الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيعة في الإسلام... بين المفهوم والممارسة.ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 6 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تأريخيا أول بيعة تمت في الإسلام بشكلها الفقهي والدستوري لاحقا هي بيعة رسول الله ص من قبل المسلمين وتعرف ببيعة العقبة الأولى، التي جرت في الموضع من منى سنة 12من النبوة 621 م حيث بايع 12 شخصًا من قبيلتي الأوس والخزرج من المدينة، كما أن بيعة العقبة الثانية كانت في ذات الموضع بعد ذلك في عام أثناء موسم حج سنة 13 من النبوة 622 م، وحضر هذه البيعة 73 رجلاً وامرأتان من أهل المدينة المنورة،
البيعة في لغة العرب هي الصفقة على ايجاب البيع وصفق يده بالبيع والبيعة وعلى يده صفقا: أي ضرب بيده على يده عند وجوب البيع.
وتبايعوا وتصافقوا بمعنى واحد وكان هذا معنى البيعة لدى العرب أصلا، ولم يعرف العرب البيعة على معنى العهد والحلف أبدا فقد كانوا يعقدون الحلف والعهد بأساليب مختلفة، وأول ما فعل ذلك بنو عبد مناف حين أرادوا أن يقاتلوا بني عبد الدار، على من يقوم بحجابة البيت وسقاية الحج وغيرهما من أعمال السيادة بمكة، وبذلك تكون البيعة هي صفقة متبادلة بين طرفي يبع الأول رضاه مقابل منحة أو وضع أو رضا من الطرف الأخر مشروطا فيها أما البتات أو الزمن كما حصل في صلح الحديبية، فالبيعة عقد ثنائي ملوم بين طرفين ما دامت شروطه ومقدماته قائمة مع أشتراط أهلية الطرفين الشخصية لإمضاء العقد، ولا بيعة لغائب ولا ينسب فعلها له إلا بالوكالة أو النيابة المقررة والمقبولة بين الطرفين.
ووردت البيعة الإيمانية الأولى كمفهوم عقدي ناشئ في القرآن الكريم في قوله تعالى (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما)، الملاحظ في هذا النص ثلاثة نقاط مهمة لمن يريد أن يعرف مفهوم البيعة، وهي:.
1. البيعة التي جرت مع النبي كانت بيعة كبرى لله وليس للرسول وهي بيعة إنابة بدليل أن الله أشار ليد رسول الله على أنها يد الله مع المبايعين "يد الله فوق أيديهم"، ويستدل من هذا النص أن لا بيعة تقوم بيد واحدة ما لم تكن هناك يد مقابل.
2. البيعة وإن كانت مع الله فهي شخصية فردية تسري في أصارها على طرفيها فقط، والدليل أن الألتزام بها أو التخلي عنها كما ورد في النص ينصرف الأصر فيه شخصيا، وهو عكس ما يدعيه بعض الفقه الإسلامي من أن البيعة غير ملزمة للجميع ويكفي أن تكون من النخب لتنتج أثر عموميا وعاما كليا (ولا يجب على عامة الناس أن يبايعوا بأنفسهم، بل يكفي في ذلك: الأمراء والعلماء ووجوه الناس، ثم تكون البيعة بذلك قد تمَّت، ويجب على الجميع أن يلتزموا طاعته في المعروف).
3. البيعة شكلا إعلان عن توثيق عقد، فهي أداة أستظهار وإعلان للعهد، فهي ليست مطلوبة لذاتها بل لمحمولها العقدي الذي هو في عقد أخر يسمى عقد العهد أو المعاهدة، فالبيعة قبول لما أتفق عليه المتعاقدان من شروط وبنود فقط، فإن لم يكن هناك شروط معلومة وواضحة وممكنة وشرعية لا يمكن للبيعة أن تكون صالحة ولا قيمة لها، لأن العقد الأساسي "العهد" وشروطه غير موجودة ولا يلوم المجهول أن يكون محل إلتزام بالمعلوم، والدليل " ومن اوفى بما عاهد عليه الله" فقبل البيعة كان هناك عهد مع الله وهو ما أورده المؤرخون وأهل الحديث بأنه نص على ما يلي (أن يبايع وليَّ الأمر على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وفي الأثرة على المبايع).
هذا ما يمكن أستخلاصه من النص القرآني حول البيعة وشروطها ومحتواها، مع أن البيعة الأولى والثانية قد تجددت بنفس الفهم والشروط في البيعة الثالثة أو ما يعرف بيعة الرضوان، أو بيعة الشجرة في سنة سبع من الهجرة والتي هي ما أشار إليها النص "والذين يبايعونك تحت الشجرة"، فقد استنفر رسول الله ص للعمرة فخرج معه الف وثلاثمائة أو الف وستمائة ومعه سبعون بدنة وقال لست بحامل سلاح، انما خرجت معتمرا واحرموا من ذي الحليفة، وساروا حتى دنوا من الحديبية على تسعة اميال من مكة، فبلغ الخبر اهل مكة فراعهم واستنفروا من أطاعهم من القبائل حولهم وقدموا مائتي فارس عليهم خالد بن الوليد أو عكرمة بن ابي جهل، وأنتهى الحال بما يعرف بصلح الحديبية لاحقا.
ما يهم من أمر البيعة غير شكلها الخارجي مضمونها الملزم والذي يعد من أهم ما أشارت له أحكام الإسلام وعظمته في العقود والعهود، حيث جاءت أحكام الوفاء بالعقد والعهد في قمة الملزمات الأمرة من الله، وقد وردت الكثير من النصوص التي أعطت علوية عالية حتى فوق ما يعرف بفروع الدين كالصوم والصلاة، وهذه أمثلة وليست حصريات منها:.
• ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ...وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ...أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ البقرة: 177.
• ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ آل عمران: 75 – 77.
• ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ المائدة 1.
• ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ النحل 91.
هذه النصوص القرآنية تتكلم عن العقد والعهد والميثاق ومنحته الأحترام والتعظيم ورتبت جزاء الوفاء به على أنه من أعلى درجات الإيمان، فالقيمة الأعتبارية للبيعة تأتي من القيمة الأعتبارية للعقد والعهد والميثاق، أما من الناحية الشكلية فالقبول والرضا الحقيقي يسبق البيعة ويؤسس لها، لذا فقيمة العهد والقبول به والرضا عنه أعلى درجة من شكل البيعة والذي يمكن ومن حلال التطور في أستخدام الوسائل أستعمل طرق أخرى تغبيرا عن التبايع بدل الصفقة على اليد، ومنها الكتاب ومنها الإعلان المباشر ومنها القبول والسكوت الإيجابي وأخيرا التصويت على العقد أو العهد، والحقيقة الممارسة الديمقراطية اليوم تمثل بيعة حقيقية بشروطها ومضمونها، لذا فهي من الناحية الشرعية بيعة كاملة لمن شارك فيها ولا يجوز الرجوع فيها طالما أن الطرف الأخر ملتزم ببنودها وعامل عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسبوع وما بعد | مناظرة ترمب وبايدن.. نقاط الضعف والقوة


.. سقوط جسم حربي بالشمال الإسرائيلي وانفجاره بشكل مدوٍ




.. بعد المناظرة.. الديمقراطيون يبحثون عن -بديل بايدن-


.. محل نقاش | بعد المناظرة وحديثهما عن الشرق الأوسط .. أيهما يم




.. مشرعون ديمقراطيون يطالبون باختيار مرشح بديل لبايدن