الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيحيون وليس نصارى

هاني عبيد

2024 / 6 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يمكن أن يكون المسيحي نصرانياً أو النصراني مسيحياً الا إذا لوينا عنق التاريخ وتجنينا على الحقيقة.
ولد المسيح ونشأ في بيئة يهودية يتكلم معظمهم اللغة الآرامية عدا نسبة قليلة تتكلم اليونانية وهي التي عادت إلى أورشليم من المنفى. كان اليهود ينتظرون المسيح القوي الجبار الذي يملك ويسيطر ويطرد المستعمرين الرومان وبالتالي يُنصّب ملكاً سياسياً على إسرائيل. خاب ظنهم من المسيح الذي يدعو للسلام والمحبة وأن مملكته ليست من هذا العالم فثاروا عليه وطلبوا من السلطات الرومانية بمعاقبته كمجرم وتم لهم تعذيبه وصلبه.
كان الرسل يؤمنون بمسيانية المسيح بالمعنى الذي فهمه كثير من اليهود وبأنه أرسل لخلاص الشعب اليهودي من قبضة الرومان وتأسيس مملكة تُحكم بالناموس (أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك لإسرائيل؟). إن ما غيّر مفهوم التلاميذ هو الروح القدس الذي حل عليهم عندما ظهر المسيح للرسل والتلاميذ المجتمعين في عيد العنصرة حيث أصبح مرشداً ومعلماً لهم بعد إنفصال المخلص عنهم حيث انضم إلى الرسل في ذلك اليوم ثلاثة الآف نفس شكلت الجماعة المسيحية الأولى في القدس. انطلق الرسل ليبشروا بالإنجيل في فلسطين حيث البيئة اليهودية، وفي ولايات الأمبراطورية الرومانية حيث يسكن اليهود والرومان. انعقد أول مجمع كنسي في القدس برئاسة يعقوب اخو الرب لتقرير العلاقة الشخصية بين رسل الختان والأمم وكذلك حسم موضوع الختان وتقرير العلاقة بين المتنصرين من اليهود والأمم.
نشأ المسيح في الناصرة ولذلك لُقّب بالناصري نسبة إليها ولُقّب أتباعه بالناصريين في البداية. ويذكر الخوري بولس الفغالي في كتابه "المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم" أن مرقص ولوقا وأعمال الرسل تسمي يسوع نزارينوس (ناصري)، بينما يسميه متى ولوقا ويوحنا وأعمال الرسل نزورانيوس (ناصري). وهذه الكلمات لم تعد تستخدم فيما بعد وحل محلها كلمة كريستيانوس أي مسيحي. إن شكلي كلمة ناصري يعنيان الشيء نفسه وهما يشتقان من الناصرة.
ظهرت وتبلورت بعد ذلك جماعة من اليهود المتنصرين أطلق عليهم اسم اليهودية المسيحية Jewish Christianity الذين ابتدعوا فكراً ومعتقداً مختلفاً عن العقيدة المسيحية. وظهرت ضمن هذه المجموعة في القرن الثاني الميلادي فرقة سًميت بالناصريين Nazarenes حيث لم تعترض على تبشير بولس بين الأمم ولكنهم ظلوا متمسكين بالناموس ليس كمتطلب خلاص ولكن لتكريم يهودية المسيح والتركيز عليها، والفرقة الأخرى هي فرقة الأبيونيون. بعد إنهيار الهيكل في عام 70م هاجر أعضاء اليهودية المسيحية إلى ابيلا في الاردن وقسم استوطن بيسان ومن ثم انتشرت في المناطق الشرقية لبلاد الشام والجزيرة العربية، ومن هنا تم إطلاق اسم النصارى على هذه الفرق المختلفة ودخل اسم النصارى في المصادر الإسلامية. من هنا نجد أن الاب لويس شيخو في دراساته المتعددة يُطلق اسم النصرانية في مؤلفاته، مثل: شعراء النصرانية وكتاب النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية وغيرهم وذلك للإشارة إلى إنتشار الفرق السابقة في الجزيرة العربية والتي تختلف عن المسيحية التي انتشرت في أرجاء الأمبراطورية الرومانية.
كانت القرون الميلادية الأربعة الأولى ساحة صراع بين المسيحية والفرق والشيع التي إنحرفت عن جوهر المسيحية الحقيقي والتي أدت إلى تثبيت أسس الإيمان الحقيقي في مجمع خلقيدونية، وتم هرطقة كل الأفكار والفرق التي ظهرت مثل الفرق الأبيونية والنسطورية والكسائية والأريوسية والأوطاخية وغيرها.
كان المسيح معروفاً باسماء شتى واتخذ لنفسه في أغلب الأوقات اسم ابن الإنسان (من يقول الناس إني انا ابن الإنسان)، وأهله كانوا يسمونه في ايام تجسده يسوع (إن هذا هو يسوع قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل كما قال سمعان)، وتابعوه أطلقوا عليه بعد قيامته كلمة الرب والذين رأوه كالملك الموعود به دعوه المسيح أو المسيا وهذا الاسم هو الذي عم العالم أجمع فنُسب إليه تابعوه (أنت هو المسيح ابن الله الحي كما اعترف بطرس). ظهرت كلمة مسيحيين في ثلاثة مواقع في العهد الجديد فقط، فأولاً قد سمى أهل أنطاكية تلاميذ يسوع مسيحيين، وثانياً صدرت عن المللك أغريباس القائل لأسيره بولس "بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً"، وثالثاً في رسالة بطرس الذي يُقارن بين القصاص الذي هو نصيب المجرم والقصاص الذي قد يكون من عواقب أتباع المسيح "إن كان كمسيحي". كان اسم مسيحي في أيام المسيح يحمل نبرة الإزدراء، كما قال نثنائيل لما سمع عن المسيح لأول مرة " أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالحاً؟".
يذكر الاب ابراهيم بطارسة في كتابه الموسوم ب "أتباع المسيح مسيحيون ونصارى" (أن المسيحيين هم الذين آمنوا بالمسيح من الوثنيين واتخذوه إلهاً، لخلو أذهانهم وتاريخهم من كل خلفية دينية سابقة وكتاب، وهم يقيمون الإنجيل بأحرفه الأربعة من دون التوراة كتاباً للحياة، ويقيمون العماد من دون الطهور – الختان).
وأما النصارى فهم أولئك الذين كانوا يراعون الأحكام والشعائر اليهودية وبخاصة شعيرة الختان، وهم أمة من بني إسرائيل آمنوا بوحدانية الله وأنه لم يلد ولم يولد، وهم يقيمون التوراة والإنجيل.
ينقل لنا المؤرخ يوحنا الاسيوي ( 585 م ) عن طوائف النصارى العرب قبل الاسلام انهم كانوا من الابيونيين والاريوسيين والكسائيين والاحناف وغيرهم، وهذه هرطقات غير معترف بها من قبل الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية التي تؤمن أن يسوع المسيح هو كلمة الله المتجسد حل فيه الروح القدس ولهذا يُدعى ابن الله مجازاً وليس بالولادة التي يتنزه عنها المسيحيون. هو اله كامل (روح الله) وإنسان كامل (ابن مريم) بدون أية خطيئة (روح الله وكلمته)، صًلب من أجل فداء البشر من أثر الخطيئة الأصلية لآدم وحواء وتمردهم على الله الخالق ، وان المسيح قام من الموت بجسده وروحه بعد مكوثه بالجسد ثلاثة ايام في القبر حيث مات الجسد فقط دون اللاهوت الذي لا يموت، وظهر لتلاميذه وللناس عدة مرات لمدة اربعين يوماً، واكل معهم ليريهم انه ليس شبحا بل جسدا وروحا مثلهم وعلمهم اسرار ملكوت السماء ، ثم ارتفع الى السماء حيا بجسده بعد ان وعدهم بعودته مرة اخرى يوم الحساب والدينونة في نهاية الزمان اي في المجيء الثاني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي