الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شواهد مسيحية في اليمن

هاني عبيد

2024 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدأ إنتشار المسيحية في جنوب الجزيرة العربية في القرن الرابع الميلادي، حيث كانت تسود عبادات وأديان متماثلة مع الأديان التي كانت سائدة في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام حيث إرتبطت هذه المناطق بطرق تجارية. إن البحث في البنية الدينية التي سادت المنطقة في القرون الأولى التي سبقت الإسلام يُشير بوضوح إلى كثرة البدع في المشرق والتي قدرّها أبيفانوس بثمانين بدعة. لقد انتشرت المسيحية في بلاد اليمن في القرون الستة الميلادية الأولى وتركت آثاراً تدل على إنتشارها في تلك البلاد. وسنتحدث هنا عن أثرين هما كعبة نجران ومدونة نجران القانونية.
كعبة نجران
عرف العرب قبل الإسلام كعبتين (هناك كعبة ثالثة في صنعاء ويقال أنها موجودة في مسجد غمدان ولكن لا يوجد ما يدل عليها)، وهما: كعبة مكة وكعبة نجران والتي إكتشفها جون فيلبي في 25 حزيران 1936م. وقد ذكرها ابن الكلبي "وأن بنو الحارث بن كعب هم من بنوا في نجران كعبة كبيرة" حيث تذكر المصادر التاريخية ثلاثة أساقفة لها وهم: يزيد بن عبد المدان وعبد المسيح من قبيلة الحارث بن كعب وقيس بن معد يكري من كندة. وقد ذكرها الشاعر الأعشى (قيس بن ثعلبة) في شعره بقوله:
وكعبة نجران حتم عليك حتى تنيخ بأبوابها
تزور يزيدا وعبد المسيح وقياً، هم خير أربابها
إذا الحبرات تلوت بهم وجروا أسافل هدابها
وقد وصفت الكعبة النجرانية بأنها قبة من آدم من ثلاثمائة جلد (أي ثلاثمائة من الجلد مخيطة) وكانت هذه القبة على نهر بنجران يُقال له (النحيردان) وكان لهذا النهر مورد مالي يبلغ عشرة الآف دينار يغطي نفقات القبة وسدنتها. ولعظمتها عندهم أطلقوا عليها كعبة نجران، إذا جاءهم الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد.
وتذكر المصادر التاريخية أن العرب قد حجوا إلى هذه الكعبة مدة 40 عاماً في الجاهلية. ويزعم أهل نجران أن موقع هذه الكعبة (ويسموها الكنيسة) كان على قمة جبل "تصلال"، الذي يبعد عن نجران إلى الشمال الشرقي بحوالي 35 كم ويرتفع الجبل عما عداه من الجبال بنحو 100 متر.
كذلك بنى أبرهة الحبشي كاتدرائية في صنعاء عُرِفت بكاتدرائية القليس واستخدم في بنائها الأحجار المأخوذة من خرائب مأرب السبأية في عام 570م لتكون رمزاً للقوة الحبشية في جزيرة العرب. كانت الكنيسة مستطيلة الشكل لها مداخل بأبواب نحاسية تؤدي إلى غرفة محمولة على أعمدة من خشب الساج مزخرفة بالذهب والفضة وتؤدي هذه الغرفة إلى إيوان أقواسه مزخرفة ، وبالإيوان مدخل للقبة. بهذا الجزء صلبان من الذهب، وكانت القبة من ألبستر بحيث تسمح بدخول أشعة الشمس والقمر خلالها، ويُقال أنه أخذ الألبستر من قصر بلقيس في مأرب، وقد جعل حولها مساحة فضاء تكون بمثابة المطاف تشبيهاً بحرم الكعبة في مكة.
تعرضت الكنيسة للهدم في عهد الخليفة العباسي ابو العباس في عام 754م عندما أرسل خاله الربيع الحارثي والياً على اليمن مع رجال هجموا على الكنيسة واستولوا على محتوياتها من جواهر نفبسة وفضة وفسيفساء قبل هدمها وتسويتها بالأرض. وحالياً، ما بقي منها هو حفرة كبيرة بعمق 5 أمتار في صنعاء يُحيط بها سور حجري.
