الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول جذور وخلفية الاحتجاجات وتأثيرها ووضع اليسار في بنغلاديش

رشيد غويلب

2024 / 8 / 18
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تعد الحركة الاحتجاجية التي تصدرها الطلبة في بنغلاديش، واحدة من الحركات الاحتجاجية التي حققت أهدافها المباشرة المتمثلة في اسقاط نظام الاستغلال والقمع برئاسة رئيسة الوزراء المخلوعة الشيخة حسينة، وفتح طريق جديد، ما زال يشكل عملية مفتوحة لولادة نظام جديد، او ما يوصف هناك بـ "الاستقلال الثاني"، ويأتي الإعلان عن حكومة مؤقتة يقودها الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس (84 عاماً)، والذي يحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم باعتباره مؤسس تجربة "بنوك الفقراء"، التي حصل بموجبها على لقب "نصير الفقراء" ، وتضم الحكومة كفاءات وطنية وناشطي المجتمع المدني، ليشكل الخطوة الثانية الناجحة على هذا الطريق، لأنها قطعت الطريق على الفوضى، وعملية تفكيك مؤسسات الدولة وتشظي المجتمع، التي جرت في العشرين سنة الأخيرة في الكثير من البلدان بضمنها العراق. لقد نجحت الحركة الاحتجاجية في فرض شخص رئيس الوزراء، وفي تحجيم تدخل الجيش في حياة البلاد السياسية لحد الآن.

أثارت الأحداث الاستثنائية التي تعيشها بنغلاديش حاليا، اهتماما كبيرا لمعرفة المزيد عما يدور في البلاد: طبيعته وخلفياته. وفي حوار نشرته مجلة جاكوبين اليسارية في 6 آب 2024، أي قبل سقوط حكومة الشيخة حسينة تحدثت الناشطة الماركسية والقيادية في العديد من الحركات الاجتماعية، مثل حركة الفلاحين المعدمين، ومنظمة النساء المعدمات، ومنظمة "الكيان الطلابي"، ليديا سيلفا عن جذور وخلفية الاحتجاجات وتأثيرها على سياسة البلاد وحالة اليسار في بنغلاديش، فيما يلي اهم ما ورد فيه.

بداية الاحتجاجات
بدأت الاحتجاجات بعد أن أيدت المحكمة العليا في بنغلاديش العمل بحصة من شأنها أن تخصص 30 في المائة من الوظائف الحكومية لمقاتلي الاستقلال وأحفادهم. لقد أبطل هذا القرار الأخير إصلاح نظام الحصص الذي ناضل الشعب من أجله في عام 2018.

تم العمل بأول نظام لتخصيص الحصص من هذا انوع في عام 1972 في عهد مجيب الرحمن، الزعيم الرئيسي لحركة الاستقلال. وتم بموجبه تكريم ومكافأة الذين قاتلوا في حرب الاستقلال. ومنذ البداية كان هناك استياء من نظام الحصص هذا، فتكررت الاحتجاجات والتحركات. لقد كانت هناك احتجاجات كبيرة في عامي 2008 و2013، لكنها لم تحقق نجاحا يذكر.

في عام 2018، كان ينبغي أن تكون نسبة الحصص عموما 56 في المائة من فرص العمل المتوفرة. لقد تمت إضافة فئات جديدة: إلى الـ 30 في المائة المخصصة لأحفاد المقاتلين من أجل الحرية، 10 في المائة للنساء، و5 في المائة للأقليات العرقية، و10 في المائة لمواطني مناطق معينة من البلاد، و1 في المائة لذوي الاحتياجات الخاصة. وهذا يعني أن 44 في المائة فقط من الفرص المتاحة تم منحها على أساس الكفاءة، اي أن طلابا من أبناء الطبقة العاملة، على الرغم من تحصيلهم الجيد، ربما لم يتمكنوا من الحصول على مثل هذه الوظائف وفرص مستقبلية أفضل بسبب تطبيق نظام الحصص.

لقد قاد الطلبة حينها حركة هائلة مناهضة للحصص وحظوا على دعم شعبي واسع النطاق. وفي نهاية المطاف، نجحوا في إجبار الحكومة على تخفيض حصص وظائف العامة. ومع ذلك، بقيت هناك مشاكل في التنفيذ العادل للنظام الذي تم إصلاحه.

في حزيران 2024، ألغت المحكمة العليا إصلاحات 2018. لقد أعطى هذ الإلغاء للحركة الطلابية في نضالها ضد الحصص زخما جديدا. في البداية كانت الحركة مقتصرة على الجامعات العامة. وردت حكومة الشيخة حسينة باستخدام العنف ورفضت الدخول في حوار مع القيادات الطلابية. وكان من المؤكد أن مثل هذا الحوار سيجنب البلاد الفظائع التي ارتكبت في الأسابيع القليلة الماضية. وبدلاً من ذلك، انتظرت الحكومة بصمت صدور قرار المحكمة النهائي وتجاهلت الحركة الاحتجاجية في الحرم الجامعي.

وأكثر من هذا، أثارت حسينة غضب المتظاهرين عندما تساءلت على شاشة التلفزيون الوطني، "إذا لم يحصل أحفاد المناضلين من أجل الحرية على أفضلية الحصص، فهل ينبغي لأحفاد "الرزكاريون" أن يحصلوا على هذه المزايا؟"، وهو مصطلح مهين يشير إلى الذين مارسوا ودعموا قمع مقاتلي الحرية من قبل الجيش الباكستاني خلال حرب عام 1971. وبطبيعة الحال، بدا الأمر بالنسبة للطلبة وكأن حسينة تصف الحركة بأكملها بـ "الخونة"، وأعداء البلاد. ردوا بشعار: ("من أنا؟ من أنت؟ رزكار! رزكار! من يقول ذلك؟ من يقول ذلك؟ انها الدكتاتورة! الدكتاتورة!").

كان يمكن للحركة الاحتجاجية الاعتماد أكثر على الشعارات السياسية الإستراتيجية، التي تبعدها بوضوح عن خونة 1971، والتي لا تمنح مساحة لأضعاف ممارستها للنقد. لقد وظفت القوى الموالية للحكومة، هذا الواقع كسلاح لتشويه الحركة الاحتجاجية.

تتمتع رابطة تشاترا، الجناح الطلابي لحزب رابطة عوامي الذي تتزعمه حسينة، بتاريخ طويل في مهاجمة المنتقدين والحركات الاحتجاجية. وقد تلقت الضوء الأخضر من أحد وزراء رابطة عوامي على شاشة التلفزيون الحكومي "لإسكات المتظاهرين". لقد أظهرت مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي إطلاق النار على الطلاب. ومن جانبه نفى الوزير وقوع مثل هذه الجرائم.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت عمليات القتل قد ارتكبت من قبل تنظيم الحزب الحاكم الطلابي، أو من قبل مجموعات أخرى تستغل مثل هذه الاستفزازات في أوقات اليأس. ولكن الثابت وقوع عدد هائل من القتلى والجرحى بعد تصاعد الاحتجاجات بسرعة وانتشارها في جميع أنحاء البلاد. والضحايا ليسوا طلابا فقط، بل بينهم العديد من المدنيين الآخرين. وحاولت الحكومة في البداية قمع الاحتجاجات من خلال إغلاق جميع المؤسسات التعليمية وتعذيب المتظاهرين الذين تم اعتقالهم. ونشر الجيش وحرس الحدود، وفُرض حظر التجول العام، والأمر بإطلاق النار على المخالفين، وقطع الإنترنت والهاتف في جميع أنحاء البلاد وقد اعترفت السلطات بمقتل أكثر من 200 ضحية وإصابة آلاف آخرين.

طبيعة الاحتجاجات وقوى المعارضة
لم نتحصر الاحتجاجات هذه المرة برفض نظام الحصص، وانعكس الإحباط الطويل في أوساط الشبيبة والفئات المتضررة، نتيجة لسياسات الحكومة. لقد أصبحت الانتخابات غير عادلة بشكل متزايد، وأصبحت الحكومة أكثر استبدادا.

سنويا يصبح عشرات الآلاف من خريجي الجامعات عاطلين عن العمل؛ ويأمل عدد لا بأس به منهم في الحصول على وظيفة آمنة وذات أجر جيد نسبياً في القطاع العام. ومن ناحية أخرى، يتفشى الفساد في كل المجالات. بالإضافة إلى ذلك، هناك مظالم اقتصادية أخرى مثل ارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة وسوء السياسة الاقتصادية الحكومية وانتهاكات حقوق الإنسان.

هذه كلها عوامل ساهمت في اندلاع الاحتجاجات الكبرى الحالية. وعلى الرغم من إطلاق بعض مشاريع التطوير الجديدة مثل جسر بادما، ونفق كارنافولي، مترو والسكك الحديد في دكا في السنوات الأخيرة، إلا أنه ما يزال هناك المزيد مما يتعين القيام به لتهدئة الغالبية العظمى وتعويض الاستغلال اليومي للطبقات الدنيا. إنها معركة من أجل منع انحدار مستوى المعيشة. إن ما كان حركة في عام 2018 تطالب بفرصة عادلة في الوظائف الجيدة التي تديرها الدولة دون تمييز، تطور إلى تعبئة أوسع، وغضب شديد بسبب الصعوبات الجدية المتعددة.

منذ استقلال بنغلاديش، كانت الحركات الشبابية والطلابية دائمًا بمثابة العمود الفقري للنضال الجماهيري ضد الحكومات المتعاقبة. ودعم تحالف واسع من أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الحركة الاحتجاجية، بما في ذلك المنظمات اليسارية والتقدمية، الطلابية. لقد أوضح القادة الطلابيون منذ البداية أن الطلبة يجب أن يكونوا رأس الرمح في الحركة الاحتجاجية، بغض النظر عن انتمائهم السياسي. وهو تقليد معروف في تاريخ الحركة الطلابية في بنغلاديش.

إن أحزاب المعارضة الرئيسية وأجنحتها الطلابية - الحزب القومي البنغالي اليميني والجماعة الإسلامية (المعروفة أيضًا باسم "جماعة شيبير تستغل الاحتجاجات الطلابية. ويأملون في الاستفادة من عدم الاستقرار السياسي في صراعهم مع الحزب الحاكم.

بشكل عام، يمكن القول إن سياسات الحزب القومي البنغالي لم تكن أبدًا إيجابية بشكل خاص بالنسبة للطبقة العاملة. كما فشل جناحه الشبابي في تلبية احتياجات الشباب فيما يتعلق بالبطالة وإصلاحات التعليم. ويركز الحزب على دعم مشاريع البنية التحتية الضخمة، لكنه لا يهتم كثيراً بالتنمية الاقتصادية على مستوى القاعدة الشعبية. وعندما كان في السلطة، كان الفساد وعدم الاستقرار من السمات الرئيسية للحكم أيضا.

وتحاول جماعة شبير، من جانبها، فرض سياسات إسلامية أصولية. وقارن وزراء سابقون النساء بالسلع الاستهلاكية وشككوا في حق المرأة في العمل إذا لم ترتد البرقع. لقد كان مؤسسوها هم رازاكار الفعليون، الذين عارضوا النضال من أجل الاستقلال، وارتكبوا العديد من الجرائم أثناء الحرب. وكان الحزب القومي البنغالي اليميني قد قبل في الماضي جماعة شبير الأصولية كحليف، بل وقام بتعيين بعض مجرمي الحرب كوزراء.

ولسوء الحظ، تمكنت جماعة شبير أيضًا من اختراق الحركة الاحتجاجية من أجل تنفيذ هجمات مسلحة غير مسؤولة على الإطلاق على مؤسسات الدولة وموظفيها. وقد أدى ذلك إلى مزيد من سوء الفهم والتوترات بين الحكومة والطلبة المحتجين.

