الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الفضائح

سمية الشيباني

2006 / 12 / 15
المجتمع المدني


كلنا يعلم أثر الفضيحة على نفسية أي إنسان، وما تتركه من كدر وحزن وغليان ورغبة في التكذيب والحصول على البراءة، وكلنا يرفض الفضيحة، مهما كان شكلها، متأثرين ربما بالتربية أو بالثقافة أو بخلفيتنا الفكرية والاجتماعية التي ورثناها عن بيئتنا، بأن الفضيحة أمر مشين ولا تليق بالاستقامة والصورة الناصعة والمصداقية، وهكذا ساد هذا الاعتقاد حتى، أوائل التسعينات، وربما بعد ذلك أو قبل ذلك بقليل.
بدأت بعض الآفات تتسرب إلى عالمنا الفني والثقافي وتمارسها بعض الفآت في الثقافة والفن وتستمرئ فكرة الفضيحة لما تمنحه من انتشار وشهرة وأضواء، حيث يتصدر اسم صاحب الفضيحة بالمانشيتات العريضة على صفحات الصحف والمجلات بل على الأغلفة! وفي زماننا هذا في المواقع والصحف الاليكترونية.
بتنا لا نكترث كثيرا فيما إذا كان فلان مصاب بمرض خبيث! أو علانة كسرت ساقها وهي "خارجة من باب الحمام" أو حديث تلك المذيعة قد خرج عن الأدب قليلا مع الفنانة فلانة، حيث يكون رد الفنانة ربما رمي "النك مايك" على الأرض ومغادرة الأستوديو وعلى الهواء مباشرة! وفي اليوم التالي تبدأ البرامج الفنية والصحف والمجلات والمواقع وإذاعات الأف أم، تثير زوبعة حول حدث لا يغير من هجير أيامنا وأحداثنا الجسام.
لأننا نعلم أن كل ما ستفعله زوبعة هذه الفضيحة هي زيادة أسهم الفنانة في سوق " الأغذية العربية... عفوا أقصد الأغنية العربية" سواء كان صوتها جميل أم قبيح تجيد الغناء أم لا تجيده، المطلوب هو أن تظهر هذه الفنانة أكثر عدد مرات ممكنة أمام عدسات المصورين وعلى شاشات التلفزيون وعلى المواقع، كي تفسر ما حدث وتكذب الخبر مع تلك المذيعة في ذلك البرنامج وبعد ذلك تنهال عليها العروض! إعلانات وعقود وسفر ومهرجانات وكلمات وألحان، ورأس مالها في ازدياد، ورأس مال القصة فضيحة.
حتى أن إحداهن تطاولت على حصان! لأنها لم تجد من يتطاول عليها، إدعت بأن الحصان اشتهاها رغم أنها هي التي بدأت وداعبته وترنحت أمامه وأغوته! ولم يفعل الحصان المسكين
سوى أنه جنح وكاد يرتكب جريمة في موقع التصوير! بعد ذلك جنت هي كل محصول قصة "المغنية والحصان" وبقي الحصان المسكين في الظل بكمده وحسرته، وربما مات قهرا وكبتا.

نكتشف بمرور الوقت بأن كل شيء مفبرك وأن هناك اتفاق بين هذه الشخصيات والمخرج ومدير الأعمال وربما المحطة بكاملها، في أن يمثلوا الأحداث ويشعلوا شرارة الشهرة "بفضيحة!!!.

البسطاء طبعا يسقطون في الفخ ويتدافعون للحصول على نسخة من مجلة شعبية حصلت على السبق ويدفعون ثمن المجلة من كدهم وقوت يومهم لمتابعة الحدث، وربما بعض البسطاء مذيعون مبتدئون في محطات تلفزيونية وإذاعية ليس لديهم القدرة على التخيل أو التصور الذي يبعث في نفوسهم الشك أو الريبة فيكون أيضا أداة لترويج هذه الفضيحة أو تلك وربما لا يكون لديه القدرة على الإعداد لبرنامجه ويجد هذه المادة جاهزة ومعدة ولكن دون أن يعلم بأنه صار أداة ودون مقابل، وحتى المواقع ستتناول الحدث ليس لأنها لا تمتلك الخبرة أو لا تعلم خفايا الأمور بل لأنها تعرف وتريد أكبر عدد ممكن من القراء وهذا ينطبق حتى على الصحف والمجلات.

إلى هنا والأمر ربما يكون عاديا فالمغني أو المغنية في هذا الزمان يدفعون أي ثمن ومهما كان من أجل الوصول والشهرة والمال وصناعة اسم، وليس مهما أن يكون هذا الاسم فقاعة، أو الفضيحة ينتج عنها عقدة نفسية، أو تتفسخ سمعته في الوسط الاجتماعي أو الفني، لأنه أصلا لا تعنيه السمعة والمهم هو أن يأتي الفعل بثمنه والثمن معروف ومتفق عليه وبمدة محددة بعد ذلك يذهب المغني أو "المنشد" في حال سبيله طالما أنه حقق الهدف.