مدونة نجران القانونية
تعتبر مدونة نجران القانونية والتي ظهرت في القرن الخامس الميلادي في مدينة نجران دليلاً مادياً ملموساً على إنتشار المسيحية في هذه المدينة بحيث أن المدونة تستند في أبوابها على الفكر واللاهوت المسيحي. وقد قارنها البعض بقوانين حمورابي البابلية وجستنيان الرومانية. وقد قدم د. حسين علي مجلي من جامعة صنعاء دراسة عن هذه المدونة القانونية . وبينما يذكر د. مجلي أن عدد مواد هذه المدونة القانونية هو ستون مادة، إلاّ أن مصادر أخرى تُبين أن عددها هو أربعة وستون مادة.
إن الأثر المسيحي يبدو واضحاً في مواد هذه المدونة رغم أن د. مجلي يذكر "وقد أدت المصالح المتعارضة في (الدولة-المدينة) نجران وامتزاح السيطرة البيزنطية بوجود حاكم يمني تابع لها، ضرورة الإبقاء على عدد كبير من النصوص التشريعية السابقة التي يتعارض عدد منها مع تعاليم الديانة المسيحية وخاصة في مضمار التحريم والعقاب". وتذكر د. نورة بنت علي النعيم في كتابها "التشريعات في جنوب غرب الجزيرة العربية حتى نهاية الدولة الحميرية" أن هذه القوانين (المقصود المدونة) خاصة بمنطقة نجران وقد أتى بها القديس جرجيني وذلك نقلاً عن كتاب "سيرة القديس" كمصدر وحيد لهذه القوانين والتي تُعرف باسم "القوانين الحميرية" حيث كان يُطلق على نجران مدينة الحميريين المؤمنين، وهي مزيج من التشريعات المحلية والمسيحية والبيزنطية إلاّ أن الطابع المسيحي يطغى عليها في معظم أجزائها. ويفترض البعض أن هذا القديس كان كاهناً مسيحياً عُيّن في ظفار بعد احتلال الحبشة للمنطقة وتحويل دولة حمير الوثنية إلى المسيحية.
أما عن تاريخ صدور هذه المدونة، هل صدرت بعد الإحتلال الحيشي مباشرة في خلال عهد الملك الحميري سميفع اشرع ؟ أم خلال حُكم أبرهة الحبشي؟ لكن المؤكد أنها صدرت قبل الإحتلال الفارسي للمنطقة، ولذا يُعتقد أن تاريخها يعود إلى الفترة ما بين 530م إلى 560م.
وسنبين الآن الأثر المسيحي في مواد هذه المدونة القانونية.
تنص المادة السادسة عشر بأنه لا يجوز أن يكون للرجل إلا زوجة واحدة فقط، كذلك يجب إجتناب البغاء اللعين.
تنص المادة الحادية والعشرين على تحريم اللواط والزنا والسحر على المسيحيين.
أما المادة التاسعة والعشرين فإنها تمنع العمل أيام الأعياد والآحاد وأيام الأعياد إلا بأمر من الملك.
حددت المادة التاسعة والأربعين بحق الأرملة في الزواج للمرة الأولى أو نذر نفسها في الدير لخدمته.
ونصت المادة الحادية والخمسين على عقوبة إرسال العبيد يوم الأحد وأيام الأعياد لحمل البضائع.
ومنعت المادة الخامسة والخمسين التسول في الطرقات والكنائس.
كذلك منعت المادة الثالثة والستين المغزل والنسيج يوم الأحد ومن خالف ذلك يحرق مغزله.
أما المادة الرابعة والستين فتنص على وجوب إصطحاب الأسرة يوم الأحد وأيام الأعياد إلى الكنيسة.
ونستنتج من هذه المواد أن المسيحية لم تكن منتشرة فقط في نجران وإنما كانت لها سلطات مدنية مستوحاة من التعاليم واللاهوت المسيحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري