الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في نفوس رفاقه..

سالم قبيلات

2024 / 7 / 4
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


نافذة على الثبات والنضال
«أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في نفوس رفاقه..
صاحب هذه البطاقة، من خالدي الذكر، الرفيق عوني فاخر، المعروف بـ«أبو موسى»، كان شيوعياً ووطنياً وأُممياً من طراز فريد؛ كان مناضلاً جسوراً، وشجاعاً، ونزيهاً، ومُهاباً، ومحترماً، وواضح الفِكر، وثابت الموقف، وراسخ المبدأ، ومتفانياً في خدمة الطبقة العاملة والكادحين وقضية التحرر الوطني والاشتراكية، وظل يعمل بحماس وتفان لنصرة حزبه، الحزب الشيوعي الأردني، في زمن كان فيه النضال الوطني محفوفاً بالمخاطر والتحديات.. هكذا عرفه الرفاق الذين كان لهم معه تعامل يومي وثيق.
شارك أبو موسى في قيادة الحزب في زمن القمع والاستبداد، وترك بصمات لا تنمحي في مسيرة النضال الوطني، في بلادنا، من أجل الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.
ولد «أبو موسى» في مدينة عمان في العام 1930، في كنف عائلة شركسية وطنية ومثقفة تنتمي إلى الطبقة الوسطى وتتمتع بقيم التماسك الاجتماعي وصلابة الالتزام بالعادات والتقاليد والثقافة الشركسية؛ وأنهى تحصيله الدراسي في الكلية العلمية الإسلامية في جبل عمان.
عم «أبو موسى»، أيوب فاخر، رئيس بلدية عمَّان في العامين 1919 و1920، كان من زعامات الحركة الوطنية الأردنية البارزين، وقد سُجن ونُفي بسبب مواقفه الوطنية؛ بل وحُكم عليه بالإعدام بسبب مشاركته في «ثورة البلقاء»؛ حيث إنه لازم الثوار في مخيمهم في حسبان، وعندما هُزمت الثورة لجأ إلى سوريا. وكان من مؤسسي «الحزب الوطني» في العام 1921، إلى جانب عرار، وعلي خلقي الشرايري، وعودة القسوس، وشمس الدين سامي، وأديب وهبه، وصالح النجداوي.
ويشار إلى أنه في بداية خمسينيات القرن الماضي، انخرط العديد من أبناء العائلات الشركسية في الحركات السياسية الأردنية، وخصوصاً اليسارية منها، وكانوا الأقرب إلى الاندماج مع الثقافة الشعبية الأردنية والمصالح الوطنية الاستراتيجية.
انتسب الرفيق عوني فاخر للحزب الشيوعي الأردني في العام 1954، وحينها كان موظفاً حكومياً في وزارة الاقتصاد. وفي العام 1957، تم فصله من الوظيفة ومنعه من العمل، لأسباب سياسية. وكان أول اعتقال له، في العام 1957 أيضاً، بعد الانقلاب على حكومة سليمان النابلسي الوطنية، واستمر في الاعتقال لغاية العام 1965. وخلال الفترة ما بين العامين 1970 و1971، اضطر للاختفاء، لأنه كان مطلوباً وملاحقاً من الأجهزة الأمنية. كما اُعتُقل، في زنازين المخابرات العامة، لمدة شهرين، على إثر أحداث جامعة اليرموك في العام 1985.
خلال هذه المسيرة النضالية الصعبة، تميز الرفيق أبو موسى بطاقته العالية على التحمل، والجلد، والصمود، وكان مؤمناً بشدة بقضية الطبقة العاملة، ووفياً لمبادئ حزبه الشيوعي. وكان، في الوقت نفسه، يتمتع بعلاقات واسعة مع الشخصيات الوطنية والاجتماعية المختلفة، في العاصمة وفي مختلف المحافظات.
وللأسف، انتُقِص دوره، بشدَّة، وبلا أي مبرر حقيقي، بعد وحدة الشيوعيين في العام 1985، واُستُبعِد، وهُمِّش، ولم يتم انصافه وتقدير دوره المهم إلى أن رحل عن هذه الحياة وحتى الآن.
في سبعينيات القرن الماضي، برز اسم الرفيق «أبو موسى»، كقائد لامع في الحزب الشيوعي الأردني. ولعب، آنذاك، دوراً كبيراً في نشر الوعي الطبقي والوطني، بين الفئات الشعبية وبين أوساط المثقفين، وعمل من أجل تكريس العدل والمساواة بين فئات المجتمع المختلفة، وخصوصاً بين الجنسين.
وفي تلك الفترة، أولى الرفيق أبو موسى، قسطاً كبيراً من وقته وجهده لاستقطاب قطاعات واسعة من الشباب والطلاب، من مختلف المرافق التعليمية ومن مختلف المحافظات، لعضوية الحزب؛ وكان يشرف بنفسه على رعاية المميزين منهم وتطوير قدراتهم الكفاحية والقيادية.
كما رعى أبو موسى العديد من المبادرات المهمة في مجال العمل الجماهيري؛ ومن أبرزها: تأسيس رابطة الكتاب الأردنيين في العام 1974 التي انطلقت فكرة تأسيسها بمناسبة الرحيل المأساوي للأديب الأردني تيسير السبول؛ ومبادرة تأسيس اتحاد الشباب الديمقراطي الأردني التي كان من أبرز رموزها الرفاق أحمد جرادات، وعصام التل، وهاشم غرايبة، وعطيوي المجالي، وآخرون.
ولربما أن كثيرين لا يعرفون أسباب الاحترام الكبير، والمحبة الغامرة، اللذين كان يكنهما الشباب والطلاب الشيوعيون والديمقراطيون والوطنيون، في سبعينيات القرن الماضي، لشخص الرفيق «أبو موسى»؛ ولا يعرفون شيئاً عن دوره اللافت، آنذاك، في مضاعفة عضوية الحزب من أوساط الشباب.
لقد كانت لديه ثقة عالية بالنفس، كما أنه كان يفهم الشعب جيداً، وعرف كيف يقيم علاقات احترام متبادل مع مختلف أوساط المجتمع. وكان قلبه يفيض محبة صادقة لرفاقه، ويسخو بلا أي تحفظ في عطفه عليهم وإبداء محبته لهم؛ ولم تكن علاقته بهم علاقة عمل فقط؛ بل كانت علاقة إنسانية حقيقية زاخرة بالمشاعر؛ فكان يهتم بأدق تفاصيل شؤون الحياة الشخصية للرفاق الذين يعملون معه والمحيطين به وأُسرهم؛ فيؤازرهم، ويقوي عزيمتهم، إذا ما اعتراهم شيء من الوهن؛ ويزرع الثقة في قلوبهم، ويثبِّت يقينهم، إذا ما اعتراهم الشك؛ ويدفعهم إلى توطين أنفسهم على الشعور بالسمو الإنساني والأخلاقي الذي يكتنف عالم الحزب وينبع من الفكرة الشيوعية.
ويُعزى النجاح الكبير، الذي حققه «أبو موسى» آنذاك، إلى طبيعته الهادئة، وروحه العملية، ودماثة خلقه، وطيبة قلبه، ودفء مشاعره، وسموّ أخلاقه، وتجسيده المخلص والخلاق لمبادئ الحزب. كان يتعامل بقلب نظيف مع الكثير من القضايا والأشخاص، متعالياً على الصغائر والضغائن العمياء، وكثيراً ما كانت جلساته مع رفاقه الشباب تفيض بعبق ذكريات نضال الشيوعيين ومواقفهم الباسلة. وفي مرات عديدة، بعد كل أزمة من الأزمات التي تعرض لها الحزب، كان أبو موسى ينغمس بحماس شديد مع بقية الرفاق من أجل إعادة تنشيط الحزب، واستنهاض منظماته، ليتحمل مسؤوليته في الدفاع عن الكادحين وعن القضايا الوطنية والقومية والإنسانية.
كان أبو موسى نموذجاً للتجسيد الملهم والخلاق لمبادئ الحزب، وأعطى العلاقات الحزبية عمقها وقيمتها وروحها الإنسانية. وكان مؤمناً بعمق وحماس بالقضية الكفاحية للحركة الشيوعية على مستوى العالم، ولم يوجد لدية حلم أهم من حلم التحرر الوطني والاشتراكية؛ حلم خلاص العالم من استغلال الإنسان البشع للإنسان.
في الواقع، لا يمكن الحديث عن دور الرفيق «أبو موسى» من دون الإشارة إلى الدور الوطني والتنويري والتثقيفي الرائد للحزب الشيوعي في المجتمع الأردني. لقد أسهم الحزب بجهود كبيرة في رفع مستوى الوعي الطبقي والوطني والمدني، وتعزيز مكانة العلم والتحصيل العلمي، والرقي بمستوى العلاقات المجتمعية. ولقد حمل الشيوعيون، منذ بدايات تأسيس الحزب، مسؤولية الدفاع عن الكادحين والفئات الشعبية الفقيرة، وبذلوا جهوداً عظيمة لنشر قيم الحداثة والتنوير والثقافة الوطنية والإنسانية الرفيعة؛ وفي النهاية، تركوا أثراً عميقاً في المجتمع الأردني.
كما كان للمرأة الشيوعية، بمختلف أجيالها، دور بارز في كسر الأنماط التقليدية، من خلال مشاركتها المبكرة والفاعلة في النضال الوطني والمطلبي في خمسينيات القرن الماضي. ولقد نادت النساء الشيوعيات الأردنيات، باستمرار، بحق المرأة الأردنية في الحصول على التعليم والمساواة في العمل، وأسهمن في تحقيق تقدم كبير في هذا المجال. ولم يكن هذا التطور ممكناً، لولا الجهود الرائدة، للحزب الشيوعي الأردني، وقادته ومناضليه الشجعان.
ومن خلال هذه النافذة، نقدم أطيب تحياتنا وتقديرنا لاسم المناضل الشيوعي والوطني الجسور عوني فاخر «أبو موسى»، ولكل الأحرار الشجعان الذين ضحوا بأنفسهم من أجل أن يحظى شعبهم بحياة حرة، كريمة، خالية من الفوارق الطبقية والاستغلال والمظالم الاجتماعية. ولقد كان الرفيق أبو موسى رمزاً للصلابة في الموقف المبدئي، ومثَّل جيل القيم والمبادئ بأعمق وأصفى المعاني. ورغم ابتعاده، أو بالأحرى إبعاده، عن موقع القيادة، خلال المرحلة العلنية، لم ينقطع رفيقنا طيب الذكر عن التواصل مع رفاقه، والسؤال عن أحوالهم، والاهتمام بمشاكلهم، والتعبير عن تعاطفه الصادق معهم. لقد احتفظ بعلاقاته الطيبة وذكرياته الجميلة حتى مع المختلفين معه.
في العام 2004، غادر الرفيق عوني فاخر «أبو موسى» هذه الدنيا الى المستقر الأبدي، لكنه بقي حياً في وجدان وضمير الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين، بفضل دوره الكفاحي الكبير، ووضوح رؤيته، وإخلاصه لقيمه ومبادئه؛ وسيظل ذكره خالداً في تاريخ النضال الوطني والأممي؛ وستظل مآثره قدوة لأجيال المناضلين الوطنيين والشيوعيين، ولكل من يدافع عن حقوق المظلومين والمسحوقين والمستغلين؛ وستبقى سيرته النضالية العطرة، وذكراه البهية، حية بين رفاق الأمس واليوم، ومعبرة عن روحه النضالية الوقادة، التي لم تعرف الكلل أو الملل؛ تلك الروح التي ظل صاحبها مشعلاً ينير طريق الأجيال القادمة، في سبيل تحقيق الاشتراكية؛ تحقيق الحياة الحرة الكريمة للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد نبيل بنعبد الله يستقبل السيد لي يونزي “Li Yunze”


.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه




.. موقع واللا الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت في قيساريا أثناء و