الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(المثقف) حين يمتهن التجارة !

ثامر عباس

2024 / 6 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان بودي أن أصوغ عنوان المقال بالشكل التالي : ( حين يستحيل المثقف إلى تاجر ! ) ، ولكني آثرت ، في اللحظة الأخيرة ، العدول عن فعل ذلك ، حيث ارتأيت ان الإبقاء على العنوان بصيغته الحالية هو الأكثر تعبيرا"عن مقاصد هذه المقالة . على اعتبار إن ضمّ الثقافة إلى التجارة ، وبالتالي اجتماع شخصية المثقف مع شخصية التاجر ، يعد من قبيل إضافة النقيض إلى نقيضه ، ومشابهة المختلف مع ما يخالفه .
فإذا ما سلمنا بأن من حق (كل إنسان) أن يمارس الأعمال والأنشطة التجارية المشروعة ، وفقا" لقدراته الذاتية ومهاراته الشخصية وإمكاناته الاقتصادية واجتهاداته التسويقية ، فهل يا ترى – بالمقابل – يحق (للمثقف) كإنسان أن يزاول هذا الفعاليات الاجتما - اقتصادية ، حاله في ذلك كحال أي إنسان آخر دون ممانعات ذاتية أو احراجات اجتماعية ، أم إن هناك (اعتبارات) أدبية و(روادع) قيمية ينبغي عليه مراعاتها والتقيد بها ، حين تضطره الظروف للانخراط في مثل هذه الأنشطة والممارسات ذات الطبيعة الاقتصادية والإنسانية ؟! .
فمن البديهي القول أن كل إنسان بحاجة إلى تأمين قوت حياته الشخصية والعائلية كما فعل أسلافه منذ آلاف السنين ؛ ليس فقط على صعيد الضروريات المادية والمعيشية والغريزية فحسب ، وإنما على مستوى الضروريات الفكرية والنفسية والرمزية كذلك . وبما أن المثقف هو إنسان أولا"وقبل كل شيء كما أشرنا ، فانه لا تثريب عليه حين يزاول عملا"- مهنة ما سواء في مجال التوظيف الرسمي (الحكومي) كأستاذ جامعي على سبيل المثال ، أو في مجال العمل التجاري (الأهلي) كصاحب مشروع خاص أو كمساهم في شركة . دون الأخذ بنظر الاعتبار الخصائص الإضافية التي من مثل ؛ وزنه الاجتماعي ، ودوره الاقتصادي ، ومستواه الثقافي ، وتحصيله العلمي ، طالما كان محافظا"على ثوابت الثقافة في بنية وعيه ، ومراعيا"معايير الأخلاق في أنماط سلوكه .
وبضوء التغييرات الجذرية الحاصلة في بنى المجتمعات العربية عامة والمجتمع العراقي خاصة ، على مدى العقود القليلة الماضية ، فضلا"عن التحولات الحادة والتداعيات العاصفة في مدماك منظوماتها القيمية والرمزية والحضارية ، فان دفاعات وممانعات البعض من (المثقفين) الطارئين سرعان ما تخضع لعوامل التآكل في أساساتها ، والتصدع في معمارها ، والتفكك في روابطها كما المومياء وهي تواجه عوامل الطبيعة . بحيث تهاوت الحواجز القائمة في وعيهم ، واندرست الحدود المنقوشة في ضمائرهم ، واضمحلت الفواصل المرسّمة في سيكولوجاتهم . وهكذا ، فقد تخالطت في تفكيرهم وتداخلت في تصوراتهم العديد من التناقضات والتقاطعات ؛ ما بين قيم (الثقافة) ورميم (الخرافة) من ناحية ، ودماثة (الأخلاق) وخباثة (النفاق) من ناحية ثانية ، وفضيلة (القناعة) ورذيلة (الرقاعة) من ناحية ثالثة .
والحال ، فقد ثبت لي - واقعيا"وشخصيا"- من خلال تعاملي المباشر مع بعض أصحاب دور النشر الخاصة من ذوي الخلفيات الأكاديمية (أساتذة جامعيين) أو الفكرية (كتاب وباحثين) ، ممن استحبوا الانخراط في مجال طباعة الكتب ونشرها وتوزيعها ، أنهم تحولوا – بوازع من مآرب ومكاسب مالية - الى (تجار) أقحاح لا يختلفون بشيء عن أقرانهم ، سوى كونهم باتوا بارعين في ارتداء الأقنعة المزينة بعناوين ثقافية مغرية ويافطات ترويجية جذابة . لا بل أن نظرتهم الى المنتوج الثقافي والفكري باتت لا تقل – من حيث اعتصارهم فائض القيمة - عن نظرة نظرائهم تجار السوق ان لم تكن أشد إمعانا"في مجالات الكسب المادي . ولعل حجتهم الجاهزة على ذلك ما طرأ على سوق (الكتاب) من غلاء في مواد الطباعة ، فضلا"عما أصاب القراء من عزوف عن الكتب (الورقية) المكلفة والتحول عنها الى الكتب (الالكترونية) المجانية ، الأمر أفضى الى ركود السلعة الثقافية (الكتاب) وتراجع زخم الطلب عليها كما كان الحال في السابق ! .
ولكن ، برغم قوة الحجة التي يسوقونها ووجاهة الأسباب والدوافع التي يقدمونها هؤلاء الذين يحرصون على الجمع بين فضائل (الثقافة) ورذائل (التجارة) ، لتبرير مثل هذا السلوك (التجاري) الشائن في التعامل مع الكاتب والكتاب ، فان هناك (حدود) معيارية – أدبية وأخلاقية وإنسانية - لا ينبغي ولا يجوز على من يحسب نفسه من أرباب (الثقافة) تجاهلها أو تجاوزها مهما كانت الأسباب والدوافع ، وإلاّ فانه يفقد صفته ك(مثقف) ويستحيل الى (تاجر) سوق تحركه بواعث الربح والخسارة ليس إلاّ ، وإذاك تسقط دعاوى الثقافة عن شخصيته وتزاح هالة الاعتبار التي تجلل كيانه ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلاصة زيارة وزير الخارجية المغربي لبرلين | الأخبار


.. الإيرانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيسهم الجديد •




.. روبوت ينتحر.. والسبب غريب! | #الصباح_مع_مها


.. -معركة الشيخوخة- في المناظرة الرئاسية.. ماذا قال بايدن وترام




.. وسط إقبال محدود ودعوات من خامنئي لمشاركة أوسع.. الإيرانيون ي