الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ينظّرل-الدولة-المسخ اليوم؟/ ملحق2

عبدالامير الركابي

2024 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


قال المفكر والمؤرخ الفرنسي مكسيم رودنسون : "أن “ثورة 14 تموز العراقية هي الثورة الوحيدة في العالم العربي”. والقائل يعرف الفرق جيدا بين الثورة والانقلاب وهو ابن الثورة التي ذهب فيها اكثر من ثمانمائة الف فرنسي يوم كان تعداد سكان فرنسا 27 مليون، عدد كبير منهم اكلتهم المقصله، والناس يمكن ان ينظروا للثورات بحسب كينونتهم وطبعهم فالبعض ممن يصطنعون الحكام والسادة لو لم يوجدوا، ويرون تسيد الاخر قدرا وحقيقة لايمكن لهم ان يروا في التمرد والعصيان، وهبات الناس المستمرة ضد الحكام الظلمه كما يراها المعجون بروح التمرد والحياة، وفي الكتابات المتاخرة عن ثورة 14 تموز 1958 يلفت النظر الميل لاختصار الثورة في شخص بعينه هو عبدالكريم قاسم، مقابل العائلة المالكة المفترضة، فلا "جبهة الاتحاد الوطني" ولا هبه الجماهير العظمى مع سماع البيان الاول ولا" المد الاحمر" وتسيير الحزب الشيوعي لمليون ونصف من سكان بلاد لم تبلغ السبعة ملايين، ولا طرد الفلاحين لاشباه الاقطاعيين المسوخ من الريف فورا، ولا خروج الشعب برمته مبادرا، بما وضع عبدالكريم قاسم ضمن حدود ونطاق وزارة الدفاع، لاتتعدى سلطته اسوارها في بغداد، الامر البديهي بعد الذي سبق ان تعرضنا له من حضور الدولة غير المجسدة، والاضرابات والانتفاضات التي لم تهدا ولم تتوقف طيله وجود حكومة ادلاء الاستعمار الانكليزي.
وفي بلد مثل العراق حيث الدولة والكيانيه مستحيله، ومخالفة للكينونه البنيوية، يجد هؤلاء العبيد عضويا في المفهوم الغربي عن مايسمة "الدولة الحديثة"، الهة تزكي وضاعتهم في مكان وجد الملك فيه بالاصل منزوع السلطات المرفوعه الى السماء، مقابل الحاكم المصري الفرعون الاله، بلاد اللاارضوية ومفهومها الكوني النبوي الابراهيمي، واستحالة الدولة الا تلك البرانيه التي تقبع داخل مدينه مسورة امنع تسوير، خارج المجتمع، تحلب الريع منه بالغزو الداخلي المكلف جدا، مايدفعها مجبرة للانكفاء الى اعلى امبراطوريا، وهي حالة بابل وبغداد، بينما من يجلبون كعبيد هنا لازالة السباخ يتحولون الى ثورة زنج كبرى، تهز اركان الامبراطورية العباسية، لتصبح علامه باسمها وحضورها الى جانب علامات القرمطية والتشيع والاسماعيلية والتصفوية الحلاجية والاعتزاليه واخوان الصفا والخوارجية التي جعلت العباسيين يهربون من الكوفه الى الرمادي، ثم الى الهاشميتات(10)، حين لاحقتهم اخر الانتفاضات الراوندية فما كان امامهم الى البحث عن موضع اعلى يكون باحكام التسوير امنع، مع الاقرار بالعالمين، الاسفل غير المجسد كيانيا والاعلى الذي يستمد استمراريته من امبراطوريته.
يتناوب على ذكر استحالة حكم العراق شتما، كل من الحجاج الثقفي، والامام علي بن ابي طالب، ومعاوية فيما اوصاه وقتها لابنه يزيد، وصولا الى "الملك الدمية" فيصل، حتى مقالات صدام حسين في جريدة الثورة بعد انتفاضة 1991 (11) من دون ان يلتفت احد الى الحقيقة الكبرى المجافية والممتنعه على الدول والحكومات كما هي معروفة، فتكرر السقوط على هذا السبيل وصولا لطه حسين (12)المعاصر المتاخر ابن الالوهية السلطوية الاعرق على مستوى التاريخ، بخاصيتها التي تمزج الحكم بالالوهيه لتسري على الكيانوية الحداثية الاوربية المعاشة اليوم وقد صارت الغالب نموذجا ونمطا، وبين مصر التي تناوب عليها 150 واليا ايام العثمانيين يحتلون مناصبهم بفرمان من الاستانه، دون ان يعرف اي اعتراض ناهيك عن الرفض، بالمقابل وابان فترة التوكيل العثماني للمماليك لحكم العراق 1704/ 1831 حيث حكم من هؤلاء كما مفترض شكلا، ثلاثة عشر باشا كوال لبغداد، اثنان منهم فقط ماتا ميتة طبيعية، بينما طرد او اغتيل او طرد وقتل او اقيل، احد عشر منهم.
ويذكرنا لونغرغ بان سطوة " الايلخانيين لم تتعد حدود المدن"(12) حتى لاننسى موقع الدولة البرانيه واما العثمانيون ف" قلما تعدت سلطتهم اسوار المدن الرئيسية والحواضر ونظرا لتضامن المجتمع القبلي ولتصميميه على الدفاع عن اراضيه ضد كل القادمين، فان تاريخ الحكم التركي في العراق قد كان تاريخ صراع مستمر"، وكل هذا وغيره لايدخل في باب الاثبات العادي لظاهرة، بقدر ماينحو لاثبات قصور شامل وتوقف دون ظاهرة مجتمعية اكيدة، وميدان معرفة مغفل، لم تعدم الفرص والمناسبات التي لامسته وكادت تبلغ عتبة خصوصيته، وفي واحدة من المقالات المخصصة للمجتمع القبلي في العراق(13)
وتتكرر احيانا مقاربة اطوار الانقطاع الحضاري دون ان تسمى، و" ان تفسخ الدولة"،بغض النظر عن طبيعته وسببه قد ادى اما الى الدمار والخراب على ايدي القبائل المعادية، او الى تدهو شبكة الاقنية، او لكلا الامرين، والى انخفاض ثروة الارض عموما، مايؤكد استقلالية وكمال ذاتية مجتمع المشاعة القبلي ف " لقد اكدت القبيلة العراقية ذاتها وقيمها تماما في الفترات التي انحدرت فيها سلطة الحكومه المركزية"(14) وتبقى خطوة دون العبور الى احتمال " دولة اللادولة اللاارضوية الازدواجية" و "الازدواج المجتمعي"، و "مهما كانت الامبراطورية قوية وراعية للزراعة، فلقد مالت الى الضعف والهشاشة، وتحطمت وتناثرت في النهاية، بينما كانت البنى القبلية الاكثر بدائية، اكثر مرونة ووفرت مايشبه النظام والحماية"(15) فهل يمكن تبديل التعابير المستعملة هنا والعبور على القصور العقلي، للقول بان الدولة الامبراطورية العراقية لاتستمر، والنظام الشامل الاحادي هنا مستحيل، في حين تظل الدولة الكونية واساسها مجتمع اللادولة، هي المرتكز والقاعدة التي عليها يقوم البناء المجتمعي المزدوج، ويكون مدخر عودة اليات تشكله وصعوده.
كل هذا لم يحفز في الثقافة والعقل العراقيين الى اليوم، اي ميل للتعريق، او لمجرد تركيز الاهتمام باتجاه فرز حدود الفعالية الوطنية، وتشخيص نطاقها ومنطوياتها،وعلى مدى الفترة من نهايات القرن التاسع عشر والعشرين، الى القرن الواحد والعشرين، لم تنتقل الثقافة والرؤية هنا قيد انمله عن النطاق العام ل "العمالة المفهومية" للغرب، التي هي كذلك، او يجوز تسميتها على هذا المنوال، بما انها مقامة فوق حالة خاصة واستثنائية على مستوى المعمورة، هي من ركائز، ان لم تكن الركيزة الأساسية المحركة، وحاملة مضمرات ومنطويات المجتمعية الكبرى الأساسية، التي تضع حكما على عاتق العراقيين بالذات، مسؤولية فوق عادية، لاتقل في اي طور من اطوار تاريخ وحياة هذه البلاد، عن تلك التي تصدى لها انسايوان هذه الأرض، عند بدايات الخطى البشرية، ليقيم صرحا من المعرفة والاستقصاء، والعقلنة الكونية، في قلب المجهول، مع استمرارالمنجز الثاقب الدائم، المتعدد والمتشابك، الصاعد باتجاه الكون، وعبر الانسايوانية المؤقتة، الموشكه على الزوال القريب، مع توابعها وملحقاتها.

ـ يتبع ـ عراق مابعد غرب/ ملحق 3
مع الهوامش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوريا بعد سقوط الأسد: الأكراد.. ما بين المخاوف والتطمينات •


.. كييف تستهدف مطارا عسكريا روسيا بصواريخ أمريكية وبوتين يهدد ب




.. هل تنتعش أسواق دمشق بعد سقوط بشار الأسد؟


.. قوات الاحتلال تواصل انتشارها في مدينة قلقيلية رغم قيامها باغ




.. -مفيش حاجة اسمها تمشوا-.. مصريون يرفضون عودة السوريين لبلدهم