الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتحُ الكنائس للمذاكرة… هل ثمرة المُحبّ جريمة؟!!

فاطمة ناعوت

2024 / 7 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدايةً أتقدمُ بجزيل الشكر إلى نيافة "الأنبا باڤلي"، الأسقف العام بالمنتزه الأسكندرية، لأنه صاحبُ مبادرة فتح الكنائس لطلاب الثانوية العامة، مسلمين ومسيحيين، للمذاكرة في قاعات مكيفة الهواء أثناء انقطاع التيار الكهربائي في بيوتهم. تلك المبادرةُ الراقية المتحضرة التي حذت حذوَها أماكنُ أخرى تمتلك مولدات كهربائية مثل المساجد والنوادي والمكتبات العامة، ومنها مكتبة الأسكندرية الجميلة. هذه المبادرة الجميلة سيظلُّ يذكرها التاريخُ وتذكرها مصرُ للكنيسة المصرية وللأنبا "باڤلي" المحترم، وهو بالمناسبة زميلُ دراستي في كلية الهندسة جامعة عيش شمس، التي تعلّمنا فيها التفكير العلمي والعملي لحلّ المشاكل، بعيدًا عن الأهواء والعنصريات الضيقة.
اعتدنا على تلك المبادرات الطيبة من الكنيسة المصرية الوطنية التي دائمًا ما تقدّم يدَ الخير لكل محتاج، دون النظر إلى انتمائه العَقَدي، لأنها تنظرُ للإنسان، بوصفه إنسانًا، وكفى. وهذا هو عينُ ما تحضُّ عليه جميع العقائد بالمناسبة. “والله يحبُّ المحسنين". كتبتُ عن هذه المبادرة الجميلة في مقالي الخميس الماضي بعنوان: “فتح بيوت الله للمذاكرة… من دفتر المحبة"، وتكلمتُ عن المساجد والكنائس والمكتبات والنوادي التي فتحت أبوابها للطلاب للمذاكرة، كان هذا قبل أن أرى ظلالَ العتمة التي حاولت أن تشوب الوجهَ الجميل لتلك المبادرة، وتشوهه!
بعد تلك المبادرة الجميلة، لاحت في الأفق بعضُ الأصوات الناعقة الزاعقة تحذّر الطلاب المسلمين من المذاكرة في الكنيسة! وتتهم تلك المبادرة الكريمة بأنها دعاوى تبشير! ياللسذاجة وصِغَر العقل وظلام الروح! إن أدق ما ينطبق على تلك الأصوات الشريرة هو الآية الكريمة: "منّاعُ للخير معتدٍ أثيم". فأولئك الزاعقين الناعقين لم يكتفوا بأنهم لم يفعلوا الخير، بل تجاوزوا ذلك بمراحل عديدة ومستويات فاخرة فاجرة. تأملوا معي تلك المستويات: ١ لم يبادروا بفعل الخير لحل مشكلة عامة - ٢ لم يشكروا مَن بادر لحل المشكلة نيابةً عنهم - ٣ لم يصمتوا، مع إن "صمت الظالم عبادة"، على نهج "نوم الظالم عبادة" – ٤بل تجاوزوا كل ما سبق، وهاجموا مَن يصنعون الخير!!!! تصوروا!
وما هي النتيجة السلبية للهجوم على صنّاع الخير؟ النتائج كارثية! النتيجة: امتناع صانع الخير عن صنع الخير! النتيجة: قتلُ الخير في المجتمع! النتيجة: قتلُ الفطرة الطيبة في الإنسان، وجعله يفكر ألف مرة قبل الإقدام على تقديم الخير؛ حيث سيفكر: (تُرى هل سـ يُساءُ فهم مقصدي؟ هل سأُهاجَم إن فعلتُ الخير؟! إذن "نشتري دماغنا" ولا نفعل الخير!)
تعالوا وفكروا معي ماذا لو "اشترت الكنيسة دماغها"، وتجنبت سوءَ ظن الأشرار، فأعلنت مثلا عن: "فتح أبوابها للمذاكرة لأبنائها المسيحيين وفقط”!! تخيلوا كم الانتقاد العنيف الذي كان سيوجّه للكنيسة آنذاك على هذا الفعل العنصري! وكنتُ سأكون من المنتقدين بالمناسبة! نفهم من هذا أن الكنيسة "مُدانة" في الحالتين؟! إن فتحت أبوابَها للجميع اتهِمَت بالتبشير، وإن قصرت مبادرتها على أبنائها اتهمت بالطائفية وعدم المحبة للجميع! تخيلوا حجم الكوميديا السوداء!
ولكن الكنيسة أذكى وأرقى من الوقوع في تلك الشراك الصغيرة. فهي -شأنها شأن كل متحضر راق- تفعل الخير على كل حال، دون حسابات، ودون أن تعبأ بصِغَر عقول الأشرار. وشكرًا لشرفاء المسلمين الذين ردوا على أدعياء الدين فيقول: “طه محمد": "طب أنا هبعت بنتى ومتبرع ب ١٠٠ ج على قدي، عشان مستلزمات مولدات الكهرباء فى الكنيسة وألف شكر.” ويقول "علي همام": عيب عليكم إحنا مشوفناش من الكنايس حوالينا غير كل خير فى كل المناسبات.”.
ذكرني هذا بمقال قديم عنوانه "بلحة المحب قضية"، كتبتُه في رمضان ٢٠١٥ في مجلة "٧ أيام"، حين رفع أحدُ الأشرار قضية ضد ثلاثة شباب مسيحيين يقفون في الشارع وقت أذان المغرب ليقدموا التمر والماء للمسلمين ليكسروا صيامهم في الطريق. تصوروا! وبالفعل صارت قضية اتهم فيها فاعلو الخير الثلاثة بالتبشير لأن كيس التمر كان يحمل ورقة صغيرة مكتوب عليها "لأن كتابنا يقول: ’كأسُ ماءٍ بارد لا يضيع أجرُه.‘ نتمنى لكم صومًا مقبولا وإفطارًا شهيًّا.”. تصورا!!!!! ألف علامة تعجب توضع هنا!
يقول كتابُنا: “هل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان.” “الرحمن ٦٠" ويقول المثلُ الشعبي: “بصلة المحب خروف"، وما يقدمه أشقاؤنا المسيحيين لمصر من خير وحب ليس بصلة بل ورودًا ذاتَ شذى وشموسًا ذات ضوء، أما تلك الأصوات الناعقة فتجعلنا نقول بملء الحزن: “هل ثمرةُ المحب جريمة؟!!!”
***
ومن نُثار خواطري:
***
(الطيبون)
الطيبونَ
يجولون يصنعون الخيرَ
لا يعبأون
بأقلام الفحم
يحملُها الصغارُ
يشخبطون بها
على الزهور
والشموس
التي يرسمُها الطيبون
على وجه الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
على سالم ( 2024 / 7 / 4 - 15:10 )
المقال هادف وقوى ويسلط الضوء على مشاكل مزمنه فى مصر


