الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المندائيون في رأي الفقهاء والرواة القدماء والمعاصرين

سنان نافل والي

2024 / 6 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ذكر الإمام الحسن البصري (ت 728 م) وهو يعرّف الذمي(1) بأن: " الذمة تعقد في دولة الإسلام لليهود والنصارى والمجوس"، وبهذا فإنه قد استثنى الصابئة من الذميين لأن: (الصابئة في نظره كالمجوس في أحكامهم)(2). أما المؤرخ وهب ابن منبه (ت732م) فكان له رأي يمكن أن يكون قريبا إلى حد ما من المندائيين، فهو يقول: (إنهم هم الذين يعرفون الله وحده، وليست لهم شريعة يعمل بها، ولم يحدثوا كفرا .. إنهم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما باقون على فطرتهم .. ولا دينا مقررا يتبعونه ويعتنقونه، لذلك فإن المشركين ينبزون مَن أسلمَ بالصابي أي من خرج عن سائر الأديان)(3).عندما يشير وهب ابن منبه إلى إنهم الذين يعرفون الله وحده، فهي إشارة ربما إلى عدم معرفة المسلمين بمؤسس معروف ومعلوم لهذه الديانة خصوصا أن المندائيين أنفسهم يسمون أنبيائهم (آدم، شيتل، سام ويوحنا) بالمعلمين الكبار أكثر مما هم أنبياء أو رسل(4) وكان محقا في أنهم ليسوا من الأديان التي ذكرها بل لهم ديانتهم الخاصة التي يؤمنون بها، إضافة إلى ما يقصده ببقائهم على فطرتهم أنه يشير ضمنيا إلى قدم هذه الديانة التي بدأت كما يؤمن المندائيون مع بداية وجود آدم، أبو البشر. وهو الرأي الذي يذهب إليه أيضا قتادة البصري ( ت 736 م) عندما يذكر بأنهم : (قوم معروفون ولهم مذهب ينفردون به، ومن دينهم عبادة النجوم، وهم يقرون بالصانع والعماد، وببعض الأنبياء)(5) .
وما عدا مسألة عبادة النجوم التي أوضحنا أن المندائيين يحرمونها تحريما مطلقا، فإنه يؤكد بأن المندائية تؤمن بوجود الخالق وتعتبر الصباغة (العماد) أساسا في عقيدتهم وأن هناك أكثر من نبي وليس نبيا واحدا وهي ديانة ذات خصوصية واضحة وقائمة بذاتها، ينفردون بها عن غيرهم. أما ابن جريح (ت767م) فيقول: قلت لعطاء: إن الصابئين، زعموا أنهم قبيلة من نحو سواد العراق، ليسوا بمجوس، ولا يهود ولا نصارى، قال: قد سمعنا ذلك، وقد قال المشركون للنبي – ص - قد صبأ)(6) وأشترك الربيع بن أنس وأبو العالية في رأي واحد عندما ذكروا بأن: (الصابئة هم فرقة من اهل الكتاب يقرأون الزبور)(7) بينما يذهب عبد الرحمن الأوزاعي (ت774م) إلى أنهم: (قوم من المشركين بين اليهود والنصارى، ليس لهم كتاب)(8). وهو بذلك يبين لنا أنه كان لا يعرف شيئا عنهم، حيث أن للمندائيين، إضافة إلى كتابهم الرئيسي (كنزا ربا)، فهناك أيضا العديد من الكتب والدواوين الدينية والتي تشكل في مجموعها فهما متكاملا للعقيدة على المستوى الطقسي واللاهوتي. الإمام أبو حنيفة النعمان، صاحب المذهب الحنفي، كان له رأي يمكن اعتباره من الآراء الإيجابية والمنصفة إلى حد ما، فهو يقول: ( إنهم من أهل الكتاب ويعبدون الله، وما تعظيمهم للكواكب إلا بقايا عبادات سابقة لا تضير معتقدهم التوحيدي، كتقديس المسلمين للحجر الأسود. يجوز أكل ذبائحهم والزواج منهم)(9). ويضيف: (توضع الجزية على الكتابي، ويشمل اليهود والسامرة، لأنهم يدينون بشريعة موسى وفي النصارى الفرنج الأرمن والصابئة تؤخذ منهم الجزية لأنهم من أهل الكتاب) وأيضا: (إنهم ليسوا بعبدة أوثان، وإنما يعظمون النجوم كما تعظم الكعبة)(10). وهو بذلك يكون أكثر الآراء اعتدالا ووسطية في التعامل مع الديانة المندائية، قياسا ببقية المذاهب الإسلامية السنية الثلاثة: الحنبلي، المالكي والشافعي. إذ يقول مالك ابن أنس (ت795م) وهو صاحب المذهب المالكي(11)" إن الصابئة: قوم من المشركين، بين اليهود والنصارى، ليس لهم كتاب"(12). بينما يذكر أحمد ابن حنبل، صاحب المذهب الحنبلي(13) عنهم: " أنهم جنس من النصارى " و" وأنهم يشبهون اليهود"(14) أما في أن يكونوا بحكم الذميين أم لا، فهو يشترط أن يكونوا من المنتسبين إلى إحدى الديانتين، اليهودية أو المسيحية لكي يمكن اعتبارهم ذميين وتحت حماية الدولة الإسلامية وإلا فلا: ( فأما الصابئ، فينظر فيه، فإن انتسب إلى أحد الكتابين فهو من أهله، وإلا فلا) (15) أما الشافعية فموقفهم هو الأكثر تشددا وتطرفا تجاههم وهو معروف إلى حد كبير والذي وصل في أكثر من موقف ومناسبة إلى الإفتاء بقتلهم جميعا كما حدث أيام الخليفة العباسي القاهر بالله عندما صدرت فتوى بحقهم من قبل القاضي والفقيه الشافعي أبي سعيد الإصطخري الذي أفتى بقتلهم لأنهم، كما يروي الخطيب البغدادي حسب الإصطخري: " أنهم يخالفون اليهود والنصارى وأنهم يعبدون الكواكب، فعزم الخليفة على ذلك حتى جمعوا بينهم مالاً كثيرا له قدرٌ فكف عنهم"(16و17) وهو نفسه موقف محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي، رئيس ديوان الجوالي أيام الخليفة الناصر لدين الله العباسي عندما بعث برسالة إلى الخليفة تذكره بفتوى الإصطخري في الصابئة وتحثه على تطبيقها، حتى بعد مرور أكثر من 200 سنة على الفتوى الأولى ولنفس التهمة القديمة، بأنهم عبدة كواكب ونجوم(18) وكان هو نفس الموقف أيضا لأبي على الماوردي الشافعي في أخذ الجزية منهم: (إذا وافقوا اليهود والنصارى في اصل معتقدهم، وإن خالفوه في فروعه)(19) أما ابن النديم (ت1047 م) فيذكر في كتابه (الفهرست أن الصابئة: (المغتسلة: هؤلاء القوم كثيرون في نواحي البطائح، يقولون بالاغتسال ويغسلون جميع ما يأكلونه، هؤلاء القوم على مذهب النبط القديم، يعظمون النجوم ولهم أمثلة وأصنام وهم عامة الصابئة المعروفين بالحرنانيين)(20). إضافة إلى شرح مفصل عنهم، يصيب فيه أحيانا ويقترب من المندائية بالفعل ويبتعد أحيانا كثيرة ولكن ما يحسب له وكذلك للبيروني أنهما قد اشتركا برأي واحد وهو أن الصابئة كانت موجودة قبل المانوية(21 وكذلك أن هناك تشويها وتزويرا كبيران قد طالها بسبب المكانة التي حظي بها العديد من أبنائها في العصر العباسي (22) يقول الإمام أبو علي الطبرسي (ت1153م ) عن الصابئة: " وقال آخرون أنهم طائفة من أهل الكتاب والفقهاء بأجمعهم يجيزون أخذ الجزية منهم وعندنا لا يجوز ذلك لأنهم ليسوا بأهل كتاب"(23) الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون (ت1205 م) في كتابه (دلالة الحائرين)، يشن هجوما عنيفا على المندائيين، حيث يقول: (ومذهبهم أن ليس ثم إله إلا الكواكب، إن الكواكب هي الآلهة، وإن الشمس هي الإله الأعظم ويزعمون عن آدم أنه شخص مولود من ذكر وأنثى كسائر أشخاص الناس، لكنهم يعظمونه ويقولون أنه كان نبيا رسول القمر .. وبحسب تلك الآراء، الصابئة أقاموا الأصنام للكواكب، أصنام الذهب للشمس وأصنام الفضة للقمر )(24) إضافة إلى ذكره أمورا مختلفة نفهم منها بشكل واضح مقصده وهدفه من هكذا أقوال حيث يعترف هو نفسه في نهاية مقالته هذه بشكل صريح، أنه قال ذلك لان: (شريعتنا كلها أصلها وقطبها الذي عليه تدور هو محو تلك الآراء من الأذهان وتلك الآثار من الوجود لمحوها من الأذهان)(25) إذن هو صراع ديني يظهر على السطح علانية متمثلا بمثل هذا النوع من الطروحات والاجتهادات. هنا نذكر فقط ذلك النص من (كنزا ربا) الذي يقول:
(لا تسبّحوا للكواكب والأبراج ولا تسبحوا للشمس والقمر المنورين هذا العالم فإنه هو الذي وهبها النور)(71) وأيضا: (ولا تأكلوا ولا تشربوا من هياكل الكواكب والأبراج فكلها دنس ومكر) (26) وغيرها العديد من النصوص التي تنفي تماما ما جاء به ابن ميمون. هذا إضافة إلى آراء أخرى كثيرة منها لابن منظور، ابن الفوطي، النويري، ابن جزي الكلبي، القزويني، ياقوت الحموي ... الخ ولكننا نكتفي بما ذكرناه حتى الان لنذهب بعد ذلك ونلقي نظرة أخرى على ما كتبه المفكرون والمؤرخون والفقهاء المعاصرون الذين لم يخرجوا في غالبية آراءهم، إلا القليل منهم عما ذكره الأقدمون منهم حول المندائية، وهذا ما يدعو للاستغراب، فإذا كان المفسرون والفقهاء القدماء قد اعتمدوا في آرائهم وتفسيراتهم على منطق الرواية(أي روى فلان أن كذا وكذا) دون تمحيص أو تدقيق فأي عذر للمعاصرين منهم؟ وقد تطورت مناهج البحث العلمي وتغيرت أدواته وكثرت الدراسات وخاصة للمستشرقين منهم عن المندائية وبأكثر من لغة ومع ذلك لم يستطع أكثريتهم من الابتعاد عما ذكره القدماء ودخلوا هم أيضا في فوضى التفسيرات بشأنهم اعتمادا فقط على ما تم ذكره ممن سبقوهم في هذا المجال. وإلا كيف يمكن أن نفهم على سبيل المثال ما ذكره سيد قطب في منتصف القرن الماضي في كتابه(في ظلال القرآن)وهو يتحدث عن الصابئة فيقول: (والصابئة الأرجح أنهم تلك الطائفة من مشركي العرب قبل البعثة الذين ساورهم الشك فيما كان عليه قومهم من عبادة الأصنام فبحثوا لأنفسهم عن عقيدة يرتضونها فاهتدوا إلى التوحيد وقالوا: " أنهم يتعبدون على الحنيفية الأولى، ملة إبراهيم " واعتزلوا عبادة قومهم دون أن تكون لهم دعوة فيهم، فقال عنهم المشركون "أنهم صبأوا - أي مالواعن دين آبائهم - كما كانوا يقولون عن المسلمين بعد ذلك و من ثم سموا"الصابئة" وهذا القول أرجح من القول بأنهم عبدة النجوم، كما جاء في بعض التفاسير(27) أو ما قاله محمد حسين الطبطبائي المتوفى سنة 1981 بأن:(عقيدتهم مزيج من المجوسية واليهودية مع أشياء من الحرانية)(28) أو حتى ما ذكره عبد الرزاق الحسني بأنهم، أي المندائيون، (كفرة وملحدين)(29) وصفات أخرى كثيرة بحقهم مما استدعى القيام بالشكوى ضده في المحاكم العراقية حينها. ومثال آخر أيضا، هو العلامّة مصطفى جواد الذي يذكر في تعريفه لهم مجموعة من الآراء التي سبق وأن ذكرها ممن سبقوه ويعتمد في مقالته بشكل كبير أيضا على ما تم ذكره من قبل الكاتب(عبد الحميد عبادة)في كتابه(مندايي أو الصابئة الأقدمين) دون أن يحاول بنفسه الاطلاع على هذا الدين أو دراسته من خلال كتبه الدينية أو على الأقل، لقاء رجال دينه للتعرف عن قرب وبشكل شخصي على جملة من تعاليمه ومفاهيمه الدينية. والطريف في الأمر أن مصطفى جواد نفسه، يقول في المقالة: (وأود أن أختم هذا الإستدراك بذكر المباحث الواردة في كتاب( مندايي أو الصابئة الأقدمين ) المذكور آنفا، فإن مؤلفه أخذ معارفه من شيخٍ من شيوخ الصابئة المغتسلة المندائيين هو الشيخ دخيل وقد رأيت أنا هذا الشيخ بالناصرية من العراق سنة 1925 ولم أكلمه في أمور دينه)(30) ويضيف مصطفى جواد في نفس المقالة، في تعليق على ما ذكره الهمداني من أن الصابئة يسجدون للشمس والقمر وهما من أركان عبادة الصابئة، بأن:(وقد أثبت القرآن الكريم أن قوم بلقيس كانوا يسجدون للشمس، فهم صابئة العرب)(31) في شرح لمعنى الآية القرآنية حسب رأيه والقائلة: ( وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون)(32) وكذلك ماكتبه الدكتور محمد الديباجي وهو عميد كلية الآداب بجامعة الحسن الثاني في المغرب: (الصابئة جمع صابئ ومعناها في اللغة، الذي خرج من دين إلى دين وكانت قريش تسمي النبي محمد - ص - صابئا لأنه خرج من دين آبائه، وينقسم الصابئة إلى قسمين: المندائية والحرنانية، فدين المندائية مزيج من اليهودية والنصرانية وهم الذين عناهم الجوهري بقوله"هم جنس من أهل الكتاب" وعناهم الأزهري بقوله" هم قوم يشبه دينهم دين النصارى") (33) ولكن في المقابل، كانت هناك أيضا بعض الآراء التي يمكن وصفها بأنها على قدر معقول وجيد من التحليل والتدقيق في تناول شأن من شؤون هذه الديانة وفيها انعكاس لروحية الباحث الحقيقية التي يسعى من خلالها أن يقدم المعلومة والتفسير الصحيح لمسألة ما حتى لو خالف بذلك ما هو سائد من الآراء والأفكار حول تلك المسألة. فنقرأ على سبيل المثال ما كتبه الأب ماري أنستاس الكرملي في حديثه عن الصابئة: (إن كلمة الصابئة مشتقة من صب الماء، إشارة إلى اعتمادهم بالماء لأنهم يتعمدون كما يتعمد النصارى.. والصابئة أول ديانة وجدت بعد فساد الدين الحقيقي وهذا الفساد يعود إلى ما قبل الطوفان)(34) وما ذكره المفكر عباس محمود العقاد، عندما قال: (والمحقق من أمرهم أنهم يرجعون إلى أصل قديم لأن استقلالهم باللغة المندائية والكتابة الأبجدية لم ينشأ في عصر حديث، وقد سموا بالصابئة لكثرة الاغتسال في شعائرهم الدينية وملازمتهم شواطئ الأنهار من أجل ذلك، ولكنهم يطلقون على ملتّهم "مندايي" ومع استقلال الصابئة باللغة الدينية والكتابة الأبجدية، يشتركون مع أصحاب الأديان في شعائر كثيرة، ولا يعرف دين من الاديان تخلو عقيدة الصابئة من مشابهة له في إحدى الشعائر، وهم كما يشبهون الجميع، يخالفون الجميع)(35). وأيضا محمد حسين فضل الله الذي ذكر أن: (الصابئة الذين ذكرهم القرآن إلى جانب اليهود والنصارى من أهل الكتاب، يعدون من المنديا، ولا شك في أن اسم الصابئة مشتق من الأصل العبري" ص ب أ " أي غطس، ثم سقط الغين، وهو يدل بلا ريب على المعمدانيين)(36) بالإضافة إلى أحمد الخشاب الذي قال: (يرى المندائيون أن كتبهم المقدسة سماوية المصدر، وأنها اقدم وحي أوحى الله به إلى الإنسان، فهي تمثل ما أوحي به آدم -ع- فلا عجب إذن أن يدعّي المندائيون أن عقيدتهم أقدم عقيدة في الوجود، واللغة التي كتبت بها كتب الصابئة هي المندائية، وهي لهجة سامية قريبة من السريانية وكلتاهما فرع من اللغة الآرامية، وكانت هذه اللغة مشهورة في قديم الزمان، ويعتقد المندائيون أنها اللغة التي كان يتكلم بها آدم -ع- )( 37 وكذلك ما تحدث به محمد الفرحاني عن المندائيين: (إن الصابئة قوم من أصحاب الديانات القديمة، لعلها أقدم ديانة عرفتها البشرية وهم يعتقدون بأن الخالق واحد أزلي أبدي، لا أول لوجوده ولا نهاية له، منزه عن عالم المادة والطبيعة، لا تناله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق وإنه لم يلد ولم يولد وإنه علة وجود الأشياء وكنوناتها، واعتقادهم هذا بالخالق لا يختلف البتة عن اعتقاد المسلمين فيه، ويعبدون الإله ويوحدونه)(38)أما الباحث خزعل الماجدي والمتبني لنظرية الأصل السومري للمندائية فيقول بأنه: (دين رفيع التوحيد، ويؤمن بالله المنزه العظيم ولا تختلف صورة الله فيه عن أي دين سماوي)(39) ومثال آخر هو رشيد الخيون، حيث يذكر بأن: (المندائيون أهل دين سماوي، توجهوا إلى غاية السماوات بعقيدتهم وأفئدتهم، والله لديهم متعال عرشه يطوف فوق بحار النور النقية، ومثلما للأديان الأخرى معاريجها، لهم جنتهم ونارهم. والعبارة المندائية المقدسة "بشميهون إد هيي ربي" وتعني باسم الحي العظيم، مثلها مثل عبارة المسلمين "بسم الله الرحمن الرحيم" وإذا جعل المسلمون الرحمة صفة الله الأولى، جعل المندائيون الحياة صفة دائمة يذكرونها في مستهل كل عمل وحركة)(40
هذا بعض مما جاء لدى القدماء والمعاصرين من آراء ومواقف تجاه المندائية، كعينة تمثل كل ما قيل من قبلهم إلى حد معقول. ويحق للقارئ والباحث على حد سواء بعد هذه الجولة في كتاباتهم أن يطرح مجموعة من الأسئلة التي لابد منها لتتضح الصورة الكبيرة للموضوع قدر الإمكان. وبالتالي فإن أول سؤال سيأتي في الأذهان هو: لماذا هذا الاختلاف أصلا من قبل مفسري القرآن على وجه الخصوص؟ على اعتبار أن تأثير ما كتبه هؤلاء قد انتقل إلى خلفهم من الفقهاء والمؤرخين، بما فيهم المعاصرون الذين تبنوا في غالبيتهم ما جاءوا به من آراء بخصوص الصابئة المذكورين في القرآن حتى أصبح الأمر في أحيان كثيرة وكأنه منهج يتبعونه دون نقاش أو تشكيك والذين كانت تفسيراتهم تصل إلى حد التناقض والتضارب في الرؤية والتفسير(41)، أليس من المفترض أن القرآن عندما يتحدث عن الصابئة ويذكرهم إسوة باليهود والمسيحيين، إنما يتحدث عن واقع حال موجود أصلا ويعرفه العرب جيدا؟ كما يشير إلى ذلك طه حسين: " فأنت ترى أن القرآن حين يتحدث عن الوثنيين واليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب النحل والديانات، إنما يتحدث عن العرب وعن نحل وديانات ألفها العرب"(42)، لماذا نشعر عندما نقرأ ما كتبوه عن هذه الديانة، أنهم يتحدثون إما عن جماعة أو عقيدة مندثرة منذ غابر الأزمان وبالتالي لا يعرفون عنها شيئا سوى الظن والتخمين ومن هنا جاء الاختلاف لديهم، أو أنهم يتحدثون عن ديانة وكأنها خارج الزمان والمكان أو في أحسن الأحوال موجودة ولكن في أماكن قصية ونائية ومجهولة عن بقية البشر؟ على ما يبدو، ومن خلال مراجعة سريعة لكل ما كتبوه من تفسيرات، فإن المشكلة الرئيسية كانت هي الكلمة نفسها، أي "الصابئة"المذكورة في القرآن وطريقة تعاملهم وفهمهم لدلالة هذه الكلمة لغويا على وجه التحديد وبالتالي بناء الرأي والتفسير بما يتوافق مع معنى الكلمة وما تدل عليه. إنهم جميعا تقريبا، مع استثناءات نادرة اعتبروا إن كلمة الصابئة والتي وردت ثلاثة مرات في القرآن، إنما هي كلمة عربية خالصة ومعناها ودلالتها هو المعنى والدلالة التي ذهبوا إليها جميعا، أي أنها تعني من خرج من دين إلى آخر وعلى هذا الأساس تم بناء كل هذه التفسيرات التي تتوافق وهذا المعنى بالنسبة لهم. ولكن هل هي بالفعل كلمة عربية؟ لننظر إلى الآراء التي تشير إلى عكس ذلك. لقد ورد عن الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي إنه قال: (من المرجح أن كلمة الصابئة مشتقة على ما قاله العرب من"صبغ" أي عمد في الماء)(43) إلا أن الملاحظ هنا أنه لم يشر، أيا من المفسرين إلى ما ذكره هذا الصحابي في شرحه ورأيه بخصوص أصل الكلمة ومعناها. وينحو الخليل بن أحمد الفراهيدي نفس المنحى عندما يذكر نقلا عن الأصمعي: (إن العرب تجعل الظاء طاءا .. ألا تراهم سموا الناظر ناطورا، وهم أيضا يبدلون الصاد والضاد والطاء فيقولون لِما يلقى في النار : الحصب والحضب والحطب كما فعلوا بكلمة صبغ بمعنى عمد بالماء التي بدلوّها بكلمة صبع ثم حولوها إلى كلمة صبأ ومنها الصابئون)(44) وهو ما يذهب إليه أيضا الأب ماري أنستاس الكرملي بقوله: (وهذا الإشتقاق ليس ببعيد، فإن ما كان بالغين المعجمة في العربية فهو في سائر اللغات السامية بالعين المهملة ولما كانت العين مهملة، كثيرا ما تبدل بالهمزة وبالعكس كما بيناه غير مرة، فكانت لفظة الصابئة بمعنى الصابغة)(45)وبنفس السياق تشير فريال زهرون: (لقد فسر اللغويون العرب كلمة صابئي بأنها مشتقة من الفعل "صبأ: خرج" وهم على ما يبدو لم يكونوا على علم باللغة المندائية التي ضعفت فيها حروف الحلق عموما فأصبحت تنطق همزة أو حركة طويلة في حشو الكلمة أو نهايتها ويستثنى من ذلك الهاء التي احتفظت في أحيان قليلة بنطقها الأصلي أو مبدلة من حرف حلقي آخر. ويحصل هذا الإبدال في كلمة "صبغ" التي تعني: عمّد، والتعميد هو ركن أساسي في الديانة المندائية وقد أصبحت كلمة صبغ التي نسب إليها الصابئة تلفظ"صبأ أو صبا")(46) وهو ما يؤكده عدد من الباحثين الغربيين مثل الليدي دراور ونولدكه والبروفيسور اوليري الذين قالوا أن هذه التسمية قد جاءت من الأقوام التي يعيشون بينها على اعتبار أن الطقس الرئيسي للمندائيين هو الإرتماس في الماء الجاري وهو ما يسمى (مصبتة)وبالتالي يرجحون أن التسمية، أي "صابئي" مأخوذة من الفعل الثلاثي الآرامي "صبا" أي يتعمد أو يرتسم بالماء أو يغطس بالماء(47) واللغة الآرامية كانت معروفة للمحيطين بهم بشكل كبير ويتحدثونها على نطاق واسع(48)ولكن إذا لم يكن العرب يعرفون اللغة المندائية وبالتالي لم يستطيعوا فهم الدلالة التي تعنيها الكلمة، فإنهم كانوا على معرفة جيدة باللغة السريانية والعبرية وهي قريبة منهم أكثر من أي لغة آرامية أخرى، خصوصا في يثرب ونجران وحتى مكة، ونحن نذكر حديث النبي محمد مع أصحابه وهو يوصيهم بتعّلم اللغة السريانية: (روي عن زيد بن ثابت أنه قال: قال رسول الله -ص- أتحسن السريانيـة؟ أنه يأتينـي كتب، قـال قلت لا، قال فتعلمّها، قال فتعلمتُها في سبعة عشر يوما. وفي رواية أمرني رسول الله -ص- أن أتعلم كتاب يهود فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت، وقال صلى الله عليه وسلم إني ما آمن يهود على كتابة، فلما تعلمت كنت أكتب إلى يهود إذا كتب إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابتهم، إنما أمره بتعلم السريانية لعدم أمنه من تحريفهم وخيانتهم) وبالتالي، إذا كان هناك من اقتباس لكلمة الصابئة من لغة ما، سيكون من السريانية وليس من المندائية وهذا ما أكده عدد من العلماء والدارسين للمندائية مثل ويلهاوسن وشولسون وآخرون، الذين اقترحوا أن الكلمة مرتبطة بالفعل السرياني (صب) والذي يعني (ينغمس، يغطس، يصبغ، يتعمد) (49) بينما رفض كلا من العالم توري وجيفري أن يكون العرب قد أخذوا المصطلح مباشرة من السريانية بل من الفعل المندائي (صب) والذي يعني تعمد- غطس- غمس)(50) بينما يذهب العالم بوكوك إلى أن الكلمة مشتقة من الكلمة العبرية (سابا) والتي تعني (جيش، جند)(51)عموما، أيا يكن أصل الكلمة، مندائيا كان أم سريانيا، فإن جميع العلماء والمختصون الغربيون رفضوا أن يكون معنى الكلمة كما ذهب إليه المفسرون المسلمون وإن كانوا يختلفون في أصولها الآرامية، بل وأيضا رفض بعض الباحثيـن المسلميـن المعاصريـن أن يكــون معنى الكلمة هو الخروج من دين إلى آخر كما قال بذلك المفسرون القدماء، إذ يذكر جواد علي بخصوص تفسير المسلمين لكلمة الصابئة بأن: (الذي يفهم من القرآن الكريم أن الصابئين جماعة كانت على دين خاص وأنها طائفة مثل اليهود والنصارى، أي أن الكلمة مصطلح ولها مدلول مفهوم)(52)ويضيف خزعل الماجدي بنفس السياق أن: (مصطلح صابئة العربي الإسلامي هو خاطئ من أساسه ولا يشير أبدا إلى مجموعة دينية معينة، بل هو مصطلح عام، يشير مرة إلى الأديان القديمة ومرة إلى الخارجين من تلك الأديان، في خلط بينهم وبين فرقة وثنية أقامت في حران وكانت تعبد الكواكب)(53)من جهة أخرى، لا يسعنا هنا إلا أن نتساءل: لقد تحدث المفسرون المسلمون في تعريفهم للصابئة المذكورين في القرآن عن أشياء كثيرة يعتقدون أنها تخصهم، مثل عبادة الملائكة والكواكب والنجوم والأصنام وغيرها من الأمور ولكنهم لم يتحدثوا إطلاقا عن الماء وأهميته في المندائية، لم يتحدثوا ولا حتى مجرد إشارة إلى الطقس الرئيسي للمندائيين، ألا وهو الصباغة "التعميد"، الغطس في الماء، الاغتسال في الماء.. الخ؟ فإذا كانت الكلمة، سواء ذات الأصل المندائي أو السرياني قد تحور شكلها ولفظها، بسبب اختلاف المجتمعات وطريقة نطقها للحروف، وانتهى بها المطاف في القرآن بهذا الشـكل، هل هـذا يعني بالضرورة أن طقوس المندائيين هي الأخرى لم تكن معروفة للعرب في وقتها؟ أم أن هذا يعني أن المندائيين لم يكونوا موجودون أصلا في الجزيرة العربية عند بداية الدعوة الإسلامية؟ أضف الى ذلك، فإن للمندائيين أسماء عديدة تمت تسميتهم بها عبر التأريخ وأهمها "الناصورائييـن"(54)إضافة إلى(شلمانـي ومهيمنـي: "الكاملين والمؤمنين " . وكذلك بهيري: " المختارين" وأيضا الكشطيين: " العهديين "، إضافة إلى تسميات أخرى) فلماذا لم يستعمل القرآن هذه التسمية أو إحدى التسميات الأخرى إن كان الحديث فعلا عن جماعة موجودة في الجزيرة العربية حينها ولجأ إلى تسمية لا يستعملها المندائيون أنفسهم، خصوصا أن كلمة الصابئة لا ترد في كتبهم الدينية على الإطلاق، لا في كنزا ربا ولا دراشا إد يهيا ولا في غيرها؟ وأخيرا لابد أن نذكر أن المفسرين ذكروا، في أغلبيتهم، أن القبلة التي يتجه إليها"الصابئة"هي الجنوب وأحيانا يقولون باتجاه اليمن، إضافة إلى تخمينات أخرى ولكن لم يذكر أي أحد منهم أن قبلتهم الحقيقية التي يتجهون إليها بالفعل هي الشمال، حيث عالم النور والمعرفة والشفاء، كما يؤمن بذلك المندائيون.(55-56) من جانب آخر، ألا يمكن أن تكون قبلتهم نحو الشمال هو انعكاس لحنينهم واشتياقهم لموطنهم الأصلي، حيث كل شيء جميل وكل الذكريات هناك، وبالتالي أصبح هذا الاتجاه مع مرور الزمن مرادفا بالنسبة لهم لكل ما هو نقي وطيب وطاهر؟
المصادر والهوامش
-1حامد نزال السعودي : حقيقة الصابئة المندائيين . ص 24
2 -المصدر السابق . ص 24.
-3تذكر الليدي دراور في كتابها ( الصابئة المندائيون في العراق وإيران) ص41 ، بأنه : ( جاء في كتابي " حران كويثا " و " دراشا د يهيا " أن يوحنا كان نبيا ورسولا ، ويقصد الصابئون من كلمة رسول " شليهة " أنه جاء إلى الدنيا بأمر من الرب وبمهمة خاصة ، لا بمعنى الرسول الذي يأتي بدين جديد.

4 - الشيخ الطبرسي : مجمع البيان في تفسير القرآن . ص259.
5- حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص 26.
6 - الطبري : تفسير القرآن العظيم . ج2. ص 147.
7 إبن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم . ج2 . ص104.
8 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص 25.
9 ابن كثير الدمشقي : المصدر السابق . ص104.
10 المذهب المالكي : ينسب هذا المذهب إلى الإمام مالك ابن أنس الأصبحي ، المولود سنة 93 والمتوفى بالمدينة سنة 179 للهجرة . وهو ثاني المذاهب الأربعة في القدم ، ويقال لأصحابه أهل الحديث وقد نشأ المذهب المالكي بالمدينة موطن الإمام مالك ثم انتشر في الحجاز وغلب عليه وعلى البصرة ومصر وما والاها من بلاد إفريقيا والاندلس وصقلية والمغرب الاقصى وظهر ببغداد ظهورا كثيرا ثم ضعف فيها بعد القرن الرابع وضعف في البصرة بعد الخامس. ( أحمد تيمور باشا : المذاهب الفقهية الأربعة . ص61-62).
11 ابن كثير الدمشقي : المصدر السابق ج1 ص104
12 المذهب الحنبلي: ينسب المذهب الحنبلي الى الإمام أحمد بن حنبل الشيباني المولود ببغداد سنة 164 والمتوفى بها سنة 241 للهجرة. ومذهبه رابع المذاهب السنية المعمول بها عند جمهور المسلمين وكان منشأ هذا المذهب ببغداد ثم انتشر في بلاد الشام ثم ضعف في القرن الثامن. وذكر المقدسي أنه كان موجودا بالبصرة في القرن الرابع وأن الغلبة في بغداد كانت له وللشيعة. (أحمد تيمور باشا: المصدر السابق. ص 81-83
13 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص29
14 المصدر السابق . ص29
15 الخطيب البغدادي : تأريخ بغداد . ج7. ص269-270.
16 في كتابه " الصابئة منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الخلافة العباسية ". ص 173 ، يتحدث الكاتب أحمد العدوي الى أن : " القاهر بالله قد تولى الخلافة في أعقاب مقتل الخليفة المقتدر وفي ظروف غاية في الصعوبة فقد كانت الخزانة شبه خاوية عقب مقتل أكثر خلفاء بني العباس إسرافا وتبذيرا وكان الجند على وشك الثورة بسبب إلحاحهم على الحصول على رواتبهم وأعطياتهم المتأخرة ، ومن ثم رأى الخليفة في تلك الفتوى فرصة سانحة لابتزاز طائفة ثرية كونت ثرواتها جراء محاباة أسلافه لهم ، ولذلك فإن الخليفة سرعان ما رضي بقبول مبلغ خمسين ألف دينار منهم ليقرهم على دينهم ويقبل منهم الجزية " ولكن بحسب الكاتب أحمد العدوي ، فإن هذه الفتوى كانت تخص الطائفة الحرنانية وليست الطائفة المندائية .
17 د. رشيد الخيون : المندائيون في الفقه والتأريخ الإسلاميين. ص27.
18 د.رشيد الخيون : المصدر السابق . ص29.
19ابن النديم : الفهرست . ص491.
20 في كتابه ( الآثار الباقية عن القرون الخالية ) , يتحدث البيروني عن المندائيين معتبرا إياهم من القبائل اليهودية التي بقيت في بابل عندما تركتها الأسباط الأخرى عند عودتها الى اورشليم ، أيام الحاكم كورش حيث شعرت تلك القبائل المتبقية بأنها منجذبة إلى طقوس المجوس وبنفس الوقت فانهم مالوا إلى ديانة نبوخذ نصر واعتمدوا نظاما مختلطا بين المجوسية واليهودية ، مثل نظام السامريين في سوريا . إن العدد الأكبر منهم يسكن في سواد العراق في قضاء جعفر ، والجامدة ونهر الحيلة ، وهم يتظاهرون بأنهم من نسل أنوش بن شيث . وهم يتجهون في صلاتهم نحو القطب الشمالي . أنظر :
( Dissmimulation´-or-Assimilation ? The Case of the Mandaeans : Charles G Häbrel )
21 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص44
22 الطبرسي : مجمع البيان في تفسير القرآن . ج1. ص259
23 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص48 .
24 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص 49
25 ناجية المراني : مفاهيم صابئية مندائية .ص22
26المصدر السابق ص20
27 غضبان رومي : الصابئة . ص52 .
28د. رشيد الخيون : المصدر السابق . ص31 .
29عبد الرزاق الحسني: الصابئون في حاضرهم وماضيهم ص23-64
30 مصطفى جواج : الصابئة المندائيون أيضا . مقالة . مجلة العربي العدد 116
31مصطفى جواد : المصدر السابق .
32مصطفى جواد : المصدر السابق .
33 د. محمد الديباجي : الصابئة - من هم وما هي جذورهم ؟ . مقالة . مجلة العربي . العدد 398 .
34 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص70.
35عباس محمود العقاد : أبو الأنبياء . ص108-109
36 د. رشيد الخيون : المندائيون في الفقه والتأريخ الإسلاميين . ص32
37 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص74 .
38 محمد الفرحاني : أقوام تجولت بينها فعرفتها . ص18 .
39د. خزعل الماجدي : جذور الديانة المندائية . ص3-4 .
40د . رشيد الخيون : المندائيون في الذاكرة الإسلامية . ص129 .
41 يقول د. رشيد الخيون في كتابه ( معتزلة البصرة وبغداد) ص17 : " وقد قدم إبراهيم بن سيار النظام نقدا شديدا إلى مفسري القرآن عن الفرق والمذاهب الأخرى ، مشيرا إلى أخطائهم في التفسير على اللفظ الظاهر ، وعجزهم عن فهم واستيعاب كلمات القرآن ومدلولاتها العامة ، وعن كشف المعاني الصحيحة لآياته ، يقول النظام في نصيحته لأهل المعرفة بخصوص المفسرين " لا تسترسلوا الى كثير من المفسرين إن نصبوا أنفسهم للعامة وأجابوا في كل مسألة ، فإن كثيرا منهم يقول بغير رواية على غير أساس "
42 طه حسين : في الأدب الجاهلي .ص 60 .
43 مجلة المشرق . م4 . ص551 .
44 حامد نزال السعودي : المصدر السابق . ص26 .
45 مجلة المشرق : المصدر السابق .
46- فريال زهرون نعمان : أواني الأحراز المندائية في المتحف العراقي . ص3 .
47العديد من الباحثين طرحوا فكرة أن يكون أصل الكلمة ليس عربيا إنما أصبحت كذلك بفعل اختلاف عملية النطق واللفظ لبعض الأحرف بين لغة وأخرى، وهنا نسأل هل تغيير شكل الكلمة وطريقة لفظها يعني بالضرورة تغيير معناها أيضا؟ فإذا كانت الكلمة أصلها مندائي وتم استبدال الغين بالألف مع الهمزة أو بدونها، هل يغير هذا معناها من الغطس والصباغة والتعميد الى معنى آخر مختلف تماما وهو الخروج من دين الى دين آخر؟)
48 يرى جان هارب بعد عدد من المقاربات اللغوية أنه من المستحيل أن يكون " صبغ " العربي قد تحول عن " صبأ " الآرامي بأي صورة من الصور . ويؤيد أحمد العدوي ما ذهب إليه هارب بقوله : وأنا أدعم هارب تماما فيما توصل إليه ، فلم يسمع من العرب " صبغ " بمعنى " صبأ والدليل القاطع في هذا هو عهد عمر بم الخطاب مع نصارى تغلب والذي قبل منهم الجزية مضاعفة على ألا يقوموا بتنصير أبنائهم ، والعبارة التي استخدمت في هذا العهد نصيا هي " وعلى ألا يصبغوا أولادهم " . المعنى الواضح الذي أراده عمر هو ألا يقوموا بتعميد أبنائهم فور ولادتهم وهي علامة دخولهم في النصرانية ، إذن كان العرب يستخدمون الفعل " صبغ" مكافئا للجذر صبا الآرامي ، أي أن الصباغة كانت مكافئة لمعاني التعميد. أنظر : أحمد العدوي " الصابئة منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الخلافة العباسية . ص 55 ) ، على اعتبار أن المندائيين يقولون " إنش صابي بمصبتة شلمي " وتعني كل من يتعمد بالمعمودية يسلم ، وكذلك " صبينا ابمصبته اد بهرام ربه " أي تعمدت بعماد إبراهيم الكبير (71) 71 - الليدي دراور : الصابئة المندائيون في العراق وإيران . ص8-9 .
