الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يعيشون فى القرن الواحد والعشرين بعقلية القرن السابع لشبه الجزيرة العربية

منى نوال حلمى

2024 / 7 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعيشون فى القرن الواحد والعشرين بعقلية القرن السابع فى شبه الجزيرة العربية
==================================================

مبدأيا أقول ، أن فى كل المجتمعات ، وعلى مر العصور ، وُجدت الجرائم . وطالما أن
العدالة غائبة ، وهناك تفرقة بين البشر ، على أساس الفلوس والنفوذ والدين والجنس ، والعِرق ، فالجريمة ستبقى .
والمجتمع المصرى ، مثل غيره من المجتمعات ، شهد الجرائم من كل نوع .
لكن الملاحظ ، أن الجرائم بشكل عام ، قد زادت ، فى الكم ، وفى درجة البشاعة . وما كان يُرتكب ليلا على استحياء ، أو فى السِر ، أصبح يواجهنا علنا ، وبجرأة مستحدثة ، وفى عز الظهر . حتى فى القرى ، والكفور ، والعزب ، والنجوع ، المعروفة بأنها بيئة مسالمة ،
تنفر من العنف ، وأهلها يتعاملون كأنهم من عائلة واحدة ، تأثرت بالجريمة فى المدن
الكبرى .
بعد تأملاتى ، خلصت الى أن ما يسمونها " الصحوة الاسلامية " ، التى وقعنا تحت احتلالها ، منذ سبعينيات القرن الماضى ، وحتى الآن ، هى المسئولة الأولى عن تغير الجرائم
فى مصر ، كما ، وكيفا . بل هى وراء الانحدار الأخلاقى ، والتجريف الحضارى ، والركود الثقافى ، الذى أصاب الوطن . وهذا ليس مستغربا ، من منظومة دينية ، تعادى كل القيم الحضارية الحديثة .
واذا أضفنا المشكلات المزمنة فى واقعنا ، فان النتيجة هى اخراج أسوأ ، وأردأ ، النسخ الكامنة فى النفوس ، كبت ، وتطلعات ، وانحيازات ، وسلوكيات همجية ، وغرائز بدائية ، موروثة من قرون سحيقة .
تعرضت الشخصية المصرى ، منذ الصحوة ، الى تشويه مخطط ، يقوده ويزعمه ،
التدين الشكلى المسيس ، لتأسيس مجتمع لا يكترث بأحوال الدنيا الفانية ، من اجادة للعمل ، والانتاج ، ومسئولية الانسان عن أفعاله ، وقدراته على تغيير حاضره .
أصبح الدين ، هو الطقوس الدينية ، من أجل الآخرة ، لأننا لم نُخلق الا للعبادة .
المرأة قطعة لحم تُغطى منذ طفولتها بالحجاب ، وظيفتها مضاعفة النسل الاسلامى بكثرة
الانجاب . وبالتالى يفقد المجتمع نصف طاقاته الانتاجية .
خرجت علينا الفتاوى الدينية السلفية ، من أدراج التاريخ ، تجرم الاختلاط ، وتحرم
الفنون ، وعمل النساء ، تبيح زواج القاصرات ، وارضاع الكبير ، تمدح تعدد الزوجات ،
والتداوى بشرب بول البعير ، والحجامة .
ولأن فكرة الوطن ، عند التيارات المتأسلمة الجهادية سعيا للحكم ، غير معترف بها ، حيث " الاسلام " هو الوطن . فقد اشتغلت على " أسلمة " القضايا الوطنية ، وتفريغها من هويتها المصرية . حتى الظواهر الطبيعية ، مثل الموجات الحارة الشديدة ، والزلازل ، ما هى الا غضب من الله ، عقابا على عدم تطبيق الشريعة الاسلامية .
وحتى تزدهر هذه الأفكار ، لابد من اشاعة مناخ عام ، من كراهية الآخر المختلف ، وكراهية اكتشافات العلم الحديث ، وكراهية الغرب الحاقدين على المسلمين ، المتآمرين على الاسلام . ولابد أيضا من استمرار " تخويف " الناس ، 24 ساعة يوميا ، من اقتراب
القيامة ، والثعبان الأقرع فى القبر ، ونار جهنم الخالدة .
قبل هذه الصحوة ، لم يكن المجتمع المصرى ، بهذا العنف ، والعدوانية ، والكراهية ، والذكورية ، وكسب المال السريع دون جهد ، وانتشار المخدرات ، وبؤر الفساد الأخلاقى ، والتحرشات الجنسية الصارخة ، ورجوع الفتوات والبلطجية فى الشوارع ، والهجوم الشرس على الفن ، والموسيقى ، و كل ما يخلق البهجة والفرح والاحتفال . وكانت قيمة الجمال ، حاضرة فى حياة أبسط البسطاء . الآن تلتصق البيوت بالقمامة المتراكمة ، والتلوث السمعى بمكبرات المساجد التى تتكائر أسرع من معدل المواليد ، ولا أحد يشعر ، أو يفعل شيئا . وهذا منطقى ، فاذا كانت الحياة الآخرة ، هى " الهدف " ، و " الغاية " ، فلا معنى لتجميل الحياة
قبل الموت . ولذلك يتحول الاهتمام الى بناء المساجد والجوامع والمدافن ، ومدارس تحفيظ
القرآن ، بدلا من بناء المستشفيات ، والمصانع ، والحدائق ، ودور الترفيه . فى أفقر قرية ،
نجد مئات المساجد المتلاصقة بميكرفوناتها ، المفروشة بكل فخامة . بينما لا يوجد مستشفى
واحد مجهز . وكأن مشكلة الوطن عام 2024 ، هى نقص الصلاة ، وليس الفقر والمرض
والجهل .
فى هذا المناخ المتضخم بالتدين ، يصبح رجال الدين ، والمشايخ ، ومقدمو الاعلام الاسلامى ، هم " النجوم " ، المطلوب رأيهم فى كل شئ . والرسل والأنبياء ، فى قرون مضت ، يصبحون " المرجعية " ، فى الفكر والسلوك . وقد ساعدتهم الظروف الاقتصادية الطاحنة ، على اكتساب المزيد من المصداقية ، والشعبية ، والنظر الى الوطن ، كعدو ،
لا يريد خيرا للناس .
بدلا من اللغة المدنية ، الصواب والخطأ ، قانونى وغير قانونى ، دستورى وغير دستورى ، سادت اللغة الدينية ، الحلال والحرام ، دار اسلام ، ودار كفر .. مسلمين وكفار ونصارى .
انها التربة الخصبة ، للتناقضات والازدواجيات ، لتصبح أكثر نشاطا ، وبجاحة ، والتى تقع فريستها الفئات الأضعف ، النساء ، والفقراء ، والجهلة ، وبسطاء العقول ، والمهزومين ، والمحبطين ، واليائسين ، والذكور الذين يعاملون طول الوقت ، كشهوات جنسية جائعة محرومة ، من أى علاقة صحية سوية ، مع الجنس الآخر . لكنهم يربون على تمجيد الفحولة الجنسية ، وعلى الصيد الحلال ، لكل أنثى تجرأت على ترك البيت ، الى الفضاء العام .
النتيجة النهائية المطلوبة ، هى انسان تملؤه التناقضات ، يمشى بالازدواجيات ، خائف ، متخبط ، يشعر بالضآلة واليأس ، ذو عقلية خرافية هشة ، يتأقلم مع القبح ، يطارده الشعور بالذنب طول الوقت ، بسبب حصار المحرمات ، المتربصة بأبسط المباهج . انسان حاضر العنف ، لا يشعر بالأمان ، دائم التعاسة والتجهم ، متحفز للهجوم ، سريع الاستفزاز من أتفه الأسباب . وفى لحظة ، ينفجر، ويعتدى ، ويسب ، ويشتم ، ويلعن ، ويقتل ، ويذبح
بالسكاكين ، ويخنق ، ويحرق ، ويضرب بالنار ، أو بالفأس ، أو بالشاكوش ، أو بالمقص ، أو بايد الهون .
ان التيارات الاسلامية المسيسة ، تخدع الناس باسم الفضيلة ، والعفة ، والدين ، وهى لا يهمها الفضيلة ، ولا تبالى بالعفة ، ولا تكترث بالدين . فهى تعلم علم اليقين ، أن الشعب المصرى ، يسلم عقله وحياته ، لأى أحد يتكلم " بقال الله وقال الرسول ".
خراب مصر ، والجلوس على حكمها ، هو الهدف . وأى شئ ، يصيب مصر بالضعف ، أو الانقسام ، أو البلبلة ، تدعمه وتنفق عليه ، وتجند له المرتزقة ، فى كل مؤسسات الدولة . وأى خير لمصر ، تنقض عليه فورا ، كالطيور المسعورة ، وتجهضه قبل الاكتمال .
هذه الأيام نحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو 2013 . الثورة التى ستبقى دائما ، لهذه التيارات المتأسلمة المسيسة ، " شوكة فى الزور " ، تمنعها من التنفس بطبيعية ، وراحة .
الاحتفال بثورة 30 يونيو ، لن يكتمل الا بالقضاء التام ، على مخطط تخريب ، وتفتيت وحكم مصر بالدين ، فى كافة أشكاله ، وتفاصيله اليومية . فى الاعلام ، والتعليم ، والثقافة ،
والفن ، والاقتصاد ، وقوانين الأحوال الشخصية .
الوفاء لثورة 30 يونيو ، التى أنقذتنا ، من بيع مصر ، وتعليق المشانق فى الشوارع ، وتكفين النساء وهن أحياء ، وانتهاك كل معنى للحريات ، والحقوق ، والخصوصية ، وأن نصبح بلدا مثل أفغانستان ، لن يؤتى ثماره ، الا بتدعيم صارم للدولة المدنية .
الدول المدنية ، لا دين لها . لكن فى ظلها يحق لكل انسان ، أن يكون له دينه ، بشرط ألا يفرضه على الآخرين ، وألا يخرج به الى الفضاء العام . وهذه نقطة يجهل بها غالبية الناس .
وبالتالى يجب نشر هذا الوعى ، كأولوية قومية .
ان الحكومة الجديدة ، تضع " بناء الانسان المصرى " من أولوياتها . السؤال كيف يتحقق ذلك ، والانسان فى مصر ، يعيش فى القرن الواحد والعشرين ، بعقلية الانسان فى القرن السابع ، لشبه الجزيرة العربية ؟؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و


.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف




.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله


.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446




.. 162-An-Nisa