2 - صرخة من الضمير
موريس صليبا ( 2024 / 7 / 5 - 10:26 )
الشكر والتقدير للمفكرة والكاتبة الرائعة صاحبة هذا المقال. هي تعرف كيف تميّز بين الخير والشرّ بين الصالح والباطل بين الظلمة والنور. مصر تحتاج إلى عقول منوّرة من أمثالها.


3 - فوبيا التنصير
Magdi ( 2024 / 7 / 5 - 11:40 )
فوبيا التنصير
فتح الكنائس لأبنائنا المسلمين حتى يتمكنوا من المذاكرة مع أخوانهم المسيحيين (نظرا لأنقطاع الكهرباء ) - مبادرة جيده - أثارت تخوف أبو جاسر من تنصيرهم .
أثار هذا التخوف سخرية المفكر الحر باسم سام.
لاحظ أ. باسم أن المساجد غير مفتوحة للمسيحيين
فى الكنائس يجلس الطلبة والطالبات ، بخلاف ما يحدث فى المساجد .
أنظر فى الفيديو ضحكة باسم على علم مقاومة التنصير :
عاجل . أبوجاسر مؤسس علم مقاومة التنصير. بالفيديو أبو جاسر يحذر وعاوز فلوس
https://www.youtube.com/live/JB_lS54rmp0
---

مع التحية للحضور .مجدى سامى زكى
Magdi Sami Zaki

اخر الافلام

.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر


.. 165-An-Nisa




.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام


.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى




.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي