الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 8 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
6 - كَانَ اللَّه وَلَمْ يَكُنْ شَيْء قَبْله

وقد أستند المفسرون والفقهاء على عدة آيات من القرآن للقول بخلق العالم:
مثل الآية 117 من سورة البقرة " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، والآية 101 من سورة الأنعام "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وقد فسر الشراح والفقهاء فكرة الإبداع على أساس كونها خلقا من لا شيء، بينما لغويا تعني الخلق أو الإختراع لشيء جديد ليس على مثال سابق.
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ".
في "تفسير الجلالين" جاء: كان عرش الله على الماء "قَبْلَ أن يَخْلِق السَّماوات والأرض (في سِتَّة أيَّام)".
وجاء في "تفسير ابن كثير": يُخْبِر الله عَنْ قُدْرَته عَلَى كُلِّ شَيْء، وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَات والأرض فِي سِتَّة أَيَّام، وَأَنَّ عَرْشه كَانَ عَلَى الْمَاء.
وقد قال النبي: اِقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْل الْيَمَن. قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا، فَأَخْبِرْنَا عَنْ أَوَّل هَذَا الأمر كَيْف كَانَ؟ قَالَ النبي: كَانَ اللَّه قَبْل كل شَيْء، وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء، وَكَتَبَ في اللَّوْح الْمَحْفُوظ كل شَيْء.
وقَالُوا للنبي: جِئْنَاك نَسْأَلك عَنْ أَوَّل هَذَا الأمر، فأجاب قائلاً: كَانَ اللَّه وَلَمْ يَكُنْ شَيْء قَبْله. وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء، وَكَتَبَ في الذِّكْر (اللوح المحفوظ) كل شَيْء، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَات والأرض.
وسُئِلَ النبي: يَا رَسُول اللَّه، أَيْنَ كَانَ رَبّنَا قَبْل أَنْ يَخْلُق خَلْقه؟ فأجاب قائلاً: كَانَ فِي عَمَاءٍ (العَمَاء هو السَّحاب) مَا تَحْته هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ بَعْدَ ذلك (على الماء).
وَقَالَ مُجَاهِد ووَهْب بْن مُنَبِّه وَضَمْرَة وَقَتَادَة وَابْن جَرِير: كان عَرْشه عَلَى الْمَاء قَبْل أَنْ يَخْلُق شَيْئًا.. قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات والأرض، فَلَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَات والأرض قَسَمَ ذَلِكَ الْمَاء قِسْمَيْنِ فَجَعَلَ نِصْفًا تَحْت الْعَرْش وَهُوَ الْبَحْر الْمَسْجُور (أي البحر الْمَمْلُوء).
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات والأرض فِي سِتَّة أَيَّام، وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء، فَكَانَ كَمَا وَصَفَ نَفْسه تَعَالَى، إِذْ لَيْسَ إلاَّ الْمَاء، وَعَلَيْهِ الْعَرْش، وَعَلَى الْعَرْش ذُو الجلال والإكرام وَالْعِزَّة وَالسُّلْطَان وَالْمُلْك وَالْقُدْرَة وَالْحِلْم وَالْعِلْم وَالرَّحْمَة وَالنِّعْمَة الْفَعَّال لِمَا يُرِيد.
وسُئِلَ ابن عَبَّاس: عَلَى أَيِّ شَيْء كَانَ الْمَاء؟ قَالَ عَلَى مَتْن الرِّيح.
وفي "تفسير الطبري" جاء: قال وهب بن مُنَبِّه: إِنَّ الْعَرْش كَانَ قَبْل أَنْ يَخْلُق اللَّه السَّمَوَات والأرض, ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَة مِنْ صَفَاء الْمَاء, ثُمَّ فَتَحَ الْقَبْضَة فَارْتَفَعَ دُخَان, ثُمَّ قَضَاهُنَّ سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ..
فلقد تكلم القرآن وكذلك محمد عن خلق الكون ونشأته في كثير من الآيات والأحاديث، منها قوله:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت:20]. وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [قّ:38].
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [هود:7]
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا [الانبياء:30].
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:12].
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذريات:47].
قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ*ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:9-10-11]. وغيرها العديد من الآيات من الآيات التي تذكر الكون بما فيه السماوات والأرض وعناصرهما المتعددة وسكانها وظواهرها ترجع إلى أكثر من ألف آية.
وروى مسلم وأحمد عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعة الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.
وجاء في تفسير الطبري: عن ابْن عَبَّاس, عَنْ النبي، أنَّ الله فَرَغَ مِنْ خَلْق الأرض وَجَمِيع أَسْبَابهَا وَمَنَافِعهَا مِنْ الأشجار وَالْمَاء وَالْمَدَائِن وَالْعُمْرَانِ وَالْخَرَاب فِي أَرْبَعَة أَيَّام, أَوَّلهنَّ يَوْم الأحد, وَآخِرهنَّ يَوْم الأربعاء.
وفي أمْرِ الرواسي، أو الجبال، جاء في تفسير القرطبي: لَمَّا خَلَقَ اللَّه الأرض مَادَتْ عَلَى وَجْه الْمَاء فَقَالَ لِجِبْرِيل ثَبِّتْهَا يَا جِبْرِيل. فَنَزَلَ فَأَمْسَكَهَا فَغَلَبَتْهُ الرِّيَاح, فقَالَ: يَا رَب أَنْتَ أَعْلَم لَقَدْ غُلِبْت فِيهَا، فَثَبَّتَهَا (الله) بِالْجِبَالِ وَأَرْسَاهَا.
وهذا إنَّما يعني أنَّ الأرض خلقها الله على وجه الماء، وأنَّها في اليومين الأولين (من أيَّام خلقها الأربعة) كانت عُرْضَة لـ "المَيَدان"، أي التحرُّك والاضطِّراب والتمايل، فهي تشبه لوح خشب على وجه الماء، تجري به الرياح، ولا بدَّ، من ثمَّ، من وسيلة لتثبيته. وهذه الوسيلة، بالنسبة إلى الأرض، كانت "الجبال"، أو "الرواسي".
وهكذا تبدو قصة التكوين المحمدية لا تختلف في أسطوريتها ولا معقوليتها عن المحاولات الخرافية السابقة، رغم وجود فروق بين البناء الأسطوري الذي أبتدعه المفسرون والفقهاء، وبين النص القرآني الذي هو أقرب فيما يبدو إلى السرد التوراتي اليهودي. فالله لم يخلق الكون من لاشيء، وإنما كانت هناك الأرض والسماء ملتصقتين، وكان هناك الماء الذي يحمل العرش ثم الأرض التي كانت تتماوج على سطحه مثل قطعة من الخشب قبل أن يثبتها بأوتاد حجرية - الجبال. غير أن الفكر الديني لا يأبه بالتناقضات العقلية أو المنطقية، والنصوص القرآنية تؤكد عملية الخلق الإلهي للسماء والأرض وما بينهما ولا تهتم بالتفاصيل الأخرى. والقول بأن الله خلق العالم من العدم يعني بكل بساطة بأن العدم عنصر يدخل في معادلة تكوين العالم ويصبح مرتبطا بطريقة ما بالذات الإلهية المنزهة عن كل نقص، وأن العدم وهو السلب المطلق مكون أساسي من مكونات عملية الخلق الإلهية للكون وما فيه من كائنات، وأن العدم هو حالة من حالات المادة يمكن العودة إليها متى أراد الله، وهو ما عبر عنه الشاعر أبو العلاء المعري (973-1057)
في العُدم كنّا وحُكم الله أوجدنا - - - - ثم اتّفقنا على ثانٍ من العَدم
حياةٌ كجسرٍ بين موتين أولٍ وثانٍ - - وفقد الشخص أن يُعبَر الجسر
نمرُّ سراعا بين عُدمين مالنا ـ ـ ـ ـ ـ لباثٌ كأنّا عابرون على جسر
وهذه الفرضية تختلف إختلافا جذريا عن عملية خلق العالم من أشياء طبيعية يتحرك الله داخلها أو بواسطتها لينظم العالم ويخلق ويبدع ما يشاء، وأن ضمان دوام هذه المادة الخام الأولية يضمن أن الكينونة غير مخلوقة وأنها سابقة على أية قوة أخرى كالآلهة أو الشياطين أوالعفاريت، وأن كل هذه القوى الإلهية الخارقة هي ذاتها جزء من الطبيعة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل على حافة الانهيار الدفاعي؟.. صواريخ الحوثي تصل إلى ق


.. مشاهد لغارة إسرائيلية على بلدة حولا جنوبي لبنان




.. ناشطون يضعون ملصقات داعمة لفلسطين في أرجاء أوتاوا الكندية


.. كيف وصلت رسالة يحيى السنوار في ظل الحصار الإسرائيلي لقطاع غز




.. موسكو تحذر الغرب وتهدد باستخدام أسلحة تحول كييف إلى -كتلة عم