الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في أوراق شاهندة مقلد

صادق محمد نعيمي

2006 / 12 / 14
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


أوراق شاهندة مقلد
الذاكرة الحضارية في خدمة دراسات التابع
صدرت هذه الأوراق عن دار ميريت في القاهرة 2006 . و يصعب تصنيف العمل، فهل هو شيء من تاريخ مصر الاجتماعي المعاصر؟ أم هل هي مذكرات شاهندة مقلد؟ أم هل هي شهادة على تحول مصر من اشتراكية ناهضة في عهد ناصر، إلى ترهل الدولة و استخدام مؤسساتها في الفساد في عهد السادات؟ هل هي محاولة من د. شيرين أبوالنجا لإظهار دور المرأة في الحراك الاجتماعي المصري، بمعنى آخر هل هو عمل نسوي؟ أعتقد أن كل هذه الموضوعات قد تكون مدرجة في الكتاب، ومن يصنفه في أي من التساؤلات السابق، فليس بمخطئ. بيد أني سوف أذهب في قراءتي لهذا الكتاب إلى تصنيف آخر، هو موضع هذه السطور التي تحاول قراءة قصة إنسان رأت في الاشتراكية حلم جميل تمثلت في شاب يساري أحبته وأصرت على الزواج منه، و تمثلت في المشروع الاشتراكي في الستينات لينقذ أهل قريتها كمشيش بالمنوفية

1. إذا استثنيا المقدمة، لوجدنا أن المعدة والمحررة "لأوراق شاهندة مقلد"، قد غابت عن النص، قد يبدو هذا صحيحاً بشكل ظاهري، و لكن ثمة حضور خفي/ ذكي لشيرين أبو النجا وراء هذه الأوراق. وتمثل هذا الحضور في الانتقال من الذاكرة الاتصالية التي عاشتها السيدة مقلد منذ أربعين سنة، وهذه الأربعين سنة هي اللحظة الحرجة في عمر الذكرى-على نحو ما نرى عند عالم المصريات الألماني يان أسمان- فمن عاصر حدثاً وهو في سن الشباب يكون بعد أربعين عاما قد وصل إلى مرحلة الشيخوخة وبذلك تكون الذكرى مهددة بالضياع. ولا يرجع ضياع الذكرى إلا بسبب غياب عنصرين مهمين-على نحو ما يذهب العالم الفرنسي موريس هالبفاكس- في وجود الذكرى في حد ذاتها وهما البعد المكاني والآخر الزماني. وإذا غاب المكان الذي عشنا فيه ذكرى ما، وكذلك الأشخاص الذين عايشنا ذكرى ما معهم، فان الذكرى تبدأ في التلاشي. كان هذا هو ما يعطي لهذا الكتاب المثل الحي لفن الانتقال بالذكرى الاتصالية، أي الذكرى المعاشة في الذهن لدى شاهندة التي عاشت" فيها بيقين" كما في أغنية "ذكريات" لأم كلثوم، لدرجة أنها تبكي عندما تسترجع هذه اللحظات، إلى الذكرى الحضارية أي الكتابة أو التدوين، وهنا نلمح الروح الأكاديمية لشيرين أبوالنجا، في اختيارها للحظة الذكرى الاتصالية التي تحتاج إلى التدوين للتحول هذه المشاهد الراكنة في حس الإنسان الذي عايش أحداثا تستحق أن تحكى إلى حق اجتماعي في المعرفة لنا نحن الذي نتلقى الكتاب الآن، وللمؤرخين لاحقا عندما يرصدوا مدى التحول من المشروع الاشتراكي المنحاز للفلاحين والعمال الذي يريد أن ينهض بالمجتمع ككل إلى اقتصاد السمسرة التابع للشركات المتعددة الجنسيات الوجه الحقيقي للاستعمار الجديد.
2. أن هذه الذاكرة الحضارية التي صارت بين أيدينا بفضل الكتابة سوف تساعد المؤرخين المهتمين "بدراسات التابع" لرصد شيء من هتاف الصامتين في إحدى قرى مصر الذي أظن هتافهم ليس ببعيد عما كان يحدث في قرى أخرى، الذي طالما تجاهلهم الحكي السلطوي عبر عصور وعصور وكيف كانت بيروقراطية الدولة الساداتية تحاول أن تنزع منهم شيء من رد الاعتبار الذي أعطتهم الثورة شيئا منه. وكيف تحول السادات بالدولة إلى دولة بوليسية بظهور الأمن المركزي كما في الفصل الخامس لخدمة القادرين ضد المستضعفين، ومن هنا تأتي أهمية هذا التدوين للذاكرة الاتصالية في هذا الوقت الذي يعود فيه الإقطاع من جديد ليس في الأراضي وحسب، بل أشد منه في المصانع حيث طبقة السماسرة الجدد المتسمون برجال الأعمال يمكن أن يفصلوا أي عامل دون خوف من سلطة الدولة، بل إن الكثير من العمال غير مؤمن عليهم و يعيشون تحت رحمة رب العمل. ولذا فالكتاب مهم في مجال التأريخ الحديث للحركة الفلاحية المصرية والاستفادة من تجاربها ومحاولة تفادي أخطائها في ظل الصراع بين أرباب العمل والعمال.
3. كنت دائما ما أتصور أن الفتنة الطائفية و التعصب الديني يظهران في مرحلة ضعف الأمم، وأن الدولة المترهلة والعاجزة تدفع أبنائها إلى طلب الحماية لدى طائفة أو كنيسة أو مسجد أو عائلة. و هذا التصور تأكد من خلال هذه العلاقة الحميمية التي تربط بين المدرسة وداد متري وتلميذتها شاهندة، حيث إن القضية الإنسانية والآراء اليسارية جعلت الدين في هامش الشعور، وجمعت الرؤية الاشتراكية بينهما حتى الآن. ولذا فما نراه من مشاحنات بين المسلمين والمسيحيين من آن لآخر مرده إلى غياب مشروع وطني عظيم و إلى ضعف الدولة وترهلها، وعودة الرجعية التي اختزلت الأخلاق في العبادات و المظاهر. إن الفصل الثامن المعنون "بعض الشجن" يعكس لنا هذه الروح الطيبة التي تربط بين البشر بصرف النظر عن المعتقد.
4. إن هذه التجربة التي عاشتها بنت من بنات مصر في نهاية الخمسينات و الستينات، لحظات توضح لنا أن الحدود بين الذاتي والاجتماعي ليس إلا وهم ألجأتنا إليه اللغة الإنسانية. إن ما تحكيه لنا شاهندة ليس إلا كسر الحاجز المصطنع بين المعاناة الذاتية وأزمة مجتمع ما. وهو ما على الحركات النسوية أن تعيه في أن أزمة المرأة العربية هو جزء من أزمة مجتمع يسعى بعض أفراده للتحرر من ركام عقلية قروسطية في قضايا الوعي الإنساني عامة، إلا أن هذا التحرر يصطدم بمؤسسات عفا عليها الزمن تتخذ التراث و الهوية والدين والعادات والتقاليد أداة للقمع ودعم مؤسسات الحكم بأدوات الاستبداد الذي يعانيه أكثر من غيره نساء المجتمع العربي. ولست بحاجة إلى التذكير بأن سياسات السادات التي تنتقده بشده هذه الأوراق، بسبب الانقلاب على المشروع الاشتراكي و ربط البلد باقتصاد تابع، قد أوصل المجتمع إلى أن تكون فيه 20% من الأسر المصرية تعولها نساء. وكانت شاهندة -كما آلاف النساء المصريات-تتحمل عبء أسرتها بعد أن اغتالت الأيدي الإقطاعية يد زوجها التي أحبته و حاربت الدنيا من أجل الزواج منه. ألمح هنا الاشتباك بين الاجتماعي والذاتي في قضايا مجتمعنا. إن قضايا المرأة هي قضايانا كلنا بمعناها الإنساني الواسع، وليس بالمعنى المبتور الذي يجعل مشاكل النساء سببها الرجل/الذكر، كما تنادي به بعض السيدات محدوي الفهم والمصابات بعقد نفسية أو من المثليات، وبذلك تنحرف القضية النسوية من رغبة في إزاحة الركام الراكد على الجسد العربي باسم التقاليد ومن أجل محاربة الاستبداد وفي سبيل نهضة شاملة تسعد المجتمع بأسره، إلى عداء ساذج بين المرأة والرجل، و يهنأ في ظل هكذا صراع، هذا الجسد السلطوي العفن الذي ضاقت مشاعرنا وأنفسنا وعقولنا به لدرجة تدعو للسأم والملل. ومن هنا ياليت الحركة النسوية تكون على مستوى هذه الحملة التي نراها في الثالث "الطاولة دي هي اللي مضيعه وقتنا ومنسيانا إهاناتنا وإهانات أهلنا، ايه فايدة تعليمنا إذا ما كانش يحررنا ويحرر أمهاتنا من الذل اللي همه فيه".

د.صادق محمد نعيمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