الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند ميشال فوكو (الجزء السادس)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 6 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الواقع، من الإغواء الجنسي للمتعة وتكثيفها بشكل محدد، تنبثق دائرية فيها "تنتشر المتعة إلى السلطة التي تقتفي أثرها" و"ترسخ السلطة المتعة التي طردتها لتوها". لكن هذه الدائرية من شأنها أن تأخذ معنى الانعكاسية، عندما يتم الحفاظ عليها وتفضيلها من خلال ميكنزمات تجعل من الجنس الوساطة التي ترتبط بها الأجسام الحية بالمتعة. من وجهة النظر هذه، تظهر ذات الرغبة، في " إرادة المعرفة"، ليس فقط كمنتج لاندماج أولي، ولكن أيضا كرافعة هرمينوطيقية لخطاب الحقيقة الذي تلتزم فيه الأجساد بالتعارف. ذلك أنه إذا كانت الذوات لا تتكون بشكل فردي إلا تحت شكل إخضاع يظهر كنتيجة لاستثمار معياري، فإن هذه المعيارية تشترط أيضا العلاقة التي تقيمها مع فرديتها الخاصة، وبالتالي، مع الجسد الجنسي المنتج من طرف السلطة.
إن هذا الإنتاج لخطاب الحقيقة الذي "تتطابق فيه الذات التي تتحدث مع فاعل الجملة" ينتظم مع جهاز السلطة الذي يتطلبه؛ لكن هذا الالتزام بقول الحقيقة عن الذات "مدمج بشكل جيد"، كما يخبرنا فوكو مرة أخرى، بأنه يحجب نفس الشيء الذي أسسه. وهنا تتم الإشارة إلى "خدعة الاعتراف الداخلية"، ولهذا السبب أيضا يمكن تعريف الاعتراف تاريخيا بأنه عمل تحويل الناس إلى ذوات، "بكلا معنيي الكلمة" - في خضوعهم إلى السلطة، وفي الاستئناف الذاتي لهذا الخضوع.
اندماج السلطة أساسي إذن في عملية الإنتاج الذاتي التي حللها فوكو: فهو يشير إلى الدور المحوري الذي تؤديه الوظيفة-الذات في معرفة الأجساد الفردية وفي توازن أجهزة السلطة. ولكن الأكثر من ذلك أن علاقة الذات بالجسد لا تعتمد فقط على هذا الاندماج المثمر: بل هي أيضا علاقة موضوعاتية. لأنه، في جاهزية الجنسية التي سعى فوكو إلى تسليط الضوء عليها، يميل الأمر بقول الحقيقة عن الذات إلى التوافق مع الخصوصية البيولوجية للجنسانية. تتمثل العملية المركزية لمثل هذه الجاهزية بالفعل في انتصاب الجنس، الذي تنتجه بشكل ثانوي، كهيئة مستقلة نطلب منها في آن واحد "قول الحقيقة" و"إخبارنا بحقيقتنا".
بهذا الشرط يمكن تطوير مشروع علم الذات، في شكل شاذ ل“علم-اعتراف”، فيه يجب على الذات أن تعبر عن حقيقة الملذات من خلال استعارة الشكل الخطابي لعلم يشكل الجسد والحياة موضوعيه المفضلين. وهكذا، فإن السلطة لا تندمج فحسب، بل إنها تتخذ بشكل انعكاسي موضوعا لها الجسد ذاته، الذي ترجعه إلى مسألة الجنس. في هذا الإنتاج الذاتي الذي يتوسطه التقنين الجنسي للجسد، يشكل التحليل النفسي جزء أساسيا. إنه يضمن فعلا بشكل مترابط نشر، تشبيق وإنتاجية السلطة من خلال تعميم الأمر يقول حقيقة رغبتها، من ناحية، ومن خلال جعل الجنس نفسه مرغوبا فيه، من ناحية ثانية، ومن خلال إنتاج الذات في انعكاسية هذا القول الحقيقي من ناحية ثالثة.
وهو يصف جاهزية للجنسانية التي شكل تكوينا مثاليًا للسلطة على الحياة، يسمح فوكو بتيممة التقارب، في نفس خطا الحقيقة، بين الجسد الحي البيولوجي والجسد المؤشر عليه بالذاتية. تندرج الجنسانية، بعد القيام بذلك، في نقطة التقاطع بين السياسة التشريحية والسياسة الحيوية التي تشكل الوجهين المتكاملين للسلطة على الحياة. إنها تشكل بالفعل جاهزية يكون فيها الجنس، باعتباره في آن واحد عضوا تشريحيا ووظيفة إنجابية، بمثابة دعامة ونتيجة لقوة مندمجة.
كما تبرز أيضا تهذيب هذا الاستثمار للأجساد من قبل السلطة، والذي لا يمر فقط بمحاصرة إدارية مفردة (بكسر وتشديد الراء)، بل بإنتاج شخصي أكثر انتشارا يأتي تعميمه من التحليل النفسي بدلاً من الطب النفسي.
هكذا يسمح إنتاج هيئة ذاتية بالاستئناف الانعكاسي للعلاقة القوة متع-سلطة، التي تضمن دائريتها بصورة مشتركة مراقبة الأجساد وحيوية السلطة. غير أن هذه الدائرية تفتح سؤالا عمليا يشير أيضا إلى مكان الصعوبة الوجودية ويمكن صياغته على النحو التالي: بقدر ما تمنح الأجساد التي تستثمرها السلطة حيويتها، هل يمكن اعتبارها على نحو متبادل ركيزة محتملة من شأنها أن تحرض ضد السلطة القوى التي تربط (السلطة) في ما بينها استراتيجيا؟ بمعنى آخر، هل السلطة على الحياة تسمح لنا بأن نعتبر بشكل متبادل قوة حيوية – وبالتالي السلطة على الأجساد سلطة للأجساد؟
(يتبع)
المرجع: https://journals.openedition.org/philosophique/1782








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد لهجة خطاب القادة الأوروبيين حيال إسرائيل في قمة بروكسل


.. شاهد كيف ستختلف المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب عن 2020




.. تدريبات إسرائيلية تحاكي حربا على أرض لبنان.. وأميركا تحذر مو


.. رغم تهديد بايدن.. شحنات سلاح أميركية في الطريق لإسرائيل




.. في ظل شبح ترامب.. صناديق الاقتراع في إيران تستعد لتقول كلمته