل وكاد يختفي ..وانتشر التدين الشكلي بشكل مهول..كثرت المساجد..وكانت قبل ذلك قليلة..كثر المعتمرون والحجاج..وكانوا قبل ذلك قلائل..حتى في اضحية العيد صار كل متزوج ملزما بشراء الأضحية ،حتى وهو يعيش مع ابيه وأمه..فيما كنا سابقا نذبح جماعيا..جديا أو خروفا نذبح ونوزعه بين عائلاتنا الثلاثة او الأربعة..ونغطي على من ليس له مال ليدفع ثمن نصيبه.. عادينا الحداثة وتنويرها..و..وصلنا إلى ما رأيناه هذه السنة في ارتفاع اسعار الاضاحي واسعار الخضر والفواكه. والملابس..وراح الفقراء في الزحام من اجل شراء بعض الكيلوغرامات اللحمية..
في جامعاتنا ظهر ما سمي بحملات تحجيب الطالبات..ظهرت مسابقات في ترتيل القرٱن وحفظه وفي الٱذان..الخ..
راح الغش في كل شيء ينتشر بشكل رهيب..في التجارة نجد الغش..في امتحانات تلاميذنا وطلبتنا نجده يحدق فينا دون خجل..
انتشر النفاق بشكل لا مثيل له..انتشرت الرقية ووصلت الى حد الجماعية،وفي القاعات الكبرى..
والٱن ،اطرح السؤال الذي لابد منه:
ماذا قدمت اللحية وقميصها لمجتمعنا العربي؟..ماذا قدم الحجاب ؟..
أمورنا الحياتية تسير نحو الأسوء باستمرار ،ماذا قدمت اللحية وماذا قدم الحجاب من كيفيات لمواجهة هذا السير نحو الأسوء..
شبابنا ضيعته المخدرات..اقتصادنا ترهل..ادارتنا تكلست وتبقرطت اكثر..فكرنا انحط..سلوكنا انحط اكثر..صرنا أنانيين بكيفية لا تطاق..
اعطت الاسلاموية وما أوصلت المجتمع إليه كل الذرائع لأنظمة الفساد والاستبداد التي تحكمنا في هذا العالم المسمى عربيا لتضيّق علينا نحن شعوبها بدعوى أننا شعوب قاصرة، لا تقبل التعايش مع المختلف عنها ،وأن وصولها الى الحكم سيجعل بلداننا العربية تدخل في نفق الفتنت والصراعات ،وكل ذلك من أجل بقائها في كراسي الحكم..
الحالة هذه ليست جديدة..في العصر العباسي حدث نفس الشيء..كانت الحياة مزدهرة متفتحة على ثقافات الشعوب الأخرى وتجاربها..على الحب والفن..على أساليب العيش..على التعدد في الفكر والمعتقد..يتعايش المسلم مع المسيحي واليهودي..ظهرت الحركات الدينية وبدأت تهيمن تدريجيا..ودخل المجتمع العربي الاسلامي عصر الانحطاط..
في عهد محمد علي، وبعد الاطلاع على حضارة الغرب والتفاعل معها ، كانت هناك محاولة للنهوض..لكنها سرعان ما أفشلت وانتهت في مهدها..ما سمي بالدول الوطنية حاولت النهوض ، وفشلت هي الأخرى، لأنها لم تاخذ ،وهي تبني ماديا، ديمقراطيته وأساليب تسييره..
أدى ذلك الفشل، إلى جانب عوامل اخرى، إلى ظهور الحركات الدينية وتحولها تدريجيا إلى جمعيات سياسية ،ناصبت ديمقراطية الغرب العداء أكثر وعادت بنا إلى الماضي لتجعل منه الطريق التي رات انها ستخرجنا من تخلفنا المزمن..وكانت فكرة الإسلام هو الحل..وهي فكرة هلامية عاطفية اكثر..برنامجها السياسي هو بناء دولة الخلافة وتطبيق الشريعة..برنامجها الاقتصادي بازاري في الأساس..وهكذا بدأت الصراعات بين أنطمة الحكم ، من جهة، وتلك الأحزاب، من جهة اخرى..وكان العنف في بعض دولنا العربية..وكان كل ماذكرته سابقا من نتائج مؤلمة عمقت تخلف شعوبنا العربية وضيعتها في اليأس واللامبالاة..
وكان أن وجدت انظمة الاستبداد والفساد التي تحكم العالم العربي في تلك القوى الدينية الوسيلة التي تخيف بها كل من يناضل من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وتجعله بين خيارين لا ثالث لهما، إما هي أو تلك القوى الدينية..وكانت سعيدة كثيرا بتلك الحال..وراحت الحياة من ثمة تضيق وتختنق..
وتدريجيا تدريجيا مات معنى الحياة ..وصرنا نحن العرب المسلمين موتى فيها..لا معنى لنا..
ملاحظة:
طرحت السؤال: ماذا قدمت اللحية والقميص لمجتمعاتنا العربية حتى تخرج من تخلفها ؟..ماذا قدم الحجاب؟..
سألني صديق: وماذا قدم تنويريوكم؟..
وكانت إجابتب هكذا: ليس في مقدور التنويريين/ العلمانيين سوى الكتابة الناقدة..
عمليا:
_ تحاربهم أنظمة الفساد والاستبداد ،كونهم يطالبون ببناء الدولة المدنية الديمقراطية..
_ يحاربهم الاسلاميون،كونهم يدعون الى استعمال العقل بدل النقل ،والاعتماد على الذات بدل الاعتماد على الأسلاف..
_ المجتمع العربي لا يقرأ ما يكتبون،لانه مجتمع لا يهتم بالكتاب اصلا..وينفر منهم نتيجة تحكم الاسلاميين في عقول افراده ومشاعرهم، وعملهم على تشويه صورة التنويريين بشكل متواصل..
_ هم قلة قليلة اصلا..وامكانياتهم محدودة جدا جدا إذا قارناها بامكانيات الاسلاميين،وامكانيات خدم الأنظمة الحاكمة في عالمنا العربي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام السياسي فاشية دينية
منير كريم ( 2024 / 6 / 18 - 00:35 )
شكرا للاستاذ الطيب طهوري على مقالك التنويري المفيد
الاسلام السياسي اسوء من الفاشية الدينية اذ انه يجمع الفاشية والهمجية معا وهو منذ نصف قرن
يفتك بمجتمعاتنا وعقولنا واذواقنا
للاسف هذا التيار يلقى دعما خفيا من االدول الكبرى مما يجعل الصراع معه غير متكافيء
لكن لاسبيل للمثقفين الا مجابهة هذا التيار بالتنوير والعلمانية والحرية وحقوق الانسان
شكرا لك ثانية