الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعوم تشومسكي أخر الديكارتيين، محمد عبد الكريم يوسف

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2024 / 6 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نعوم تشومسكي أخر الديكارتيين

نعوم تشومسكي، الذي يُشار إليه غالبا باسم ديكارت الأخير، هو عالم لغوي وفيلسوف وعالم إدراكي وناقد اجتماعي أمريكي مشهور. أحدث عمله الرائد في مجال اللغويات ثورة في الطريقة التي نفكر بها في اللغة والعمليات الإدراكية. كان لنظريات تشومسكي حول القواعد النحوية الشاملة والبنى الفطرية للعقل البشري تأثير عميق على العديد من التخصصات، مما أكسبه لقب ديكارت الأخير.

بدأ عمل تشومسكي في اللغويات في الخمسينيات من القرن العشرين بنظريته حول القواعد النحوية التحويلية، والتي افترضت أن جميع اللغات البشرية تشترك في قواعد نحوية شاملة أو مجموعة من القواعد التي تشكل أساس بنيتها. تحدت هذه الفكرة وجهة النظر السلوكية السائدة لاكتساب اللغة والتي اقترحت أن اللغة يتم تعلمها في المقام الأول من خلال التقليد والتعزيز. مهدت نظرية تشومسكي الطريق لمجال القواعد النحوية التوليدية وأحدثت ثورة في دراسة اللغة.

بالإضافة إلى عمله في علم اللغة، يُعرف تشومسكي أيضا بإسهاماته في مجال العلوم المعرفية. اقترح مفهوم "القواعد النحوية العالمية" التي يتم توصيلها بالدماغ البشري، مما يسمح للأطفال باكتساب اللغة غريزيًا. تذكرنا هذه الفكرة بنظرية ديكارت للأفكار الفطرية، والتي افترضت أن بعض الأفكار والمعرفة متأصلة في العقل البشري ولا تحتاج إلى التعلم من خلال الخبرة.

كان لأفكار تشومسكي حول القواعد النحوية العالمية للغة تأثير كبير على تخصصات أخرى خارج علم اللغة والعلوم المعرفية. أثر عمله على مجالات مثل الفلسفة وعلم النفس والذكاء الاصطناعي وحتى السياسة. جعله نقد تشومسكي لوسائل الإعلام السائدة والخطاب السياسي شخصية مثيرة للجدل، لكن مساهماته الفكرية أكسبته احترامًا وإعجابًا واسع النطاق.

مثل ديكارت، يُعرف تشومسكي بنهجه الصارم والمنهجي للفلسفة والعلم. وهو كاتب غزير الإنتاج، حيث ألف أكثر من مائة كتاب، تغطي موضوعات تتراوح من السياسة إلى اللغويات إلى الأخلاق. ويتميز عمله بعمقه ووضوحه ودقته التحليلية، وهو ما يذكرنا بالتزام ديكارت بالدقة والمنطق.

ربما كان تأثير تشومسكي على مجال اللغويات هو إرثه الأكثر ديمومة. فقد ألهمت نظرياته أجيالا من الباحثين لاستكشاف العمليات الداخلية للعقل البشري وطبيعة اللغة. وقد أشعلت أعمال تشومسكي مناقشات وجدالات لا نهاية لها، لكن تأثيره على هذا المجال لا يمكن إنكاره.

تنبع مكانة تشومسكي باعتباره آخر ديكارت من التزامه بالعقلانية والتجريبية والسعي وراء المعرفة. ومثله كمثل ديكارت، يكرس تشومسكي نفسه لكشف البنى الفطرية للعقل البشري وفهم طبيعة الواقع. ويجسد عمله روح التنوير والسعي وراء الحقيقة التي ميزت فلسفة ديكارت.

وعلى الرغم من شهرته ونفوذه، ظل تشومسكي شخصية متواضعة ومتحفظة. فهو يتجنب مظاهر الشهرة ويركز على مساعيه الفكرية، ويكرس نفسه للسعي وراء المعرفة وتعزيز الفهم البشري. والتزامه بالحقيقة ونزاهته الفكرية تجعله خليفة جديرا لديكارت، والد الفلسفة الحديثة.

لقد كان عمل نعوم تشومسكي في اللغويات، والعلوم المعرفية، والفلسفة تحويليا ومؤثرا. وكانت أفكاره حول القواعد النحوية العالمية، والبنى الفطرية للعقل البشري، وطبيعة اللغة لها تأثير دائم على العديد من التخصصات. إن تفاني تشومسكي في الحقيقة، والعقل، والسعي وراء المعرفة يجعله وريثا مناسبا لإرث ديكارت. وباعتباره آخر ديكارت، يواصل تشومسكي إلهامنا وتحدينا لإعادة التفكير في فهمنا للغة والإدراك والعقل البشري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي