الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصدية الوجود بين النظام والعشوائية في الحاضرية الوجودية

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 7 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وجهات النظر الفلسفية مختلفة بشأن هذا الموضوع، هناك من يرى أن الوجود يتطلب قصدية أو هدف، بمعنى أن الوجود البشري أو الكوني له غرض أو معنى محدد، ويرى هؤلاء أن الوجود ليس عشوائيًا أو خاليًا من المعنى، من ناحية أخرى، هناك فلاسفة آخرون يرون أن الوجود بحد ذاته ليس له قصدية أو معنى محدد، فالوجود قد يكون عشوائيًا أو خاليًا من الهدف، وعلى البشر أن يخلقوا المعنى والقصدية بأنفسهم من خلال اختياراتهم وأفعالهم.
هذه وجهات النظر المختلفة لا تشمل فيما إذا كان الوجود نتاج عشوائي يولد نظامًا أم نظام يؤدي إلى عشوائية ، لإن عشوائية الوجود لا تنتج فقط نظامًا وترتيبًا، بل أيضًا تولد تعقيدًا وتنوعًا وجمالًا في الكون, حتى لو لم يكن هناك قصد أو هدف محدد وراء الوجود، إن العمليات الطبيعية والفيزيائية العشوائية قد تنتج نظامًا معقدًا يشهد على قوة وإمكانيات الطبيعة, ويمكن أن يكون هذا النظام له قيمة حتى لو لم يكن له قصد محدد, من المنظور العلمي، هناك العديد من الظواهر الطبيعية التي تبدو عشوائية على المستوى الجزئي أو الميكروسكوبي، كالحركة العشوائية للجسيمات, العشوائية في نظرية الكم هي أحد أهم الخصائص المميزة لهذه النظرية الفيزيائية. وفقًا لمبادئ نظرية الكم، هناك بعض الظواهر على المستوى الذري والجزيئي التي لا يمكن التنبؤ بها بشكل دقيق. وبدلاً من ذلك، يتم وصفها بشكل إحصائي باستخدام توزيعات احتمالية. لكن على المستوى الكلي أو الماكروسكوبي، غالبًا ما نلاحظ أنماطًا ونظامًا في الطبيعة والكون، العلم يحاول البحث عن القوانين والنظم التي تحكم الظواهر الطبيعية، حتى لو كانت تبدو عشوائية في البداية.
يمكن أن تكون العشوائية والنظام وجهان لعملة واحدة في الوجود، هناك حجة فلسفية قوية تقول إن العشوائية والنظام هما وجهان لعملة واحدة في الوجود. من وجهة النظر هذه، إن العشوائية والنظام ليسا متناقضين، بل متكاملين. فالعشوائية في الطبيعة والكون هي التي تسمح بظهور النظام والتعقيد. فالتغيرات والعمليات العشوائية على المستوى الأساسي (مثل الجزيئات والذرات) تؤدي في النهاية إلى نشوء أنظمة معقدة وذات نظام (مثل الكواكب والأحياء). وبالتالي، فإن النظام الذي نشاهده في الكون لا ينشأ رغما عن العشوائية، بل من خلالها. فالعشوائية هي التي تخلق الإمكانيات والتنوع اللازم لظهور النظم المعقدة، في هذا المنظور، فإن العشوائية والنظام هما وجهان لعملة واحدة، متكاملين ومتداخلين في طبيعة الوجود.
هذا الرأي يتحدى التصور الشائع عن تعارض العشوائية والنظام. ويرى أنهما ليسا متضادين، بل متكاملين في طبيعة الوجود.
وفقًا لهذا المنظور، فإن العمليات العشوائية التي تحدث على المستوى الأساسي للمادة والطاقة في الكون هي التي تؤدي في النهاية إلى ظهور أنظمة معقدة ذات نظام وهيكل. فالعمليات العشوائية تنتج التنوع والإمكانيات اللازمة لنشوء هذه الأنظمة، بالمقابل، فإن هذه الأنظمة المعقدة والمنظمة التي تنشأ من العمليات العشوائية، عندما تصل إلى درجة معينة من التعقيد، فإنها تبدأ في إنتاج عمليات جديدة من العشوائية والتغير على المستوى الأساسي. وبالتالي، فإن النظام الناشئ يولد عشوائية جديدة. فإن العشوائية والنظام في الكون متداخلان بشكل وثيق، بحيث أن كل منهما يمكن أن ينتج الآخر، فالعشوائية تنتج النظام، والنظام يولد العشوائية من جديد، وهذا يؤكد فكرة أن العشوائية والنظام هما وجهان لعملة واحدة في طبيعة الوجود، هذه العلاقة المعقدة بين العشوائية والنظام هي محور نظرية النظم المعقدة والديناميات اللاخطية في العديد من المجالات العلمية كالفيزياء والرياضيات وعلم الأحياء وغيرها، وهي فكرة غنية للتأمل الفلسفي والعلمي.
النظام والعشوائية والتوفيق بينهما من خلال الحاضرية الوجودية
النظام يعكس وجود قوانين وسننٍ كونية تتحكم في أنماط الوجود وسلوكياته. فالمعرفة العلمية تعكس هذا النظام والتنظيم الذي يسري في الكون. بينما تمثّل العشوائية جانباً آخر من الوجود، حيث لا يمكن التنبؤ بكل تفاصيله وأحداثه. وهذا يتجلى في الظواهر الطبيعية كالطقس والكوارث، والسلوكيات الإنسانية التي لا تخضع دائماً للعقلانية.
في هذا السياق، تأتي الحاضرية الوجودية لتحقق التوفيق بين النظام والعشوائية. فالوجود يجمع بين هذين الجانبين، ويتجلى في لحظة الحضور والتفاعل بين الإنسان وعالمه. فنحن نعيش في عالم ينطوي على قوانين، لكنّه في الوقت نفسه يتسم بالتنوّع والحركة والتغيّر. وعلى الإنسان أن يتفاعل مع هذا الواقع ويكون على وعي. هناك ارتباط وثيق بين مفهوم القصدية بمعنى المحكومية في الوجود والحرية الإنسانية والمسؤولية. وهذه النقطة هي من أهم الجوانب في هذا الموضوع الفلسفي. عندما نتحدث عن القصدية في الوجود، فإننا نشير إلى أن الإنسان له دور فاعل وقصدي في صناعة مصيره وتشكيل حياته. فالإنسان ليس مجرد كائن منفعل ينصاع لقوى خارجية محددة، بل له القدرة على التفكير والاختيار والتخطيط لمستقبله. وهذا الدور القصدي للإنسان يرتبط بشكل مباشر بمفهوم الحرية. فالإنسان حر في اختياراته وقراراته وسلوكياته، وهذه الحرية تمنحه القدرة على التأثير في مجرى الأحداث والتحكم في مصيره إلى حد ما. ومن هنا تنبثق المسؤولية. فبقدر ما يتمتع الإنسان بالحرية في الوجود، بقدر ما يكون مسؤولاً عن تبعات اختياراته وأفعاله. فالقصدية تعني أن الإنسان يتحمل المسؤولية عن قراراته وأفعاله، وليس مجرد ضحية للظروف والقوى الخارجية. إذن، مفهوم القصدية في الوجود يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم الحرية والمسؤولية الإنسانية. وهذا الربط بين هذه المفاهيم هو أحد أهم ما يميز الوجود الإنساني وما يضفي عليه معنى ودلالة.
القصدية كنتاج لنظام وعقل
وفقًا لهذه الرؤية، القصدية تتطلب وجود نظام ذهني أو عقلي منظم يوجه الفعل الأولي, المؤيدون لهذا الرأي يرون أن القصدية تنبع من قدرة الأولي على التفكير المنطقي والتخطيط المدروس للأفعال والقرارات, وبالتالي، القصدية ترتبط بالعقل الاعلى والقدرة على إدراك العلاقات السببية والأغراض, أن القول بوجود حكمة أعمق وراء التحديات التي نواجها هو في الواقع مجرد احتمال وليس حقيقة مؤكدة ,لا ينبغي أن نتعامل مع هذا الافتراض على أنه حقيقة مؤكدة, نحن نفترض ذلك بناءً على بعض الاعتبارات العقلية والفلسفية، ولكن دون أدلة حاسمة.
القصدية كمنتج للعشوائية الداخلية
هناك من يرى أن القصدية لا تتطلب بالضرورة وجود نظام عقلي منظم مسبقًا، بل قد تنبع القصدية من عشوائية الداخلية للطبيعة وقدرتها على الخلق والابتكار، هذه الرؤية ترى أن القصدية هي نتاج لحالة من التفاعل والتوليف بين العوامل الداخلية والخارجية للطبيعة، دون الاعتماد على نظام عقلي محدد مسبقًا.
القصدية والنظام
تنظر بعض الفلسفات إلى الكون كنتاج لنظام قصدي خلقه عقل اعلى أو قوة متسامية، هنا، القصدية تأتي من وجود تصميم مسبق ونظام عقلي يوجه ويؤطر خلق الكون.
القصدية والعشوائية
في المقابل، هناك من يرى أن خلق الكون قد ينبع من عوامل عشوائية وليس نظام قصدي مسبق، فالقصدية في هذه الحالة هي نتاج لتفاعل العوامل العشوائية والقوى الطبيعية.
القصدية والحاضرية الوجودية
العلاقة بين القصدية، النظام، العشوائية والحاضرية الوجودية في خلق الكون هي موضوع جدل فلسفي مستمر. وربما تشكل هذه العناصر مجتمعة طبيعة الوجود بطرق متداخلة وغير خطية. اذا كان الكون ووجوده يحتاج الى نظام في الخلق من اين تاتي العشوائية وكيف تتحول نظام للوجود. هناك عدة وجهات نظر حول كيفية تحول العشوائية إلى نظام في خلق الكون:
العشوائية كأساس للنظام
وفقًا لهذه الرؤية، العشوائية هي الأساس الذي ينشأ منه النظام في الكون، فالتفاعلات العشوائية للجسيمات والقوى الطبيعية تؤدي تدريجيًا إلى ظهور أنماط وهياكل منتظمة على مستوى الكون الكلي. وهذا يفسر كيف يمكن للنظام أن ينشأ من خلال العمليات العشوائية في المستويات الأساسية للطبيعة.
القوانين الطبيعية كجسر بين العشوائية والنظام
القوانين التي تحكم تطور الكون تلعب دورًا في تحويل العشوائية إلى نظام، فهذه القوانين الطبيعية تنظم وتوجه العمليات العشوائية على المستوى الجزيئي والذري لتنتج النظم المعقدة على المستوى الكوني.
الذكاء الخلاق كمصدر للنظام
بعض الرؤى الفلسفية والدينية ترى أن وجود ذكاء خلاق أو إلهي هو الذي يحول العشوائية إلى نظام في الكون، فهذا الذكاء الخلاق هو الذي وضع القوانين والنظم التي تنظم العمليات العشوائية وتوجهها نحو تحقيق أهداف معينة. الا ان وجود ذكاء خلاق يحول العشوائية الى نظام كون العشوائية والنظام موجودات قبلية والتكوين يكون بتفاعل داخلي دون الحاجة الى ذكاء من اي نوع للأسباب التالية:
العشوائية والنظام كمبادئ أصلية
يمكن اعتبار العشوائية والنظام موجودات قبلية أو مبادئ أساسية في الطبيعة، فهما ليسا نتيجة لذكاء خلاق ما، ولكن هما جزء لا يتجزأ من طبيعة الكون.
التفاعل الداخلي كآلية للتحول
يمكن أن ينشأ النظام من خلال التفاعلات الداخلية بين العناصر والقوى الطبيعية دون الحاجة إلى تدخل ذكاء خارجي، فالقوانين الطبيعية والعمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحكم هذه التفاعلات هي التي تنظم الفوضى وتحولها إلى أنماط منتظمة.
الأنظمة المعقدة والنشوء التطوري
هذا المنظور ينسجم أيضًا مع فهم الأنظمة المعقدة والنشوء التطوري في العلوم الحديثة، حيث تظهر الأنماط والهياكل المنظمة نتيجة للتفاعلات المتشابكة والعمليات الديناميكية داخل الأنظمة دون الحاجة إلى تخطيط أو ذكاء خارجي.
لذا فان الفلسفة الحاضرية الوجودية يمكن اعتبارها إطارًا فلسفيًا مفيدًا للتعامل مع التفاعلات بين النظام والوجود والقصدية. هناك بعض النقاط الرئيسية حول ذلك:
التركيز على الوجود الحاضر
الحاضرية الوجودية تؤكد على أهمية الوجود والتجربة الحاضرة والمباشرة، بدلاً من التركيز على الجوانب النظرية المجردة، هذا المنظور يمكن أن يساعد في فهم كيفية تفاعل الإنسان مع النظم الموجودة في الواقع الحاضر.
القصدية والمعنى
الحاضرية الوجودية تطرح سؤال القصدية والمعنى في الوجود البشري والعلاقة مع الأنظمة المحيطة وكيف يمنح الإنسان المعنى والهدف لوجوده ضمن هذه الأنظمة؟ وكيف تؤثر هذه الأنظمة على إدراك الإنسان للمعنى؟
الحرية والمسؤولية
هذه الفلسفة تؤكد على حرية الإنسان في اختيار وتشكيل علاقته مع النظم المختلفة وبالتالي تطرح قضايا المسؤولية الفردية والجماعية تجاه هذه الأنظمة وتأثيرها.
الوجود والتحول
الحاضرية الوجودية تنظر إلى الوجود البشري والأنظمة الأخرى كعمليات متحولة وديناميكية، وهذا يمكن أن يساعد في فهم كيفية تفاعل النظام والوجود والقصدية مع بعضها البعض. بهذا المعنى، فلسفة الحاضرية الوجودية تقدم إطارًا مفيدًا لتناول هذه القضايا الفلسفية المتعلقة بالنظام والوجود والقصدية التكوينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتوقع طهران أن يستهدف الرد الإسرائيلي -المحتمل- البنية ال


.. ما الذي تخشاه إسرائيل من المواجهة مع حزب الله؟




.. غسان سلامة يتحدث عن كواليس اتفاق هدنة بين حزب الله وإسرائيل


.. نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم: إمكاناتنا العسكرية -ب




.. عاجل | وزير الدفاع الإسرائيلي: الساعات المقبلة حاسمة وحزب ال