49 يشير مؤلف كتاب " الممالك الآرامية " المطران غريغوريوس صليبا ص 7-8 ، الى أن الرأي المعول عليه فيما يتعلق بالموطن الام للآراميين هو الجزيرة العربية ولكن المؤرخون اختلفوا في تحديد المنطقة فيما إذا كانت جنوب الجزيرة العربية أم شمالها ؟ إلا أنه يعتقد أن الأقرب الى الحقيقة هي شمال الجزيرة العربية لأسباب عديدة منها : أن أول إشارة لتسمية " آرام " جاءت في المدونات الأكدية القريبة من هذه المنطقة ، وأن الآراميين لدى تحركهم وهجرهم وطنهم الأم ، احتلوا أولا بلاد الشام ثم انتشروا في ربوعها نظرا إلى قربها من موطنهم إضافة إلى وجود مملكة آرامية على شاطئ فرات الأوسط بالقرب من المنطقة المحددة كوطن الآراميين الام وأخيرا انتشار عدد غير قليل من القبائل الآرامية على امتداد الفرات حتى الخليج العربي.
50 س . كوندوز : معرفة الحياة . ص34 .
51 المصدر السابق . ص34 .
52 المصدر السابق . ص34 .
53 جواد علي : تأريخ العرب قبل الإسلام . ص368-369.
54خزعل الماجدي : أصول الناصورائية المندائية في أريدو وسومر.
55 تذكر دراور في تعريفها لتسمية الناصورائي بأنها: تعني أولئك الكهان الصابئين الذين يملكون المعرفة الحقيقية الدينية " الناصيروثة " وتتلخص معتقداتهم: الإعتقاد بكينونة عليا سامية. الإعتقاد بثنائية الكون. الاعتقاد بوجود أرواح غير مرئية منقذة تساعد الروح البشرية في رحلتها إلى العالم الآخر. الإعتقاد بأن هناك أسرارا دينية لا تباح معرفتها إلا للقلة من المكرسين دينيا. "الصابئة المندائيون في العراق وإيران" ص14. أما خزعل الماجدي فيقدم تفسيرا مختلفا لكلمة " ناصورائي " وأصولها التأريخية حيث يقول: "أن التسمية ترجع تأريخها الى سنة 6000 قبل الميلاد، مع أول ظهور لمدن التحضر القديمة في بلاد ما بين النهرين ، حيث تواجد شعب هناك يسمى "نسار" أو "ناسار" والتي أصبحت فيما بعد "نا صار" في اللغة الآرامية. وأن كلمة نا صار أو ناصورائيين كانت تعني الملاحظين أو الناظرين في السماء وأمور الدنيا وهم بذلك المتبحرين في العلم والعارفين به. وقد بقي مقطع "نصر" كلقب أو كنية لأسماء أغلب الملوك المتعاقبة على حكم بلاد الرافدين مثل (نبوخذ نصر وشليما نصر) وهي تعطي دلالة على أن هذا الشخص منتمي الى شعب أريدو أو ناصورائي. أي أنه مناصر الى الإله "إيا" أو الإله الحي، ومنها جاءت كلمة "ناصورائي" أو "ناصورايا"، ويضيف أيضا أن: "أن الناصورائيين، هم شعب سكن في بداية عصر الكالكوليت (العصر الحجري النحاسي) في حدود الألف الخامسة قبل الميلاد ، السهل الرسوبي بين دجلة والفرات وربما كانوا هم من أسس أول مدينة في التأريخ وهي مدينة " أريدو " التي كانت عند فم الفرات وهو يصب منفردا في الخليج العربي . " خزعل الماجدي : الميثولوجيا المندائية . ص16-17 " .

56 يقول طه باقر : " جعل الصابئة الشمال قبلتهم لأنهم اعتبروا ريح الشمال أنقى وأصح وباعثة للشفاء كون هبوبها من مناطق جبلية عكس رياح الجنوب المحملة بالرطوبة والثقيلة كونها آتية من مناطق الأهوار ذات الماء الآسن ، وكون انسياب دجلة والفرات من الشمال إلى الجنوب وما لنهر الفرات من قدسية لديهم " ( طه باقر : مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ص33-40-41 ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جندي تونسي في هجوم على دورية عسكرية قرب الحدود الليبية


.. فرنسا: لـماذا تـوصف الانـتـخـابـات الـتـشريـعية بالتاريخية؟




.. خسارة لا يمكن تصورها.. عائلة في غزة تروي الكابوس الذي عاشته


.. د. حسن حماد: البعض يعيد إحياء الخلاف القديم بين المعتزلة وال




.. التصعيد في لبنان.. تحذيرات دولية ومساع اقليمية لمحاولة تجنب