الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الغَبَاءُ المُقدّس -

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2024 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


------------------
- كانَ العرَب - قديماً - يقولون عمّن بزَّ أسلافه ، وفاقَ أجداده ، أو تفوّق عليهم في أمرٍ ما ، و تجاوزهم في الفهم و الخبرةِ ، أو التّجربة ..
هذا الإنسان هو . "خير خلف لخير سلف ".
- من المعلوم أن كلمة “السلفية” تُعبّر في عالم الثقافة والفكر ، عن تيار فكري ديني ، لا يختص بدين معين أو أقوام بعينها .
-و أتباعه يسمون " سلفيين ، وهم قومٌ أجلاف في الوعي ،
- يدعون دوماً إلى العودة بالفكر والسلوك، إلى غياهب الماضي ، إلى نهج القدماء ، ممّن يَعتَقدون فيهم القدوة الحسنة أو يسمونهم بـ " السلف الصالح".
- بمعنى آخر ، هم يدعون إلى تمثّل المرء التام للأسلاف ، و التقليد المحكم لكل سلوكيات الأجيال الأولى ، من أرباب الحزب أو العقيدة أو الأيديولوجيا .
- في إعتقادي ، السلفية هي ظاهرة اجتماعية - نفسية ، و ليست فقط ، مجرد ظاهرة فكرية محضة ، أو نزعة عقلية ماضوية خالصة ، تستحكم في الفهم ، وتحتل مناحي الوعي لدى الانسان .
- و أزعم ، أن هذه النزعة الماضوية في السلوك و التفكير ، تظهر سطوتها بوضوح ، عندما يغيب الفكر النقدي عن فهم الإنسان ...
فالفهم السلفي - الذي يُنظر إليه ، على أنه فهم معتل - يغيب في أحكامه العقلية ، الوعي بتغييرات الواقع المعيش ، و تستبد بفعالياته الذهنية ألية دفاعية تشبه ما يسمى بـ النكران في علم النفس ،
- وهي الآلية التي تظهر - غالباً - في سلوك الفرد المضطرب ذهنياً ، تعبيراً عن رفضه الاعتراف بالواقع الجديد ، و الفشل في مواجهة صروف الحياة الجديدة ، التي يمر أو يعيش بها ...
- الجدير بالذكر ، انّ حالة النكران هذه ، (كما يخبرنا علم النفس الاجتماعي )، قد تكون تعبيراً فردياً خاصاً ، أو حالاً جماعياً عاماً ،
- أي هي أشبه ما تكون بظاهرة إجتماعية ، تدفع فهم هذا الانسان الفاشل عادةً ، إلى ان يبحث عن الحلول لمشاكله الراهنة، فقط في أتون الماضي البعيد , أي في المثال الماضي البائد، الذي يَفترِضُ هو فيه الكمال و المجد المنشود ...
- لهذا نجد أن الفهم السلفي يعمى عن حقيقة الاحداث التاريخية مثلا ، ولايطيق انْ ينظر إلى حقيقة واقعيتها أو منطقية تسلسل وجودها ،
- و لهذا هو يتوهم الماضي دائما ، زماناً تليداً ، نموذجياً مثالياً ، ومجداً حقيقياً ، كان يعيش فيه السلف الصالح من البشر ، الذين - حسب ظنه - كانوا أنقياء بالمطلق ، أقوياء أشداء ، وكذلك حكماء ، فكروا في كل شيء ، و وجدوا حلولاً لمشاكلهم السابقة ، و مشاكلنا اللاحقة..
- وانطلاقاً من موقف الثبات المطلق ، الذي يعيش فيه هذا الفهم السلفي ، ورفضه العقلي الصارم وشبه التام ، لمبدأ التغير الذي يحكم الواقع ، ويحوّل بالتالي معرفتنا بالوجود، إلى معرفة نسبية بالضرورة ،
- يكون من السهل على أتباع هذا الفهم الماضوي ، التّحول دائماً من عالم الكراهية والتكفير للفهم المختلف عنهم ، إلى عالم العنف ، أو الإنجرار بسهولة إلى سلوك الارهاب بشتى أنواعه ..
- بخاصةً ، إذا ما أيقن هذا المؤمن يقيناً ، ان ما لديه من نصوص وتاريخ و شخوص وافعال ماضية هي مطلقة في حقيقتها ، أو انها وقائع ترتبط في صحتها المطلقة مع إرادة الله .
- من هنا بالتحديد ، فإن الوعي السلفي المؤمن يرى ، أن كل ما علينا فعله فقط ، إذا ما اردنا سعادة الدارين ، هو إتباع أولئك السلف ،
- وذلك بأن نهتدي بهديهم ، ونقوّم حياتنا وأفهامنا و واقعنا باتباعهم ، ونعمل على ان نسير وراءهم حافرٍ بحافر ( كما يقول العرب القدماء ) ، وبالتالي النجاة تكون فقط ، في الابتعاد عن أية بدعة أو ضلالة أو جِدّة .
- بمعنى آخر ، تقديم استقالتنا العقلية و الفكرية والذهنية نهائياً . وتفعيل منجم الكراهية في أعماقنا لكل ما هو حاضر ومستقبل جديد ، وأن نعيش فقط في جلباب الماضي ، وأن نبقى هكذا ، إلى أن يرث الله الارض ومنْ عليها .
-و هذا بالضبط ، ما لا يُمكن أن يُنعت فقط بالجهل أو بالجمود الفكري أو محدودية العقل فحسب ،
بل أقل ما يصح أن يوصف به حال هذا الفهم السقيم هو :
عين الغباء المُقدّس .
-و رحم الله الطبيب المتفلسف ، العبقري "ابن سينا" حين قال :
بُلينا بقومٍ .. يَظنونَ أنّ الله .. لمْ يهدِ سواهم .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: -ماكرون يبحث عن شخصية خارقة ت


.. عبد الملك الحوثي يهدد باستهداف منشآت سعودية




.. وزير الخارجية المصري: استخدام إسرائيل لسلاح الجوع في حرب غزة


.. المفوض العام للأونروا: الكثير من مقرات الوكالة في غزة تعرضت




.. هدوء في شوارع باريس بعد ليلة عاصفة من الاحتفالات والاشتباكات