الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دانييل شرويتر يكتب عن اليهود والأمازيغ المغاربة: يهود تمزغوا أم أمازيغ تهودوا؟ 1 ‏من 2‏

عبداللطيف هسوف

2006 / 12 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بالإضافة إلى اللغة الأمازيغية التي كان اليهود يتقنونها بدمنات وأيت تكلا وأيت بوكماز وأيت بوأولي وتنغير ‏وقلعة مكونة وأرفود وإليغ وسوس وورززات خلال بداية القرن العشرين، كانوا أيضا يتكلمون العربية في بيوتهم، ‏ما طرح العديد من الأسئلة على المؤرخين: هل هاجر اليهود إلى المغرب وتمزغوا بعد أن سكنوا الجبال، أم أنهم ‏من أصل أمازيغي اعتنقوا الديانة اليهودية قبل الفتح الإسلامي؟ ‏
من بين الأبحاث المتعلقة بتاريخ اليهود المغاربة، لا تشغل الدراسات المهتمة بالبربر منهم سوى حيزا ضيقا. وهذا ‏يعود طبعا إلى كون المصادر المتعلقة بالأرياف والجبال ظلت على مد العصور السابقة مشتتة بالمقارنة مع ‏مثيلاتها المهتمة بالحواضر حيث استقر اليهود العرب (القادمين من الأندلس) الذين دونوا أشياء لا بأس بها ‏بخصوص حياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية. ومن ثم فإن ما عثر عليه بخصوص اليهود البربر ‏بالمغرب قبل الاستعمار الفرنسي لا يعدو كونه كتابات مكرورة لا تخرج عما هو مرتبط بالأسطورة المتناقلة ‏شفهيا. ومن أسباب ندرة المصادر المشتغلة على اليهود الأمازيغ قبل الاستعمار هو أن المغامرين الغربيين ‏النصارى كانوا مهددين في حياتهم متى فكروا في السفر داخل الجبال المغربية حيث كان يستقر معظم اليهود ‏البربر. وقد قتل جون دافيدسون (‏John Davidson‏) في إحدى مغامراته الاستكشافية داخل المغرب ولم يترك ‏معلومات يعتد بها. وحتى الذين نجحوا في مثل هذه المغامرات لم يسجلوا بشكل دقيق لائحة القبائل ولم يميزوا بين ‏اليهود البربر واليهود العرب حين كانوا يذكرون الإثنية اليهودية. لقد كانوا يذكرون اليهود المغاربة كأنما هم وحدة ‏متجانسة يعيشون إلى جانب المورسكيين والعروبيين والبربر. ومن خلال كل ما احتفظت به كتابات الأوربيين ‏خلال القرن التاسع عشر، يبرز أن جميع اليهود المغاربة كانوا يؤكدون تناسلهم من شعب يهود إسرائيل القديمة. ‏والفرق الوحيد الذي كان يشار إليه هو الفرق بين اليهود المطرودين من أسبانيا (ميغوراشيم ‏megorashim‏) ‏واليهود الأصليين (توشافيم ‏toshavim‏). ‏
بعد ذلك، زار المغرب سنة 1840 م جيمس ريدشاردسن (‏James Richardson‏)، وهو بريطاني كان يناضل ‏ضد النخاسة، وكان أول من ميز يهود الأطلس الكبير وسماهم اليهود الشلوح كشعب يتكلم الأمازيغية ويتميز عن ‏باقي يهود الحواضر بتشابه تقاليده مع تقاليد البربر. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأ ‏الأوربيون يكتشفون مجموعات يهودية تعيش وسط القبائل الأمازيغية تختلف كثيرا عن يهود الحواضر. وتحت ‏الحماية الفرنسية، ستؤكد كتابات الإثنولوجيين الفرنسيين ورجال الرابطة الإسرائيلية العالمية بصفة لا تقبل الجدال ‏الصورة المميزة لليهودي الأمازيغي المغربي. وخلال بداية القرن الماضي، جال المستشرق العبري نعوم سلوتشز ‏‏(‏Nahum Slouschz‏) أفريقيا الشمالية لدراسة أصول وتاريخ المجموعات اليهودية. إذ في سنة 1906، ‏سيكلف سلوتشز من قبل لوشاتوليي (‏Le Chatelier‏) مدير الهيئة العلمية اليهودية الخاصة بالمغرب للقيام ‏بأبحاث حول اليهود بتمويل من لجنة أفريقيا الفرنسية. وقد تمكنت دراسات شلوتشز من التأثير على نظرة ‏الفرنسيين إلى اليهودية بالمغرب. كما سيعمل شلوتشز تحت وصاية المقيم العام الجنرال ليوطي بعد ذلك ويقدم له ‏دراسات وافية عن يهود المغرب من أجل إعادة تنظيمهم وتوزيعهم. ويعتقد سلوتشز أنه في الفترات التي سبقت ‏التدخل العربي الإسلامي انتشر اليهود القادمين من فلسطين بين القبائل الأمازيغية وأصبحت بعد ذلك اليهودية ‏مهيمنة إلى حدود مجيئ الإسلام. هذا الاعتقاد ستصبح له قوة القانون المسلم به خلال فترة الحماية الفرنسية. وبما ‏أن شلوتشز كان ينتمي إلى الحركة الصهيونية آنذاك، فإنه لم يؤل جهدا في سبيل إيقاظ الوعي الوطني اليهودي. ‏ومن المؤكد أن أفكاره الصهيونية العنصرية هي دفعت بالإدارة الفرنسية إلى التخلي عن خدماته. ‏
ويقول شلوتشز: إن اليهود البربر، عكس اليهود العرب بالحواضر المتأثرين بالأوربيين، لا زالو يحافظون على ‏طريقة عيشهم البدائية المتأثرة بالتقاليد المحلية الأمازيغية. وهم من يمثل اليهود الحقيقيين لشمال أفريقيا، هم اليهود ‏الذين حافظوا على فردانيتهم وتقاليدهم الضاربة في القدم . (‏Nahum Slouschz, Travels in North ‎Africa, Philadelphia, The Jewish Publication Society of America, 1927‎‏). وفي دراسة ‏أخرى لبول ويكسلير (‏Paul Wexler‏)، اعتمدت على معطيات لسانية وإثنية، جاء فيها أن غالبية يهود ‏السيفاريدم تناسلوا من سكان شمال أفريقيا قبل أن يعتنقوا اليهودية ويستقروا بأسبانيا. وإذا سلمنا بهذه الفرضية ‏فسيكون معظم اليهود المغاربة (التوشافيم والميغوراشيم) قد تناسلوا من الشعب الأمازيغي، أي أمزيغ تهودوا قبل ‏أن ينتقل جزء منهم إلى الأندلس، ثم يعودوا إلى المغرب بعد الطرد الجماعي. ‏
وأول من سيتناقض مع نظرة شلوتشز القائلة بأن اليهود البربر هم في أغلبيتهم أبناء أمازيغ تم تهويدهم، كان هو ‏هايرشبورغ (‏H. Z. Hirschberg‏) الذي درس بشكل منهجي التقاليد القديمة ليستخلص أن الطرح بخصوص ‏تهويد البربر بشكل واسع لا يعتمد على مبررات دامغة. والواقع أن اليهود التجار استقروا بجبال المغرب عبر ‏القرون وكونوا مجموعات كبيرة في بعض المناطق، وهذا لا يمنع من أن بعض الأقليات من البربر تم تهويدها ‏خلال فترات مختلفة. ‏
إن الدلائل القليلة التي تثبت تواجد جاليات يهودية بشمال أفريقيا قبل مجيء الإسلام لا تسمح بالتأكيد على أهمية ‏الجوانب الديمغرافية والثقافية لليهودية داخل القبائل الأمازيغية. وأقدم مصدر تاريخي يتحدث عن قبائل يهودية ‏أمازيغية يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي (كتاب العبر لابن خلدون). كما أن هناك أيضا عددا من الأساطير ‏المحلية التي تتحدث عن تواجد اليهودية قبل الإسلام بالجنوب المغربي. ‏
ومهما يكن من أمر بهذا الشأن فإن أساطير تهويد البربر تدخل في أساطير أصل البربر التي طغت على النقاش ‏خلال العصور الوسطى، ثم عادت لتطرح من جديد مع تغلغل المستعمر الأجنبي في الأراضي المغربية. إن ‏أساطير انتشار المسيحية واليهودية بين القبائل الأمازيغة قبل الفتح الإسلام استغل بشكل واسع من قبل المستعمر ‏لإيجاد نوع من الفرقة بين البربر والعرب، وكذا لتبرير الاستعمار ذاته. ‏


Daniel J. Schroeter , Orientalism and the Jews of the Mediterranean ", Journal of ‎Mediterranean Studies, 4.2.1994, pp. 183-196.‎








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