في عام 2013، طالبت الاحتجاجات الجماهيرية محاكمة عبد القادر ملا وغيره من مجرمي الحرب غير الملاحقين من جماعة "شبير". وخلال هذه الاحتجاجات، مارس أنصار جماعة شبير أعمال العنف أيضا.

دور قوى اليسار
من المؤسف أن اليسار أصبح أقل أهمية في الأعوام الأخيرة، بسبب الانقسامات الأيديولوجية، وكذلك تحالف قواه الرئيسية مع الحزب الحاكم. تعاون أكبر حزبين يساريين ـ حزب العمال وحزب "جاتيا ساماجتانتريك دال" مع حزب رابطة عوامي الحاكم. وقد ساهم ذلك بتقسيم معسكر اليسار.

حزب العمال، هو حزب ماركسي- لينيني ظهر في الثمانينيات نتيجة لتحالف واسع بين جماعات يسارية وما زال يهتم بنضال العمال والفلاحين والمجموعات المهمشة. والآخر حزب ديمقراطي اجتماعي يدعو إلى الإصلاحات داخل النظام البرجوازي ويركز على سياسات دولة الرفاه والعدالة الاجتماعية.

ورغم أن رابطة عوامي كانت دائما وسطية وقومية إيديولوجيا، فإنها حاولت التحالف استراتيجيا مع قطاعات من اليسار من أجل اتخاذ إجراءات أقوى ضد المتطرفين اليمينيين والأصوليين. وقد أصبح هذا الأمر ذا أهمية خاصة مع تزايد النشاط الإرهابي المرتبط بتنظيم القاعدة في البلاد. وكان الأمر مماثلا في الضفة الأخرى: ففي ظل احتمال ضئيل لبناء بديل يساري حقيقي، قام حزب العمال والديمقراطيون الاجتماعيون بالتحالف مع رابطة عوامي لمواجهة الحزب الوطني البنغالي اليميني والجماعات الأصولية.

وخارج البرلمان، فإن المنظمات اليسارية أكثر التزاما بالموقف الانتقادي والمعارض. وهي تركز على قضايا مهمة مثل عدم المساواة الاقتصادية في البلاد وحقوق المزارعين والعمال. والتحالف الديمقراطي اليساري، على سبيل المثال، هو تحالف يضم عدة مجموعات يسارية أصغر. وينشط كل منها في حركات اجتماعية مختلفة، لكن ما يزال من غير الواضح مدى فعالية هذا التحالف في الإطار الأوسع. إن أقدم حزب يساري ما يزال موجودًا في بنغلاديش هو الحزب الشيوعي، الذي يواصل معارضته للحكومة الحالية، لكنه يعاني من تراجع دوره، وصراعاته الداخلية.

وكخلاصة يمكن القول: لقد أضعف اليسار في بنغلاديش نفسه بمرور الوقت، بسبب الانقسامات العديدة، بدلاً من النضال سوية ً. وهذا أمر مؤسف لأن تعاون اليسار أظهر في الماضي إمكانية أن يصبح صوتًا مهمًا. على سبيل المثال، تحالفت الجماعات اليسارية مع الحركات العمالية والمزارعين والمهمشين من أجل زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. لقد عمل الكثير من اليساريين للضغط على الحكومة التي باعت موارد البلاد الطبيعية مثل النفط والغاز للشركات الأجنبية.

تعتمد بنغلاديش ماليا إلى حد كبير على صناعة الملابس، وكانت الأحزاب اليسارية حاضرة بقوة بين العمال المحليين وفي نقاباتهم. ودعت الجماعات اليسارية، إلى جانب قادة النقابات والمنظمات الأخرى، الحكومة إلى زيادة أجو العاملين في هذه الصناعة. وفي العام الفائت، حققوا بالفعل زيادة في الحد الأدنى للأجور بما يعادل بالعملة الوطنية (من 62 إلى قرابة 97 يورو)، وهو أقل بكثير المطالبات الاصلية.

العمل في صفوف المعدمين
تضم فيدرالية "بي كي أف" للفلاحين المعدمين، التي تأسست عام 1976، 1,6 مليون عضو في 49 منطقة في بنغلاديش. ويركز برنامجها في المدى المتوسط على تعبئة الفلاحين والمعدمين للنضال من أجل إصلاح زراعي حقيقي وشامل. ويجب أن يتمتع المزارعون بإمكانية الوصول إلى الأراضي الصالحة للزراعة والسيادة الغذائية. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها أن يعيشوا حياة كريمة.

وتدعم الفيدرالية صغار المزارعين في جهودهم الرامية إلى الحصول على أسعار أكثر عدلاً لمنتجاتهم، وتنظيم بنوك لتبادل البذور عالية الجودة، والمساعدة في إقامة اتصالات بين المزارعين الفقراء والسلطات العامة. وتقدم الفيدرالية الخدمات القانونية والطبية لأعضائها، وخاصة المستهدفين من قبل حركة احتلال الأراضي. ونجحت الفيدرالية في التحريض على دعم النضال من أجل إعادة توزيع الأراضي على مستوى البلاد على المزارعين الذين لا يملكون أرضًا.

والفيدرالية متحالفة مع منظمات جماهيرية أخرى مثل منظمة نسوية "الفلاحات المعدمات"، ومنظمة " الأقليات الاثنية"، ومنظمة "الكيان الطلابي" للطلاب المعدمين.

تأسست منظمة "الكيان الطلابي" للطلاب المعدمين عام 2022، وتضم الآن قرابة 3 آلاف عضو في جميع أنحاء البلاد، خاصة في مقاطعات دكا وبارشال وديناجبور. وتدافع المجموعة عن قضايا مثل المساواة بين الجنسين وإصلاح التعليم. على سبيل المثال، وتذكّر الحكومة بوعدها الانتخابي الذي نكثته ببناء مدرسة عامة مجانية في كل منطقة. وندعو أيضًا إلى توفير الكتب المدرسية بأسعار معقولة للطلاب الفقراء في المناطق الريفية. كما تحاول أيضًا تعزيز التربية المدنية من خلال المحاضرات ونوادي الكتب.

تقييم
التقييم الوارد في الحوار بشأن تطورات الأوضاع في بنغلاديش، جاء قبل سقوط المخلوعة حسينة، إن المعركة لم تنته بعد. وقد غيرت الحكومة نظام الحصص مرة أخرى، لكن أكثر من 6 آلاف متظاهر ما زالوا رهن الاعتقال في إطار حملة القمع على مستوى البلاد. ويستمر اعتقال قادة الحركة من منازلهم أو مباشرة من المستشفيات. ويتعرض البعض للاضطهاد بسبب انتمائهم إلى أحزاب المعارضة. والعديد منهم مدنيون أبرياء وقد يظلون رهن الاحتجاز إلى أجل غير مسمى. وتقوم الشرطة بتفتيش الهواتف المحمولة في الشارع وبشكل عشوائي للبحث عن أي صلة بالحركة.

ومن بين قائمة مطالب الحركة الطلابية، لم يتم تنفيذ سوى إصلاح الحصص. ولم تعترف الحكومة حتى الآن بمسؤوليتها عن أعمال القتل والتعذيب، ولم تقدم الجناة إلى العدالة، ولم تعتذر علناً للأسر التي قُتل أبناؤها، لمطالبته بعمل لائق لإنهاء الفقر الذي عاشوه منذ أجيال عديدة. ناهيك عن الطفل الصغير الذي أصيب بالرصاص في شرفة منزله. أو الذي أصيب بالرصاص أثناء إحضار الطعام والماء للمتظاهرين لقد بدا واضحا ما حققته الاحتجاجات من نافذة لحياة جديدة للسكان البالغ عديدهم أكثر من 160 مليون نسمة.

تطورات لاحقة
عندما أصبح واضحا أن حشودا واسعة ستنظم إلى مسيرة في دكا على الرغم من حظر التجول، واجهت القيادة العسكرية خيار سحق الاحتجاج بواسط مزيد من العنف بناءً على أوامر الحكومة، أو إخلاء حسينة بالضد من إرادتها. لقد اختارت القيادة العسكرية الخيار الأخير وتمكنت من منع المزيد من حمامات الدم والاقتحام العنيف المحتمل لمقر إقامة حسينة. وبعد أن غادرت حسينة البلاد على متن مروحية عسكرية، انهارت الحكومة بشكل أساسي. واقتحم المتظاهرون مقر إقامة حسينة والبرلمان دون أي مقاومة تذكر.

وأعلن الفريق أول وقر الزمان رئيس أركان جيش بنغلاديش استقالة رئيسة الوزراء ووعد بتشكيل حكومة انتقالية. وبهذا لعب الجيش هذه المرة أيضا، كما هو الحال في عمليات انتقال السلطة السابقة في بنغلاديش، دوراً رئيسياً. وكان آخر تدخل سياسي للجيش في عام 2007، عندما شكل حينها حكومة انتقالية. لقد نجحت الشيخة حسينة إلى حد كبير في تحجيم دور الجيش السياسي، بواسطة تعيين العديد من الموالين لها في مناصب عليا. وتربط رئيس اركان الجيش أيضًا علاقات عائلية بحسينة من خلال زوجته. ومع ذلك، فإن دور الجيش يختلف عن الأجهزة الأمنية الأخرى في الدولة. وعلى النقيض من الشرطة وحرس الحدود، امتنعت المؤسسة العسكرية لفترة طويلة عن ممارسة العنف المفرط ضد المتظاهرين، حتى بعد أن أمرت حسينة بإطلاق النار لفرض حظر التجول. ولذلك كانت المؤسسة العسكرية أكثر حيادا.

صراع جيوسياسي
رغم أن العوامل الداخلية كانت حاسمة في التغيير الذي حدث في بنغلاديش، فإن ما يدور في البلاد وبلدان المنطقة ليس بعيدا عن الصراع الجيوسياسي، بين الولايات المتحدة والصين، من جهة والصراع الإقليمي بين الصين والهند من جهة أخرى. وفي هذا السياق ستحاول الهند الحصول على ضمانات أمنية من الحكام الجدد، وتعمل على ممارسة نفوذها السياسي. وتعتبر الهند من أهم الداعمين لرابطة عوامي، وقد قامت حتى الآن بحماية حسينة. وتسعى الهند لتحقيق مصالحها الأمنية الخاصة في بنغلاديش. لأن الأخيرة تتمتع بأهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة لها، وخصوصا ملف أمن ما يسمى بالولايات السبع الشقيقة في شمال شرق الهند، ولتأمين حدود الهيمالايا مع الصين، والأمن البحري في خليج البنغال. وتخشى الهند الآن أن تكتسب باكستان والصين نفوذاً أكثر، وأن تصل الجماعة الإسلامية إلى السلطة في بنغلاديش، وهو ما لم يحدث لحد الآن، كما أن الحزب القومي البنغالي مكروه في دلهي ومتهم بدعم الانفصاليين في الولايات السبع الشقيقة (ولايات ذات أكثرية مسلمة). وتؤدي الحرب الأهلية المتصاعدة في ميانمار المجاورة إلى تفاقم المخاوف الأمنية في دلهي، وأشارت تقارير صحفية إلى أعمال عنف ضد الهندوس في بنغلاديش. وتدعو وسائل إعلام اليمين القومي الهندوسي المتطرف إلى التدخل العسكري. ولكن نظراً للمشاعر المناهضة للهند المتفشية في بنغلاديش، فإن هذا لن يشكل انتهاكاً لسيادة الدولة المجاورة فقط، بل سيشكل كارثة، تعمق وتعقد الصراعات الجارية في المنطقة والعالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد نبيل بنعبد الله يستقبل السيد لي يونزي “Li Yunze”


.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م




.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه