الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أثر التصوف في نشر : التواكل والتسول والخضوع والتذلل
أحمد صبحى منصور
2024 / 7 / 12العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب : أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الثالث : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية
أثر التصوف في القيم الاجتماعية الهابطة فى مصر المملوكية :
أثر التصوف في نشر : التواكل والتسول والخضوع والتذلل
التــــواكــــل
1 ـ دعت القصة الصوفية للتواكل ،ونفّرت من اتخاذ الأسباب حتى في السفر في الصحراء او في الحج بجعلهم (الحج بالتجريد) أي بدون ماء وزاد ، ويأتي لهم الماء والزاد في الطريق بالكرامات ، وربما يأتى الخضر بنفسه ـ بزعمهم . ومن أكاذيبهم قولهم أن الله حل وعلا خلق الناس واختار كل منهم صنعته، وانفردت الصوفية كل منهم باختيار خدمة الله ، فسخر الله الخلق لخدمتهم ) ..
ودعا ابن الحاج المريد الصوفى صاحب الأولاد ألا يأبه لرزقهم لأن وجوده وعدمه في حقهم سيان ، والملك لا يضيق عن رزقهم ، وهى عبارة تحتمل وجهين ، ولكن توجيهها للمريد الصوفى يؤكد معنى التواكل الصوفى وليس التوكل .
ونصح الخواص الشعراني بألا يتخذ حرفه حتى لا يختار مع الله شيئا .
واعتبر الصوفية بقية الناس العاملين المتوكلين جنسا آخر مختلفا أقل من الصوفية شأنا ، فسموهم (أبناء الدنيا ) ، وفي مناقب شمس الدين الحنفى قول كاتب المناقب عنه ضمن مناقبه : ( بلغنا ان سيدنا كان لا يتواضع لأبناء الدنيا) .
2 ـــ واشتهر الصوفية في العصر بالتواكل ، ووُصف هذا التواكل بالتوكل قلبا للحقائق ، فوصفتهم إحدى الوثائق بانهم (توكلوا عليه ، ليس لهم صناعة ولا يملكون بضاعة ، متجرهم ركعة ، ومنهلهم دمعة ) والغريب إعتبار هذا التنطع توكلا . وذكر ابن حجر فى تاريخه ( إنباء الغمر ) أنه شرع الجميع في حفر الخليج ، وشارك فى الحفر الامراء وتجار وقيل ثم دخل الناس في العمل حتى الصوفية ... ثم أعفوا من العمل ) ..وتأمل قوله ( حتى الصوفية ). فهذا تعبير عن رؤية العصر لهم . لذا تتردد فى تراجم شيوخ الصوفية أنه لم تكن لهم حرفة ، وأنه كفاهم الناس امر المعاش .
3ــ وطبيعي ان يتأثر بهم الباقون من محبي التنطع والكسل. وما أسهل انتشار مثل هذه الدعوة في مجتمع يضمن الرزق للمتواكلين ، خاصة وأن بعض الصوفية أسبغ على دعوته للتواكل رداء الدين . وابن عطاء السكندرى أبرز من قال بذلك في كتابه الشهير (التنوير في اسقاط التدبير) ولا يزال متداولا بين الشاذلية . وقد صاغه بأسلوب جذّاب على شكل حكم ومواعظ ذات وقع موسيقى ، ومن خلال هذه الصياغة الرائعة قرن اسقاط التدبير (او عدم العمل) بالدين ، وجعل السعى فى سبيل المعاش شركا بالله جل وعلا ، . وكرر ذلك في كتب أخرى ، يقول في احداها للناس: ( ارادتك التجريد مع إقامة الله تعالى اياك الأسباب من الشهوة الخفية ، وارادتك الأسباب مع إقامة الله اياك في التجريد انحطاط عن الهمة العليّة ، أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك لا تقم به لنفسك..اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك ) .
4 ـ وتأثير آراء ابن عطاء خطير ، وممن تأثر بها الشعراني القائل عن الصوفية : (ومن آدابهم .. لا يعتمدون علي كسبهم ، فإن الاعتماد على الكسب شرك بالله ) . وحتى الآن يعكف الشاذلية وغيرهم على قراءة كتب ابن عطاء ، ومنها (التنوير في اسقطا التدبير)، المسئول عن إشاعة التواكل والتبطل والدروشة . ويظهر اثر ذلك في اعتماد الناس على الأوراد فى تحصيل الرزق ، وقد سئل السيوطي مرارا عن الأدعية والأذكار الجالية للرزق فوضع فيها رسالة خاصة . وتصور الامثال الشعبية هذا:( تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش )
5 ــ وأدى ذلك إلى دعوة بعضهم الى الزهد في الدنيا وتفضيل الموت على الحياة والركون الى الفقر، وقد تردد فى مخطوطة كتاب ( الإلمام ) لمؤلفه الصوفى النويرى السكندرى قوله : ( فالفقر صلاح ، وخير بلا خسارة وبلا همّ ، والفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر )
5 ــ وقد سيطرت هذه العقيدة على العوام ، وأضرّت بالحياة الاجتماعية ، لأنها جعلت العامة تطمئن لفقرها ، وتعتبره طريق الأنبياء ، خصوصا مع جعله دينا ووضع الصوفية لحديث ( اللهم أحينى مسكينا .. ) .
وفي الأمثال الشعبية نرى التأثر بهذا فى قولهم : (دنيا غرورة ، دنيا واللى متغطي بها عريان ) . إنتشر هذا مع حث الصوفية على الزهد ، وإعتباره من أخلاق السلف الصالح وأسوة بالأنبياء لا بالجبابرة كقارون . ووضع السيوطي رسالة يفضل فيها الموت على الحياة. .
6 ــ هذا ... وكان التسول أهم نتيجة عملية للتواكل الصوفي فمن اين يعيش المتواكل الذي لا يعمل ..؟؟. وقد عرضنا فى كتاب ( أثر التصوف فى العبادات ..) لازدهار التسول في العصر المملوكي عن طريق التصوف. فلا داعى للتكرار .
الخضوع والتذلل :ــ
1 ــ بالتصوف عرف العصر المملوكي الخضوع والتسليم للأولياء الصوفية والحكام ،وليس غريبا أن دعاة تقرير الظلم هم أبرز دعاة الشعب للخضوع للمستبد الظالم ، وهم أنفسهم أرباب التقليد العلمي والخمول الاجتماعي . ويكفي اطلاق (الفقر) على صوفية العصر المملوكي وافتخارهم بهذا اللقب مع ما فى الفقر من ذلة وانكسار واحتياج للأخرين ، وتأليفهم و نشرهم حديثا يعبر عن الذلة والمسكنة هو ( اللهم أحينى مسكينا وأمتني مسكينًا واحشُرني في زُمْرَةِ المساكين) وصاغوا على منواله حديثا آخر يقول (اللهمَّ أحيني فقيرًا وأمتني فقيرًا واحشُرني في زُمْرَةِ الفقراء ) .
2 ــ إنّ عزة المسلم الحقيقى في طاعته ربه وإيمانه به جل وعلا الاها لا شريك له ، بحيث لا يذل نفسه لسواه ، وفى نفس الوقت فهو لا يتكبر على بشر مثله ولا يتكبر على الضعاف بل يتطامن لهم ويتواضع . والإسلام دين العقل المتفتح، والمؤمن فيه ليس امّعه يقلد الآخرين ويعيش خاملا، بل هو فعّال للخير يتعاون على البر والتقوى .
إن الله جل وعلا جعل الذلة والمسكنة قرينة بغضبه على العُصاة من بنى اسرائيل وأهل الكتاب ، فقال جل وعلا:(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ)(61) البقرة ) ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ) (112) آل عمران )، بينما جعل العزة من نصيب المؤمنين مرتبطة بعزة الله جل وعلا ورسوله ، ولكن المنافقين لا يعلمون: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون ). إن الايمان بالله جل وحده إلاها لا إله غيره يعنى أن يكون الفرد عبدا للخالق وحده ، وليس عبدا لمخلوق مثله ، وهذا فى حد ذاته فخر للمؤمن وعزّ له . والوقوع فى الشرك وتقديس البشر يؤسس الوضاعة والذلة والمسكنة داخل الفرد المُصاب بهذا الدين الأرضى . ومن هذا التذلل الدينى يمتد التذلل ( الاجتماعى ) ليصبح قيمة اجتماعية بسيطرة هذا الدين الأرضى ، فالذى يركع أمام رجل الدين الأرضى لا يجد غضاضة فى سجوده للمستبد وأصحاب السلطان . وهذا ما ساد فى العصر المملوكى . وعرضنا فى كتاب( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) لنشر التصوف لنفاق الحاكم المملوكى والتزلف اليه والرضى بظلمه وتحريم إنتقاده مهما أسرف فى ظلمه .
3 ـ والشعراني كان أكبر داعية للرضى بالظلم المملوكى ، وهو ــ كالعهد به ــ خير من يمثل دين التصوف المملوكي. وفي كتاباته يخلط بين الدعوة للخضوع للظلمة مع الخضوع للأخرين والتسليم وما ينتج عن ذلك كله من خمول، و يحتال لذلك بالمنطق المعوج مع التحذير والتخويف، كقوله :( اخذ علينا العهود ان نعلم إخواننا طريق الخلاص إذا قام عليهم قائم يؤذيهم ، وذلك بأن نأمرهم أن يحسنوا الى من قام عليهم بالدنيا والخلق والخدمة وليس هذا من الأمور المحرمة .. فمن عقل العاقل ان يذل ويخضع ويحسن الى من يشوش عليه ، ولو لم يكن بيده إلا لقمة واحدة دفعها إليه ، وذلك لأن جوع الانسان مع هدوء السر أحسن من شبعه مع النكد ، والذي حرك النكد هو الذي بيده تسكينه، فهو أولى بالإعطاء من الحاكم الذي يريد ذلك المظلوم ان يحتمى به . ويقع للكثير من ضعفاء العقول أنهم يحرمون الخصم ويطعمون الحكام ، ولو انهم قد أعطوا الخصم بعض ما اعطوه للحاكم لربما سد باب الأذى ) . وبالمنطق نفسه يستدل الشعراني برأي الخواص في تفصيل العبد القن على العبد المُكاتب الساعى لشراء حريته من سيده ، يقول: (لأن المُكاتب ساع في خروجه من رقّ سيّده ودخوله في رق نفسه وشهوته ، والعبد يُحمل إليه رزقه وهو في رق سيد واحد ، والمُكاتب يسعى في طلب رزقة ثلاثة : سيده ودينه ونفسه ) .
4 ــ والواقع ان علامة الصوفى ــ قبل الشعراني ــ تمثلت في قدرته على تحمل الأذى من القول بالغا ما بلغ ، فى نظير بلوغه هدفه. وقد لفت ذلك نظر ابن الحاج المغربي حيث سجل أن عادة الصوفية في الرباطات استقبال الضيف بالشتم والإيذاء ، فاذا تحمّل وتجلّد عرفوا صدق صوفيته، فادخلوه..)
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال
.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |
.. 80-Al-Aanaam