الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض المسكوت عنه في التراث الإسلامي: دور المرأة في العلوم والفكر

خالد خليل

2024 / 7 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عند الحديث عن التراث الإسلامي، تتوجه الأنظار غالبًا إلى الشخصيات الذكورية البارزة مثل العلماء والفلاسفة والخلفاء. ومع ذلك، هناك جانب مهم ومغفول عنه في هذا التراث وهو دور المرأة في العلوم والفكر. النساء المسلمات قدمن إسهامات جليلة في مختلف المجالات، ولكنها غالباً ما تم تجاهلها أو التقليل من شأنها.

المرأة في الإسلام: نظرة تاريخية
منذ البداية، لعبت النساء دورًا حيويًا في المجتمع الإسلامي. كانت خديجة بنت خويلد، أولى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تاجرًا ناجحًا وداعمة كبيرة للدعوة الإسلامية. كذلك، كانت عائشة بنت أبي بكر، زوجة النبي محمد، عالمة فقهية ومحدثة بارزة. لكن الأدوار النسائية في العلوم والفكر تجاوزت بكثير هاتين الشخصيتين المشهورتين.

العالمات والفقيهات
في العصور الذهبية للإسلام، برزت العديد من النساء كعالمات وفقيهات. على سبيل المثال، كانت فاطمة الفهرية مؤسسة جامع القرويين في فاس، والذي يُعتبر أقدم جامعة تعمل بشكل مستمر في العالم. كذلك، كانت زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم، المعروفة بـ"زينب العطار"، محدثة بارعة وعلّمت الحديث في الحرمين الشريفين.

النساء في الطب والصيدلة
لم يقتصر دور المرأة في التراث الإسلامي على الفقه والحديث فقط، بل امتد ليشمل الطب والصيدلة. كانت زينب بنت الموفق واحدة من أبرز الطبيبات في العصر العباسي، وقدمت إسهامات مهمة في الطب النسائي. أما مريم الاسطرلابية، فهي عالمة فلكية بارزة قامت بتطوير الإسطرلاب، وهو أداة فلكية مهمة استخدمها العلماء في العصور الوسطى.

التعليم والكتابة
النساء في التراث الإسلامي لم يكنّ مجرد متلقيات للعلم، بل كنّ أيضًا معلمات وكاتبات. كانت حفصة بنت سيرين، شقيقة المفسر محمد بن سيرين، مشهورة بعلمها وفضلها وكانت تُعلم القرآن والحديث. كذلك، كانت الكاتبة والشاعرة ولّادة بنت المستكفي، ابنة آخر خلفاء بني أمية في الأندلس، تعد من أشهر الأدبيات في زمانها، حيث عقدت مجالس أدبية جمعت فيها الأدباء والشعراء.

أسباب التهميش
رغم هذه الإسهامات الكبيرة، تعرض دور النساء في التراث الإسلامي للتهميش لعدة أسباب. أولاً، هيمنة الروايات التاريخية التي كتبها الرجال والتي قد تغفل أو تقلل من شأن النساء. ثانيًا، التوجهات الاجتماعية والثقافية التي تميل إلى تفضيل الذكور في التعليم والعمل. ثالثًا، الظروف السياسية والاجتماعية التي قد تكون غير مواتية لتسليط الضوء على إنجازات النساء.

إعادة الاكتشاف
في السنوات الأخيرة، بدأ الباحثون يعيدون اكتشاف دور النساء في التراث الإسلامي. يتم نشر المزيد من الدراسات والكتب التي تبرز إسهامات النساء في مختلف المجالات. هذه الجهود تساعد في إعادة التوازن وتقديم صورة أكثر شمولية ودقة للتاريخ الإسلامي.

إعادة اكتشاف دور المرأة في العلوم والفكر في التراث الإسلامي ليس مجرد تصحيح للخطأ التاريخي، بل هو إحياء لتراث غني ومعقد يعكس التنوع والشمول في الحضارة الإسلامية. تسليط الضوء على هذه الجوانب المسكوت عنها يعزز من فهمنا لتراثنا ويُلهم الأجيال الجديدة لبناء مستقبل قائم على التقدير الكامل لإسهامات الجميع، بغض النظر عن الجنس أو الخلفية.



فيما يلي نسلط الضوء على عالمة فلك لم تبرز كشخصية تراثية رغم اهميتها العلمية:

مريم الاسطرلابية: عالمة فلكية بارزة في التاريخ الإسلامي

في فترة العصور الذهبية للإسلام، ازدهرت العلوم والفنون، وكان للعالم الإسلامي إسهامات بارزة في مختلف المجالات. من بين العلماء الذين برزوا في تلك الفترة، كانت هناك نساء متميزات في مجال العلوم، لكن أسماؤهن لم تلمع بقدر كافٍ في صفحات التاريخ. إحدى هؤلاء العالمات هي مريم الاسطرلابية، التي قدمت إسهامات مهمة في علم الفلك.

حياة مريم الاسطرلابية
ولدت مريم الاسطرلابية في القرن العاشر الميلادي في حلب، التي كانت آنذاك مركزًا علميًا وثقافيًا بارزًا في العالم الإسلامي. ترعرعت مريم في بيئة مشجعة للعلم والمعرفة، حيث كان والدها، العالم الفلكي، يونس بن يوسف الاسطرلابي من علماء الفلك المشهورين في ذلك العصر. تأثرت مريم بوالدها وتعلمت منه أساسيات الفلك والرياضيات.

تخصصها وإسهاماتها العلمية

تخصصت مريم في علم الفلك، وبرزت بشكل خاص في تطوير وصناعة الإسطرلابات، وهي أدوات فلكية كانت تُستخدم في العصور الوسطى لتحديد مواقع النجوم والكواكب، وقياس الزوايا السماوية. الإسطرلاب كان يُعتبر أداة أساسية للفلكيين والجغرافيين والبحارة، واستخداماته تتراوح من الملاحة إلى الحسابات الفلكية.

تطوير الإسطرلاب

مريم الاسطرلابية لم تكتفِ فقط باستخدام الإسطرلابات الموجودة، بل قامت بتطوير تصميمات جديدة ومحسنة لهذه الأدوات. يُنسب إليها اختراع نموذج متقدم من الإسطرلاب يسمى "الإسطرلاب الجامع"، الذي كان يتميز بدقته وفعاليته في القياسات الفلكية. هذا الابتكار لم يسهم فقط في تحسين الأداء العملي للأدوات الفلكية، بل أثر أيضًا على الدراسات الفلكية والخرائط الجغرافية في ذلك الوقت.

تأثيرها وإرثها العلمي
رغم إسهاماتها الكبيرة، لم تحظَ مريم الاسطرلابية بالشهرة الواسعة التي تستحقها في كتب التاريخ، وربما يعود ذلك إلى هيمنة الروايات التاريخية التي كتبها الرجال وإلى التحفظات الاجتماعية والثقافية التي كانت تحد من تسليط الضوء على إنجازات النساء. ومع ذلك، يُعد عملها في تطوير الإسطرلاب إسهامًا كبيرًا للعلوم الفلكية، واستفاد منه العديد من العلماء الذين جاءوا بعدها.

في السنوات الأخيرة، بدأت الدراسات الحديثة تسلط الضوء على إسهامات النساء في العلوم في العصور الإسلامية، بما في ذلك مريم الاسطرلابية. هذه الجهود الأكاديمية تسهم في إعادة الاعتبار للعالمات المسلمات وتقديم صورة أكثر شمولية ودقة للتاريخ العلمي الإسلامي.

مريم الاسطرلابية تمثل نموذجًا رائعًا للعالِمات المسلمات اللواتي أسهمن بشكل كبير في تطوير العلوم، لكنها لم تحظَ بالاعتراف الذي تستحقه في التاريخ. إعادة اكتشاف إسهاماتها وتقديمها كنموذج للعلماء الشباب اليوم يمكن أن يلهم الأجيال القادمة لتقدير الدور الحيوي الذي لعبته النساء في تطور العلم والفكر، ويؤكد على أهمية المساواة في الفرص العلمية بغض النظر عن الجنس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض