الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عن أثر التصوف فى المغنى والغناء لغير الصوفية
أحمد صبحى منصور
2024 / 7 / 4العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب : أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )
أثر التصوف فى المغنى والغناء لغير الصوفية :..
وتأثر الأخرون بذلك الجو الفني الذي أشاعه الصوفية وجعلوه دينا في العصر المملوكي، فازدهر الغناء العادى ، أو ( العلمانى )..
من الأمراء والسلاطين :
فالسلطان المؤيد شيخ الذي عُرف بحب السماع ( الغناء ) كان يحسن عزف الموسيقى في مجالس أُنسه، وباهي أرباب الفن من ندمائه بحسن معرفته ) . والسلطان الغوري كان له ولع بالموسيقى والغناء ، وكان له نظم والحان يُتغنى بها ) . وتوفى في أيامه نديمه الأمير الناصري محمد بن قجق ، وكان (علّامة في ضرب الطنبورة عارفا بصنعة الأنغام ) . وكان الماردينى نائب السلطنة (يجيد ضرب العود وقد حظى عند الناصر محمد ) واجاد الناصري محمد بن على القلاووني ت 852 الغناء والموسيقى ) وكانت للأمير ناصر بن البابا (مشاركة في الموسيقى ، وفضّل مجالسة الصوفية على مجالسة الأمراء)
العوام :
ولم يتخلف العوام عن الركب الفني الذي قاده الصوفية فبرعوا في الغناء والتلحين ( الشعبى ) ، بل واظهروا به رأيهم في الحوادث السياسية وغير السياسية ، وسبقت الاشارة لذلك فى المبحث الخاص بأثر الانحلال الخلقى . وفي سنة 818 " سافر السلطان المؤيد شيخ للشام بسبب عصيان النواب المماليك هناك ، وقد هبط النيل فطلع وغطى الجسر الذي كان قد اقامه السلطان المؤيد ، يقول ابن اياس : ( فتهتك الناس على الفرجة عليهم، ونصبوا الخيام على شط الروضة والمنشية ، وصنفوا في ذلك أغنية...:
يا رايح الشام غــادي سلم وبوس الأيادي
وقل لجيش المؤيد آدي الحريم في الكوادي )
وقد وفى النيل سنة 845 فصنف العوام غنوة :
النيل أوفى في أبيب تعالى خش يا حبيب
يقول ابن اياس عن تلك الأغنية : ( وهو كلام مطول ولحّنوه ) . وفي فتنة الأمير قرقماس الذى ثار وانتهى الأمر بقتله ، يقول ابن اياس عنه : ( صنف العوام غنوة :
يا قرقماس أُفُّو عليك عملت عملة وجت عليك). يقول ابن اياس : ( وهو كلام مُلحّن ) ، هذا عدا أمثلة أخرى تدخل في الاستشهاد بمواضع لغير هذا البحث...
حفلات الغناء :
1 ــ وهذا العصر الذى إتخذ الغناء شعيرة دينية إزدهرت الحفلات الغنائية أو ( المغانى ) بتعبير العصر، ووجدت طريقها للتسجيل فى الحوليات التاريخية. فالمؤيد شيخ (أحضر المغاني وأرباب الالآت الى بركة النيل ، وانشرح في ذلك اليوم جدا ) على حد قول المؤرخ ابن اياس ..
2 ــ ويقول المؤرخ المملوكى ابو المحاسن ( وهو نفسه ابن الأمير المملوكى تغرى بردى ) ان العادة أن يكون لكل سلطان او ملك جوقة ( أى فرقة موسيقية ) من المغاني في داره، . ويقول المؤرخ ابن اياس ( وهو ايضا من أصل مملوكى وقد عاصر السلطان الغورى) أن السلطان الغورى الهاوى للموسيقى كان يهتم بأصحاب المغاني وأرباب الالآت، ويصطحبهم معه في سفراته ونزهاته . هذا فى أواخر الدولة المملوكية.
3 ــ ومن قبل وفى الدولة المملوكية البحرية القلاوونية أقام السلطان الناصر محمد بن قلاوون حفلا لابنه ، فأحضر كل امير من الأمراء فرقة طرب أو (جوقة من المغاني)، ( وحصل لكل جوقة من المغاني ألف وخمسمائة دينار ، غير الخلع ( أى الهدايا من الملابس والتشريفة ) ، ورقصت نساء الأمراء بأمر السلطان ) .
4 ــ وشاركت فرق أو جوق (المغاني ) في الاحتفالات الرسمية، فى انتصار السلطان او فى توديعه أو فى إستقباله عند قدومه من السفر . وعندما دخل برقوق القاهرة بعد إنتصاره على غريمه الأمير منطاش وكان الى جانبه السلطان القلاوونى الطفل المنصور ( لاقتهما المغاني ) ..
وحين انتصر السلطان المنصور قلاوون على التتار (غنت المغاني في الأسواق وعلى أبواب الأمراء ) وحين عاد السلطان المؤيد شيخ إلى مصر( قعدت المغاني صفوفا على الدكاكين تدق بالدفوف ) .
5 ــ ومن الطبيعي أن تروج حرفة الغناء وتصبح حفلاتها احد معالم الشارع المصرى وقتها ، إذ كانت فرق الغناء او جوق المعانى تهرع لتتكسّب رزقها تنتهز أي حادث سعيد للكبار . ( وعندما شفى ناظر الخاص .... قعدت جوق المغاني على الدكاكين ) . وكانت المغاني تزفُّ كتاب الوقف على المؤسسات الصوفية فى شوارع القاهرة ، ..
6 ــ وتكونت فرق غنائية او جوقات تتزعمها مطربات ، واشتهرن ، حتى لقد ذكرتهن حوليات التاريخ. وفى نهاية العصر اشتهرت منهن الريّسة ( أنغام ) من أعيان مغاني البلد، والريسة خديجة ام خوجة من أعيان مغاني الدكة ، وعزيزة بنت السطحي فريدة عصرها في النشيد ، وهيفة اللذيذة التى صادر السلطان الغوري اموالها . ...
أخيرا : ملامح للتأثر بالتصوف فى الغناء المصرى الحديث والمعاصر
هذا يحتاج بحثا مستقلا ، ونشير اليه فى لمحة:
لاتزال بصمات المتصوف واضحة في الغناء المصري الحديث والمعاصر .
1 ـ كانت مجالس الذكر الصوفى مدرسة لتخريج المغنيين ، ففيها نبغ عبده الحامولى ومحمد عثمان والشيخ سلامة حجازى و الشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ سيد درويش. وفي القرى المصرية مئات من قراء الموالد هم في الأصل من أتباع الصوفية . وليس غريبا أن يُلقب اعلام الفن المتأخرون بالمشيخة كالشيخ صالح عبدالحي والشيخ زكريا أحمد، وفى عصرنا الشيخ إمام والشيخ سيد مكاوى. وليس غريبا أن تبدأ ام كلثوم حياتها بالإنشاد الصوفي في حلقات الذكر ، وأن يكون استاذها فى الغناء الشيخ أبو العلا ، وأن يبدأ محمد عبدالوهاب حياته صبيا مغنيا في مسجد الشعراني..!....
2 ــ وحقيقة الأمر أن التصوف مؤثر في الغناء المصري، إمّا بالأصالة حيث كان المتصوفة هم اهل صناعة الغناء المصري تأليفا وتلحينا وتطريباً ، وإما بالتأثير غير المباشر حيث أوجدوا الجو الملائم لازدهار الغناء . بل كانت ولا تزال الحفلات الدينية للذكر الصوفى يصدح فيها الغناء العادى بالعاطفة الملتهبة للمحبوب ، ويرقص عليها الصوفية وهم يتخيلون إلاههم هو ذلك المحبوب طبقا لعقيدتهم فى الاتحاد والحلول ووحدة الوجود. كما نلمح مظاهر الوجد الصوفي من المستمعين فى الحفلات العادية والشعبية ،حيث التهليل وصراخ الاستحسان من الجمهور ـ مقترنا بلفظ الجلالة والدعاء والصلاة على النبي عليه السلام والعبارات الدينية الأخرى، حتى في سماع الأغاني الماجنة ..
3 ــ والأغنية المصرية المعاصرة لا تزال محملة بالتأثير الصوفى :
3 / 1 : إذ يغلب عليها الاتجاه العاطفي المبالغ فيه كما لو كان المحبوب كائنا مقدسا ، أو ( وليا صوفيا ) ويكون المغنى ( مريدا له ) .
3 / 2 : هناك نوعان من الصبر :
3 / 2 / 1 : الصبر الاسلامى القائم على الايجابية ويرتبط بالهجرة والجهاد وفعل الخيرات .
3 / 2 / 2 : الصبر السلبى القائم على الخنوع والرضى بالمقسوم ، ويمكن أن نسميه بالصبر المصرى . وقد إزدهر هذا الصبر بالتصوف فى العصر المملوكى . ونطق به الغناء ـ ولا يزال . ترى ذلك فى الفولكلور الشعبى عن قصة النبى أيوب ، والمثل الشعبى ( ولا صبر أيوب ) ، وفى ترداد مواويل الصبر منفردة أو فى مقدمة الأغانى .. وفى كل ذلك وغير ذلك تتخيل المصرى يستجدى ويستنجد الصبر من زميل له يبكى ويتباكى صبرا . العالم يتحرك وثبا وهو يتثاءب صبرا .. ( حاجة تقرف ).!
4 ـ ومع التهافت المزرى على المحبوب فإن المُحبّ لا يتحرك الى لقاء المحبوب ، بل يظل فى مكانه ينادى من يأتي له بحبيبه ، وهو دائما يظل يهتف بهذا لا يملّ ، مكتفيا بالنداء والقعود ، مثلا : هو لايذهب للمحبوب يعترف له بالحب ـ بل يجلس مكانه متكاسلا يقول ( قولوا له الحقيقة ..قولوا له بأحبه من أول دقيقة ) ، وحين يريد أن يعطى هدية للمحبوب يظل فى مكانه يطلب من الآخرين إحضار هدية للمحبوب ( يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبى هدية ) . وحتى لو جاءه المحبوب يريد الزواج فإنه يظل قاعدا فى مكانه ينادى ( قولوا لمأذون البلد ييجى يكمل فرحنا ). وهذا التواكل من القيم الاجتماعية التى أرساها التصوف، وتعبر عنه الأغنية المصرية حتى الآن بلا خجل ولا وجل . .. ( حاجة تقرف ).!
5 ـ ولقد أشاع التصوف الشذوذ الجنسى وتعرضنا لذلك فى كتاب الانحلال الخلقى .وانعكس هذا فى التعبير عن المحبوبة الانثى بالمذكر ( يا حبيبى ـ وليس حبيبتى ) وشاع هذا فى قصائد الغناء ولا يزال ساريا ، حيث يصدح المطرب ينادى الحبيب وليس الحبيبة ـ هذا فى الأغلب طبعا.
6 ـ هذا مع نغمة الحزن والسهر والسُهد بلا مبرر، والشكوى بلا طائل ، والهجر والحرمان والشوق الذى يعصف بالأبدان ، ( ثم إذا تزوج حبيبته عاملها كجارية بلا حقوق واعتبرها ناقصة عقل ودين .!!) . .. ( حاجة تقرف ).!
7 ـ الأغانى الشعبية فى الدلتا والصعيد والمقترنة بالمواويل يتسع مجالها ، ليس فقط فى الحب ولكن أيضا فى رواية الحكايات الشعبية التراثية أو المصنوعة والتى تعبر بصدق عن العقلية الجمعية للعوام . وهى لا تتوانى فى إعطاء المواعظ والنصائح ، بالحث على الصبر والرضى بالأمر الواقع أى (المقسوم) والتخويف من غدر الأيام ومن ( العزول ) أى الخصم الشامت و ( العويل ) أى البخيل ناكر الجميل ، والإشادة ب ( الأصيل ) أى الشهم أو ( الجدع ) . والعادة أن العريس دائما (إبن حلال ) قبل الزواج ، حتى لو كان مطلوبا من الانتربول .
8 ـ إلّا أن الأغانى العادية التى تطارد الناس فى ( وسائل )الاعلام و( وسائل المواصلات) تركّز على الحب بين الذكر والأنثى ، وتتوارى فيها مشاعر الحب خارج هذا النطاق ؛ فقلما تجد أُغنية عن الحب الأخوى والصداقة والجيرة والأقارب والوالدين وحُب الانسانية والقيم العليا، بل لا تجد أثرا لوصف جمال الطبيعة ومباهج الحياة ، كل ذلك يتم إختزاله فى عشق رجل لمراة أو إمرأة لرجل .
9 ـ كل هذا فى رأينا يهون ولا بأس بابتلاعه ، أما الذى نرفضه فهو استخدام لفظ الجلالة " الله" ليس فقط فى الغناء ، ولكن أيضا كفاصلة موسيقية . هذا يعكس الأصل الدينى الصوفى الذى جعل الدين لهوا ولعبا .
فى الاسلام : الغناء ليس حراما ، بل هو من المباح . ولكن دون أن يكون دينا ودون أن يتداخل فى الدين الاسلامى أو يشغب عليه . يكون كفرا شنيعا إذا تحول لفظ الجلالة الى فاصلة موسقية . المؤمن حقا إذا ذُكر الله جل وعلا وجل قلبه ، أما أولئك فهم يتراقصون باسم الله ..
ألا من رجل رشيد يبصق عليهم ؟ ألا من رجل صفيق يتبول عليهم ؟
آه .. يا بقر .!!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. البابا فرانسيس يستقبل زيلينسكي في الفاتيكان لمناقشة سبل السل
.. قوات الاحتلال تعتدي على مصلين حاولوا الوصول إلى المسجد الأقص
.. أسوياء مع مصطفى حسني - نفسي فداك يا رسول الله ..وتعرض أبو بك
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها
.. 92-Al-Aanaam