الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا وجدنا آباءنا … فتركناه مفتوحًا!

فاطمة ناعوت

2024 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




سألتُ زوجي: ( لماذا تتركون زرارَ البدلة السفلي مفتوحًا… عمدًا ودائمًا؟!!!) فقال: (هكذا وجدنا آباءنا يفعلون… ففعلنا!) فتحتُ ألبومَ صور العائلة، لأتأمل أبي الوسيمَ الأنيق في البدلة، فوجدتُ الزرَّ الأدنى… مفتوحًا!!!” سألتُه: (ليه يا بابا؟!!) فأجاب بابتسامته الآسرة: (أصول الشياكة يا حبيبتي!!)… ألقيتُ السلامَ وأغلقتُ الألبومَ ونظرتُ حولي: جميعُ وجهاء العالم يتركون الزرَّ السفليَّ في البدلة مفتوحًا… دون منطق مفهوم… ولا سبب وجيه!!!!
ولأنني لا أفعل أي شيء لمجرد "التقليد"، مادام يُعوزُه سببٌ منطقيٌّ يقنعني… ولأنني القائمةُ على أناقة ابني الجميل "عمر"، ولأنه يعشق مثلي "دار الأوبرا"، التي بالنسبة لنا "المنطقة الآمنة" التي نتنفس فيها بعمق لنطرد ضغوطَ الأيام من داخلنا، ولأن "عمر" مثلي، ذو عقل عنيد لا يعبأ بالتقليد قدرما يهتم بالمنطق؛ فهو طبعًا يغلقُ جميعَ أزرار البدلة "عادي جدًّا"، وأرحبُ أنا بذلك “عادي جدًّا” ضاربةً صفحًا عما فعل الآباء! للبدلة زِرّان، وعُروتان، إذن لنغلق الزرّين في العُروتين! ويحدث أن نلتقط صورةً لنا في "دار الأوبرا" وننشرها على صفحتي أو صفحة "عمر" في الاستراحة. وتتوالي المهاتفاتُ على هاتفي وهاتف "عمر" من والده وشقيقه والأصدقاء: (خلي عمر يفتح زرار البدلة السفلي! ) تُقالُ حادّةً مقتضبةً آمرةً ناهيةً بها مَسٌّ من غضب… وكأننا ارتكبنا أمرًا مشينًا جللاً!!!! لا أعبأ بهم، وأنظر حولي لأختلس نظرةً على الرجال من روّاد دار الأوبرا في بدلاتهم الرسمية الأنيقة، فأجد جميعَ الأزرار السفلية مفتوحة! يخفتُ يقيني بصحة وجة نظري! ومع أنني أعرفُ النتيجة مسبقًا، إلا أنني أغامرُ وأهمس في أذن "عمر": ( معلش يا "عمر"... افتح زرار البدلة السفلي يا حبيبي! )، وبالطبع، وكما أتوقّع، يجيبني "عمر" بكل أدب ورقة وحسم وحزم: ( لا! شكرًا!)
نسيتُ أن أخبركم أن كلمة (شكرًا) في قاموس "عمر"، تعني: (لا!) ولكنها ليست (الـ لا المدلّعة) القابلة للتفاوض! بل هي (لا القاطعة) التي تُنهى الجدل. لهذا يختصرها "عمر" في (شكرًا)، التي تغلق الحديث برُمّته، مصحوبةً بحركة من يده تشبه حركة السيف إذْ يقطع. أي: (هذا فصلُ القول)!
ربما "عمر" هو الأوحد على ظهر الكوكب الذي يغلق زرار البدلة، مُتحمّلاً الهمزَ واللمزَ، ولسانُ الحال يقول: (يا حرام الولد مش فاهم الموضة والأصول! وإزاي أمّه سايباه يرتكب الغلطة الشنيعة دي؟!!) “عمر" لا يعبأ بالناس وكلامهم، ولا أنا أعبأ! لكنني قررتُ أن "أُقنن وأشرعن" جريمتنا. فكرتُ: لابد أن للأمر مردًّا تاريخيًّا، لابد له أصل. بحثتُ فوجدتُ السبب "العجيب" الذي من أجله يفتح جميع رجال العالم زرًّا، يحقُّ له أن يُغلق!
طلع ايه بقا يا سيدي السبب؟ اسمع واندهش مثلي!!
“قاعدة معيارية يجب اتباعها في ربط أزرار سترة البذلة الرسمية هي: ”أحيانًا، دائمًا، أبدًا“، البذلة ذات الثلاثة أزرار: (أحيانًا) يمكنك ربط الزر العلوي، والزر الأوسط (يجب ربطه دائمًا)، أما الزر السفلي (فلا يجب ربطه أبدًا). وبالنسبة للسترة ذات الزرين، يجب عليك دائمًا أن تربط الزر العلوي وأن تتجنب ربط السفلي.”
عجيبٌ أمرهم!!! ولماذا يخيطون زرًّا ممنوعٌ ربطه؟! وبحثتُ عن السبب، فزاد اندهاشي وعجبي. طلع السبب هو الملك "إدوارد السابع"، الذي حكم بريطانيا تسع سنوات فقط من عام ١٩٠١ ١٩١٠. يقول السير "هاردي آميز"، مصمم أزياء الملكة "إليزابيث الثانية"، مثلما تقول مجلات الموضة إن الملك "إدوارد" صار بدينًا للغاية لدرجة أن جميع بذلاته لم تعد تتسع له، فتوقف عن ربط زرها السفلي. ومن باب الاحترام والتوقير لسموّه، توقف رجالُ البلاط البريطاني، وبعدئذ كل من في إنجلترا ومستعمرات بريطانيا، وبعدئذ كل رجال العالم، عن ربط الزر السفلي من بدلاتهم تباعًا! وتقول نظرية أخرى إن النبلاء حين يركبون خيولهم ببدلاتهم، يفتحون الزرَّ السفلي حتى يتمكنوا من القيادة.
حسنًا جدًّا، ابني "عمر" والحمد لله رشيقٌ للغاية، فلا حاجة لنا بتقليد الملك "إدوارد" رحمه الله. وفي أوقات الفروسية، بالطبع لا يرتدي ابني بدلة بأزرار، بل ملابس الخيل. وإذن، أعلنُ لكم أيها السادة أننا لن نجاريكم، مع كامل احترامنا لتقاليدكم الموروثة، وسوف نغلق أزرارَ البدلة جميعًا. فمادام هناك زرار ومادامت له عروة، فليدخل الزرُّ عروتَه!!
***
ومن نُثار خواطري:
***
(معطف)
هذي حبالُ الغسيلْ في شرفتي
ممزقةُ الخيوط
مُهدّلةٌ
ربما
لأن معاطفي وفساتيني
مُثقلةٌ بهموم نساءٍ
تدرّبنَ منذ بَدء حياتهن
على ابتلاعِ الحَزَن
ومصاحبةِ "كافكا”.


***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa