الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتدينون الشرقيون : يبحثون في الخـر....ة عن حَب البطيخ !

رائد سعدي ناصر

2024 / 6 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة أود الاشارة الى ان اعداد المتدينين في أغلب مجتمعات العالم المتحضر تتناقص يوم بعد آخر تبعا لتواصل تشريع قوانين تضمن الحقوق والعدل ، وبضمنها القوانين التي تضمن المساواة وتوفير متطلبات المعيشة الضرورية للانسان وفقا لحصيلة الفكر القانوني الانساني المتطور دائما .
مثل هذه القوانين تساهم بشكل كبير جدا في ابعاد الانسان عن الوقوع في زاوية اليأس التي قد لا يجد فيها منفذا لانقاذه من محنة صعوبة الحصول على الطعام او السكن او العلاج او عدم اعتداء الآخرين عليه سوى التوسل الى ( الدين ) الموروث اجتماعيا منذ الاف السنين .
بيوت العبادة تفرغ في البلدان التي يتمتع فيها الانسان بحقوقه الاساسية الضرورية اعلاه ، في حين تبقى ايام الاعياد والمناسبات الدينية تراثا يفيد في كونه ايام راحة ولقاءات اجتماعية .
في مثل هذه البلدان يقل جدا حاليا اقبال الناس على امتهان مهنة ( رجل دين ) نظرا لوجود مهن كثيرة اخرى يتمكن فيها الناس من كسب لقمة عيشهم ناهيك عن شعور الاغلبية بأن مثل هذه المهنة غير مرغوب بها لانها غالبا ما تكون مهنة بيع الكذب على الآخرين ، لاسيما ان هؤلاء الناس باتوا يدركون بأن الخالق اعطى الانسان ( العقل ) ، وبموجب حصيلة عقول البشر يتمكن الانسان من وضع كل الاصول والقوانين التي تنظم حياة البشر بشكل يساوي ويخدم الجميع وذلك هو فعلا ما يرضي ( الله ) لو انه موجود فعلا .
اغلب ناس هذه البلدان التي نتحدث عنها يدركون باحتمال كبير لوجود خالق للكون ، لكن هؤلاء الافراد باتوا بنفس الوقت متأكدين ان هذا الخالق ليس بالسذاجة التي تجعله يغضب لمجرد انهم لا يرددون له صلواتهم وتوسلاتهم الدينية الموروثة من دين او طائفة محددة !
اغلب هؤلاء الناس يدركون ان السلام وعدم الاعتداء على حقوق الاخرين هو ما يريده الخالق منهم لو كان هذا الخالق موجودا فعلا ، وهكذا ووفقا لهذا الادراك فأن ( الدين او الله ) لم تعد مسألة تهم هولاء الافراد بقدر ما هم مهتمون ان يحصل كل انسان على حياة كريمة !
اغلب هؤلاء الناس يدركون ان الاديان هي اول الافكار البدائية التي ابتكرها العقل البشري لحماية نفسه من اعتداء وظلم الآخرين قبل الاف السنين حينما لم تكن المجتمعات البشرية قد ابتكرت نظام الدولة والقانون . اغلب هؤلاء الناس يدركون الان ان ابتكار الانسان البدائي للدين كان يهدف ايضا الى منح الطمأنينة لنفسه لاسترداد الحياة بعد الموت المحتوم !
اغلب هؤلاء الناس يدركون الان سذاجة الابتكارات المتعددة للاديان حينما كانت البشرية تخلو من العلوم والتكنولوجيا المتطورة ، فمثلا كان الابتكار البدائي للوجود البشري هو قيام الخالق بخلق ( ذكر وانثى ) وحيدين ، ومن ثم تكاثرا ، وهذه الفكرة اقتبسها الانسان البدائي من تكاثر ذكر وانثى الحيوانات التي ابتدأ بتربيتها بعد آلاف من السنوات من حياة التنقل وعدم الاستقرار.
الانسان البدائي لم يكن مهتما حينها بالطريقة التي تكاثر فيها آدم وحواء الوحيدين على الارض ، فهل تزوج الأخ اخته لتتكاثر البشرية !!
أوليس من الافضل ابتكار القول مثلا ، بان الله خلق اعداد من الذكور والاناث ومن ثم تكاثروا ؟!
العقل البدائي البشري قبل الاف السنين كان من البساطة بحيث ابتكر ( أسهل ) رواية لظهور وتكاثر الجنس البشري ، حيث ابتكر هذا العقل البدائي قصة وجود آدم وحواء في الجنة ومن ثم عصيانهما لاحد الاوامر الساذجة للخالق ، وقيام هذا الخالق بالانتقام منهما وطردهما من الجنة الى الارض وليتكاثرا فيها !
اغلب الناس في البلدان المتحضرة التي نتحدث عنها تدرك الآن ان كل الاديان المورثة في جميع المجتمعات البشرية قائمة على اساس الايمان بـ ( حدث ) قديم جدا غير منطقي حصل لشخص او انبياء منذ الاف السنين ، دون وجود اي دليل علمي ، سوى كتب الـ ( القيل والقال ) ، وكأن الخالق هو الآخر ذو فكر وامكانيات بدائية بحث يصعب عليه وضع ادلة علمية وعقلية واضحة ومتجددة ولا تقبل الشك تجعل الانسان يؤمن او يصدق بأي من الاديان الموروثة اجتماعيا بين سكان الارض حاليا !
اغلب الناس في البلدان المتحضرة تدرك حاليا انه ليس ( الخوف ) من عقاب الخالق هو الذي يصحح مسار المجتمع ويمنع التجاوز على حقوق البشر وانما وجود القوانين المتجددة والتي يضعها العقل البشري لتكون نظاما يخضع له الجميع ، بينما يكون المتدينون قادرين في كل وقت على اللف والدوران من اجل وضع مصالحهم في المجرى الديني او الطائفي.
في جانب آخر، ما تزال اغلب افراد المجتمعات الشرقية المتخلفة حضاريا وقانونيا وعدليا تتوارث بشدة اصول ومعتقدات الاديان الموروثة اجتماعيا .
غياب الانظمة والقوانين العدلية والحقوقية في هذه المجتمعات يساهم في بقاء اغلبية الافراد في هذه المجتمعات محصورين في منفذهم الغيبي الوحيد المتمثل باللجوء الى الاديان المورثة قبل الاف السنين لاعتقادهم بكونها الوحيدة القادرة على انقاذهم من الوضع السيء الذي يعيشون فيه ، وهكذا نرى انتعاش سوق مهنة ( رجل الدين ) في هذه المجتمعات ، وبنفس الوقت فأن الساسة الذين يحكمون هذه المجتمعات يكونون مسرورين باستمرار تخدير شعوبهم بوسيلة الدين ليستمر اولئك الساسة في طريق سلبهم لحرية وكرامة واموال شعوبهم .
ما هو جدير بالملاحظة هو ان الكثير من الفارين من المجتمعات الشرقية المتخلفة حضاريا وحقوقيا الى دول اوربا او امريكا او استراليا يبقون ملتزمين باعتقاداتهم الدينية الموروثة مع تعصب يجعلهم يستمرون في مناهضة كل من لا يؤمن بمعتقداتهم الدينية او الطائفية داخل نفس الدين او خارجه، ويكمن السبب في ذلك ليس بصحة ما يؤمنون به اصلا لان كل اديان العالم قائمة على اساس ( كذبة ) مفترضة حصلت قبل الاف السنين دون وجود اي دليل علمي ، وانما يكمن السبب في حرص اولئك المتدينيين على مصالحهم الشخصية نظرا لكونهم استثمروا الكثير من الوقت في الصلوات والاعمال وفقا لديانتهم او طائفتهم ، ولذا فأنهم يشعرون بتضرر مصالهم الشخصية في حال عدم اهتمامهم بمعارضة الآخرين ومعارضة من اصبحوا لا يعيرون للاديان المورثة شيئا يذكر.
المتدينون الشرقيون قد يُعيّرون من لا يهتم بموضوعات الاديان واصفين اياه بانه ( لا دين له ولا ديانة ) وكأنهم يقولون بأن الذي لا يُصدّق اكاذيب مرت عليها الاف السنين هو انسان لا قيم ولا مباديء له ، وهو انسان قد يعتدي على حقوق الاخرين ، ويتناسى هؤلاء المتدينون بأن ( الدين ) لا يمنع واقعيا الانسان من الاعتداء على حقوق الاخرين بل أن ( عقل ) الانسان وحكمته وثقافته وتربيته التي نشأ عليها من ابويه ومن مجتمعه هي التي تمنعه من الاعتداء على حقوق الاخرين لاسيما بوجود القوانين التي تحافظ على هذا الوضع ، مُذكّرين ان وجود اي حُكم ديني على مدار كل التاريخ البشري كان عنوانا بارزا لمصادرة حقوق الانسان !
اعتقد ان ( منظومة السياسة في العالم ) وفي ظل سهولة انتشار التواصل بين بشر الارض قادرة على انهاء موضوعات الاديان بفترة اقصر مما نتخيلها ، لكن وجود مصالح دولية معينة هو الذي قد يؤجل انهاء هذا الملف من الحياة البشرية ، بل اننا نلاحظ ان هناك تفعيلا وتوسيعا لدائرة بعض الاديان وطوائفها في البلدان الشرقية المتخلفة ورفدها بالمزيد من التفرعات وضخ الاموال الضخمة من اجل ذلك !!
ان ما دعاني الى كتابة هذا المقال هو ما اشاهده او اقرأه من مناقشات مستمرة بين وارثي شتى انواع الاديان والطوائف في العالم وهم ينتقدون احدهم الآخر استنادا الى تلك الكلمة او تلك الجملة من هذا ( الكتاب المقدس ) او ذاك ، فهم يَتذرعون بالاصول والعقل والمنطق في حين انهم يتناسون ان كل ما يسمى بـ ( إيمانهم ) لا يستند الى العقل والمنطق وانما هو مبني على تصديق ( كذبة) تم ابتكارها بشريا قبل الاف السنين !
المتدينون الشرقيون يتحدثون وكأنهم جهلة و لا عقل لهم سوى الاقتداء والتعلم من كلام يتم توارثه من اجيال البشر المتخلفة قبل الاف السنين !!
عنوان هذا المقال هو مثل يتداوله العراقيون اجتماعيا ويرمز الى سذاجة بعض البشر حينما يبحثون عن مصالحهم الذاتية بطرق ساذجة في مجالات تضر ولا تنفع !
قمت بوضع كلمة ( بطيخ ) بدلا من كلمة ( رقّي ) نظرا لان الاولى معروفة عربيا بصورة اوسع .

كاتب وباحث في شوؤن الاديان
22.06.2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي