الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يقتل الانسان أخاه الأنسان؟

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

2024 / 6 / 27
المجتمع المدني


الحروب المجتمعية في التحليل السيكولوجي
أ.د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية العراقية

شغلت الحرب اهتمام الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس والأجتماع ،وتباينت وجهات نظرهم في الأجابة على تساؤلات محيرة:

• لماذا يقتل الأنسان اخاه الأنسان؟
• لماذا الحرب..بين مكونات الشعب الواحد؟
• هل هناك وسيلة ..طريقة لأنقاذ البشرية من الحروب؟
• هل من الممكن السيطرة على التطور العقلي للإنسان تخلصه من الكراهية والتدمير؟

المنظور السيكولوجي
هناك نظريتان لتفسير الحرب
• الأولى يتبناها علماء النفس التطوري ، يرون أنه من الطبيعي أن يخوض البشر حروبا لأننا مخلوقون في الأصل من جينات أنانية ورثناها من اجدادنا وسنورّثها لاحفادنا.لماذا؟: لأنها الوسيلة التي تمكننا من البقاء بالحصول على القوت والموارد التي تضمن لنا الحياة.
وان سالتهم: الا يمكن ان نحقق ذلك دون حرب؟..يجيبوك ..نعم ،ولكن اذا شكّل الآخرون تهديدا لبقائنا ،فاننا لا نتردد لحظة في اعلان الحرب عليهم.
• والثانية ..تفسر الحروب بيولوجيا بقولها: ان الرجال مهيؤون بيولوجيّا لخوض الحروب لأنهم يتمتعون بكميات كبيرة من هرمون التستوستيرون العدواني،وانخفاض هرمون السعادة.. السيروتونين. واثبتوا ذلك تجريبيا بأن حقنوا حيوانات بالسيروتونين فتصرفت بلطافة،وحقنوا اخرى بالهرمون العدواني التستوستيرون فتصرفت بعدوانية.

ومن اشهرالتفسيرات النفسية للحروب تفسير (ويليام جيمس)..فقد كان أول عالم نفسي يحقق في الأسباب النفسية وراء اندلاع الحروب، نشره في مقال بعنوان "المعادل الأخلاقي للحرب" عام 1910 .
يقول فيه.. إن الحروب كانت منتشرة جدا بسبب آثارها النفسية الإيجابية سواء على الفرد أو المجتمع. ويرى أن الآثار الإيجابية للحرب على المستوى الاجتماعي تتمثل في خلق شعور بالتكاتف والوحدة الوطنية بوجه التهديد الجماعي بتوحيدها لصفوف الناس معا، حيث إن الانخراط في المعارك لا يقتصر على الجيش فقط، بل يشاركه أفراد المجتمع كافة، فضلا عن أنها تجلب إحساسا بالانضباط والامتثال واحترام الأهداف المشتركة، بجانب إلهام المواطنين التصرف بشرف والتخلي عن الأنانية من أجل خدمة الصالح العام.
وعلى المستوى الفردي، يرى جيمس أن الحرب تبعث في نفوس الناس شعورا بأنهم على قيد الحياة وعلى أهبة الاستعداد، كما أنها تمنحهم هدفا ومعنى لتجاوز رتابة الحياة اليومية والتحرر من سطحيتها،ولأنها تتيح أيضا الفرصة للتعبير عن القيم الإنسانية مثل الانضباط والشجاعة والتضحية بالذات، والتي غالبا ما تكون متخفية في قلب دوامة الحياة العادية.
وننبه الى ان الحرب لا تعني فقط استخدام السلاح بانواعه فهناك حرب ليس فيها اي سلاح هي الحرب النفسية التي تحقق نفس هدف الحرب المسلحة،اي فرض الارادة على الاخر بغرض التحكّم في اعماله اقتصاديا واجتماعيا واعتباريا..بسلاح الكلمة التي تؤثر سلبا او ايجابا في معنويات الآخر المعادي او الآخر الصديق او المحايد ..وتدخل الخوف او الرعب باستخدام الأشاعة والدعاية السوداء.
ونرى ما يمكن ان يعدّ اضافة نظرية تتضمن مفارقة كبيرة ! :
• ان الانسان كلما تطور (حضاريا) يزداد سلوكه العدواني، بمعنى ان الحضارة هي احد اهم اسباب الحروب، بدليل ان الحروب في المجتمعات البدائية (غير المتحضرة) اقل بكثير من المجتمعات المتحضرة.
شاهدنا في ذلك ان علماء الآثار والأنثروبولوجيا اجروا دراسات عن العنف شملت 21 مجتمعا بدائيا (من الصيادين وجامعي الثمار)، وخلصت الدراسة التي اعدها "دوغلاس فراي" و"باتريك سودربيرغ" إلى أنه على مدار الـ200 عام الماضية، كانت الهجمات القاتلة بين المجموعات نادرة للغاية، ولم تحصل فيها سوى 148 حالة وفاة كانت بسبب صراعات فردية أو نزاعاتٍ عائلية.ليس هذا فقط عالم الأنثروبولوجيا "آر. برايان فيرغسون"جمع أدلة مقنعة تثبت أن الحرب لا يتجاوز عمرها 10 آلاف عام، وأنها باتت متكررة منذ حوالي 6 آلاف عام فقط.
ونضيف ايضا ما يمكن ان يعد قانونا اجتماعيا،هو: تزداد الحروب بزيادة أعداد نفوس العالم.

نظرية عراقية
اجرى علماء النفس تجاربهم على الحيوانات وخرجوا منها بنتائج صاغوها بنظريات تطبق على البشر، فيما اصبح العراق بعد ( 2003) مختبرا بشريا تمكّن عالم النفس الوصول لنتائج جديدة. وهذا ما فعلناه بمتابعتنا لما حصل للعراقيين خلال العشرين سنة الأخيرة ( بعد 2003) ،بنتائج تقدم لعلم النفس العربي والعالمي اجابة عملية واقعية عن اسباب الحروب المجتمعية، صغناها بأهم سببين :

الأول: المعتقدات
والواقعة التي تثبت ذلك ما حصل في العراق بين عامي 2006- 2008، وراح ضحيتها عشرات الآلاف ،واتذكر انه في يوم 17 تموز 2007 وصل عدد القتلى مئة عراقي ولسبب في منتهى السخافة.. ان العراقي يقتل أخاه العراق لمجرد ان اسمه حيدر او عمر .
نصبوا سيطرات بالشوارع ..يسألوك شسمك .. السني يقتل الآخر اذا كان اسمه حيدر ،والشيعي يقتل الآخر اذا كان اسمه عمر. سموها اعلاميا الحرب الطائفية..فيما هي علميا حرب المعتقدات. السنة يعتبرون انفسهم انهم هم الذين يمثلون الدين الاسلامي وهم على حق والشيعة على باطل والسلطة يجب ان تكون بيدهم ، والشيعة يعتقدون انهم هم المسلمون الحقيقيون والسنة على باطل .. والمعتقدات هذه سبب عالمي تاريخي وسيبقى ازليا بمسميات مختلفة..فتأخذ اسما آخر على صعيد النخب ..هي (الأدلجة) سيما على صعيد الأحزاب .. وخذ مثالين عربين على ذلك ما حصل للحزب الشيوعي السوداني،وما حصل للحزب الشيوعي العراقي من تعذيب بشع..قلع عيون ،سلخ جلد.
والثاني..هو..الهوية .. والهويات نوعان.. هويات توحّد فتشيع المحبة والسلام..انموذجها هوية الأنتماء للوطن، فحين يغلّب الملايين الذين يسكنون وطنا معينا شعورهم بالأنتماء الى وطنهم.. عاشوا بسلام ومحبة. وهويات فرعية: طائفية،قومية،عشائرية...اذا غلبّوها شاعت الكراهية وشحنت النفوس بدافع الأنتقام الذي يؤدي بحتمية سيكولوجية الى حروب بين مكونات المجتمع الواحد.
والمشكلة هنا لا تكمن في الاعتزاز بهويتنا الفرعية، بل في الموقف الذي نتبناه إزاء المجموعات الأخرى المختلفة عنا. فتعريفنا لأنفسنا من خلال انتمائنا لمجموعة معينة أو اقتصار هُويتنا على هذه المجموعة يخلق تلقائيا إحساسا بالتنافس والعداوة مع الأطراف الأخرى، تولّد بالضرورة صورة عقلية تصنِّف البشر على أساس كونهم "داخل المجموعة أم خارجها" و تؤدي بسهولة إلى تأجيج الصراع.ولهذا نجد أن معظم النزاعات على مر التاريخ كان سببها صدام بين مجموعتين أو أكثر مختلفتين في الهوية، مثل المسيحيين والمسلمين في الحروب الصليبية، أو اليهود والعرب، أو الهندوس والمسلمين في الهند..وحديثا حصل في عالمنا العربي هويتان فرعيتان جرى تغلّيبهما على هوية الأنتماء للوطن وكانتا أحد أهم اسباب الحروب بين ابناء الوطن الواحد،هما الهوية الطائفية..وشاهدها ما حدث بلبنان في سبعينيات القرن الماضي ووثقه امين المعلوف في كتابه (الهويات القاتلة) ،وما حدث في العراق بعد 2003 ووثقناه في كتابنا (الشخصية العراقية من السومرية الى الطائفية).
والثانية هي الهوية العشائرية ،وشاهدها اليمن والعراق. ففي العام 1998 كنت استاذا زائرا بجامعة صنعاء وذهبت بالسيارة الى مأرب لرؤية قصر الملكة بلقيس،فشاهدت في الطريق دبابات وعليها شباب بملابس مدنية. سألت صاحبي اليمني، مو المفروض ان يكونوا بملابس عسكرية؟..اجاب انها تعود للعشيرة الفلانية.وفهمت ان معظم العشائر اليمنية عندها دبابات تستخدمها لمحاربة بعضها البعض .
وفي العراق ..توجد لدى كل عشيرة(لاسيما العشائر الكبيرة في الجنوب) انواع الأسلحة، واذا نشبت معارك فيما بينها فان الدولة لا تستطيع احيانا انهائها او التدخل فيها. والسبب السيكولوجي لقيام الحرب الطائفية والحرب العشائرية هو التباهي والفخر والشجاعة والأستعلاء على الآخر وامتلاك موارد ديمومة الحياة .
ولدينا سبب ثالث يعد اضافة جديدة لعلم النفس العربي . فمن متابعتنا لما وقع للمجتمع العراقي من احداث في الألفية الثالثة التي لم يشهد مثلها التاريخ المعاصر، اوصلتنا الى ابتكار مصطلح سيكولوجي جديد للحرب هو (الحول العقلي).
ونعيد القول بان (الحول العقلي) يعني ان المصاب به يرى الأيجابيات في الجماعة التي ينتمي لها..طائفة ،قومية.. ويغمض عينيه عن سلبياتها، ويرى السلبيات في الجماعة الأخرى ويغمض عينيه عن ايجابياتها، ويرى ان جماعته على حق والجماعة الأخرى على باطل، وان الجماعات الأخرى هي السبب في خلق الأزمات مع ان جماعته شريك فيها . ما يعني أن حال احول العقل هذا كحال احول العين الذي يرى الواحد اثنين ولا يمكنك ان تقنعه بأنه واحد ، ولهذ تنشب الحروب بين المنتمين للجماعات المصابة بالحول العقلي..يعني حولان بحولان و(ثولان بثولان). ويشكل مصطلح (الحول العقلي) اضافة عربية جديدة لعلم النفس العالمي.

الخاتمة ..مع اينشتاين
بعث اينشتاين برسالة الى فرويد استهلها برثاء حال المثقفين على مر العصور، و الاعتراف بحقيقة أن غالبية النخب هم من الأوغاد، والمتربحين وأصحاب المصالح، والمؤدلجين وبعض الحمقى. وأن النشاط الإنساني الأكثر أهمية هو بأيدي سياسيين غير مسؤولين على الإطلاق.وأضاف بأن المثقفين يملكون تأثيرا بسيطا على مسار الأحداث السياسية، و أن النخب الفكرية لا تمارس أي تأثير مباشر على مسار التاريخ؛ وإن حقيقة انقسامها إلى عدة تيارات تجعل مهمة أعضائها مستحيلة للتعاون فيما بينها وإيجاد حلول للأزمات وتفادي الحروب.
واذا اضفت لها ..أن الطبيعة البشرية تقوم على الضد وضده النوعي: الخير وضده النوعي الشر، الحب وضده النوعي الكراهية، السلام وضده النوعي الحرب، وزدتها بما شئت من العيوب البشرية ،وتساءلت عن المستقبل لمن سيكون: للمفكرين والمثقفين الذين يشيعون المحبة والسلام؟ ام لاصحاب المصالح والاوغاد والحمقى الذين يشيعون الكراهية والحروب؟..عندها ستغسل يديك من الدنيا والحياة.
ومع ذلك،فنحن السيكولوجيون نبشر بالتفاؤل دائما.. وهذا ممكن اذا امتلك هذا الجيل وسائل التكنلوجيا والتواصل والاعلام ، ووظف فيها ما حصل لاجدادهم من كوارث وحروب ، واشاع بان الطبيعة البشرية قائمة على المحبة والسلام.. فانه سيوفق في التقليل من هذه الحروب لأنها تنّمي دافع الخير في الطبيعة البشرية.

* عن هذا الموضوع ..اجرت معنا فضائية الفرنسية 24 حوارا في برنامج ( في فلك الممنوع ) بث الخميس 27/6/ 2024.
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال ضابط إسرائيلي بإطار قضية التسريبات الأمنية.. ما التفا


.. هاريس وترامب يحاولان استقطاب الأقليات في ولاية ويسكونسن




.. كلمة الأمين العام للأمم المتحدة خلال فعاليات المنتدى الحضري


.. كلمة المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البش




.. تغطية خاصة | طرابلس تحتضن النازحين إليها من جنوب لبنان والبق