الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محددات الاتصال غير الرسمي في المؤسسات الصناعية رؤية سوسيولوجية لأنماط الحياة اليومية للعمال

وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور

2024 / 7 / 18
حقوق الانسان


تتسم الجماعات غير الرسمية للعمال في الحياة اليومية بوجود نظام للاتصال غير الرسمي بين اعضائها يوقفهم على مختلف الآراء والمشاعر والاحداث التي لها صلة بتماسك هذه الجماعات ويظهر نسق الاتصال غير الرسمي إلى جانب النسق الرسمي ليعبر عن الرغبة التلقائية للأفراد والجماعات في إقامة أنماط متعددة للتفاعل الاجتماعي بينهم ويتميز هذا النوع من الاتصالات بتعدد الأبعاد وبالمرونة والدينامية والتباين، حيث ان الاتصالات غير الرسمية تكمن خلف كل العلاقات الاجتماعية بين أعضاء التنظيم، فالصداقة بين شخصين تخلق ظروفاً للاتصال والحديث بينهما كما انها قد تسبب في ايجاد علاقات السلطة وذلك حينما يحاول احد هذين الشخصين ان يتولى مهمة القائد ويقبل زميله هذه القيادة، وعندما تظهر خطوط الاتصال غير الرسمي يتم تبادل المشاورات والنصائح والتعليمات في مستويات التفاعل اللفظي بين المشاركين، وترجع أهمية هذه الاتصالات إلى الوظائف العديدة التي تؤديها تنظيمات العمل ذلك ان سلوك الأفراد قد ينحرف عن تحقيق الأهداف الرسمية حينما يسعى هؤلاء الأفراد إلى إشباع حاجاتهم الشخصية في المحل الأول وهنا تستخدم قنوات الاتصال غير الرسمية فتظهر الزمر والجماعات الاجتماعية التلقائية من أجل تحقيق هذه الأهداف( ). كما يسهم الاتصال غير الرسمي في تذليل المعوقات التي تعترض الاتصال الرسمي في المنظمة الصناعية والتي تحول دون تحقيقها لأهدافها وبخاصة في حالات عدم وضوح معاني القرارات وسوء فهم العمال لها حيث يساعد الاتصال غير الرسمي على نقل قرارات الإدارة وتوضيح معانيها فضلاً عن توصيل اهتمامات وحاجات أعضاء الجماعة إلى الإدارة.( )
ويتفق الباحثون المهتمون بدراسة بناء الجماعة بالاهتمام والتركيز على شبكات الاتصال فيها، لذلك أكدوا على وجود أنماط عديدة للاتصال تتمثل في الاتصال الدائري والسلسلي والقائم على شكل عجلة والاتصال الشامل وذهبوا إلى ان اختلاف نمط الاتصال في الجماعات المختلفة يؤدي إلى اختلاف السلوك الاجتماعي من حيث الدقة والنشاط ورضا أعضاء الجماعة وظهور القادة وتنظيم الجماعة وسرعة حل المشكلات ودوام الجماعة وتماسكها واستنتجوا ان النمط الدائري في الاتصال يكون أكثر إنتاجية من الأنماط الأخرى لارتفاع تماسكه وسهولة تعاونه وسرعة اتصاله وتحقيقه الهدف، وان قصر قنوات الاتصال يؤدي إلى زيادة التفاعل بين أعضاء الجماعة، وان بناء الاتصال غير الرسمي يعد من أنجح أبنية الاتصال أثراً في زيادة تماسك الجماعة وتدعيمه.( )
اذن الاتصال غير الرسمي هو التفاعل الذي يقع بين الإدارة والعمال والتي لا تحدده القوانين والإجراءات الرسمية بل تحدده مواقف وميول واتجاهات ومصالح الاشخاص الذين يكونونها ويدخلون في إطارها. وغالباً ما تظهر هذه الاتصالات بين العمال وذلك بعد تكوينهم جماعات ومنظمات غير رسمية Informal Organization التي يجهلها الإداريون ولا يريدون تكوينها لأنها تتعارض مع الأطر والمفاهيم والمصالح التي يحملونها.( )
والاتصالات غير الرسمية تنشأ بين العمال للأغراض التالية:
1- ان العمال يرتاحون للاتصالات غير الرسمية اكثر مما يرتاحون إلى الاتصالات الرسمية لأنها تنسجم مع ميولهم واتجاهاتهم ومواقفهم.
2- الاتصالات غير الرسمية تهدف إلى تحطيم أطر الاتصالات الرسمية التي يولدها أرباب العمل خدمة لأهدافهم وطموحاتهم.
3- الإحباط المادي والنفسي والاجتماعي الذي يتعرض إليه العمال خصوصاً في المجتمعات الرأسمالية غالباً ما يدفعهم إلى تكوين الاتصالات غير الرسمية. ذلك ان هذه العلاقات ترفع معنوية العمال وتدعم استقلاليتهم وتلبي طموحاتهم الذاتية ومقاصدهم الشخصية.( )
4- الاتصالات غير الرسمية التي يكونها العمال في مختلف مجالات العمل تلعب دورها المهم في رفع الغبن والظلم الذي يتعرض إليه العمال نتيجة القوانين الرسمية التعسفية التي يشرعها أرباب العمل لحماية مصالحهم وخدمة أهدافهم.
والاتصالات غير الرسمية التي يكونها العمال في المصانع كما يخبرنا البروفسور التون مايو Elton Mayo تكوّن بين أعضاء الجماعات غير الرسمية التي يولدها العمال نتيجة ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية السيئة.( )
وهذه الجماعات تؤدي دورها الكبير في تخفيف حدة المعاناة والمضايقات والآلام التي يتعرض لها العمال بسبب المعاملة السلبية التي يتلقونها من أرباب العمل في المجتمعات الرأسمالية. فقد كشف البروفسور زويك Zweig في كتابه (العامل في المجتمع الصناعي) بأن العمال في بعض مصانع القطن في منطقة لانكشاير في انكلترا قد كونوا الجماعات غير الرسمية لخدمة أغراضهم وطعن مصالح أرباب العمل والقضاء على الجمود المادي والاجتماعي الذي اعتراهم لفترات طويلة من الزمن. ولهذه الجماعات هياكل اجتماعية لها قيادات وعلاقات غير رسمية يعرفها العمال وحدهم ولا يعرفها أرباب العمل( ). وتؤدي هذه الجماعات وظائف جليلة للعمال تتعلق بدعم معنوياتهم وتقوية مراكزهم الوظيفية وتنظيم جهودهم الرامية إلى تحسين أحوالهم المعاشية والاجتماعية في داخل المصنع وخارجه.
وما يتعلق بالعلاقات غير الرسمية التي يكونها العمال في الجماعات والمنظمات المجهولة التي يستخدمونها يشير إلى ان العلاقات الاجتماعية في الجماعات غير الرسمية تطغى عليها الروح الايجابية المفعمة بالمحبة والاحترام والتعاون المشترك بين أطرافها. فللجماعة قائد واتباع تربطهم علاقات جيدة تختلف كل الاختلاف عن العلاقات الهامشية أو الرسمية التي تربط العمال بالإدارة في التنظيمات الرسمية للمؤسسات الصناعية. والعلاقات الاجتماعية غير الرسمية التي يكونها العمال في الجماعات غير الرسمية لا تخدم أغراض العمال داخل المصنع كزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل وتقليص ساعات العمل بل تخدم أغراضهم خارج نطاق العمل، أي في المجتمع المحلي الذي يعيشون فيه ويتفاعلون معه كجلب السمعة والاحترام والتقدير لهم وتغيير المواقف السلبية التي يحملها المجتمع إزائهم وتطوير مستوياتهم الاجتماعية وأحوالهم النفسية واستثمار أوقات فراغهم في تطوير شخصياتهم ورفع مواهبهم وقدراتهم المبدعة والخلاّقة( ). لهذه الفوائد المتشعبة التي يجنيها العمال من تكوين العلاقات الاجتماعية غير الرسمية تراهم يحرصون على إدامتها وتعميق أواصرها ونشر ممارساتها وصيغها في كل مكان يعملون فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نائبة في البرلمان الأوروبي تدين الصمت حيال هجمات نتنياهو على


.. انطلاق الطائرة الثانية من الجسر الجوي السعودي لإغاثة الشعب ا




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي استهدف النازحين وخيامهم بمحيط مستشف


.. غارات إسرائيلية تلتهم النازحين وخيامهم في محيط مستشفى شهداء




.. قصف إسرائيلي يستهدف خيام النازحين في دير البلح وسط قطاع غزة