الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أثر التصوف في نشر الخمول فى المجتمع المصرى المملوكى والعثمانى
أحمد صبحى منصور
2024 / 7 / 13العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب : أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الثالث : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية
أثر التصوف في القيم الاجتماعية الهابطة فى مصر المملوكية :
فى نشر الخـــمــــول : ــ
1 ـ ومن الطبيعي ان يكون داعية التواكل هو داعية الخمول، فابن عطاء يقول في حكمه المأثورة ( ادفن وجودك في أرض الخمول ) ..
وفي نطاق دعوة الشعراني خلط بين التواكل الخمول ، وتمسح بالدين كعادته ، فجعل من أخلاق من أسماهم بالسلف الصالح (تقديمهم السلامة على الغنيمة ، من حيث رفض الدنيا وفراغ يدهم منها، فكانوا يقدمون فراغ يدهم من الدنيا على جمعها وانفاقها في سبيل الله تعالى خوفا ان يُمنعوا منها حقها ) ..
والسائد لدى السنيين أن الصحابة هم (السلف الصالح) الذين عاشوا فى خلافة الراشدين والأمويين ، مع أنه كان منهم المنافقون الذين نزلت فى كفرهم وتآمرهم وكذبهم عشرات الآيات القرآنية وأنهم الذين انهمكوا فى الفتوحات واحتلال بلاد الأمم الأخرى ، وانهمكوا أيضا فى التطاحن حول ثروات البلاد المفتوحة بدءا من الفتنة الكبرى وما تلاها فى العصر الأموى . وهم بذلك أبعد عما يقوله الشعرانى عن ( السلف الصالح ) ، وبهذا فإن الشعرانى لا يقصد بالسلف ( الصالح ) الصحابة والتابعين فى القرن الأول الهجرى ، ولكن يقصد السلف (الصالح) من شيوخه رواد التصوف . ومصطلح ( السلف الصالح ) على أى حال كذبة كبرى ، إعتاد الناس إبتلاعها دون التفكر فيها ، شأن أساطير كثيرة فى الأديان الأرضية تعيش متمتعة بالتصديق والتقديس لأنها فى مأمن من النقد والتمحيص .
2 ـ ونعود للشعرانى ، وهو يخلط التذلل بالدعوة للخمول في قوله : (أخذ علينا العهود أن نشهد مقامنا الحقيقي دائما كأنه دون مقام كل مؤمن ، فكأنه في التمثيل بالمحسوسات هو التراب الذي تطؤه الاقدام وتتبول عليه الكلاب ، ولا ترفع رؤوسنا عن الأرض ساعة من ليل او نهار . ومن فوائد هذا العمل ان صاحبه اذا وقع لا ينكسر ، لأنه جالس على الأرض بخلاف من رفع نفسه فوقها فإنه ربما ينكسر اذا وقع بقدر ما رفع نفسه . ) واستشهد بوصية أحمد الرفاعي لأتباعه : ( كونوا ذنبا ( ذيلا ) ولا تكونوا رأسا فإن الضربة اول ما تقع في الرأس) وبقوله للحاضرين (انظروا الى هذه النخلة لما قامت بصدرها جعل الله ثقل حملها عليها ولو حملت ما حملت لا يساعدها احد بخلاف شجرة اليقطين (القرع) لما مدت خدها على الأرض جعل الله ثقل حملها على غيرها ولو حملت مهما حملت لا تحس به ) ..
3 ـ ويرى باحث ان الشعراني لا يميل للحض على الأعمال الإيجابية التي تستلزم جهودا في نضال البقاء ، بل اعتبر الكثير منها خروجا على الطريق كالشجاعة والاقدام ومقاومة الظلم، ويرى أن الأخلاق التي روج لها بين مريديه هي اخلاق العبيد ..
4 ــ وخمول التاريخ المصري في القرن التاسع وبداية العاشر يكاد يظهر في كل صفحة من تاريخ ابن اياس المعبر عن الرأي العام الشعبي ، والباحث فى تاريخ ابن اياس لا يرى حدثا هاما ، ويصطدم بتكرار قوله ( وأشيع بين الناس ) ، اى سريان الاشاعات فى شعب لا نشاط له سوى النميمة وتبادل الأقاويل . وسارت الأحوال على هذا النمط الرتيب البطىء الى أن جاء الاصطدام من الخارج بدخول السلطان الغورى فى العراك بين اسماعيل الصفوى وسليم العثمانى ، وما ترتب عليه أخيرا من فتح العثمانيين لمصر وتحولها الى ولاية عثمانية . ولم يحمل الفتح العثمانى جديدا يغير مسيرة المجتمع المصرى فى العصر العثمانى ـ بدليل أن العثمانيين أنفسهم إعتنقوا التصوف السنى على أنه الاسلام ، وحملوه شعارا فى غزوهم لأوربا، وأن أساطين التصوف المصرى ظل نفوذهم ممتدا بعد الاحتلال العثمانى ، وأبرزهم الشعرانى المخضرم الذى عاش أواخر العصر المملوكى وعايش العصر العثمانى ، وصار أستاذ هذا العصر ، وتأثر العصر العثمانى بمؤلفاته الكثيرة التى كتب معظم مؤلفاته فى هذا العصر العثمانى ، ومنها عن القيم الصوفية كالتواكل والخمول .
5 ــ لذا أثرت كتابات الشعراني في تشكيل نفسية الشعب في العصر العثماني مع كثافة التصوف والجهل ، ونذكر بالتقدير ما قاله كلوت بك ، وقد لفت نظره خمول المصريين فى عصر محمد على فقال فى كتابه ( لمحة عامة الى مصر ) : ( لو تُرك المصريون وشانهم أخلدوا إلى البطالة والكسل وتراموا في أحضان الدعة والخمول ، أي انه اذا لم تستفزهم إلى العمل إرادة فعالة وهمة نشيطة آثروا قضاء حيلتهم في البطالة التامة ، فالنظر إلى المستقبل لا يمتد عندهم إلى أبعد من الغد ) .أي انهم استجابوا لدعوة الشعراني ، وعبر عنهم وآثر الراحة لنفسه ولهم . فالقيم الايجابية ترهق الداعي لها كما ترهق عصره .
6 ـ هذا ، ونعيد التأكيد على أن تاريخ الحياة الاجتماعية لا يرتبط بالتاريخ السياسي؛ فالتاريخ السياسي مثلا للعصر المملوكي يبدأ بقيام الدولة المملوكية سنة 648 وينتهى بسقوطها سنة 923 ، أما الحياة الاجتماعية لعصر من العصور فيمكن رصدها قبل بداية ذلك العصر وبعد نهايته، لأن المجتمعات فى العصور الوسطى كانت أميل للتقليد وأبعد عن التطور الفجائي . وقد تبلورت الشخصية المصرية بالتصوف في العصر المملوكي بحيث كان المجتمع المصري في مصر العثمانية امتدادا للعصر المملوكي ، خاصة وأن الحكم العثماني لم يكن مؤثرا في الأحوال الداخلية . والشعراني صوفى مخضرم عاصر الدولتين ، وهو مع كونه تلميذا لأشياخ التصوف المملوكي فهو شيخ المتصوفة طيلة الحكم العثماني، بل ان الحياة المصرية ظلت متأثرة بكتابات الشعراني حتى أوائل القرن الحالي . ولا عجب حينئذ أن نلمح في كتابات كلوت بك عن مصر في عهد محمد على ــ صدى لتوجيهات الشعراني ....
أخيرا :
المؤسف إن حكم العسكر المصرى الذى أنهى حُكم أُسرة ( محمد على ) أعاد حكم العسكر المملوكى فى عصرنا الحديث . ولكن كان العسكر المملوكى الأجنبى متوافقا مع ثقافة الاستبداد فى عصره ، بينما إستبداد العسكر المصرى مخالف لثقافة عصرنا من الديمقراطية وحقوق الانسان والشفافية . وصل المماليك بمصر الى امبراطورية تمتد من غرب العراق وجنوب الأناضول الى برقة ، وتشمل الحجاز وشمال السودان . وهم الذين أوقفوا الزحف المغولى وإستأصلوا الوجود الصليبى . عسفهم بالمصريين أسهم فى قهرهم وخمولهم ، وجاءت دعوة الصوفية متسقة مع هذا العسف ، خصوصا مع دعوة الصوفية بنفاق الظالمين ، وتعرضنا لهذا بالتفصيل فى الجزء السياسى .
أمّا عن قهر العسكر المصرى الذى يحتل مصر من عام 1952 والذى لا تبرير له سوى الإستئثار بالسلطة فقد دعّم خمول المصريين ، وتأكد لديهم المثل المصرى القائل بالمشى جنب الحيط ، بحيث لو لم يجد أحدهم حائطا يمشى جنبه فقد يشترى حائطا ، وإذا لم يجد مستبدا يركبه إختلق مستبدا يركبه ..
يا بخت العسكر المصرى بالمصريين .!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ارتفاع حوادث معاداة الإسلام والكراهية ضد المسلمين في بريطاني
.. المؤسسات الدينية في إسرائيل تجيز قتل الفلسطينيين
.. 84-Al-Aanaam
.. الجالية اليهودية بنيويورك تدعم مطلب عائلات الرهائن لدى حماس
.. بابا الفاتيكان يدعو إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة