الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مفاتيح السعادة المسيحية
الحسن علاج
2024 / 7 / 30الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع

مفاتيع السعادة المسيحية
وحدها الضرورة الملحة للفضيلة تسهم، تبعا لباسكالPascal) ( ،في بلوغ السعادة التي ، مهما يكن من أمر ، لايمكن أن توجد على هذه الأرض . يدين كلوديل Claudel) ( إرجاء الملذات في هذه الحياة الفانية .
بقلم : لوي مورون
ترجمة : الحسن علاج
تمنح غالبية الأديان ، منذ غابر الأزمان ، رؤية للسعادة تتعالى على الحياة الأرضية ، التي هي بمثابة عبور . وعلى مر العصور ، فقد اندرج هذا البحث عن الخلاص في التطور الثقافي للمجتمعات . وبالنسبة لباسكال ، فإن " كل البشر يسعون لأن يكونوا سعداء ؛ وهذا بدون استثناء ، مع بعض الوسائل المختلفة التي يوظفونها في ذلك ، فهم كلهم يطمحون إلى معانقة هذا الهدف . "
إن الأمل في غبطة أبدية ، مبنية على الإيمان بعالم ما بعد الموت ، لطالما تمظهرت ، عبر الدعوة لتجاوز الملذات الآنية . وفي هذا ، فإنه يتعين على المؤمن ، اعتمادا على قاعدة حياة ، أن يتعلم تمييز الخير عن الشر بهدف بلوغ السعادة الأبدية ، في يوم الحساب ، كما جاء ذلك في إنجيل متّى : " تعالوا يا مُباركي أبي ، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم . " لقد تخللت هذه الموعظة وتعليم التطويبات Béatitudes) ( العالم المسيحي ، الذي شُيد على مجموعة من القيم المتحدرة من تلك النصوص . وهكذا ينفتح طريق السعادة لأولئك الذين يعملون لصالح القريب .
قلق الخواء والعدم
بالإحالة على على جنة عدن Eden)) ، يعتقد باسكال أن الإنسان كان في سعادة تامة قبل الخطيئة الأولى . كما يعتبر أن الإيمان وحده يسمح للكائن البشري ببلوغ جنة عدن ، إلا أنه متشكك بخصوص عاقبة هذا البحث ، لأن الإنسان ، بالنسبة إليه ، لن يستطيع أبدا ، عبر قواه وحدها ، سد الفراغ ، " لأنه لا يمكن ردم هذه الهوة الهائلة إلا من خلال موضوع لانهائي لا يتغير ، أعني بواسطة الإله ذاته " .
وعلى الرغم من أن الإنسان ينشد السعادة ، فإن باسكال يشكك في عدم قدرته على إدراك الأعمال اللازمة لبلوغ ذلك : " هذا هو الوضع الذي يوجد الناس عليه في الوقت الراهن ، لا تزال تحت تصرفهم غريزة واهنة من السعادة لطبيعتهم الأولى ، ثم إنهم غاصوا في بؤس زيغهم وشهوتهم ، التي أصبحت طبيعتهم الثانية . " انطلاقا من هذه الزاوية ، فإن سبيل الإنسان الوحيد لبلوغ السعادة الحقيقية ، يتوقف على النعمة . فإذا ما كان " كل شيء نعمة " ، مثلما سيكتب برنانوس Bernanos) ( فيما بعد ، لقد كان هذا السؤال يوجد في صلب السجال بين باسكال واليسوعيين . لطالما تم تهميش القرن السابع عشر ، الذي كان ثريا بالأدب والنقاشات ، لاسيما في المجال الديني والروحي . لقد كانت تأثيرات الإصلاح الكاثوليكي مثيرة للاهتمام نظرا للإشعاع ذي الطابع الديني والتي أعطت زخما جديدا للعلوم الدينية مثل علم اللاهوت ، وأباء الكنيسة paristique) ( أو التاريخ . فإلى هذه الموجة ينتسب باسكال . مركزا النقاش على مسألة النعمة ، فقد اتخذ من الفكر الجانسيني فكرا له ، حيث أصبح ورعا متحمسا ، ابتداء من 1646 ، تحت قيادة أنطوان أرنولد Antoine Arnauld) ( ، مرمم دير الرهبان بور رويال l’abbaye de Port-Royal) ( والذي كان يدرس بالسوربون ضد اليسوعيين .
كان باسكال ، أثناء تلك السنوات ، ضحية قلق وجودي ، وقد توصل إلى أن السعادة ليست من هذا العالم . تملكه مرارا وتكرارا كرب الفراغ والعدم ، فقد عاش في 23 من شهر نونبر 1654 تمجيد الكشف الإلهي ، الذي نجد صداه في نص عُثر عليه في بطانة صدريته . " إله أبراهام ، إله إسحاق ، إله يعقوب ، وليس الفلاسفة والعلماء . يقين ، يقين ، شعور ، فرح ، سلام . [...] نسيان العالم وكل شيء ماعدا الله . [...] سمو النفس البشرية . "
مقتنعا بأنه في صلب الحقيقة ، انخرط باسكال ، في عام 1656 ، في الجدال مع اليسوعيين . وبالنسبة لهؤلاء الأخيرين ، فإن النعمة الإلهية لا يمكنها التأثير ، إلا حينما يتمسك بها الكائن البشري ، تاركين للإنسان حرية الإرادة ، وهو ما كان يطلق عليه اللاهوت اليسوعي " نعمة كافية " . شيء لا يُصدق تبعا لباسكال ، الذي كتب في 29 يناير 1656 : " خلافا لذلك ، فإن الجانسنيين Jansénistes) ( يرغبون في ألا تكون هناك نعمة كافية في الوقت الحالي ، والتي لن تكون ذات فعالية ، أعني أن كل تلك النعم التي لا تحدد قط إرادة الفعل ، على نحو فعال ، تعتبر نعما قاصرة من أجل التأثير ،لأنهم يقولون بأنه لا يمكن للمرء أن يفعل بدون نعمة ذات فعالية . "
هل خُلق الإنسان من أجل السعادة ؟ بالتأكيد ليس في هذه الحياة الفانية ، بحسب باسكال ، لأنه غير قادر على ذلك ! " إن الإنسان مخلوق بائس ، يوجد في منتصف الطريق بين الكل واللاشيء . إلا أن هذا البؤس يشكل سموه أيضا ، لأنه يولّد بداخله عطشا لا ينتهي لله . " وحدها الضرورة الملحة للفضيلة تسمح ، تبعا لباسكال ، ببلوغ السعادة التي ، في كل الأحوال ، لا يمكنها أن توجد على هذه الأرض .
هبة الخالق
إن الصفة المبالغ فيها لمقاربة الإيمان هذه هي أبعد ما تكون عن أن تقتسمها غالبية المؤلفين المؤمنين ، ممارسين أو غير ممارسين للشعائر الدينية . وهكذا كتب بول كلوديل في 21 من شهر يونيو 1939 ، إلى واحد من مراسليه : " الأخطر هو أن موقف باسكال لا يمتلك صفة رد لبق عرضي ، صفة ملاحظة صائبة . إنه يلامس أسس دفاعه الذي له طبيعة عنيفة ، مأساوية . يكون الإنسان ، منذ نشأته ، محاطا بالجهل والخطيئة ، ولا يمكنه التخلص من ذلك إلا عبر انقلاب على الرحمة ، إن تعاونه الخاص إن لم يكن قابلا للإهمال ، فهو على الأقل يكمن خاصة ، أكثر من العقل في تيار عاطفي ، في توظيف الشهية حيث يكون للعقل نصيبه أيضا . " شأنه في ذلك شأن باسكال ، مست بول كلوديل النعمة ، وكان ذلك في 25 من دجنبر 1886 ، لكنه على خلاف باسكال ، فهو لم يقم برفض ملذات الحياة الفانية ، فقد تذوقها كمثل هبة ربانية : " إن سعادة أن تكون كاثوليكيا ، كان ذلك يعتبر بالنسبة لي الانسجام مع الكون ، أن أكون متماسكا مع تلك الأشياء الأولية الأساسية التي هي البحر ، الأرض ، السماء وكلام الله . " إن النعمة التي مُنحت في تلك الليلة من رأس السنة الميلادية ، لم يدركها إلا مع مرور الزمن ، ومع اكتمال عبقريته الشعرية : " شيء مثير للفضول ! صحوة الروح وصحوة الملكات الشعرية حدثت لديّ في نفس الوقت ، داحضة تحيزاتي ومخاوفي الطفولية . "
ففي حياة وعمل بول كلوديل ، تحضر الرغبة في السعادة كثيرا ، ومع ذلك ، فإن تلك السعادة تظل مشروطة بالأمل في أن يرحب بها على طاولة المأدبة السماوية . كما أنه ينبغي أن يكون ثمة انسجام بين الرغبة الآنية والضرورة الملحة إلى الشريعة الإلهية . كذلك فإن هذه السعادة لا تتحقق بدون معاناة ،ثم تلك المعاناة التي تخترق عمله المسرحي بأتمه والشعري على حد سواء . فلطالما أن تلك الشخصيات تعيش في الألم دوخة عشقها المتقد مثل كلوديل ذاته ،الذي خبر ذلك في فترة من فترات حياته . " لقد عرفت هذه المرأة ، عرفت عشق المرأة . / امتلكت المنع . تعرفت مصدر هذا العطش ! / رغبت في الروح ، معرفتها ، هذا الماء الذي لا يموت أبدا ! لقد عرفت بين يديّ النجم البشري ! / ياصديقتي ، لست إلها . / ثم إن روحي ، لا قدرة لي على اقتسامها وأنت لا قدرة لك على أخذي واحتوائي وامتلاكي . / وهأنت كمن حاد ، خنتيني ، لم تعودي في أي مكان ، يازهرة ! " مرت المعاناة ، عثر الشاعر في التأمل على مصالحة مع ذاته ومع التهدئة . إلا أن السؤال يبقى مطروحا : ما هي السعادة ؟
ــ
لوي مورون Louis Muron) ( : صحافي ، ناقد أدبي ، منتج ومخرج لبرامج حول التاريخ وأحداث المجتمع والأدب . ألف العديد من الترجمات الشخصية نذكر منها : السيرة الذاتية لجورج برنانوس ( فلاماريون ) .
مصدر النص : المجلة الفرنسية الأدبية إقرأ (Lire magazine littéraire) . في عدد ممتاز (يوليوز ـ غشت 2022) خصص ملفا للذة في كل تجلياتها
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ترامب يفتح النار على ماسك.. والملياردير الأميركي يلوح بتأسيس

.. مصطفى البرغوثي: الضفة الغربية تتعرض إلى إعادة احتلال كامل وه

.. منزل فلسطيني في الزاويدة يتحول إلى ركام إثر غارة إسرائيلية

.. مستوطنون يحرقون مزارع للفلسطينيين جنوبي نابلس

.. نتنياهو: استثمار النجاح المحقق بالحرب على إيران لا يقل أهمية
