الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية العدل والعدالة في الخطاب الديني الإسلامي.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 6 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


واحدة من أهم إشكاليات الإنسان الوجودية هما العدل والعدالة بأعتبارهما جزء من النظام الطبيعي له وللوجود، فالوجود العادل المعتدل المستوي المتوازن هو الذي وفر الحاضن التكويني للإنسان في هذه الحياة، ولولا عدالة النظام الموني الشمولي وأستواءه معياريا وقياسيا وتنفيذيا لما نجح الإنسان أن يستمر وينمو ويصبح جزء مهم من هذا النظام، حتى جاء دور الدين وبمراحل تطوره كان يشير إلى حقيقة وجوب الأستواء البشري ليماهي الأستواء الوجودي، وبذلك قدم الدين نموذج فعلي وعملي لمفهوم العدل والعدالة بالرغم من أنهما مفهومين مختلفين بالدلالة والقصد.
العدل تعريفا هو وضع الشيء في محله الطبيعي دون زيادة أو نقصان، وبذلك يتساوى مفهوم العدل مع كونية الحق في هذا المعنى، فالحق هو الواجب الأول بذاته لذاته حتى يتحقق مفهوم العدل المطلق، فكل عدل مطلق هو حق مطلق وبالعكس، فأي خلل بتطبيق العدل هو أنحياز ضد الحق وأي مساس بشكلية وموضوعية الحق يمثل مساسا وأعتداء على مفهوم العدل، هذا الترابط الجدلي بينهما كان واحدا من قوانين الوجود الأبتدائية والنهائية التي لا تقبل التغيير أو التبديل، ومن هنا أشرنا لهما بمفهوم المطلق، قد يقول أحدهم الحق والعدل مفهوم نسبي وقد لا يكون ما هو حق عندي حق عند الأخر، الجواب الحق من حيث هو مفهوم والعدل لا يمكن أن يتبدل حسب الزمان والمكان والحال لأنه يعتمد على قانون واحد موحد، وهو أن يستوعب المحل تماما المحمول به على أنه حق وعدل دون الحاجة للتدخل أما لزيادة المحمول أو زيادة المحل، المتغير النسبي هي النظرة الذاتية لهما من قبل مدعي النسبية.
نأتي للمفهوم الأخر وهو العدالة والتي يتشارك مع مفهوم العدل بالجذر اللغوي ولكنه ليس بالضرورة أن يتشارك معه بالقصد المعنوي، مع أن الكثير يخلط بينهما أو يظن أنهما بمعنى واحد، عندما تضع ماء بمقدار 100 سي سي في وعاء يسع 100 سي سي فقد حققت العدل دون أن تضطر إلى التدخل، وإن وضعت كميات متساوية في أوعية متساوي تكون حققت العدل والعدالة، لكن لو وضعت كميات من الماء في عدة أواني مختلفة السعة دون أن يفضل معك زيادة أو تحتاج إلى تكملة، تكون قد حققت العدالة ولو ان الكميات مختلفة عن السعة، لكنك استخدمت طريقة التناسب المحكمة وأوفيت كل إناء حقه، في حالة أخرى عندك عدة أوعية مختلفة السعة وطلب منك أن تضع في كل إناء نفس الكية التي تضعها في إناء أخر، سنكون اما حالة عدم عدالة حيق بعض الأنية تفيض والبعض تنقص ولن نحقق العدالة، ولكن حققنا العدل من خلال تطبيق المساواة بينهما دون النظر للمناسبة والتناسب، من هنا نفهم أن العدالة هو تطبيق أعمى لفكرة مبصرة، أما العدل فهو تطبيق مبصر لفكرة عمياء.
نرجع للخطاب الإسلامي القديم والحديث المعتدل والمتطرف نجد أن مفهوم العدالة ينحصر في الذاتيات المتشخصنة، ولا يعد عمودا وأساسا من أعمدة الفكرة الإسلامية الأصل، من الناحية الموضوعية كل ما يعد اليوم من ثوابت الإسلام ومن أصول الدين من التوحيد للنبوة لكل العناوين الكبرى أساسها العدل، عندما توحد الله حق التوحيد أن تمارس العدل قولا وفعلا، فالتعدد أو الشرك هو مزاحمة لمحمول التوحيد على محلة، والله تعالى أوصى وأمر بالعدل (إن الله يأمركم بالعدل....)، ل يأت أمر بقوة هذا ألأمر، فالوحد الحقيقي بنتمي للحق ويعدل به ويضع الله في المحل العقلي والمنطقي له بأن لا شريك له ولا ند والخ، فإذا كان أصل الدين وهو التوحيد مبني على العدل والحق فكل ما عداه مثله وبنفس الدرجة، لذا فالمقدمة الحقيقية لكل دين هو أن يكون الإنسان عادلا حتى يضع الأمور في نصابها الحقيقي.
أما في الخطاب المعلن فقد توزع هذا الخطاب بعيدا عن فكرة العدل هذه وراح يبحث في تطبيقات العدالة، منها مثلا الغوص والإشكالية المثارة في عدالة الصحابة، أو عدالة الإمام وشروط الصلاة خلفه، أو عدالة الموقف عن المقارنة والمقاربة بين الشخصيات والحدث، لا أحد يتكلم عن العدل بقيمته الجوهرية خاصة مع شيوع مبدأ اللا مساواة بدأ من إشكالية المهاجرين والأنصار وأنتهاء بين قريش وفروعها وبين بقية المسلمين عبيد موالي جواري وحتى مع أهل الذمة وبين مؤمن ومؤمن، موضوع العدالة المطلقة والحق المطلق عنصر غائب عن الخطاب الإسلامي بمجمله وحتى عن البحث في أصوله وسنده الشرعي والعقلي والمنطقي.
إن غياب التمييز بين العدل والعدالة أعجز الخطاب الديني الإسلامي من طرح قضية الإنسان الأساسية لصالح قضايا فرعية، فغياب العدل يعني غياب مفهوم الحق الذي تم تأطيره بحدود ضيقة لا تسمح له بأن يكون ركيزة أساسية في الخطاب هذا، وتم التركيز على حقوق شخصية منفردة وجعلها أساس وأصل ديني مستقل، الحق والعدل كيان واحد لا يتجزأ يبدأ في الأنسان وينتهي به، لذا فخطاب الحقوق بعيد جدا عند الإسلامين عن منطق القرأن ومنطق الفكرة التي يقوم عليها النسق الديني كله، وهو أن الله كرم الإنسان وسخر له الموجودات حتى يبني كيانا عادلا سويا يوازن بين الواجب والمسئولية,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف كان أداء الرئيس الأمريكي ومنافسه ترمب في مناظرتهما الرئا


.. المجلس الوزاري الأمني بإسرائيل يقر إجراءات طرحها سموتريتش تس




.. حاملة طائرات أمريكية تستعرض عملياتها في البحر الأحمر


.. شاهد| المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الأمريكية جو بايدن و




.. مدير حملة ترمب يعلن النصر عقب انتهاء المناظرة