الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لوكيوس أبوليوس ... حياة وأعمال مثقف أمازيغي لفترة ما قبل الإسلام... 1 من 2‏

عبداللطيف هسوف

2006 / 12 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



‏1- تقديم:‏
ينتمي أبوليوس إلى شمال أفريقيا، وهو واحد من الذين برزوا في ميدان الأدب اللاتيني، إلا أنه فاقهم ‏جميعاً من حيث غنى معارفه، وتنوع كتاباته، خاصة الكتابات القصصية والروائية. ومن ثم اعتبر ‏أبوليوس بحق ممثل السرد اللاتيني الأفريقي ووصف بأمير خطباء أفريقيا وأكثرهم نفوذاً وشهرة في ‏عصره، حتى ولو أهمله معاصروه من الأدباء ولم يتحدثوا عنه. ‏
يعد لوكيوس أبوليوس (‏Lucius Apeleius‏) صاحب رواية الحمار الذهبي التي تحكي عن تحول ‏إنسان إلى حمار، روائي العصور‎ ‎القديمة الأول بلا منازع ومؤسس الرواية، لا بمعني السرد وإنما ‏بالمعني الاصطلاحي الذي‎ ‎يتشكل من بطل وأحداث وعقدة وشخصيات وفضاء وزمن. هذا الفن الذي ‏صار بعد ذلك نمطا أدبيا متميزا‎ ‎عن غيره من الأجناس الأدبية وهو فن الرواية . وتعد رواية أبوليوس ‏‏ الحمار الذهبي أول رواية قديمة وصلت إلينا كاملة، وشكلت نوعاً أدبياً جديداً، هو النوع الذي يعرف ‏اليوم بالرواية، وتضم هذه الرواية مجموعة من القصص يرويها المؤلف بضمير المتكلم. وإن كان ‏أبوليوس من شعب البربر بشمال أفريقيا إلا أنه ليس هناك من شك أن روايته استمدت روحها من أنفاس ‏يونانية.‏
وتعد رواية الحمار الذهبي في واقع الأمر محاكاة ساخرة تنتمي إلى أنموذج قصة المغامرات أو ‏المخاطرات، ومن ثم يبدو أن التحول الساخر من إنسان إلى حمار له صلة بالجنس الأدبي يعتمد التحول ‏كنهج للتعبير النثري. إنها رواية تجمع بين السخرية والاستعراضية والفكاهية والهزلية الماجنة والنكات ‏والهجو اللاذع. كتب أبوليوس روايته بحرية متناهية غير مقيد بالمعايير الصارمة، غير أنها لا تخلو من ‏مشاهد القسوة والجريمة والغرابة والجنس المقنع من حين لآخر. ‏
وكما مسرحيات ترنس، أخذ الروائي أبوليوس المصدر اليوناني على أنه إطار لإضافة حكايات أخرى ‏تتخلل خط الرواية الرئيسة. وقد اعتمد أبوليوس بالإضافة إلى المصدر اليوناني على المصدر الأمازيغي ‏فيما يتعلق بالمعتقدات الوثنية لذلك العصر (الأعمال السحرية التي كانت في الشمال الأفريقي). وبالتلي ‏فإن أبوليوس تجاوز المصدر اليوناني، عندما حل في نهاية الرواية محل بطله، وتحدث فيها عن حياته ‏الخاصة، ففصل بذلك الحدث الرئيسي عن مجراه واهتم بتمجيد عبادة الإلهة إيزيس التي كان يمجدها ‏سكان شمال أفريقيا، حيث أن معاناة البطل عند أبوليوس تجد حلها في الأسرار المقدسة. وأسلوب الرواية ‏مليء بالعبارات الشعبية والاقتباسات الأدبية القديمة، متوفر على المحسنات البلاغية وشيء من الشاعرية ‏ومليئ بالمتعة، لذا خاطب أبوليوس القارئ في تقديمه للرواية قائلاً: انتبه ستنال حظك من التسلية!.‏

‏2- حياة لوكيوس أبوليوس:‏
ولد لوكيوس أبوليوس (أو أفيلاي في الأمازيغية) ببلاد النوميديين، بمدينة دارووش (‏Madauros‏) ‏المدينة الجزائرية بالقرب من الحدود التونسية حوالي سنة 125 ميلادية. وقد اختار الإقامة‎ ‎بقرطاج، وهو ‏مدين بشهرته وبتكريسه كاتبا كبيرا لهذه المدينة الفينيقية. تعلم بقرطاج، ثم بأثينا حيث درس على ‏الخصوص الفلسفة الأفلاطونية. يجهل كل شيء عن تاريخ وفاته، لكن ما يعرف عنه هو أنه قام بأسفار ‏عديدة جريا وراء المغامرة والبحث عن المعرفة. سافر إلى روما حيث امتهن المحاماة، وخلال سفر من ‏بلاده الأصلي إلى مصر، توقف بطرابلس حيث تعرف على أرملة غنية جدا كانت تكبره بكثير، وهي ‏تسمى إميليا بيدونتيلا. تزوجها وورث كل ما تملك بعد وفاتها. وأمام حرمنهما من إرث ابنتهما، ما كان ‏من أبويها إلا اتهامأبوليوس بالسحر وبتسليط الأرواح على ابنتهما لتعشقه وتسحر به وتوصي له بكل ما ‏تملك. تقدم الأبوان بدعوى قضائية للقنصل الروماني كلوديوس مكسيموس بطرابلس. خلال هذه الفترة، ‏كتب أبوليوس دفاعه بقلمه (فهو دارس للقانون) ليحكم عليه بالبراءة ويستقر بعدها بقرطاج حيث درس ‏البلاغة. ‏
كان أبوليوس خطيبا متمرسا يخطب في الجمهور العريض في عدد كبير من مدن شمال إفريقيا. كما ‏اعتبر واحدا من أولائك السحرة المستعينين بالغيبيات والذين ينعتون دائما بأنهم ضد المسيح. ورغم ‏كفاءاته تلك، لم يتقلد أبوليوس أي منصب رسمي في مجال القضاء، كما يخبرنا سان أغسطين. وفي إطار ‏مناخ قرطاج الثقافي، أنجز أبوليوس أعماله الفكرية والأدبية وكتابه الذائع الصيت تحت عنوان ‏‏ التحولات أو قصة‎ ‎الحمار الذهبي . ويعد هذا الكتاب من أهم الأعمال الأدبية الخالدة التي ترجمت ‏أيضا إلي العربية، وهي تروي‎ ‎قصة إنسان مسخ حمارا. ولربما يحكي فيه الكاتب ذكرياته في اليونان ‏القديمة وفي بعض أماكن من شاطئ‎ ‎البحر الأبيض المتوسط.‏

‏3- أعمال لوكيوس أبوليوس ‏
يمكن القول بأن رواية الحمار الذهبي رواية قديمة ارتبطت بالغيبيات والسحر... ورغم أنها تغرق ‏في الغيبيات وتبتعد عن العقلانية، إلا أن وصف الكاتب لحياته كحمار كان إبداعا جيدا يذكرنا اليوم برواية ‏النمساوي فرانز كافكا الذي اعتمد‎ ‎تقنية المسخ إذ يتحول بطله في إحدى رواياته التي تحمل نفس العنوان ‏‏ التحول إلى‎ ‎صرصار. لكن الفارق طبعا، وإن لم يكن إبداعيا، لأن الروايتين في قمة الإبداع، الفارق هو ‏أن أبوليوس الأمازيغي سبق كافكا النمساوي بما يقارب ألفي سنة. ‏
بكتابه التحولات {أو الحمار الذهبي}، احتل أبوليوس الصف الأول مع كبار‎ ‎الكتاب‎ ‎العالميين‎ ‎الخالدين. ‏وفي‎ ‎كتابه‎ ‎ذاك،‎ ‎اتخذ الرواية‎ ‎الطويلة‎ ‎النفس‎ ‎مطية‎ ‎لوصف‎ ‎الأوضاع‎ ‎الإجتماعية وانتقادها‎ ‎في‎ ‎سخرية‎ ‎حينا،‎ ‎وفي‎ ‎شدة‎ ‎وصرامة‎ ‎أحيانا. دافع‎ ‎عن المستضعفين،‎ ‎وطرق‎ ‎بكيفية‎ ‎غير‎ ‎مباشرة‎ ‎موضوعات‎ ‎فلسفية، مظهرا‎ ‎لنزعته‎ ‎الصوفية،‎ ‎ولميوله‎ ‎إلى‎ ‎الديانات‎ ‎المشرقية النشأة‎ ‎وولوعه‎ ‎بعبادة‎ ‎الآلهة‎ ‎المصرية‎ ‎إزيس عوض ‏المسيحية السائدة وقتها، فوصف‎ ‎ب النوميدي‎ ‎المزعج ،‎ ‎ولكن‎ ‎اعترف‎ ‎له‎ ‎بصدق‎ ‎التعبير وبالبراعة‎ ‎في‎ ‎فني‎ ‎القص‎ ‎والكلام.‏‎ ‎وكان‎ ‎هو‎ ‎نفسه‎ ‎يصرّح بأنّه‎ ‎تأثر‎ ‎بعمق‎ ‎الفكر‎ ‎اليوناني. (محمد شفيق).‏
سافر أبوليوس إلى أثينا وتشبع بثقافتها ليصبح أكثر هيلينية من المجتمع الهيليني نفسه. كان يسلك مسلكا ‏فلسفيا جديدا لما بعد الأفلاطونية، أو لنقل الأفلاطونية الجديدة حينئذ. كان أبوليوس يعتز بأنه كتب شعرا ‏كأوبدوكل، وكتب حوارات كأفلاطون وقصصا ككسينوفان، وتراتيل كسقراط، ومسرحيات كبيشارم... كما ‏أنه كتب أيضا باللغة اللاتينية والإغريقية في الحساب والموسيقى والفلاحة... وأهم مؤلفات أبوليوس التي ‏وصلتنا، نذكر: ‏
‏1- كتاب الدفاع أو السحر، حيث يدافع عن نفسه بحرارة إثر اتهامه بالشعودة ويكشف القناع عن ‏إحساس حاد بقيمه الشخصية. كما أنه سيرة ذاتية تمد القارئ بمعلومات عن قناعات واعتقادات الكاتب ‏أبوليوس وموطنه أفريقيا خلال تلك الفترة. كل هذا يتم تحت قناع بلاغي من حيث التعبير يعرض فيه ‏الكاتب للأنا الأمازيغية مقابل الآخر اللاتني-الإغريقي. ‏
‏2- كما ترك لنا أبوليوس كتابا آخر هو‏‎ ‎الفلوريدات ‏Les Florides، ويمكن ترجمة هذا العنوان إلي ‏اللغة العربية ب الورديات‎ ‎‏ أو الزهريات ، وهي أنطولوجيا تضم مختارات من أعماله وندواته وخطبه. ‏كما يجمع مناقشات شفهية في عدة مجالات. إنه بالأساس عبارة عن آراء كاتب مسافر باستمرار، بالمعنى ‏المادي والمعنوي لكلمة السفر. ‏
‏3- كتاب التحول، وهو رواية ساخرة سماها الحمار الذهبي حيث يحكي عن الحب والنفس والآلهة ‏والجن وعادات الإمبراطورية الرومانية. ‏
‏4- كتاب حول إله سقراط يتطرق لعالم الأرواح والجن. شخصيات غريبة يقدمها الكاتب تجد مكانها ‏في العالم الإلهي وعالم البشر. شخصيات من ثلاثة أنواع: أرواح داخل جسد، أرواح تحررت من الجسد ‏وأرواح لم يسبق لها أن سكنت الجسد المادي. ورغم أن نص الكتاب يبحث عن الجوانب الروحية عند ‏سقراط، إلا أنه دعوة صريحة للبحث عن الحكمة. ‏
‏5- كتاب فلسفي حول مذهب أفلاطون يتعرض للأمور الأخلاقية والمادية. إنها قراءة مراوغة لمسألة ‏الأخلاق عند أفلاطون.‏
‏6- كتاب يتعرض لعلم الفضاء وموضوع الدين. هنا يذهب أبوليوس إلى تقديم فكرته التي تفيد بأن الله ‏أصل الحياة. ‏
بالإضافة إلى كتب أخرى في الحياة وفي المذهب الأفلاطوني. وقد كانت بحق كتبا مهمة أغنت تاريخ ‏اللغة اللاتينية بإفريقيا الشمالية خلال القرن الثاني من الميلاد. ويعد لوكيوس أبوليوس من المدافعين عن ‏الخصوصية الأمازيغية الإفريقية المتعلقة حد الهوس بمعتقداتها وعاداتها في مواجهة الطقوس التي كانت ‏تفرضها روما تمجيدا وتبجيلا وتعبدا للقيصر، وكذا في مواجهة المد المسيحي. ‏
لا يعرف أي شيء عن وفاة أبوليوس: أين ومتى وتحت أية ظروف مات. لكن الأكيد هو أنه توفي ‏حوالي 170 ميلادية قرب قرطاج، مدينته المحببة. ‏

مراجع: ‏
• البرغوثي عبد اللطيف محمد، التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح الإسلامي، منشورات ‏الجامعة الليبية، الطبعة الأولى، 1971. ‏
• شفيق محمد، لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغن، دار الكلام للنشر والتوزيع ـ ‏المحمدية ـ المغرب 1989.‏
• علي فهمي خشيم (ترجمة عن الإنجليزية)، تحولات الجحش الذهبي/لوكيوس أوليوس ، الطبعة ‏الأولى- المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، 1980، (موقع توالت: ‏Tawalt‏ ). ‏
• الغرباوي محمد المختار، في مواجهة النزعة البربريّة‏‎ ‎وأخطارها الانقساميّة، دراسة ـ من منشورات ‏اتحاد الكتاب‎ ‎العرب دمشق – 2005‏
• الكعاك عثمان: البربر ـ سلسلة كتاب البعث ص 101 تونس 1956.‏
• المحجوبي عمار، الحمار الذهبي، أبوليوس لوليوس، دائرة المعارف التونسية 1991، (موقع توالت: ‏Tawalt‏ ). ‏
• BANHAKEIA Hassan; Étude: APULEE, ECRIVAIN AMAZIGH (Université ‎d’Oujda). ‎
• BERTHIER, André - La Numidie, Rome et le Maghreb, Paris, Picard, 1981.‎
• Brett Michael and Fentress Elizabeth, The Berbers, Collection: The Peoples of ‎Africa, Blackwell Publishers, USA 1996.‎
• BRUNNEL, Pierre, JOUANNY, Robert: - Les grands écrivains du monde, Paris, ‎F. Nathan, 1976.‎
• Camps G., Les Berbères, mémoire et identité, Paris, Errances 1987. ‎
• DIDEROT, Réflexions sur Térence, 1762‎
• Encyclopédie Berbère - Aix-en-Provence : EDISUD, 1987, Volume IV.‎
• Grimal P., Apulée, Métamorphoses, IV, 28 – VI, 24, Collection Erasure, Paris ‎‎1963. ‎
• ‎ Monceaux M., Apulée, Paris 1889.‎
• SAINT-QUENTIN, Louis de. 3000 ans avec les Berbères - Paris, Delagrave, ‎‎1949.‎
• TLATLI, Salah-Eddine. - La Carthage punique - Paris, Librairie d’Amérique et ‎d’Orient, Maisonneuve, 1978.‎








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو