الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثالث عشر)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
2024 / 8 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في المحور الثالث، تحدثت الفيلسوفة فرانسيسكا باربو عن الصعوبات المتعلقة بالحرية وقدمت بعض الشروحات من النوع الأول. في هذا الإطار، ذهبت إلى أن الأسباب الجوهرية للاختلاف بين هذه الطريقة وتلك في اتخاذ القرارات الحرة موجود بكل تأكيد ضمن المكونات العديدة التي ساهمت فيها (تلك التي تمت الإشارة إليها جزئيا في السطور السابقة). وهذا أيضا يحدد تصوراتنا المختلفة عن الحرية؛ الشيء الذي تعهدت الكاتبة بإضاءته بسرعة كبيرة، مركزة اهتمامها على بضع نقاط فقط. وبعد ذلك ستنتقل إلى الأسباب الأكثر عمقا، وربما الأكثر أهمية.
في علاقة بالحقائق الدلالية مقابل الحقيقة الأنطولوجية، وقفت الفيلسوفة عند ما رأته أكثر أهمية؛ واقصد به قناعات كل شخص. الأمر يتعلق بهذه "الحقائق" التي يعترف بها كل واحد منا، في أعماقه، في ما يتعلق بمكونات قراراتنا الحرة. وفي هذا الصدد، يجب أن نتذكر حقيقة أن: القضية تكون «صادقة» ما دامت أنها «تقول» ما «يوجد» في موضوعها. القضية الصادقة تتطابق إذن مع "حقيقة هذا الشيء" (في هذا الجانب أو ذاك): حقيقته الوجودية". "حقيقة القضايا" تسميها الكاتبة "الحقيقة الدلالية"، تحديدا لتمييزها عن "الحقيقة الوجودية" المذكورة أعلاه.
وعن الحقائق الدلالية المتعلقة بالحرية، قالت الفيلسوفة إن هذه الحقائق، التي تلعب دورا في قراراتنا الحرة، تعنى، في مقام أول، بهذا الذي نعتبره صالحا (ممتعا، مفيدا، نافعا، صادقًا..)؛ الأمر يتعلق بشكل أساسي بما هو جميل بهذا القدر أو ذاك. في كل الأحوال، يتم التفكير في ذلك دائما بهدف معين، يوحد الحياة؛ ربما، في علاقة بمثل أعلى محدد.
في ما يخص الاختيارات التي يمكننا القيام بها (والتي بجب أن تعنى بما هو "خير") المهم هو أن نفهم "ما هي الأشياء" في الواقع. أما بخصوص القرارات المرتبطة بأحداث في حياتنا فالأمر يتعلق بالتعرف على "ما يحدث" حقا. بينما ليس من المهم على الإطلاق معرفة ما قالته هذه الشخصية أو تلك.
فضلا عن ذلك، كل «حقيقة دلالية» تتعلق بما نقرر في المستقبل (ما هو إذن، في الوقت الراهن، مجرد شيء ممكن) لا يمكن أن يكون صادقا بشكل نهائي: إنه حقيقة "عملية". لذلك، ليس من السهل على الإطلاق معرفة كل ما هو مهم، بهدف تحقيق حريتنا الحقيقية. والأكثر من ذلك، يجب النظر إلى الشيء إما في تعقيده، أو في وضعه في "شبكات" معينة، أو باعتبار كل ذلك قابل لأن يتغير . كما يمكننا التركيز على العوامل الأخرى التي تؤثر على حريتنا، ولكن الكاتبة تركتها جانبا.
وعن اللانهائي الذي نحب أن نرغب فيه، تضيف الكاتبة كلمة واحدة فقط عن الرغبات التي لا تتحقق دائما: تلك التي يتم التعبير عنها إما في شكل التطلع إلى المثل الأعلى، أو عندما نسعى وراء "حلم" يكون أحيانا غير قابل للتحقيق. الشيء الأساسي، لإعطاء التفسير الأول لذلك الأمر، هو كما يلي: نفكر من خلال التعبير عن مفاهيم كونية، وأيضا، قبل كل شيء، من خلال استعمال مفاهيم مماثلة. هذا يخص، على وجه التحديد، مفهوم "الصالح" (الذي هو تناظري بالفعل). لهذا السبب فإن إرادتنا التي تتبع أفكارنا محمولة على الرغبة، باستمرار، في شيء أكثر وأفضل.
ذلك ما ينطبق بشكل خاص على حياة كل شخص بأكملها. ولهذا السبب ينطلق شخص ما نحو المثل الأعلى بينما يميل شخص آخر إلى "الحلم" بـ"السعادة غير المحدودة"، التي، مع ذلك، تتحقق "في هذا العالم المحدود". ربما يحدث أن يقع عليه الاختيار: لكن ذلك يعني إرادة "المستحيل". (إذا أخذت هذه الكلمات بمعنى"صارم").
بحثا عن أسباب أعمق، أشارت الفيلسوفة فرانسيسكا إلى أن الطريقة التي نستخدم بها مكونات أفعالنا الحرة تحدد أي اختيار حر، وكذلك تصور الحرية الذي لدينا. هنا يوجد تفسير أول لطرقنا المتعددة في النظر إلى الحرية. هل يمكننا ربما (إلى جانب التفسيرات من النوع الذي قدمناه حتى الآن) العثور على أسباب أعمق لشرح ما يهم حريتنا؟ تجيب الكاتبة بنعم.
وصولا إلى المحور الرابع، اهتمت الكاتبة بالنقص الذي بعتري الوضوح المباشر للمتعاليات، ٱخذة بعبن الاعتبار الغموض الذي يكتنف مفهوم الحرية. لأجل ذلك، ذكرت ب"حقيقة الأشياء" (أو "حقيقة الوجود" أو "الحقيقة الوجودية") كما تقدم ذكره، وكذلك «الخير»، و«الجميل»، و«الواحد»، وأيضا (انطلاقا من الأوصاف الأولى) "الوجود". من لديه ثقافة فلسفية يعرف أن هناك خمسة متعاليات (بالمعنى الذي تأخذه هذه الكلمة وفق اصطلاح التقليد الذي يعود إلى أرسطو): أي "الوجود" وأربعة من خواصه.
ومع ذلك، هذا ليس واضحا على الفور للجميع. هذهىالمصطلحات في الواقع معروفة لدى غالبية الناس بشكل سطحي تماما. بل إنه من السهل جدا تجريحها، فيما يتعلق بدلالتها: هذا هو الحال، بمجرد أن نترك جانبا كل تفسير فلسفي. من أجل المزيد من الدقة، تدعونا الكاتبة إلى رؤية ما يحدث في شأن الكلمات الأكثر أهمبة، لفهم حريتنا. في ما يتعلق بالخير، كل واحد منا لديه معرفة أولية به، من حيث أنه يرى أن هذا أو ذاك هو في حد ذاته إما قيمة يجب تحقيقها، أو شيء مفيد أو ممتع؛ أي سواء كان هذا أو ذاك فهو صالح بالنسبة إلى هذا الذي يأخذه بعين الاعتبار. لذلك، في علاقة بنفسه يدرك المرء، قبل كل شيء، ما الخير وما يكون: مع ذلك، هذه وجهة نظر أحادية الجانب بإفراط. وبالتالي تكون طريقة النظر إلى "الخير" مشروطة بقوة بعاداتنا، قناعاتنا الأخلاقية، وكذا بالتأثيرات الثقافية التي مورست علينا. لكن، انطلاقا منها يكون الجميع الفكرة الأولىعن "الخير". (توجد اعتبارات مماثلة أيضًا في ما يتعلق بـ"الجمال"). وفوق ذلك كل "خير"، عشنا تجربته في هذاالعالم، معقد، يجد نفسه موضوعا في "شبكات" من الكائنات، يتغير باستمرار (كما قلنا أعلاه).
في علاقة بالحقيقي واعتبارا لما "حسن حقا" من حيث المبدأ، فالأمر يتعلق ب"الخير"، طالما أنه مؤسس على "حقيقة" الوجود" أو "الحقيقة المتعالية". لذلك، نحن هنا أمام "الحقيقة المتعالية" و"حقائقنا الدلالية" التي يتعين أن تتعلق بها: ذلك أننا بواسطة "الحقائق الدلالية" يمكننا معرفة ما هو "الحسن حقا" أو "الجميل حقا"، إلخ. وهذا يعني، بالضبط، أن هذه هي الطريقة التي نستطيع بها معرفة أي شيء كذلك في "حقيقته الوجودية": ما دام أن كل "وجود" موجود قابل لأن يعرف بفضل "الحقيقة الوجودية". وبالتالي فإن الأخيرة هي "البهاء" الذي يجعل قابلا للمعرفة كل "وجود"، وكل مظهر من مظاهره: بما فبها "صلاحه"، "جماله"، "وحدته"... ومع ذلك، في هذا العالم، معرفتنا بـ"الحقيقة الوجودية" لكل كائن هي أيضا سطحية للغاية: يكفي التفكير
في المحدودية الهائلة في معرفة البيولوجيا والفيزياء،الخ،، وصعوبة اكتساب معرفة فلسفية مؤسسة ومعمقة بأفضل ما يكون..
من حديثها عن المتعاليات، تخلص الفيلسوفة فرانسيسكا إلى أنه بمكن أيضا عرض اعتبارات مماثلة لكل من المتعاليين الآخرين. ثمة إذن، في هذه السطحية التي تتسم بها معرفتنا بالمتعاليات، سبب أعمق وراء الصعوبات - التي بمكن لكل واحد منا أن تصادفه - أمام اتخاذ قرارات حرة حقا: لأن المتعاليات بالفعل هي أساس كل قرار حر. (للتأكد من ذلك، يكفي مراجعة الوصف الوارد أعلاه). وهذه السطحية هي أيضًا سبب لمدى حريتنا: بسببها يمكن التعاطي للمخدرات... وهكذا يكون السعي وراء حرية زائفة. تتوقف هذه السطحية بدورها على سبب ما يمكن الإشارة إليها؛ بشرط أن نعمق أبحاثنا أكثر.
وفي ما يتعلق بجميع الكائنات المخلوقة، بما هي كذلك: يستهدف فكرنا قبل كل شيء "جوهرها"، تستهدف إرادتنا قبل كل شيء "وجودها". نستطيع العثور على سبب أعمق لجوانب معينة من حريتنا، إذا أخذنا في الاعتبار واقعة أن كل "كائن" مخلوق مركب حقا من "جوهره" و"وجوده"، وإذا لاحظنا أن ما يستشرف كأولوية: (أ) من قبل فكرنا، هو "جوهره"، (ب) من قبل إرادتنا هو "وجوده". (يتعلق الأمر فقط ب«تفضيل» «الجوهر» على «الوجود»، وليس على الإطلاق باستبعاد جانب أو آخر من جوانب من "الكائنات" المخلوقة: لا سيما أنه لا يمكن أن يكون هناك "جوهر" بدون "وجود"، والعكس صحيح.) ومع ذلك، فإن كل فعل حر هو نتيجة لكليهما: الفكر والإرادة. في هذا الصدد بالتحديد يمكننا أن نجد سببا ٱخر للعديد من الصعوبات التي نواجهها في حياتنا.
من ناحية، (1) ما نرغب فيه، وخاصة من خلال أفعال الإرادة، يجب أن يصبح حقيقيًا (أن يكون له وجود حقيقي عاجلاً أم آجلاً). من ناحية أخرى، (2) ما نفكر فيه (موضوعات رغباتنا) يجب أن يكون لا نهائيًا: لأنه من السهل علينا أن نفكر فيه بهذه الطريقة. لتوضيخ هذه النقطة الثانية، يجب أن نتذكر حقيقة أنه (كما مر بنا أعلاه) بواسطة مفاهيم كونية وتناظرية أيضا في بعض الأحيان يأخذ فكرنا في الاعتبار كل شيء: بحيث تعبر هذه المفاهيم أيضا (باعتبارها كونية وتناظرية) عن ممكنات لاحقة، إلى ما لا نهاية! لكن في هذا العالم، كل كائن واقعي متناه: ليس لانهائيًا على الإطلاق. وهنا يوجد سبب أعمق للعديد من الأحزان بين عطشنا إلى اللانهائي ورغبتنا في تحقيق ما لدينا من آمال: بينما ما ينقصنا في هذا العالم هي إنجازات لا حصر لها بالفعل.
(يتبع)
المرجع: FRANCESCA RIVETTI BARBÒ
LIBERTÉ ET VÉRITÉ
DU SAVOIR COMMUN À LA PHILOSOPHIE
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كيف تُترجم -محاولة الاغتيال- الثانية ضد ترامب لدى الناخب الأ
.. مسؤول عسكري إسرائيلي: لم نعثر إلا على 9 أنفاق تؤدي إلى مصر و
.. بايدن يحرج صحفيا خلال اجتماعه مع كير ستارمر في البيت الأبيض
.. تصاعد الدخان والنيران بعد الغارات الإسرائيلية على قرى جنوب ل
.. المعلومات المتاحة حتى الآن عن المحاولة الثانية لاغتيال ترمب