الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فاجعة مجدل شمس والدروس المستفادة
ثائر أبوصالح
2024 / 8 / 13الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا يخفى على أحد ما حل بمجدل شمس في 27/7/2024 وأي حدث جلل أصابها في الصميم، فدخل الحزن لكل بيت من بيوت الجولان وهز المصاب مشاعر كل من يملك ذرة من الإنسانية، والأن، وبعد أن حطت المصيبة أوزارها، وانقشع غبارها، وبعد أن قطف القدر من حديقة الجولان اثني عشرة زهرة فواحة، وبعد أن بدأت تلتئم جراح حرحانا، وجب علينا ان نمعن النظر بما حصل، ونتدبر الحدث بعقل مفتوح وعيون حادة ثاقبة لنسأل أنفسنا السؤال الأهم: هل نستحق ما حصل لنا من فقد وألم ومعاناة، أم أن القدر قد ظلمنا واخذ بناصيتنا الى حيث لا نستحق؟ هذا السؤال مُلّح ويجب علينا أن نسأله، حتى لو كان مؤلماً وفيه بعض الجلد للذات،
لكي نستطيع الإجابة على هذا السؤال، يجب أن نفهم أولاً القوانين الكونية، فسواءً كنا مؤمنين بقضاء الله وقدره او كنا ملحدين، تبقى الحقيقة واحدة يعلمها الجميع على اختلاف مشاربهم وقناعاتهم، ان هناك قوانين كونية، منها المحسوس والملموس كقوانين الفيزياء على سبيل المثال لا الحصر، ومنها غير المحسوس كالقوانين الروحية والتي سنأتي على ذكرها لاحقاً، واي مخالفة لهذه القوانين سينتج عنها ردة فعل فورية أو مؤجلة، فالقوانين صارمة ولا ترحم أحدا، فهي ميزان عدل الإله على الأرض، وهذا الميزان دقيق لا يقبل الخلل.
نبدأ بالقوانين الحسية فهي واضحة للعيان، نتعامل معها بشكل يومي ونتجنب مخالفتها، ونعلم علم اليقين أن أي مخالفة لها ستؤدي الى عقاب فوري؛ فإذا وضعنا اصبعنا في النار ستُحرق حتماً وسنتألم، لأن طبيعة النار هي الحرارة الحارقة، فنتجنب ذلك دون أن نفكر أننا قد اطعنا قانوناً كونياً، وإذا رمينا بأنفسنا من مرتفع ستتحطم عظامنا وقد نموت، فقانون الجاذبية سيعمل حتماً، ولا يداري احداً، فلا طبيعة النار ولا قانون الجاذبية سيرحمنا حتى لو طلبنا الرحمة من رب العالمين، فالرحمة الإلهية تتعلق في تخفيف الم تطبيق القوانين الكونية وليس الغاؤها، على مبدأ: " اللهم لا اسألك رد القدر وانما اسألك اللطف فيه" فالقدر هو القانون ولا يمكن رده، أم الرحمة الإلهية فهي اللطف في تطبيق القانون للمستحقين وليس مخالفة له.
لا يشك عاقلان، أن هناك ذكاء كوني يدير هذا الكون مهما اختلفنا بالتسميات، فهناك من يسميه الطبيعة، وهناك من يسميه العقل الشامل او الكلي وهناك من يسميه العقل الأرفع، ولكن تبقى الحقيقة الساطعة واحدة؛ أن الذكاء الكوني الذي يدير الأكوان والمجرات والعوالم، ينظم تطور الكون من خلال القوانين التي اكتشف الإنسان جزءاً منها، ولا شك أن عملية التعرف على القوانين الكونية ستستمر مع تطور الإنسان على الأرض، وذلك من خلال عقله الجزئي الذي اكتسبه من الذكاء الكوني، حيث أن عقولنا الجزئية وذكاءنا كبشر مشتقة منه ومنعكسة عنه.
إن عقولنا الجزئية، والتي تدير شؤوننا، تعمل وفق قوانين المنطق الأرضي والذي يخضع لوطأة الزمان والمكان دون أن نرى وندرك هذه القوانين بعين حسية، كذلك الذكاء الكوني يدير شؤون هذا الكون فوق الزمان والمكان من خلال قوانين العدل الإلهي والتي ترتكز على مبدأ: "بك أُثيب وبك أُعاقب وبك تُبلغ المنازل العالية" أي أن من يطيع القوانين الكونية يثاب ويبلغ المنازل العالية، ومن يخالفها يعاقب ويعيش حياة البؤس، وهذا هو مفهوم الجنة والنار، وعلينا أن نختار.
والسؤال الذي يطرح نفسه الأن؛ ما هي القوانين الروحية التي يجب أن نتجنب مخالفتها حتى نحمي انفسنا من عقابها الأني أو المستقبلي؟ يقول العلم الفيزيائي الشهير نيكولا تسلا: " إذا اردت أن تفهم الكون فكر بلغة الطاقة، التردد والذبذبات"، فنحن حينما نفكر نطلق موجات مختلفة، وقد اثبت العلم أن الدماغ يطلق موجات مختلفة وفقاً لنشاطه، فالموجات الدماغية عبارة عن موجاتٍ كهربائية ذات تردداتٍ معينة، وهي تنتج عن عمل ونشاط الخلايا العصبية في الدماغ، أو ما يسمى “العصبونات"، فإن الموجات الدماغية هي ما يمثل أفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وردات فعلنا.
هذه الموجات تبدآ من موجة دلتا البطيئة والعميقة، تليها موجات ثيتا المسؤولة عن سحب حواسنا من التركيز على الوسط الخارجي، إلى التركيز على الإشارات التي يتم توليدها ضمن الدماغ. وهي المسؤولة ايضاً عن الأحلام، تليها موجات ألفا التي تظهر أثناء النشاطات العقلية المتصلة بالإدراك الواعي، ولكنها تمثل نشاطاتٍ عقلية هادئة، وهي تعني أن الدماغ واعي ويدرك ما حوله، ولكنه غير نشيط أو فعال. ثم يليها موجات بيتا تظهر عندما يكون الدماغ بحالة وعي وإدراك ويقوم أيضاً بتنفيذ وظائف ومهام متنوعة، وهي ترتبط جميعها بالإدراك الواعي الناتج عن الحواس. وأسرعها موجات غاما الدماغية وأعلاها من حيث قيمة التردد. تمثل موجات غاما حالات التركيز العقلي الشديد والتفكير المركز والمنظم.
ان كل حركة او تصرف او تفكير او شعور تمثله موجة تنطلق منا فيلتقطها الذكاء الكوني ويعيدها الينا فوراً أو لاحقاً، ففي القوانين الحسية عادة ما تكون ردة الفعل فورية وأحياناً متراكمة فتلويث البيئة، على سبيل المثال لا الحصر، الذي امتد لعشرات السنين بدأنا نشعر اليوم بردة الفعل عليه من خلال ارتفاع درجة حرارة الأرض، أما في القوانين الروحية فيدير الذكاء الكوني هذه الموجات ويعيدها الينا لتدخل في جسدنا القدري وتصبح جزءاً لا يتجزأ من منظومة الثواب والعقاب وفقاً للموجة التي نطلقها.
على أساس ما ورد، فإن موجة الحب تختلف حتماً عن موجة الكراهية، وموجة التعصب تختلف عن موجة التسامح، ولذلك عندما نتعامل بكره وحقد وحسد وضغينة ونمارس النميمة فإن هذه الموجات ستعود علينا حتما بنفس البضاعة التي ارسلناها، فتغرقنا مع الزمن رويداً رويداً في بحر ظلمات النفس حتى نصل الى مرحلة لا نستطيع ان نميز فيها بين الحق والباطل، فنعاقب بسوء اعمالنا ومن ثم نلوم القدر، أما الحقيقة التي يجب أن ندركها جيداً تتمثل بمقولة: "وإنما هي اعمالكم ترد اليكم".
السؤال الملح هنا: اين نحن من ذلك كأفراد ومجتمع؟ ولا استثني أحدا، وابدأ من نفسي، كذلك لا استثني أي شريحة؛ نساءً كانوا أم رجالاً، شيوخاً ام شباباً. الحقد والحسد والضغينة والنميمة اسياد الموقف، صراعات بين الشرائح المختلفة، حتى داخل الشريحة الواحدة، مجتمع يحكمه الاستهلاك والتبذير، أنوات متضخمة، لا تستطيع أن توجه نقداً لتصرف مسيء في الشارع خوفاً من قلة الأدب وقلة الحياء، بارات مفتوحة وسهرات حتى الصباح، مسكرات بأنواعها دون خجل أو وجل، وهناك من يتعاطى أكثر من المسكرات فتخيلوا أي أمواج نطلق وماذا يمكن أن يرتد علينا؟
اليس من الواجب أن نقرأ الرسالة القدرية بإمعان ونعي ما هو المطلوب؟ فإذا دققنا النظر نستطيع أن نفهم الرسالة بوضوح، فكل السلوكيات الفردية والاجتماعية التي نتجت عن هذه الفاجعة هو ما يجب ان نتمسك به، فبعد الفاجعة عادت الألفة بين شرائح المجتمع الواحد بكل اطيافه وأنتج المجتمع موقفاً تغنى به القاصي والداني، فكانت رسالة المحبة والسلام التي أطلقها اهل الضحايا ومن ورائهم المجتمع نبراساً يحتذى، استطاع المجتمع بتعاضده ودون تنسيق أن يحمي نفسه من كل أصحاب المشاريع والمتسلقين والراقصين على دماء أبنائنا عبر رسالة التسامح والسلام ورفض الانتقام.
لقد الغت هذه الفاجعة، ودون قرار، كل اشكال التبذير في افراحنا، على الأقل لفترة معينة، نرجو أن تستمر، أليست هذه رسالة واضحة المعالم لنتقِ الله في مناسباتنا، لنتذكر فقط ما كنا نشكو منه جميعاً ونمارسه من كل اشكال البذخ والتبذير والمظاهر الكذابة. ألم يعيدنا هذا الحدث الى ذواتنا وأسرنا لنتساءل اين أخطأنا؟ ألم يفكر كل منا بأناه المتضخمة ليعيدها الى حجمها الطبيعي لنعي حجمنا الحقيقي أمام المآسي والويلات؟ ألم يحرك هذا الحدث الحس الإنساني فينا لنشعر مع المدنيين الذين يقتلون يومياً بأبشع الصور؟ وغيرها الكثير من الرسائل التي ان أمعنا فيها النظر نستطيع قراءتها بسهولة.
من هنا، وبناء على ما تقدم علينا كأفراد وكمجتمع أن نعي الدرس، ونبدأ بعملية الإصلاح، منطلقين من مصلحة مجتمعنا، التي يجب ان تنسجم مع قيم الكرامة الجمعية والمحبة والعطاء غير المشروط، والذي اثبت شبابنا في الفاجعة الأخيرة انهم من خيرة رسله، على رجال الدين في الخلوات استيعاب الدرس، وكذلك على الشباب الذين تفرقوا ايدي سبأ، وعلى الأجيال الصاعدة أن تأخذ دورها في عملية البناء وذلك من خلال صياغة عقد اجتماعي يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل بين كافة شرائح المجتمع المختلفة، وعلى مبدأ حرية الرأي والرأي الآخر، في اطار ما يتفق عليه وينسجم مع كرامة ومصلحة هذا المجتمع المبني على الوسطية، بعيداً عن كل اشكال التطرف الديني والمذهبي والقومي والسياسي. علينا ان نستوعب الدرس، ونفهم الرسالة، قبل أن تأتينا، لا سمح الله، رسالة أخرى قد تكون أقسى من الحالية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ تفوز بجائزة نوبل للآداب 20
.. إعصار ميلتون -الخطر للغاية- يجتاح سواحل فلوريدا ويخلف قتلى و
.. المستشار الألماني يعلن عن تسليم مزيد من الأسلحة لإسرائيل
.. صحيفة لوموند: غضب بايدن من نتنياهو لم يترجم إلى أفعال
.. مبعوث صيني: غزة جحيم حقيقي وعلى إسرائيل وقف حربها ضد المدنيي