الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصادم الإسلاموي / الليبيرالي أو المأزق المزدوج

نورالدين الشريف الحراق

2006 / 12 / 17
المجتمع المدني


يلاحظ المتتبع للمشهد الثقافي والإعلامي المغربي، منذ انطلاقة ما يصطلح عليه رسميا «بالعهد الجديد»، سجالا دؤوبا بين كل من الإسلامويين والليبيراليين، عبر خطابات لا تخلو، في غالبية الأحيان، من القذف والإهانة والتشنيع، من هذا الطرف أو ذاك، حيال طبيعة التعامل مع الوقائع أو المسؤولية عن الوضعية التي آلت إليها البلاد.
وبشكل شبه يومي، ما فتئ ذلك التقارع الهائج بين أطروحات ومرجعيات تلك الأطراف المتناقضة جذريا، على مستوى الإنتماء الطبقي والتراكم المعرفي والوعي السياسي، يتردد صداه، وعلى إيقاع محموم، عبر افتتاحيات ومقالات تتبادل الانتقادات والمؤاخذات في كل من جريدتي «التجديد»، التابعة لحزب العدالة والتنمية الإسلاموي، و«الأحداث المغربية»، ذات التوجه الليبيرالي.
ولقد أخذ ذلك التدافع، الذي يتجاوز أحيانا حدود اللباقة التي يقتضيها النقاش الأكاديمي المتزن، ويعدو تجريحا علنيا بالأشخاص، لا هوادة فيه، منعطفا أكثر عنفوانا بعد الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، بحيث صارت أصابع اتهام الليبيراليين توجه مباشرة إلى أعضاء حزب العدالة والتنمية، باعتبارهم يمررون خطابا متطرفا ساهم بشكل حاسم في تزكية مواقف مرتكبي الجرائم الإرهابية، بينما يعتبرهم منتسبو الحزب الإسلاموي المذكور دعاة لفقدان الهوية وللتغريب وللانبطاح للصهيونة وللإمبرالية العالمية.
وفي هذا السجال المفتوح عبر المنشورات الفكرية بشكل عام والصحافة المكتوبة بوجه خاص اختلفت مواقف الليبيراليين، بحيث تميزت العديد من المقاربات بطابع رصين يحاول رصد مكامن الخلل في المنظومة الفكرية للإسلامويين، من حيث التعامل مع التراث أو قراءة الدين في سياقه الموضوعي، بعيدا عن محاولات إسقاط نماذجه التاريخية على الواقع المغربي، انطلاقا من تصورات تستلهم خطوطها العريضة من استيهامات المخيال، وتنصب في خانة «الإسقاطات التعويضية» على مأزق الواقع المعيش، في حين ارتكزت بعض «الخطوط التحريرية»، وبنوع من الانفعال، على فلسفة الإستئساد بالسلطات العمومية تجاه بعض السلوكات والتدابير التي يقوم بها بعض الأفراد المحسوبين على التيار الإسلاموي، من باب ثقافة ما يمكن إعتباره «عمالة بوليسية» تباشَر ضمن إطار مفهوي يعتبر أن الغاية الإستئصالية تبرر جميع أشكال الوشاية المتاحة.
كما أنه ليس بالإمكان تصنيف ردود الإسلامويين كلها في خانة واحدة، بصفة قطعية، على اعتبار أن العديد من مثقفيهم يجتهد في باب الإطلاع على معطيات العلوم الإنسانية، في سبيل الإستفادة من تراكمات الفكر البشري في مجالات تأويل النصوص وفلسفة التاريخ والأديان، بغية التوصل إلى رؤية توافقية لا تنقبض في حتمية المقاربة الإيديولوجية الصرفة وتنتبه إلى ضرورة قراءة الواقع المغربي المتفاعل في حركيته العقائدية مع خصوصياته التاريخية ومعطيات تركيبته الإثنية بمنظور لا يلغي البعد الأنثروبولوجي في تشكل الهوية الثقافية.
ولقد ارتأينا المساهمة في تشخيص السياق التاريخي الذي يندرج فيه هذا التصادم العاصف بين كل من الإسلامويين والليبيراليين، بغية فهم الأدوار المناطة بهذين الطرفين الأساسيين من المشهد الثقافي والإعلامي المغربي، والإحاطة بالخلفيات الظرفية التي تؤطر حدود مجالهما، على اعتبار تكاملهما العضوي داخل حيز المنظومة المخزنية التي استطاعت ترتيب الأمور وإعادة توزيع الأوراق، بعيد انهيار المعسكر الشرقي والإكراهات الدولية اللاحقة بذلك الزلزال، على ضوء الإعتراف النهائي بالشرعية التاريخية للمؤسسة الملكية، من طرف أغلبية مكونات المشهد الاجتماعي، بشقيها الإسلاموي والليبيرالي.
وتكفي قراءة مباشرة للواقع المغربي المعاصر، منذ بداية الستينيات إلى حدود المرحلة الحالية، وفهم الكيفية التي تعاملت بها الدوائر الأمنية مع تيارات المعارضة ضد النظام السياسي في البلاد، بكافة أطيافها، من استقطاب وإغراء وتوريط واختطاف ونفي وتصفية جسدية، لتتبع إنتقالها التكتيكي، في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات، بعدما طال التنديد الدولي خروقاتها الفظيعة لحقوق الإنسان، وبحكم تسارع وثيرة التهديدات، إلى مرحلة تضييق الخناق على نشطاء الحركات الإحتجاجية في كلا المعسكرين، وفق حسابات ظرفية، من خلال استثمار تناقضاتهما الإيديولوجية، وتأجيج صراعاتهما الثنائية، بهدف إبطال مفعولهما ذاتيا، حسب توزيع دقيق للمهام.
ذلك أن طبيعة استخدام تلك الإستراتيجية «المختبرية» المنشغلة على وجه الخصوص بالجانب الأمني للواقع المغربي والمستلهمة لخطوطها العريضة من دراسات وتقارير أنثروبولوجية وسوسيولوجية عمدت إلى تفكيك العناصر المكونة لتركيبته العرقية وإلى تحديد الولاءات القبَلية والدينية في بعديهما الرمزي والسياسي، ارتباطا بالإختلاف المجالي بين العالم القروي المشكل لعمق الذات والتمركز المديني الناجم عن الحقبة الكولونيالية، من منظور الإستفادة من طبيعة تداخلهما، قد انتقلت، في الوقت الراهن، من حيث الأهداف المتوخاة، إلى رؤية تستند إلى الإحتواء الإيجابي لمقاربات تلك الكتلتين الإيديولوجيتين المتناقضتين، على المدى المتوسط والبعيد، بحكم تقاطعهما مع استمرارية المؤسسة المخزنية في رؤيتها الجديدة التي تقتضي الإنصات والمشاركة، ضمن خطاب متفاعل يسعى إلى نوع من التوافق بين الإرث التاريخي العتيق والإنفتاح على الحداثة.
فالتصور الإسلاموي لقيمة الفرد وللمشروع المجتمعي، وفق مقاربة أصولية تستلهم أسسهها من التراث الديني ومن فلسفة شرعية ينصب، من جهة، في خانة الصلاحيات التاريخة المخوَّلة للمؤسسة المخزنية ويتوافق مع ترسيخ البعد اللاهوتي لإمارة المؤمنين. ومن جهة أخرى، فإن المطالب بمفاهيم الديموقراطية وحقوق الانسان تجاه تحرير المجتمع وانفتاحه الكوني، في إطار تفاعل تكاملي مع البشرية على دروب الحداثة والتقدم، الصادرة عن هيئات حزبية وحقوقية وجمعوية ذات توجه ليبيرالي، تشكل إشارات قوية تتقاطع مع خطابات وتصورات أكاديمية نابعة من صميم نخب مثقفة ومتنفذة في دوائر المؤسسة المخزنية، تتعامل مع تلك المقتضيات وتوظفها في تدبير الشأن العام، على مستوى اتخاذ القرارات السياسية الرسمية للدولة، ضمن مبادرات محسوبة تأخذ بعين الإعتبار، وبنوع من التوازن البراغماتي، ، معطيات السياق الدولي المنفتح بشكل متزايد على مرجعية احترام الشرعية الدستورية وسلطة القانون، والملوح بالإجراءات الزجرية حيال الدول المتخلفة عن ركب الإصلاحات، من صنف منع القروض وكافة المساعدات، و إكراهات التمثلات في الوجدان والمخيال الشعبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطفال فلسطينيون يطلقون صرخات جوع في ظل اشتداد المجاعة شمال ق


.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا




.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ


.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة




.. خطر المجاعة لا يزال قائما في أنحاء قطاع غزة