أما صانع الفضيحة والاسم وصاحب الفكرة فيذهب بحال سبيله بعد أن يكون قد قبض ما هو متفق عليه في الزمن المتفق عليه ليبدأ فكرة جديدة وصناعة جديدة وفضيحة جديدة وبر بكندا جديدة، وهكذا يسقط البسطاء في الفخ من جديد ويضيعون في لعبة الفضائح اللذيذة والتي صارت عادية في هذا الزمان.



لكن الذي ليس عاديا هو أن يدخل بعض أصحاب الكلمة المكتوبة، الأدباء والشعراء والكتاب، قاص كان أو روائي أو شاعر، حيث تستهويهم اللعبة! وبخلال أيام يحققون شهرة وحضور إعلامي لم يحظى به فيكتور هوجو، ولا طه حسين، ولا حتى الجواهري.



يبقى الوسط الإعلامي يغلي وأصحاب برامج الفكر الجاد يستضيفون الشخصية ويتحاورون لساعات حول الفضيحة وكيف كانت بداياتها وما هي مسبباتها وكيف الخروج منها وربما يحشرج صوت الضيف على أساس أنه إما مسروق أو متهم بالسرقة، نص شعري أو رواية أو فكرة أو اسم ليس مهما المهم هو أن تشتعل النيران وتنضج الفضيحة.



في هذا الفخ لا يسقط البسطاء بل يسقط الكبار وذوي الأقلام المقروءة، لأن البسطاء أصلا لا يعنيهم أصحاب النصوص فهم اختصاص أصحاب الخصور، أما الكبار فيعتبرون أنفسهم في حالة ترفع عن أصحاب الخصور ويعتقدون بأنهم أذكى من الذين يهتمون بالمغنين، فهم اختصاصهم أهل الأدب والفكر والثقافة وليس أهل الفن، وفي هذه الحالة سيكون المثقف الذي يساهم باشهار الفضيحة "ياغافل إلك الله" ربما تكون لديهم نوايا خفية وعلى حياء يتناولون القصة لزيادة القراء أو المشاهدين، لكن الأكيد هو أن هذا النوع من الفضائح أدسم وأثقل واللعبة أجمل وأكبر بمعنى "اللعب مع الكبار" وربما يتطاولون على بعضهم ولكنه تطاول الكبار على الكبار "مهما يكن"



لكنك تكتشف في نهاية الأمر بأنه اتفاق لا يختلف عن اتفاق تلك المغنية مع تلك المتذيعة! وهي لعبة لصناعة الإسم "وربما يكون أحد الطرفين ليس معنيا بهذه اللعبة" حيث يلعب الطرف الأضعف أو "الحلقة الأضعف" بصناعة الفضيحة ليعود إلى دائرة الأضواء بعد خفوت وفتور وافلاس!.



ترى من علم أهل الكتابة هذه الحيل؟ وهل سبقنا إليها أهل الكتابة من العالم الآخر لنتهم العولمة مثلا بتصدير هذه الأفكار؟ وأقول أهل الكتابة وليس أهل الثقافة لأن أهل الثقافة سيبقون أرفع بكثير عن هذه الممارسات.



كيف يضحي كاتب مثلا مهما يكن بسنوات شقائه وبصدقه وبماء وجهه من أجل ضوء أو عدسة كاميرا أو صوت عبر إذاعة؟



يحضرني هنا مقطع من قصيدة للشاعرة حمدة خميس في إحدى قصائدها حيث تقول



أنا لا أكتب الشعر كي أبلغ المجد

أو أنتشر في صفحة الإعلام

أكتب كي أضيء

كذا الشعاع ينسل خلسة ليمحوا الظلام



إذن المفهوم العام هو أن يكتب الكاتب كي يسجل موقفا ويضيء بذاته لذاته أو شمعة على حد قول من سبقونا وليس على أساس أن يمارس فلسفة أو منطق "شوفوني... شوفوني" مع الإعتذار للروائية سميرة المانع صاحبة رواية "شوفوني شوفوني" حيث تجرأت واستخدمت عنوان روايتها.


زمن لا تنفع معه الكتابة، ولا الفن الخالص، ولا الطرب الأصيل، "فضيحة واحدة بمائة مقال!" وربما مائة مقال لا تأتي كشكة دبوس بخاصرة القارئ مثل فضيحة، هذا هو منطق بعض مثقفينا في هذا الزمان! كيف يجدر بنا أن ننافس الوقت ونصنع تاريخنا؟ أو نوقظ بهاء تاريخنا وزهوه لنزهو به، كيف نستطيع أن نشكل حلقات من التواصل والصداقات لبعضنا البعض؟ كيف نصنع حاضرنا الثقافي والفكري؟ والجميع يشهق لفضيحة؟ لكنه لا يلتفت لكتابة سطر ولا لمائة سطر؟ مطلوب منا جميعا أن لا نلتفت إلى أي فضيحة بعد الآن وأن نترك الأمر لأروقة المحاكم ومطارق القضاة، ولنفوت الفرصة على أصحاب هذه الأساليب في احتلال صفحات المجلات والمواقع والصحف. أم إنني الآن بهذه المقالة ساهمت دون أن أدري بالترويج لأهل ثقافة الفضائح؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية