الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء العاشر)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 8 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- الهرمينوطيقا الفويرباخية
لذلك تؤكد الكريستولوجيا أن “الله كلمة لا معنى لها إلا الإنسان”: هناك حقيقة واحدة فقط، الإنسان، والله ليس سوى طريقة لقولها. "الله" إذن هو مجرد كلمة لا تتعلق بجوهر "الله"، كما يقتضي اللاهوت، بل بجوهر "الإنسان": يقال الإنسان في الله. وهذا سمح لفويرباخ، كما في "جوهر المسيحية"، بوصف ونقد هذه العملية انطلاقا من اللغة نفسها. إن العلاقة بين الواقع والفكر يتم تقديمها بالفعل على نموذج العلاقة بين الفكر، أو ما هو مستهدف من قبله، وما يقال. لكن "بالنسبة إلى لقصد (Meinung)
تكون الكلمة دائما ضيقة جدا، كما هو الحال بالنسبة إلى إلهك": ما يقال لم يعد هو المفكر فيه. المماثلة ناطقة: في الMeinung
لدينا هدف فردي، نية تظل "لي"، أي في "قدرتي"، بينما يصبح ما يقال مستقلا وثابتا، خارجا عمن يقول. ومن ثم يخاف الإنسان أمام الله كما يخاف أمام كلماته. تستخدم هذا المماثلة مع اللغة لفهم العلاقة بين الله والمسيح: المسيح هو كلمة الله، تخارج الكلمة ويقينها. تعود هذه الكلمة المحسوسة إلى أنثروبولوجيا فويرباخ الحوارية القائمة على تكامل مبادئ النزعة الحسية و"نكران الذات"، أي تكامل طبيعة الفكر الذي يمكن الوصول إليه عن طريق الحواس وواقعة أن المفكر مرتبط بالضرورة بـ "أنت". ضمن ذلك، يجمع فيورباخ بين أطروحة مثالية، وهي نظرية التخارج الضروري وبالتالي الوساطة ليصبح نفسه في العودة إلى ذاته، وليتحرر كونه عاد إلى الذات في الكائن الآخر ، ونقد المثالية حيث يكون الإنسان على الفور معطى لذاته في الحساسية . توجد هذه المبادئ في قلب ما كتبه فيورباخ عن لوثر، حيث تأخذ اللغة دور النموذج الأساسي:
"الله ببساطة يخبر الإنسان بما يفكر فيه الإنسان بصمت في قارة نفسه، دون أن يجرؤ على قول ذلك لنفسه. ما أعمل سوى على قوله والتفكير فيه عن نفسي هو - على الأقل ربما - خيال؛ ولكن ما يقوله الآخر أيضا عني هو حقيقة. للآخر في الحواس ما ليس عندي إلا في الخيال".
من ناحية، يعتبر الكلام تعبيرا أساسيا عن الذات: «سواء سمّى أو عبر، لا يعبر الإنسان أبدا إلا عن ماهيته». ومن ناحية أخرى، فهو خلاق، هكذا تولد الآلهة، الكلام له القدرة على الخلق: “القول يقول الكثير؛ القول يصنع شيئا من لا شيء. وليس عبثا أن يكون الخلق من العدم هو القدرة الكلية للكلام». ولتحديد هذه القوة الأولى، لجأ فيورباخ إلى كلمات الآخرين، إلى تكامل الكلام والاستماع: يجب أن “يترك الآخرين يتحدثون عنه”. لكن "من أين تأتي قوة الكلام الذي قيل من قبل إنسان آخر"؟ فقط لكونه كلام إنسان آخر يكون موجودا "موضوعياً". "الإيمان يأتي من الاستماع"، يكتب فيورباخ وفقا للمبدأ الحواري. وإذا كان الأنت في الحياة هو الإنسان الآخر، ففي الإيمان الأنت هو الله.
ـ المحبة والإيمان (1)
إذا كان الله "من أجلنا"، فذلك لأنه محبة بالأساس، أي صالح بالنسبة إلى "الآخرين". بالفعل، الوجود صالحا يؤسس للآخرية، لأنه لا يمكن لنا أن نكون صالحين إلا تجاه شيء آخر، وموضوع المحبة هو معنى المحبة. لقد رأينا أعلاه أن المحبة كانت، بالنسبة إلى فويرباخ، في قلب ما كتبه عن لوثر وإنما على ضوئها يتم تفسير الكريستولوجيا (المسيحانية). الله، بما هو إله، ليس بعد لأجل الإنسان، وحالما يصير إنسانا، لم يعد على وجه التحديد إلهًا كما هو في الفكر اللاهوتي. من المؤكد أن الإيمان، الذي هو “عين الخيال”، يسمح لنا أن نرى ما ليس موجودا، أن نرى في الغياب. لكن هذا الله صورة. والحال أن بعد الآخرية الحقيقي هو الوجود بالنسبة إلى الحواس وبالتالي الوجود الجسدي. على هذا النحو "المسيح هو اليقين المحسوس لمحبة الله للإنسان"، إنه "حقيقة محسوسة". إنما بالمحبة جعل الله من نفسه إنسانا، لأن الإنسان وحده يستطيع أن يحب الإنسان وبالتالي يغفر خطاياه. في هذه الحركة تتم كذلك قراءة أنسنة الله وتأليه الإنسان معا. ولكن إذا كان عليه أن يكون موضوعا للإيمان والثقة، فيجب أن يكون الله في ذاته ما يكونه بالنسبة إلي. الله بدون المسيح مخيف، يكتب فيورباخ وهو يقرأ لوثر. تظهر هذه القراءة لفويرباخ بوضوح عندما يوحي الإله المتعالي بأنه إله الميتافيزيقا: "كان لوثر عدوا للميتافيزيقا، عدوا للتجريد، عدوا لغياب التأثير". ولذلك فإن نقد لاهوت الله في ذاته هو نقد للفلسفة التأملية.
إذا كان الله محبة وكل محبة هي علاقة حوار بين البشر، فالسؤال هو: كيف نفهم العلاقة بين أنا وأنت؟ على المستوى الديني، يفسرها فيورباخ بالقياس على العلاقة ولد/أب. هذه المماثلة ليست أصلية، لأن هذه العلاقة كانت دائما راسخة في الدين. ومع ذلك، فهي ذات أهمية كبيرة بسبب النتائج التي يمكن أن نستخلصها منها: إن التفكير في الله كأب لا يعني التفكير فيه بدون ولد، مما يؤكد فكرة أنه لا يوجد إله بدون إنسان، وبالتالي فهو ليس في ذاته، بل من أجلنا، من يعبر عن ضرورة المسيح. وفي الوقت نفسه، فإن تعيين الله كأب يعني اعتباره وحدة الجنس. وهكذا، يقول فيورباخ معلقا على لوثر:
"إن الله باعتباره الأب المشترك للبشر ليس سوى وحدة الجنس البشري والمساواة المشخصنة، مفهوم الجنس فيه تلغى جميع الاختلافات وتوضع جانبا، مفهوم الجنس الذي، على أية حال، على عكس البشر الحقيقيين، يتم تمثيله باعتباره كائنًا مستقلاً بذاته".
تسمح لنا المماثلة بعد ذلك بتوضيح الحوارية، يكون الآخر بالنسبة إلي في الحياة ما بكونه الله بالنسبة إلي في الإيمان: "في الحياة الأنت إله أنا، في الإيمان الله إله الأنت الإنسان ». تجسّد هذه العلاقة التراص المتبادل والتكامل بين اللحظتين: "الأب يكون ما لا يكونه الولد، يكون بالنسبة إلى الولد ما لا يكونه الولد بالنسبة إلى ذاته". تجعل العلاقة أب/ولد من الممكن أخيرا توضيح الشعور الأساسي بالتبعية، في اللحظة التي ينتقل فيها فيورباخ إلى دراسة التبعية حيال الطبيعة. لكون هذه التبعية ذات خصوصية، لا يكون الولد تابعا ببساطة للأب: بل له عند الأخير ما ينقصه ليجد ذاته، أي ليحقق "الشعور بالذات". والأب بذلك وجود "لأجل لولد" والفرق إذن كما يلي:
"في الأب كموضوع يحضر كموضوع ما ليس في الولد سوى كاستعداد، ما يكون في ذاك كوجود هو في هذا هدف الصيرورة، ما يكون حاضرا بالنسبة إلى ذاك يكون مستقبلا بالنسبة إلى هذا. ما يكون في ذاك فاعلية يكون في هذا رغبة وجهدا".
وهو ما يعني من وجهة نظر اللغة المذكورة أعلاه:
"الأب موجود، يقول ما يجب أن يكونه الولد، وربما ما سيكون. الأب هو العراف (Wahrsager) الحقيقي للولد".
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: https://journals.openedition.org/rgi/378








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسط -فقدان الأمن-.. عام دراسي جديد مثقل بالمخاوف والتحديات ف


.. رغم القتل والموت والدمار.. حملة التلقيح ضد شلل الأطفال مستمر




.. جنوب السودان: مشروع لحماية نظام بيئي مساحته ضعف مساحة البرتغ


.. العام الدراسي الجديد.. منح للعائلات في بلجيكا ومكاتب استشاري




.. سلسلة من الحرائق تضرب البرازيل بسبب أسوأ موجة جفاف تسجل في ا