الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارهاب الفكري وايديلوجية تفخيخ العقول

حسين علي محمود

2024 / 7 / 7
المجتمع المدني


ان كلمة الارهاب بالمفهوم العام تعني نوعا معين من الجرائم التي تقع اما بطريق العنف أو التهديد به، ويستهدف مرتكبوها ارغام السلطات أو الهيئات والمؤسسات على أداء عمل او الامتناع عن عمل يخلق مصلحة سياسية او قومية كما يعرض حياة الافراد او اموالهم الى الخطر اذا لم يُلبوا المطالب.
يقول الفيلسوف الامريكي نعوم تشومسكي عن الارهاب انه تهديد بأستخدام العنف أو استخدامه بالفعل للتخويف أو الإكراه لتحقيق غايات سياسية في غالب الاحيان، سواء كان ارهاب الجملة الذي يمارسه الأباطرة أو ارهاب التجزئة الذي يمارسه اللصوص.

الإرهاب الفكري يشير الى ممارسة الضغط النفسي والاجتماعي على الأفراد والجماعات بهدف قمع الأفكار والحريات والمعتقدات المختلفة عن السائد أو المتفق عليه في المجتمع حيث تفرض وجهات نظر معينة ومنع الآخرين من ممارسة حرياتهم المجتمعية ونشر الخوف، وتعزيز الأفكار المهيمنة.
يشمل هذا النوع من الإرهاب استخدام التهديد، التشهير، العزل الاجتماعي، والتضييق على حرية التعبير والفكر.

الإرهاب الفكري يمكن أن يحدث في مختلف المجالات، مثل السياسة، الدين، والثقافة، ويمكن أن يتم على مستوى الأفراد أو الجماعات، والهدف الأساسي هو فرض الرقابة والتحكم في الفكر والسلوك، مما يعيق الإبداع والتنوع الفكري، ولأسباب واهية منها بحجة انها مخالفة لثقافة أو عقيدة أو مذهب أو رأي ما، مما يعزز التبعية والانصياع للأفكار الدخيلة التي تبحث عن الهيمنة على كل مفاصل المجتمع
فالإرهاب الفكري يعج بمفاهيم ساذجة مثل التعصب والتطرف والتكفير وعدم احترام التراث والتاريخ والحضارة.

ينتشر الإرهاب الفكري في جميع انحاء العالم وبصور ونسب مختلفة ومتفاوتة، ولكن ينتشر اكثر في الدول المنغلقة والمستبدة فكرياً، والتي يغيب فيها الحوار والتفاهم، والتي يكون فيها المجتمع ضعيف ومهزوم فكريا وثقافيا

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوافق الآراء استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب في 8 أيلول/ سبتمبر 2006. وهي استراتيجية عالمية فريدة لتعزيز الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب. وتستعرض الجمعية العامة الاستراتيجية كل عامين، مما يجعلها وثيقة حية تتوافق مع أولويات الدول الأعضاء في مكافحة الإرهاب.
تعتمد هذه الاستراتيجية على أربع ركائز، رابعها يركّز على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وضحايا الإرهاب كقاعدة أساسية لمكافحة الإرهاب
كما أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان توفر المزيد من التعاون والتنسيق والمساعدة عبر تطوير مبادرات لمكافحة الإرهاب وتحترم حقوق الإنسان.

■ ان ابرز انواع الارهاب الفكري .. هي كالآتي :

▪︎ الطائفية: يعني التعصب إلى طائفة أو مذهب على حساب مذهب آخر مع البقاء بالانتماء إلى دين ربما يشمل المذاهب الأُخرى، وقد تعرض بعض المتعصبين لمذهب لأبناء مذهب آخر ومنعهم من ممارسة شعائرهم كنوع من أنواع الإرهاب الفكري والعقائدي.
▪︎ العنصرية: حيث أنها تعج بأبشع صور الإرهاب الفكري وتتمثل بمنع بعض الثقافات واعتبار بعض المواطنيين الذين ينتمون إلى عرق معيين مواطنيين من الدرجة الثانية او الثالثة مثل ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب افريقيا من عمليات فصل عنصري (أبارتايد)، واقصاء الهنود الحمر السكان الاصليين.
▪︎ التكفير: وهو الاعتقاد بأن الآخرين لا يستحقون رضا الله، وإن افعالهم آثمة وغير مقبولة من قبل الإله، ويؤمن التكفيريون بأنهم مقربين بأفعالهم الى الله والآخرين يكفرون بالله حتى وإن كانوا لا يعرفون.
▪︎ انتهاك حقوق الإنسان: منذ القدم والعنصرية متجذرة في بعض المجتمعات وعمليات انتهاك لحقوق الإنسان متعددة، مثل الاتجار بالعبيد وعدم احترام أسرى الحرب واعمال السخرة التي تتحول دائماً من إرهاب فكري إلى أعمال عنف
▪︎ انتهاك حقوق المرأة: يعتبر من أنواع الإرهاب الفكري الأكثر انتشاراً في العالم ويتمثل بسلب حق المرأة بالترشح أو سلبها حقها في التصويت أصلاً أو سلب المرأة حق العمل أو التعلم.
▪︎ السياسات دكتاتورية: حيث تقوم الحكومات الدكتاتورية بشتى أنواع إرهاب الدولة من أجل الحفاظ على السلطة
واسهل أدوات الدولة امنيا في الحفاظ على نفوذها ممارسة الإرهاب الفكري عن طريق القمع والاستبداد أو ترسيخ الحق الالهي في الحكم أو مطاردة المعارضة السلمية مثل دول الحزب الواحد، وقمع حريات التعبير

في دراسة للباحث احمد مزاحم هادي لمركز النهرين للدراسات الاستراتيجية يقول :

"بطبيعة النفس البشرية الساعية الى تحقيق غاياتها المتزايدة وفق الحاجات الضرورية للوصول للكمال والقبول الاجتماعي، والتمايز بين اقرانها، حيث يسعى الشباب في مرحلة المراهقة المبكرة لتكوين علاقات اجتماعية مع الاصدقاء وكذلك القيام بالدور الاجتماعي معهم، ويتميز الشباب في هذه المرحلة بسرعة الانصياع ويتجنب الممانعة وكسب القبول الاجتماعي، فضلاً عن تأثرهم بالسلوك الجمعي بدافع أفتراض أن الاخرين يعرفون اكثر منهم, حيث تتجاذب في هذه المرحلة العمرية الاهواء والاراء والمعتقدات التي تلاقي هوى في نفسه وتدفعه لتاكيد ذاته في سلوك استقلالي عن الاخرين، وللظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالفرد تاثير مباشر تجعل من الفرد في ظروف مهياة للانضمام لجماعات تحمل افكار متطرفة او سلبية، ويكون لها وقع بالغ الاهمية في سلوكه العام الظاهر، وقد يكون هذا السلوك في اللاوعي، وينعكس هذا السلوك في الاعلام للتعبير عن وجهات النظر التي يتبناها".


■ اثار الارهاب الفكري على المنظومة المجتمعية

▪︎ يحد من حرية التعبير والحوار المفتوح، مما يؤدي إلى جمود فكري وعدم تطور الأفكار.
▪︎ يعزز مناخ الكراهية والتعصب، حيث يتم رفض الآراء المخالفة بحدة وعداء.
▪︎ يقلل من التنوع في الأفكار والثقافات، مما يؤدي إلى مجتمع أقل تنوعاً وإبداعاً.
▪︎ يؤدي إلى تمزق الروابط الاجتماعية وزيادة التوترات بين مختلف الفئات داخل المجتمع.
▪︎ يقف عائقاً أمام البحث العلمي والتكنولوجي، حيث يتم قمع الأفكار الجديدة والمبتكرة.
▪︎ يؤثر سلباً على جودة التعليم ويحد من قدرة الطلاب على التفكير النقدي والإبداع.
▪︎ يؤدي إلى تفاقم الظلم الاجتماعي حيث يتم قمع الفئات الضعيفة والمهمشة من التعبير عن آرائها والدفاع عن حقوقها.

لقد حدد الباحث اسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي في كتابه "الارهاب ومحاربته في العالم المعاصر" عشرة أنواع للإرهاب وهي :
( الارهاب الفردي، ارهاب الدولة، الإرهاب الدولي، الارهاب الثوري، الارهاب المحلي، الارهاب الانفصالي او العرقي، الارهاب الفكري، الارهاب النفسي، الارهاب الانتحاري، الإرهاب الفوضوي )

■ ان الإرهاب الفكري ينشأ من عدة الأسباب ومن أبرزها :

▪︎ التعصب الأيديولوجي والالتزام الشديد بأيديولوجية معينة يمكن أن يؤدي إلى رفض الأفكار المختلفة ومعاقبة من يحملون آراء مغايرة.
▪︎ بعض الصفحات الممولة او الافراد في وسائل التواصل الاجتماعي بعملون على نشر الإرهاب الفكري عن طريق المنشورات posts او المحتوى المرئي
▪︎ الجهل وعدم الفهم الصحيح للأفكار والمفاهيم يمكن أن يقود إلى سوء الفهم والمشادات الكلامية.
▪︎ التربية على القيم والمعتقدات المغلوطة وعدم تشجيع التفكير النقدي والابداعي يمكن أن يسهم في انتشار الإرهاب الفكري.
▪︎ بعض المجتمعات أو الحكومات لديها اجندات خبيثة مما تشجع الأفكار المتطرفة لقمع الاصوات المعارضة أو للحفاظ على السلطة.
▪︎ هاجس الخوف من فقدان الهوية الثقافية أو الاجتماعية قد يدفع بعض الأفراد أو المجموعات للتصدي بقوة للأفكار الجديدة والتنموية.
▪︎ تأثير العوامل النفسية مثل الشعور بالتهديد أو الدونية يمكن أن تؤدي إلى تبني مواقف متشددة ومتطرفة.

تشدد العديد من قرارات مجلس الأمن بما فيها القرار رقم 1624 (2005) والقرار 2354 (2017) على الدور المهم الذي يضطلع به الشركاء غير التقليديين الآخرين - مثل المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام - في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بشكل فعال. وتتعاون "المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب" بانتظام مع المجتمع المدني بشأن مجموعة من القضايا، بما فيها عند إجراء زيارات إلى الدول بالنيابة عن "لجنة مكافحة الإرهاب" وتشجيع الحكومات على القيام بالمثل في إطار مقاربة شاملة تطال المجتمع بأسره لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.

■ ان معالجة الإرهاب الفكري يتطلب نهجاً شاملاً يشمل العديد من الخطط الاستراتيجية ومنهاج فكري علمي
حيث ينبغي :

▪︎ تعزيز التعليم وتطوير المناهج الدراسية ونشر الوعي حول القيم الإنسانية والاحترام المتبادل، والتفاهم بين الثقافات مع التركيز على تعليم النقد البناء والتفكير التحليلي.

▪︎ تنظيم ورش تدريبية وندوات علمية لتعزيز الوعي بأهمية الحوار والتفاهم بين الثقافات المجتمعية.
▪︎ يجب تحسين الظروف الاقتصادية وتوفير فرص عمل للشباب لتقليل احتمالية انجرافهم نحو الفكر المتطرف والجريمة المنظمة.
▪︎ توجيه الإعلام لنشر رسائل إيجابية وتشجيع الحوار الفكري البناء، لتقديم محتوى يعزز السلام والتفاهم ويعتمد على مصادر موثوقة لتجنب المعلومات الكاذبة والشائعات لإثارة الرأي العام.
▪︎ تطوير وتطبيق قوانين صارمة لمكافحة نشر الفكر المتطرف والتحريض على خطاب الكراهية، سواء عبر الإنترنت أو في المجتمعات.
▪︎ تعزيز التعاون بين الدول لتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب الفكري وملاحقة ومعاقبة من ينشرون الفكر المتشدد.
▪︎ دور الأسرة مهم جدا في غرس القيم الإيجابية والتربية المبنية على التسامح والاحترام وكذلك دعم المجتمعات المحلية في تنظيم فعاليات تعزز الوحدة والتعاون.
▪︎ توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد الذين قد يكونون عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة او من تأثروا نوعا ما بالفكر المتشدد، والعمل على إعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا
▪︎ تعزيز دور المؤسسات الدينية في نشر الفهم الحقيقي للدين، عن طريق استخدام الخطاب الديني والثقافي المعتدل لتعزيز التسامح والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة، بالاضافة الى تفنيد الأفكار المتطرفة التي تحاول استغلال الدين لتحقيق غاياتها المسمومة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كنائس دير الأحمر في بعلبك تأوي النازحين من الحرب في لبنان


.. الإغاثة اللبنانية للعربية: 180 ألف نازح داخل مراكز الإيواء ف




.. يونيسف للعربية: لا مكان آمنا في لبنان


.. أمريكيون يتظاهرون أمام البيت الأبيض للمطالبة بوقف حرب إسرائي




.. ليبيا.. ترحيب بأوامر اعتقال بحق ستة أشخاص متهمين بارتكاب جرا