الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.عدم الاتساق في خطاب الدكتور أحمد صبحي منصور: ملاحظات

محمد القاهري

2006 / 12 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


طروحات الدكتور أحمد صبحي منصور تبعث عموماً على الارتياح من حيث انفتاح وتسامح خطابه الذي يبين تقبلاً لطرح الآخر من مذاهب وأديان. لكن لأن لكل مجتهد زلة فإن ملاحظاتي ستنصب على عدم الاتساق الذي يقع فيه الكاتب أحياناً عند تناوله لبعض الأشياء. وتنطلق ملاحظاتي من مقاله بعنوان " حول ما قاله البابا بندكت السادس عشر عن الاسلام" والمنشور مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي بتاريخ 17/9/2006، وهو مقال ممثل لطرح الكاتب العام.
الملاحظة الأولى تنصب على ميل لدى الكاتب، وهو ميل يميز كل العقائديين، للفصل على صعيد المنظومات المطروحة للتحليل بين المبادئ وتطبيقها وحصر التقييم على المبادئ وحدها. بينما من وجهة نظر منهجية وإبستمولوجية الشيء الوحيد الذي يمكن تقييمه هو النتائج المجسدة بالتطبيق وليس المبادئ المجردة. فالإنسان هو المجسد الحقيقي للمبادئ ولا يمكن بالتالي فصله عن تجسيدها، ولو جسدها بشكل خاطئ فإن الفهم الأقرب لذلك هو أن تلك المبادئ فقدت القدرة على حفز ه للتشبع بها وتمثلها بشكل كامل.
في هذا المقال يفصل الكاتب بين الإسلام والمسلمين فهو يقول : — "خطأ الغربيين ـ ومنهم بندكت السادس عشر ـ أنهم يخلطون بين الاسلام والمسلمين ، ويطلقون على الارهابيين من أبناء لادن اسم ( الاسلاميين ). وهذا خطأ سنعرض له فيما بعد ، ولكن المهم الآن أنه آن الأوان لكى نرتفع بردود أفعالنا الى مستوى الاسلام الذى نعلن إنتماءنا له ، فلم يعد لائقا أن يظل الاسلام يتحمل سيئاتنا و جرائمنا و تخلفنا"—. فماذا سيبقى من الإسلام عندما نفرغه من المسلمين الموجودين على الأرض؟ هل أبناء لادن منفصلون تماماً عن الإسلام؟ من الوارد أنهم يوجهون للدكتور منصور نفس التهمة، فمن نصدق إذن؟ ثم هل الإسلام يتحمل سيئاتنا بصفته مبادئ مجردة أم بصفته نظاماً مكوناً من المبادئ ومن البشر الذين يطبقونها؟ وبالتالي يغدو الحكم على الجزء حكماً على الكل.
في فقرة أخرى من المقال يثير د. منصور دور البخاري في افتراء أحاديث يتم الاتكاء عليها الآن في الإساءة للإسلام. يقول بهذا الصدد :— "هذا الحديث افتراه البخارى ، والبخارى إسمه الحقيقى (إبن برزويه ) وهو من خراسان التى كانت مشهورة بشعوبيتها وحقدها على العرب والاسلام، والتى نبعت منها معظم الثورات المسلحة وحركات الزندقة فى العصر العباسى الأول (...) بعد فشل كل حركاتهم الحربية الصريحة عمد أحبار خراسان وفارس الى حرب الاسلام من الداخل ، فتكاثر منهم فى العصر العباسى الثانى محترفو الكذب على النبى محمد عليه السلام ، بزعم رواية أحاديثه. لذلك فإن معظم رواة الأحاديث فرس، وجاءوا فى وقت واحد ومرحلة واحدة ، أشهرهم إبن برزويه المعروف باسم البخارى،وقد نثر بمهارة فائقة بين سطور كتابه ( صحيح البخارى ) أحاديث الطعن فى الاسلام والقرآن والنبى محمد عليه السلام"—.
يقع كلام د. منصور هنا في خطر التناقضات. أولاً: إنه يقسو عل البخاري عكس خطاب التسامح الذي يتبعه. ومن الخفة العثور في شخص البخاري على قط يتم جلده بدلا من أسر النمر. فالبخاري محقق ليس إلاًَ، وحتى لو افترى أحاديث فقد يرجع ذلك إلى خلل في الشروط الموضوعية والأخلاقية للبحث العلمي حينها (بما في ذلك التراجم والسير الذاتية) أكثر منه إلى حقد البخاري وبقية الرواة الفارسيين. ثانياً: الكلام عن البخاري فيه نزعة شوفينية والنزعات الشوفينية عنصرية أكثر منها وقائية. و د. منصور لا يتوخى المنطق عندما يثير قضية الثورات الشعوبية. فإذا كانت الخلافة عربية-إسلامية وشكل المسلمون من غير العرب أغلبية أو نسبة سكانية كبيرة فما الغريب أن يقوموا بثورات ضد الخلفاء العرب، بل أن فرقاً عربية قامت بثورات مماثلة بعضها مبكرة أدت إلى مقتل الخليفتين عثمان وعلي. ومجافاة المنطق يمكن أن تؤدي إلى منحى ظلامي، فإذا أراد د. منصور أن يرد للبخاري بضاعته الفاسدة فهل سينكر مساهمة علماء الطبيعة واللغة والاجتماع والفلاسفة من أصول غير عربية في النهضة العلمية والحضارة العربية-الإسلامية أم أن هؤلاء أيضاً ساهموا بدافع الحقد؟
ثالثاً: هناك مثال آخر يحتمل من جهة التأويل كمغالطة سياسية ويعكس من الأخرى عدم الاتساق المعرفي. فالدكتور صاحب نظرية "( القرآن وكفى مصدرا للتشريع )" ينفي السنة التي حققها البخاري أو التي تطبقها الوهابية وفي ذلك فصل بين عناصر نظام التشريع. فمن الناحية العملية القرءان دستور الإسلام بينما السنة وإجماع المذاهب...الخ بدت كلوائح تنفيذية تساعد على تطبيق بعض نصوصه، هناك حاجة موضوعية إذاً لها. لكن الدكتور يود نفيها، فهو يقول —" وعلى هذا الأساس نشأ ما يسمى بعلم الحديث والمصطلح مؤسسا على الاختلاف فى الجرح والتعديل وفى تقييم الرواة وفى اختلاف الروايات، وكل ذلك يؤكد أن تلك الأحاديث مجرد تراث بشرى غير معصوم كتبه مسلمون بشر يخطئون ويصيبون ، (...) نقرؤه كتراث ولّى عصره وانتهى وفقد صلاحيته لعصرنا الحديث الذي يحتاج اجتهادا طازجا مبتكرا يساير العصر وانطلاقاته غير المحدودة. "—. وكلامه هنا يوحي أنه لو تول غداً الحكم في الإسلام فإنه سيقوم بوضع لوائح تنفيذية جديدة مستمدة مباشرة من القرءان. لكن لأي مسوغ سنعتبر أنه لن يقع في خطاء سابقيه من واضعي اللوائح التنفيذية في التشريع الإسلامي؟ التجارب التاريخية الموثقة تبين أن المنظرين مثل د. منصور مكرهون للدخول في حالة انفصام معرفي أول ما ينتقلون من حقل المبادئ المجردة إلى حقل تطبيقها، إذ يستمرون في رفع شعار المبادئ بينما يخالفونها في الممارسة. د. منصور يقر ذلك بنفسه عندما يقول —" هناك فارق بين المبدأ وتطبيقه ، فمن السهل أن تصدر الأوامر وتوضع الخطط والأفكار ، ولكن تطبيقها يخضع لظروف الزمان والمكان وأهواء الانسان. يسرى هذا على النظريات والأفكار البشرية (....) تراه أيضا فى الدين الالهى السماوى وفى الأديان البشرية الأرضية"—. فلأي مبرر لن ينطبق ذلك عليه؟
وهو هنا يقول بتغير الزمان ليطلب بموجبه التخلي عن السنة كتراث واللجوء إلى إجتهاد طازج مبتكر، ويعكس ذلك معضلة معرفية أو في أحسن الأحوال تفسيرية، فالزمان في مكان الإسلام عموماً تغير كعد السنين وليس كفعل (كزمن تاريخي حسب تعبير جرامشي) ومن ثم من الطبيعي أن يضل التراث هو هو ولا داعي إذاً لحيرة د. منصور. لكنه يعتبر أن الزمان تغير وحان وقت الاجتهاد الطازج المبتكر، فكيف سيفسر الفشل عن تحقيق ذلك؟ بل أن الفعل لو حدث سينتج فاجعة كبرى للدكتور منصور. فالفعل مرتبط بالإنسان، وتاريخياً كلما تطور وتراكم الفعل كلما أفرز مبادئ جديدة تبعد الإنسان عن المبادئ الأصولية القديمة، وفحوى ذلك أن يتراجع الدين كنظام اجتماعي شامل ليتحول إلى ظاهرة إيمان فردي يعبر عنها مختلف الأفراد بطرق مختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah