الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفس في الذات الانسانية / فكرة الموت

عمر قاسم أسعد

2024 / 8 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الموت بمعناه توقف الذات الانسانية عن القيام بأي نشاط داخلي أو خارجي كتوقف النبض والتنفس والحركة وارتخاء الجسد وبرودته وتصلبه وتحلله ، وهو نتاج انفصال أقنوم الروح عن اقنوم الجسد الذي شكل لها الوعاء والحاضنة ، والموت تم تفسيره في كثير من الفلسفات والتعاليم الدينية الوضعية بأنه ( انتقال الروح لعالم أخر أو لجسد أخر ) بغض النظر على أن لكل فلسفة أو ديانه ــ وضعية أو سماوية ــ تفسيرها الخاص في التفاصيل .
على أن مفهوم الموت كان ــ وما زال ــ لغزا غامضا لدى الذات الانسانية وهو ما يجعلها تتناسى أو تنكر هذا المفهوم من خلال تخزين هذا المفهوم كفكرة في العقل الباطن وأشغال الذات بكثير من المواضيع الهامشية لعدم استراجاع الفكرة إلى العقل الواعي وتجاهل التفكير بالموت وخلق حائط صد دفاعي لمنع إظهار فكرة الموت ، لأن الذات لا تريد مناقشة فكرة الموت لعجزها عن ايجاد أي تفسيرات منطقية لها ، وأيضا لأنها لا تريد استباق أحداث حالة الموت وما بعد الموت ، ولأن فكرة الموت بحد ذاتها فكرة غامضة ( مخيفة ) . كما ان فكرة الموت إذا ما تم استرجاعها للعقل الواعي فإن الشعور بالمزيد من القلق والتوتر سيزيد الأمر صعوبة .
الذات الدنيوية تخبرنا أن الموت هو العدم ، هو التلاشي ، هو انتهاء الذات لهذا فإن الكثير من الدنيويين لا يشعرون بالقلق مطلقا لأنهم على قناعة تامة بأن لا حياة إلا الحياة الدنيا فقط ولا شيء بعدها ، وإن ترديد فكرة الموت تؤدي إلى تلاشي معانيها وتحولها الى مجرد كلمة تخلو من جوهر لها ولا مضمون نظرا لاعتياد الدنيويين للكثير من مظاهر الموت المتكررة وازدياد الحوادث والكوارث الطبيعية والحروب وكل أسباب تؤدي إلى الموت ، مما سيؤدي إلى اعتياد المشهد كحدث يومي عادي يفقد الكثير من العناصر المحيطة به من غموض وخوف وقلق وتوتر . ... الخ . حتى أصبح الكثير من الأحياء يتخذون من المقابر بيوتا لهم ويعمل البعض على نبش قبور الموتى والمتاجرة بأعضاء الموتى ، إذ لم يعد هناك قداسة لفكرة الموت وللموت وللميت .
اعتياد فكرة الموت أدت إلى تبلد وتجمد في منظومة المشاعر وعدم اعطاء الموت أي اهمية تذكر حتى وفي أسوء حالات الموت فإن الحزن يكون لفترة زمنية وينتهي الأمر ، وتستمر الحياة وكل منا يمارس دوره بشكل طبيعي ،
في جميع الحالات إن الموت هو انقاذ للكائنات الحية وللبشرية خصوصا ، ولولا الموت لما كان هناك متسع على هذه الارض ولتم وضع قانون للتخلص من الأحياء ضمن تعاليم خاصة لإنقاذ الأرض والبشرية والكائنات الحية ، ولهذا نجد ان الموت حتى عند الدنيويين هو نعمة اوجدتها الطبيعة لصالح البشرية .
إن الصراع الذي تعانية الذات الانسانية حول فكرة الموت والتفكير باقترابه منها يؤدي بها إلى سلوك عدة مسارات تجعلها تتقبل هذه الفكرة وتتعايش معها بل في بعض الأحيان ان تتحداها ، الذات الانسانية التي تعاني من الصراع الداخلي ما بين أقانيمها تمنى ذاتها بالخلود وتقمع باقي الاقانيم من استراجاع التفكير بفكرة الموت وتحاول جاهدة وأد هذه الفكرة لضمان استمرارية العيش وممارسة الحياة الطبيعيه لها والانغماس في الحياة من خلال دورها المنوط بها وممارسة أدوار اخرى تنسيها فكرة الموت حتى وان كانت في تشيع أحد الأموت ، وعندما تتوحد الذات بأقانيمها لا بد أن تكون فكرة الموت حاضرة لها من خلال تقبلها كأمر واقع وانها ــ الذات ــ لا بد انها ستموت وعليها ان تعد العدة للانتقال إلى العالم الآخر ــ كل ذات حسب فهمها لفكرة الموت وما بعد الموت ــ إلا انها تشترك جميعا بأنها ستنتقل إلى حياة أخرى ،
ومهما يكن ومهما وصلت الذات إلى مرحلة استطاعت فيها نبذ فكرة الموت وإزاحتها عن منظومتها ــ وبأي طريق كانت ــ ، لا بد لفكرة الموت أن تغزو الذات وأن تخضعها لها في لحظاتها الأخيرة .
ومما لا شك فيه أن غريزة الخوف من كل ما هو مجهول هي الصفة المشتركة لدى جميع البشرية والموت كفكرة ( مجهولة تماما ) هي ما تخيف البشرية مما بعد الموت ، حتى في تفكير الدنيويين تبقى فكرة الموت كقوة مجهولة مخيفة حتى وإن كانوا لا يؤمنوا بما بعد الموت ، وإذا كان الموت يجلب التعاسة والشقاء للبعض فإنه يجلب السعادة للبعض الأخر . هو مزيج من التناقضات التي تجتاح الذات الانسانية . البعض يعتقد ــ بل يكاد يؤمن ــ ان الموت هو النهاية هو التلاشي هو العدم ، والبعض يؤمن ان الموت هو البداية للحياة الجديدة ــ كل حسب معتقداته ــ . على أن هناك الكثير الأشخاص هم من يطلبوا الموت ويقتربوا منه ويسعوا له بكل راحة وهدوء وسكينة واقتناع ، انها الذوات التي توحدت معا من أجل الذات الانسانية المتكاملة والتي تؤمن بهدف أسمى وأجل من الموت إنها الذوات التي تؤمن بمعتقدها ودينها ورسالتها وتدرك بأن الموت هو وسيلة لتحقيق ما أمنت به من معتقد أو من أجل الانسانية أو من أجل الوطن أو من أجل الأجيال القادمة ، وعندما تصل الذات إلى الأيمان المطلق بما تقدمه وتضحي بذاتها ننستطيع القول أن الذات الانسانية وصلت إلى مرحلة من الاندماج والتوحد ما بين أقانيمها لتسمو على طريق التحرر والانعتاق من كل ما هو دنيوي لتنتقل إلى عالم أخر ــ حسب معتقدها ــ وهو العالم الذي سيحقق لها الحياة الأبدية في عالم لم تعيشه بعد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| طائرات مروحية إسرائيلية تحلق على علو منخفض فوق بحر غزة


.. 4 شهداء وعدد من المصابين والمفقودين في قصف إسرائيلي استهدف م




.. مسؤولون لنيويورك تايمز: أجهزة -حزب الله- تايوانية الصنع واخت


.. لماذا طالب الادعاء العام بالحكم على وزير الداخلية الإيطالي ا




.. مبادرة شبابية لإزالة الركام من أحد شوارع مخيم الشاطئ بقطاع غ