الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طيور المنافي

جمال الهنداوي

2024 / 8 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قد لا يبدو في الافق أي امكانية لفض الخلاف، الذي يتخذ صفة التخاصم في الكثير من الاحيان، حول مدى امكانية تحميل المثقف الأثمان المترتبة على مواقفه السياسية وطروحاته الفكرية ومتبياته الايديولوجية التي قد تكون مثيرة للجدل لدى البعض..وللحيرة لدى البعض الاخر، وما يفرزه هذا الموقف عادة من انقسام الوسط الثقافي العراقي إلى فسطاطين متعارضين متشابهين بنفس القوة ومختلفين بالاتجاه..
وهنا لابدَّ من الاقرار بوجاهة المعطيات التي يستند إليها كل من الطرفين اللذين يقفان ظهراً لظهر متمسكين برؤاهم حول الموضوع الذي نرى أنه لا يتجاوز- وبدون أي تبسيط مخل- التشابك ما بين مواقف المبدع ورؤاه السياسية، وبين منجزه الابداعي.. وهل من الانصاف تحميل المنجز أوزار المثقف السياسية؟ أم هل يكون من العدل التجاوز عن المآخذ الفكرية التي قد تشوب ممارساته وطروحاته الشخصية؟ خاصة إذا تجاوز الأمر توجيه النقد الى الحكم، أو النظام السياسي ليتمدد لتحقير الوطن، والشعب ومتبنياته الفلسفية، والفكرية الراسخة.
وهنا قد يكون من الحكمة ترك هذا الموضوع للأيام لتقول قولتها فيه خاصة، وإنَّ المعطيات التي يستند عليها كل طرف هي مما لا يمكن أن نعدّها حالة خاصة في الوسط الادبي لتكرارها مع العديد من الأسماء المهمة التي نتفق جميعا على المعيتها ولكننا نختلف على مواقفها السياسية..
ولكن نفس هذه المعطيات..ونفس هذا الجدل.. قد يكون وراء السؤال الملح الذي يتبادر في ذهن المراقب الا وهو وماذا عن المثقف المكرس ابداعيا الذي لم يبدر منه أي موقف سياسي يتعارض مع الوطن والشعب العراقي وقيمه ومصالحه العليا؟، وهنا نستطيع أن نذكر – على الأقل- عشرات الأسماء ممن أفنوا حياتهم واقلامهم في مقارعة الديكتاتورية والتسلط، ومازالوا يقاومون محاولات تهميش التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق ويمارسون – على البعد -العمل الدؤوب لتصحيح مسارها بما يتوافق مع مصالح الشعب العراقي العليا ورