الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرض عضال الثقافة العراقية : ظاهرة التكاره بين المثقفين !

ثامر عباس

2024 / 7 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لعل هناك من يستغرب حديثنا عن مشاعر الكره والبغض والضغينة السائدة بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم (صفوة) المجتمع و(نخبته) ، وتحديدا"تلك الشريحة التي يطيب لها وصمها بصفة (الثقافة) . وربما الأكثر غرابة في هذا الشأن وصم هذه الظاهرة بمرض (عضال) الثقافة العراقية ، التي يرى البعض أنها تسيء الى سمعة الثقافة العراقية وتفرط في تعرية عيوبها وفضح سلبياتها ، التي بالكاد تسلم ثقافة من الثقافات الإنسانية من التلوث بجراثيمها والإصابة بأعراضها . من منطلق كونها نتاج تجارب حية للانسان في تفاعله اليومي مع معطيات محيطه الطبيعي وإفرازات تكوينه الاجتماعي .
وبصرف النظر عن مدى واقعية (الاعتراضات) التي قد يسوقها البعض ضد هذه (التهمة) القاسية بحق (الثقافة) العراقية من جهة ، مثلما شحنة (التحامل) على شخصية (المثقف) العراقي جراء الأخذ بهذه الانطباعات السلبية التي تتبناها هذه المقالة وتدافع عنها من جهة أخرى ، فان ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من اعتماد صيغة (المصارحة) و(المكاشفة) للذات بهكذا نمط من الحقائق المجهولة والوقائع المغيبة ، خشية التسبب بنكأ جراحها النرجسية الغائرة في بطانة وعيها الملتبس ، فضلا"عن احراجات تناولها بالنقد المجرد والتحليل الموضوعي . لاسيما وان (مثالب) ثقافتنا من الاستفحال والاستشراء باتت تهدد معمار شخصيتها الحضارية على نحو سافر ، كما أن (عيوب) مثقفينا من الشناعة والرقاعة أضحت تنذر باضمحلال كل ما يمتلك من صفات إنسانية ومناقبيات قيمية .
وفي سياق الكشف عما تعانيه الثقافة العراقية المازومة من أمراض عضوية مستعصية ، تبرز أمامنا واحدة من أخطر تلك الأمراض وأشدها فتكا"وتدميرا"ليس فقط في مضمار إعاقة الوعي الاجتماعي في التخلص من عيوب فطرته المزمنة وسذاجته المستديمة ، ومن ثم التقدم حثيثا"في مدارج النضوج العقلي والارتقاء الحضاري فحسب ، وإنما في مجال كبح جماح أي نزوع ذاتي يمكن أن يتطلع للإفلات من قبضة الأفكار التقليدية السائدة ، والسعي للتخلص من التصورات النمطية المهيمنة كذلك . بمعنى ان المحيط الثقافي للمجتمع العراقي لا يكتفي برفض الأفكار والنظريات التي تحمل طابع التغيير والتجديد والتحديث ، من منطلق كونه مجتمع آثر الركود وأدمن العطالة على خلفية استبطان جماعاته لأساطير الماضي واجتيافها سرديات التاريخ فحسب ، وإنما هو مصمم على طرد واستبعاد كل ما قد يحرك سواكنه وينبش مطموراته ويفحص تمثلاته .
ولهذا فقد نشأت أجيال متعاقبة من المثقفين (المعلبين) في وعيهم و(المنمطين) في مواقفهم ، ممن يحسنون العيش في البيئات الثقافية التقليدية التي يسود أجوائها الركود الاجتماعي والجمود الفكري ، بحيث لا يوجد هناك ما يشعرهم باضمحلال أرصدتهم المعرفية ، وهشاشة منظوماتهم الفكرية ، وخواء جعبتهم المنهجية ، وضحالة عدتهم اللغوية ، وهامشية مواقعهم الاجتماعية . بمختصر العابرة ، لا يجدون ما يخشى منه على مصادر هيمنتهم على تضاريس خارطة الثقافة المحلية ، التي لا يستطيعون العيش خارج أسورها وبعيدا"عن حواضنها ! . وعلى هذا الأساس ، فإذا ما حاول أحدا"من الكتاب أو الباحثين المعاصرين ، ممن أدرك طبيعة المغطس الذهني والعقلي الذي لم يبرح يتمرغ فيه دون طائل ، بالاحتكام الى ذاته والاشتغال على نفسه للخروج من متاهات وترهات ذلك المغطس ، عبر الاستعانة بالبراديغمات (الفكريات والمنهجيات) الحديثة ، لتجديد رؤاه عن الواقع الذي يعيش فيه ، وتحديث تصوراته عن المجتمع الذي ينتمي إليه ، سرعان ما يواجه بسلسلة من الممنوعات المعرفية والمحرمات الدينية التي من شانها التعتيم على أنشطته والتضييق على علاقاته ، بما يحدّ من دوائر حضوره ، ويقلص من مجالات تأثيره .
واللافت ان هذا النمط من (المغامرين) المغردين خارج النسق الثقافي ، كلما حاول أحدهم الإمعان في سعيه الدؤوب لارتياد مجاهل الفكر ، والإيغال في طموحه الجرئ في ولوج عوالم المعرفة ، كلما كانت الموانع الاجتماعية أمامه تتكاثر والمعوقات الثقافية دونه تتزايد . بحيث ان دوائر الرفض لأفكاره والتشكيك بمواقفه لا تني تتسع وتتفاقم بالتناسب مع مستوى (عناده) وحدود (إصراره) على التمسك بتلك الأفكار والدفاع عن تلك المواقف . ولعل من أشدّ تلك الموانع والمعوقات تأثيرا"سلبيا"تأتي ردود أفعال أقرانه من (المثقفين) التقليديين في مقدمة تلك المعارضات والاعتراضات ، حيث يستشعر أولئك التقليديون ان ما يجترحه قرينهم (المغامر) من أفكار مستحدثة وما يطرحه من آراء جريئة ، قمينة بفضح خوائهم الفكري وتعرية جدبهم الثقافي ، الأمر الذي يستدعيهم لاستنفار كل ما في حوزتهم من علاقات وتضامنيات وتخادمات ، ليس فقط لإقامة جدران من الصمت حول أعمال هذا (المغامر) أو ذاك ، ومن ثم السعي للتعتيم على نصوصهم المخالفة وسريادتهم المعارضة فحسب ، بل وكذلك لشحذ مشاعر البغض والكراهية إزاء شخوصهم والحض على إقصائهم وتهميشهم عن كل ما له علاقة بالأنشطة والفعاليات الثقافية ، بحيث تبقى مشاركاتهم محدودة وضيقة ويستمر تأثيرهم هشا"وضعيفا" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توجيه تهمتين للمشتبه به بمحاولة اغتيال ترمب


.. رئيس إيران: نحن أخوة للأميركيين.. ولسنا معادين لهم




.. سكان مدينة نيسا البولندية يتسابقون مع الزمن لمنع انهيار سد


.. الرئيس الأميركي جو بايدن: جهاز الخدمة السرية يحتاج إلى المسا




.. دخان أسود يغطي مدينة برتغالية مع اندلاع حرائق الغابات