الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة في فكر اسماعيل بشكجي
بولات جان
2006 / 12 / 16القضية الكردية
ينفرد البرفسور بشكجي بطروحاته الجريئة بين المثقفين الترك لحل المسألة القومية الكردية في تركيا و في الاجزاء الاخرى. و طروحاته النابعة من فكرٍ تقدمي، أممي و علمي جعلتها مدرسة و نهج للكثير من المثقفين الكرد و الترك على حد سواء. فقد كان بشكجي من أكثر المثقفين دعوة لحل المسألة الكردية. و طروحاته لم تكن ارتجالية او لحظية سطحية، لا بل كانت نابعة عن دراسة متأنية و استقصاء في المسالة من النواحي كافة. للبرفسور الكثير من الدراسات العلمية(علم الاجتماع) حول المسالة الكردية. و قد يكون اشهرها (كردستان مستعمرة دولية) و التي ترجمت إلى العديد من اللغات العالمية. سوف نورد ثلاث دراسات حول ثلاثة مواضيع مترابطة فيما بينها. و هذه الدراسات الخاصة بالبرفسور هي:
1-التأثيرات السلبية للأيديولوجية الرسمية.
2- الثورة الكردية و دورها في إفلاس الايديولوجية الرسمية
3- الممارسة الاستعمارية و المثقفون الاتراك
نود أن نستهل قراءتنا بتعريف مبسط لللأيديولوجية الرسمية:
فما هي الأيديولوجيا الرسمية؟
- هي وسيلة لصون الوضع القائم لسلطة الدولة الموجودة في المجتمع، وأداة لإضفاء المشروعية عليه. وهي أداة خلق الذهنية وتطبيقها، بغرض تحظى سلطة الدولة بالمصادقة الأحادية الجانب عليها، ومواصلة وجودها. وإذا ما أعطينا أمثلة عليها، نجد أن الميثولوجيا لدى السومريين، والفلسفة لدى الإغريق، والعلم في أوروبا الحديثة، والدين في عالم العصور الوسطى؛ تقوم كلها بنشاطاتها وفاعلياتها كأداة أيديولوجية أساساً. أما تطبيقاتها العملية (العبادة والطقوس والشعائر) فهي فاعلية ثانوية. المحدِّد هنا هو كونها قوالب الذهنية النواة.
وللايديولوجية الرسمية حكاية و منحى مغاير في تركيا و بالأخص الموجه للشعب الكردي. و هنا يستطرق البرفسور بشكجي في " التأثيرات السلبية للايديولوجية الرسمية ":
ثمة موضع لا بد من معالجته يتعلق بالايديولوجيات. تترتب على الايديولوجية الرسمية تأثيرات سلبية لدى الاشخاص الذين تستهدفهم، اذ انها غالبا ما تتحدث عن اسطورة "الاتراك العظماء" و التي تدعي ان قيمة التركي تعادل قيمة العالم برمته. و انه لشرف عظيم ان يكون المرء تركياً، وان الاكراد دائما كانوا عبيداً تابعين للاخرين، و انهم قطاع طرق، خونة و لصوص مشردون و بدائيون. يُضاف الى ذلك، انه عندما نحاول فرض هذه الأيديولوجية الرسمية بقوة العنف والضرب بالعصي والتعذيب. يصبح التأثير السلبي لهذه الأيديولوجية عاملاً اضافيا يساعد في التخلص من حالة العبودية وتجاوزها. كل ذلك يوضّح ان كردستان لم تعد كما كانت في السابق. و على الدول التي تستخدم كردستان مستعمرة مشتركة، ومستعمرة دولية ان تدرك هذه الحقيقة. كما ينبغي ان تدركها المؤسسات الدولية مثل منظمات الامم المتحدة و المجلس الاوربي و مؤتمر الامن التعاوني لاوربا، و هي التي وضعت لنفسها هدف صيانة حقوق الانسان و تطوريها. وفي هذا الاطار، تلعب منظمات الامم المتحدة دوراً مهما. لكن الامم المتحدة، وهي التي تهمل عن قصد هذه المسالة، تجد نفسها في حالاً في و ضع يحتم عليها ان تعالج الوضع يقل كثيرا عن وضع مستعمرة. و ينجم عن ذلك ان تقدم الامم المتحدة مصداقيتها بالتالي تعجز عن القيام بوظائفها. تجد منظمة المؤتمر الاسلامي نفسها في نفس هذا الوضع فهي توجه انتقادات شديدة اللهجة ضد اسرائيل، و تنتقدها على ما تتخذه من تدابير قمعية بحق الفلسطينيين. تفرض عقوبات عليها، لكن منظمة المؤتمر الاسلامي تصم آذانها عندما الامر يتعلق بممارسة البلدان الاسلامية مثل تركية و العراق و سورية و ايران قمعية بحق الاكراد اشد خطورة اكثر مما تتخذه اسرائيل بحق الفلسطينيين. ان من غير المعقول لاخلاقية ذات وجهين مثل هذه ان تحقق الهدف المنشود، ولا يمكن لاحد ان يتحمل مثل هذا الموقف محمل الجد ناهيك عن اسرائيل... ان الاكراد في تركية و العراق و سورية و ايران انهم لا يملكون حتى الحقوق التي تنالها الفلسطينيون في اسرائيل، كان تنكر تركية على سبيل المثال حتى الوجود القومي للا كراد، و ان مختلف الدول المجاور للاكراد قد استعملوا ضد الاكراد الاسلحة الكيماوية. . الخ فما هي الاجابة التي يمكن ان تحررها الدول الاسلامية آنذاك ؟ انها ستتخذ موقفا مماثلا للامم المتحدة مطبوعا باخلاقية ذات وجهين بما يجعل المنظمات الدولية غير فعالية و عاجزة عن اداء وظائفها. غير انه، لا ينبغي ان ننسى ان المجتمع الكردي مجتمع مسلم و لا بد ان تكون المنظمات المعنية مثل منظمة المؤتمر الاسلامي قد بذلت جهودا كبيرة لكي تتجاهل المسالة الكردية. وقد تغير الوضع بدوره بالنسبة لهذه المنظمات، فقد اصبح من الصعوبة عليها ان تتخذ موقفا لا مباليا من الهيمنة الاستعمارية التي تمارسها البلدان الاسلامية بحق الامة الكردية. ذلك ان التناقضات الاخلاقية ذات الوجهين التي تتميز بها طريقتهم في التفكير و العمل اصبحت واضحة بجلاء، كما اصبحت موضوع حديث الناس و تساؤلاتهم. كذلك يعبر التخريب الذي تلحقه تركية بشمال كردستان اكثر اهمية من التخريب الذي الحقته بريطانيا بالهند على سبيل المثال، او اي من مستعمراتها الاخرى. اذا بامكان النظم الاقتصادية المتطورة، كما هو الحال في بريطانيا، ان تتحكم بمستعمراتها من خلال النظام المالي و المصرفي و من خلال العلاقات التجارية الصناعية التي تربط بينهما. و تستطيع البرجوازية المتقدمة أن تتحكم و تديم سيطرتها على البلدان المستعمرة بسهولة. ا ما دول مثل تركية ايران سورية عراق فلا تستطيع التحكم بكردستان الا من خلال الارهاب الذي تمارسه الدولة بمساعدة الشرطة ورجال الدرك و بامكان هذه الدول مثل العراق ايران ان تستخدم بطريقة بدائية جديدة الاسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي. انهم يبيدون الشعب الكردي و يخربون بيئة كردستان إنهم يحرقون الغابات و يدمرون خصوبة التربة و يهدمون القرى. و هدف هذه السياسة تدمير معنويات الاكراد و ايمانهم بقوة الافكار، و حرمانهم من هويتهم القومية و تحو يلهم الى عبيد. و يريدون ان تسيطر على عقولهم و احاسيسهم باستمرار مشاعر الخوف و الرعب. انهم يريدون بقاء معنويات الاكراد منحطة بحيث يفقدون الثقة بانفسهم و بامتهم و بمستقبلهم. و هدف هذه السياسة تدمير المؤسسات الاجتماعية و الثقافية للمجتمع الكردي. انهم يريدون تحويل الاكراد الى العبيد بكل معنى الكلمة. كما يريدون القضاء على قيم الاكراد و عاداتهم و يطوي النسيان اللغة الكردية. و يريدون من الاكراد ان يستسلموا وان لا يبدوا اية مقاومة على الاطلاق. ذلك لان الاشخاص الذين فقدوا الامل و الذين انحطوا الى مستوى العبيد و يتوقفون عن المطالبة بحقوقهم القومية و المدنية. فهم لا يفعلون سوى الخضوع لارادة سادتهم. يريد المستعمرون من الشعوب المستعمرة ان تحيا بحيث تخالجها باستمرار المشاعر التالية " اننا نحن الذين نحكمكم لا تنسوا ذلك، و عليكم ان تخافونا. تلك هي المعايير العامة التي تتحكم بالعلاقات بين المستعمر و الشعوب. و اذا ما اجرينا بحوث عن طبيعة هذه العلاقات فلا بد ان نراعي بصفة خاصة هذه العوامل الشعورية و الفكرية. و علينا ان ان لا نهمل معالجتها باي ثمن. تحليل هذه العوامل لا يقل اهمية عن تحليل العوامل الاقتصادية. ذلك لان الاستغلال الاقتصادي لا يتحقق الا بالظل مثل بيئة الخضوع و الاستسلام هذا. تعتمد تركية، اذ الكفاح متزايد و حزام (الكريلا )على حماة القرى، و تبذل جهوداً حثيثة و لتكثيف السياسة (فرق-تسد و دمر) حماة القرى هؤلاء، يمارسون مختلف اساليب العنف التي طورتها المجتمعات الاستعمارية و يوجهونها ضد الكريلا و اسرهم و اقربائهم و قراهم. باستخدام تلك الاساليب و يرصدون من جهة كفاح الكريلا الذي يعرض الدولة الاستعمارية للخطر، و يستمرون في تطبيق سياسة فرق -تسد دمر" و يكثفونها تدريجيا. هذا هو الوضع الذي تحاول الامم المتحدة الدفاع عنه و الحفاظ عليه على الرغم من شرعية تمتع الاكراد بحقوقهم الديمقراطية، و تلبية رغبات حكومة الاستعمارية التركية و الايرانية و العراقية. وموقف مثل هذا انما يلحق الضرر بمصداقية الامم المتحدة و يحاول دون اداء هذا المؤسسة لوظائفها. و ينطبق ذات الشئ على مؤسسات اخرى مثل منظمة المؤتمر الاسلامي و لهذا السبب ينبغي استرعاء الاهتمام نحو خصوصيات اشرنا اليها في بداية هذه الدراسة : هي ان سياسة فرق- تسد " التي نستطيع ملاحظتها في المستعمرات الكلاسيكية تتحول في كردستان الى سياسة فرق- تسد و دمر. " والمقصود بذلك بطبيعة الحال، تدمير الهوية الكردية و هوية كردستان و سحقهما، اي تدمير وسحق و القيم والخصوصيات القومية للاكراد. و اذا ما ظل هناك اكراد يكافحون من اجل هو يتهم القومية على الرغم من ارهاب الدول و كل اصناف الظلم و التعذيب و الاضطهاد ينبغي استئصالهم من اخرهم، و ازالة وجودهم المادي. و تزداد قسوة , عدوانية الجيوش لهذه البلدان يوماً بعد يوم ، و هذه الدولة تصور في مخيلتها كل انواع ارهاب لا تتردد في ممارستها. انها تفرض الحصار على القرى باكملها و تخضعا للتفتيش، وتمارس التعذيب الجماعي لسكانها و تلهو بقتل الناس و تنشئ معسكرات للاعتقال، و تقصف المناطق الاهلة بالسكان بالغازات السامة، و تسمم مياه الشرب و تهجر الاكراد بقوة من قراهم. و يحدث في الاغلب انهم يلجؤون الى ممارسة هذا الإجراءات كلها او جزء منها في آن واحد حسب الظروف. و قد يحدث و ان يوجد بين المعتقلين او المزارعين او عدد من النساء عدد من الموالين للسلطة و الانهزاميين و الجواسيس، وفي هذه الحالات يطلق سراح هؤلاء بكل بساطة. بامكان هذه الدول مصادرة سلع المزارعين و منتجاتهم و حيواناتهم و اعلافهم في اية ذريعة. بامكان الجنود المجددين بالسلاح دخول القرى و بالاقامة في اي بيت يشاؤون و يستحوذون على اراضي المزارعين الاكراد، و يجبرونهم على زراعة الاراضي و جمع المحاصيل لحسابهم. و يامرون المزارعين بالسهر على امن القرية و حراستها. بامكانهم ان يطلبوا من الاسرة التي التحق احد ابنائها بالكريلا تسليمه. و لهم صلاحية وضع الاسرة بكاملها رهن الاعتقال الاحترازي ما لم يفعلوا ذلك. انهم يفعلون كل شئ لاجل ان يتخلصوا من دفع النفقات و حماية القرى و تحميلها على المزارعين. . . . الخ وازاء مثل هذه الاجراءات امامنا خياران لا غير : اما ان ندافع عن نفسنا، و في هذه الحالات يفتح العسكريون النار و تذهب ضحايا من بيننا او ان نقبل بهذه الاجراءات، في هذه الحالات ما علينا الا ان نستجدي و نستعطف الآخرين. و هكذا يجري اذلال الكردي و انتزاع كرامته. هكذا يدمر شعور المرء بالعار و خجله عن خوفه على شخصيته و يميت قلبه. و في كل الحالات تصل قوات الجيش و الشرطة الى هدفها. لهذا السبب نقول ان مجتمعات المستعمرة مجتمعات جريحة، لكن وضع كردستان ادنى حتى من مستوى مستعمرة. تلك هي الممارسات التي يدرسها خبراء من اهل البلاد و حتى خبراء اجانب لدعمهم للدولة وهي ممارسة موجهة ضد الكريلا بالدرجة الاولى.
و من كل ما ورد نستخلص ما يلي: يتجسد الهدف الأولي للأيديولوجيات الرسمية في كردستان في تكوين سلسلة من الفرضيات القائلة بأنه لا وجود لظاهرة تسمى بالكرد، وإنْ وُجِدَت فهي غير مهمة، وإنْ كانت مهمة فكشف النقاب عنها أمر بالغ الخطورة. ويُجلَب الماء من ألف بحر لإثبات ذلك. وتُصَبُّ بعضها كالماء الجامد فوق الرؤوس، وبعضها الآخر كالماء المغلي. يُصَرُّ على هذه الفاعلية إلى أن يُعتَرَف بالسلطة الدارجة، ويُصادَق عليها وعلى كل شيء معني بها. أما الذريعة الأساسية المتوارية وراء هذه الفاعلية، فتتمثل في القول بأن كردستان قد فُتِحَت منذ أمد غابر، وأن الكرد - بالتالي - قد استسلموا معها. الغريب في الأمر أن الكرد غير متنبهين أبداً إلى هذه المآرب والمزاعم. بمقدور صاحب السلطة التركية أو العربية أو الفارسية أن يسرد بأفضل الأشكال كيفية فتحه للكرد وكردستان القابعة في ظل بنية سلطته، وعبر أية حروب شهيرة تم فتحها. بل وإنه يتلذذ ويغتبط لشرح حكايات البطولة لتلك الفتوحات أيضاً. أما الكردي (إنْ كان له وجه وفؤاد قادر على الزعم بأنه موجود)، فيصغي إلى هذه الحكايات بكل حماقة وبلاهة. ونادراً ما يُبدي مهارته في محاكمةِ ما (أو مَن) تم فتحه. إن حالته الراهنة هي النقطة التي تنتهي فيها الذهنية الاجتماعية والأخلاق المرتبطة بها.
الدراسة الثانية:" افلاس الأيديولوجيات الرسمية "
ففي هذا المنحى يستدرك البرفسور بشكجي الفكرة الشمولية حول الايديولوجية الرسمية كي يبرهن لنا بأن الوضع قد تغيّر كلياً في كردستان و تركيا في الربع الاخير من القرن العشرين. و يصف كيف بدأ هذا المفهوم الرجعي بالتراجع و آلية ذلك و الفضل -حسب بشكجي- يعود للحركة الكردية و حربه التحررية. و نعود لقراءة فكر البرفسور:
السياسة التي لجأت تركيا بصفة عادية الى استخدامها في كردستان هي سياسة الدولة الارهابية. و هذه السياسة هي في اخر المطاف الوحيدة التي تمتلكها تركية ازاء المسالة الكردية. تقول تركية انها ستستمر في ممارسة سياسة القمع حتى لا يبقى شخص يجرأ على لفظ كمة " كردي" او يجرأ على المطالبة بحقوق قومية و ديمقراطية الاكراد. و هي تعتمد على مناطق نظام العقاب و التخويف الذي لا يطال كل من يتحدث عن المسالة الكردية الشخصية فحسب بل و يعتمد الى اسرهم و قراهم و العشائر التي ينتمون اليها و بناء على ذلك، سيجبرونهم على التخلي عن الاهتمام بهذه المسالة. ولكن على الرغم من جميع انواع التعذيب و التشريد فالعقوبات و الفقر، و يزداد عدد الدراسات ذات الصلة بكردستان يوماً بعد يوم كما يزداد عدد الدراسات التي تتناول اللغة الكردية و الثقافة الكردية. مطالبة بالحقوق القومية و الديمقراطية و يتكاثف باستمرار. كما طرحت هذه المطالب باشكال مختلفة. ففي ما يتعلق بالصهر استطاعت الحركة الثقافية الثورية للشرق ايقاف هذه العمليات. ويؤدي التطور التدريجي للرأسمالية و الديمقراطية الى المزيد من تطوير مفهوم القوميات و التعجيل بحركتها و توسيع قاعدتها. و على الرغم من كثافة الارهاب الذي تمارسه الدولة و شموليته و يصر الاكراد على نيل حقوقهم القومية و الديمقراطية. و هم يقاومون ارهاب الدولة و كل انواع المخاطر و يكافحون من اجل تلك الحقوق. و هذا يعني فشل الارهاب الذي تمارسه الدولة، بمعنى فشل سياسة الارهاب. ذلك لان ارهاب الدولة بهذه الحال يفقد وظيفته. ان الدولة في تركية لا تمتلك غير هذه السياسة. و اذا ما رصدنا التطورات السياسة و الاجتماعية التي حدثت خلال السنوات الاخيرة في الشرق الادنى سنلاحظ ان كل دولة لها سياستها الخاصة ازاء الاكراد. كما ان كل من الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة و دول مثل فرنسا والمانيا و بريطانيا لها سياستها الكردية الخاصة بها. ينطبق ذات الشي على ايران و سورية و البلدان العربية الاخرى - والسبب في ذلك يعزى الى ان الاكراد اصبحوا يمثلون عمالة مهمة لا بد من اخذها بنظرة الاعتبار يؤثر على مجمل التطورات السياسية و العسكرية في الشرق الادنى. ومن الموضوعات التي يجب دراستها هو ما اذا كانت هذا السياسة او تلك منسجمة او غير منسجمة مع مصلحة الشعب الكردي، و عما اذا كانت تستجيب لمطالب الاكراد ام لا؟. غير ان من الاهمية بمكان ان يصبح الاكراد عاملا مؤثرا في الشرق الادنى على العلاقات الدولية. ان دولا مثل تركية و عراق هي التي تعتقد بامكانيات ايجاد الحل للمسالة الكردية من خلال ارهاب الدولة. و هاتان الدولتان هما اللتان تطبقان في كردستان نظام المستعمرة الدولية.
الدراسة الثالثة هي " الممارسة الاستعمارية و المثقفون الاتراك". فالمثقف الذي يقول" لم أرَ! لم أسمع و لا أعرف" خير مثال على السفسطة و الديماغوجية البعيدة كل البعد عن روح المثقف الحقيقي. فالمثقفون الأحقاء يعدون أنبياء العصر! و كلنا نعرف صفات الانبياء و اعمالهم و لكن الأمر يتغير في تركيا! فالمثقف مثقف حتى حدود المسألة الكردية حيث يتحول إلى ديناصور قوموي. حتى المثقف الذي يدّعي الاشتراكية و الشيوعية و الاممية و يتشدق بحق الشعوب في تقرير مصائرها. لكن إذا ما كان هذا الشعب هو الشعب الكردي، تسقط جميع الاقنعة البرّاقة و ينسى المثقف كل مبادئ الحرية و الاشتراكية و إلى ما هنالك من مبادئ -كان- يعتنقها! و كون البرفسور مثقفاً تركياً فهو خير من يصف هذه المعضلة التراكوميدية
لنتناول الان موقف المثقفين و نشاطاتهم. كانت حروب التحرير الوطني في الجزائر من بين اكبر الحروب التحريرية الدموية في التاريخ. فقد كلفت حياة ما يزيد على مليون نسمة. بآرائهم و أنشطتهم و قدموا مثالا عظيما يشرف الانسانية جمعاء. استمرت حرب تحرير الجزائر وقف خلال فترة الحرب هذه الى جانب جبهة التحرير الجزائرية معظم المثقفين الفرنسيين، ووجهوا انتقادات جماعية للسياسة الاستعمارية لحكومة بلادهم و افكارها و اعمالها في الجزائر. و بعد ان تعرف الفرنسيون على افكار فرانس فانون و انشطته ازدادت تلك الانتقادات نطاقا. و ساهمت المقدمة التي كتبها جان بول سارتر لكتاب فرانس فانون "المعذبون في الارض " على نحو حاسم في تفسير موقف الفرنسيين من مسالة الجزائر. لم يشمل في ذلك التاريخ بطبيعة الحال، افكار جميع الفرنسيين و مواقفهم. لكن المعارضة الفرنسية كانت ذات تأثير قوي رغم انها كانت تمثل الاقلية، و ساهمت على نحو ملموس في تعجيل عملية ايجاد حل للمسألة الجزائرية. فقد أنشأت المعارضة الفرنسية روابط لدعم نشاط جبهة التحرير الجزائرية في الجامعات الفرنسية وعلى الرغم من تعرض مؤسسي هذه الروابط لاجراءات قمعية جماعية، و طرد بعض اعضائها من الجامعات فان الامر المهم انما يتمثل في انشاء تلك الروابط وفي انخراط عدد كبير من اعضاء هيئات التدريس في عضويتها. و ثمة من عمداء الجامعات من كان يصرح : " انني اشعر بالخجل اذا اكون عميدا لجامعة في بلد يحتفظ باستعمارة في الدولة الجزائرية، و احتجاجا على هذا الوضع هنا عليّ ان اخلع رداء العميد و اعلن استقالتي من هذه الوظيفة "، و غالبا ما كانت الصحف الفرنسية تنشر مقالات تتخذ موقفا ايجابيا من جبهة التحرير الجزائرية. كما كانت توجه انتقادا ت للدولة الفرنسية و حكومتها و تأكد على عدم شرعية الوجود الفرنسي في الجزائر. و قد لاحظنا ردود فعل ايجابية من جانب الاحزاب السياسية. و تجري معالجة السياسة الاستعمارية و الامبريالية للحكومة الفرنسية و ممارساتها في الجزائر من خلال تكرار تنظيم المظاهرات باصدار البيانات وعقد المؤتمرات و الاجتماعات. وقد التحق عدد كبير من الفرنسيين بجبهة التحرير الجزائرية و كافحوا كما كان موقف الكنيسة في فرنسا مشرفا ازاء كفاح الجزائر من اجل الاستقلال. فقد دعم عدد كبير من الرهبان و الكهنة سراً و علناً كفاح الشعب الجزائري من اجل التحرير الوطني. لم يقتصر اتخاذ مثل هذه المواقف الايجابية من الكفاح التحرري للشعوب على فرنسا فحسب، اذا وقف المثقفون الامريكان في الستينات الى جانب حركة التحرر الوطني في فيتنام وانتقدوا سياسة الحكومة الامريكية في فيتنام و ايدوا كفاح الفيتكونج و يقدم الشعب الاسرائيلي في هذا المجال مثلا اخر. فقد اثار هجوم اسرائيلي في صيف 1982 على لبنان و على منظمة التحرير الفلسطينية موجة قوية من الاحتجاجات من جانب بعض الفئات اليهودية. ففي مدينة مثل تل ابيب او القدس، جرى تنظيم مظاهرات شارك فيها عدد كبير من السكان ضد سياسة الغزو الاسرائيلي. ان وجود يهود ينتقدون سياسة حكومتهم، و يقفون الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية مدافعين عن افكارها و عن مشروعية كفاحها انما يمثل شرفا كبير للانسانية. انه لامر يحسم لصالح اسرائيل حينما لا يتعرض الدولة العبرية لهؤلاء اليهود المؤيدين للقضية الفلسطينية و عدم اعتبارهم خونة ووضعهم في السجون او تعذيبهم. و تقع حاليا مصادمات خطيرة بين قوى الامن الاسرائيلي و بين مؤيدي الفلسطينية في الاراضي المحتلة، و ينتقد بعض الاسرائيليين سياسة حكومتهم ازاء الفلسطينيين. و من خلال سلوكهم هذا يعربون علنا عن وقوفهم الى جانب الفلسطينيين و تعبيرا عن ذلك يشاركون في مظاهرات الاحتجاج و في تنظيمها. و من الواضح ان هذا النموذج من السلوك و العمل هو ابعد ما يكون عما يجري من ممارسات في الجامعات التركية. فهذه الجامعات نقف في بداية المؤسسات الرسمية التي تنتج و تنشر الايديولوجية الرسمية و التي لا تستند الا على الاكاذيب. ففي ما يتعلق بالمسالة الكردية لا تستخدم الجامعة التيكرة مناهج علمية، انما تعمل بدلا عن ذلك كاي شعبة تابعة للمخابرات التركية. و من مؤكد مهمات الجامعة التركية وواجباتها لا تشتمل على اجراء البحوث عن المسالة الكردية. اما اذا قرر احدهم اجراء مثل هذه البحوث فان صلاته ستقطع فوراً. و على العكس من ذلك تنظيم الجامعات التركية باستمرار"بحوث عن الاصل التركي للاكراد و لاثبات عدم وجود اللغة الكردية، و تعمل على ترويج مثل تلك البحوث ". و ينطبق الشىء ذاته على الصحافة و الاحزاب السياسية التركية. اذا ما تعلق الامر بالمسالة الكردية، تتحول وظائف هذه المؤسسات الى وظيفة شعبة تابعة للمخابرات. ففي حالة تحويل مباني مدارس القرى الى مراكز للتعذيب. لا تنشر الصحافة التركية شيئا عن ذلك. كما لا تكتب شيئا حشر جميع سكان قرية ما رجالا و نساء و اطفالا و شبابا و شيوخا في مبنى احدى المدارس لتعذيبهم. اما اذا هوجم احد مراكز التعذيب تلك و احرق فان الصحافة تقيم الدنيا و لا تقعدها بذريعة ان حزب العمال الكردستاني اعاد الكرة و هاجم احدى المدارس و احرقها. و في تركية جمعيات لحقوق الانسان انشئ مقرها داخل المؤسسات الرسمية مثل جمعية حقوق الانسان في كلية العلوم السياسية بجامعة انقرة، او جمعية حقوق الانسان في مؤسسة الادارة العامة لتركيا و للشرق الادنى. و لا تتخذ كل هذه الجمعيات مواقف تختلف عن مواقف الجامعات و الاحزاب السياسية و الصحافة التركية شيأً ل حقوق الانسان الكردي. اما فيما يتعلق بجمعية حقوق الانسان المستقلة التي انشأها عدد من المثقفين فهي لم تتخذ بعد قراراً بشان موقفها من حقوق الشعب الكردي. اذ انها تتجاهل بكل بساطة هذه المسالة و على اية حال لا يمكننا القول ان المثقفين الاتراك يقفون الى جانب الاكراد في كفاحهم من اجل التحرير الوطني، و العكس من ذلك صحيح ن اذ تجد السياسة العنصرية الاستعمارية للدولة التركية في اوساطهم مؤيدون بارزين. ترى جمعيات حقوق الانسان في تركيا ان من بين الفضائل الاخلاص للقيم المقدسة للدولة التركية. و تتصرف هذه الجمعيات وكأنها في بلد لا يعرف المسالة الكردية و يشهد على ذلك سلوكها و مجمل اعمالها. و هم لا يبدون ازاء الاكراد حتى ما لا يعادل عشر الاهتمام الذي يبدونه ازاء الفلسطينيين و نحو الاتراك في بلغاريا غير ان اهتمامهم بالفلسطينيين و تعاطفهم مع الاتراك في بلغاريا لا يثمر عن اي نتيجة محددة تذكر. وهو ما يعزى الى ان تفكيرهم و اعمالهم مطبوعة باخلاقية ذات وجهين لا تحقق رد الفعل المطلوب لدى الناس، و تجعلهم على العكس من ذلك عرضة لاتهامات خصومهم و هدفا للبيانات التي يحررونها ضدهم. يعلم المثقفون الفرنسيون ان لفرنسا مستعمرة، وهم لهذا ينتقدون حكومتهم، و هم يسعون الى تحرير تلك المستعمرة لانهم يدركون ان ذلك يعني ايضا تحريراً لفرنسا نفسها. اما "المثقفون الاتراك" ذوو الحس الانساني المرهف و شديدو التعلق بالحرية و المغرمون المتيمون بالثقافة فكان عليهم ان يفهموا بعد مرور كل هذا الوقت الطويل ان لتركيا ايضا مستعمرة، حيث ترتكب الدولة كل يوم جرائم و قتل الاكراد لكي يتمكن المثقفون الاتراك و الشعب التركي و الامة التركية من ان يعيشوا بحرية اكبر وان تتعزز اكثر فاكثر اللغة و الثقافة التركيتين.
--------------------------------------------------------------------------------
استفدنا في ترجمة هذا المقال من النسخة العربية للكتاب المعنون:(كردستان مستعمرة دولية) و التي ترجمها : ز. عبد الملك
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تحرك بالكنيست لمصادرة أموال وممتلكات -الأونروا- في إسرائيل و
.. ألمانيا.. اعتداء على متضامن مع فلسطين من ذوي الاحتياجات الخا
.. الكنيست يصادق على مشروع قانون يحظر عمل الأونروا في غزة والضف
.. كورنيش بيروت يتحول من مكان للتنزه إلى ملجأ لخيام النازحين
.. مصطفى البرغوثي: 7 أكتوبر لم يكن سببا بل نتيجة للاحتلال وللتط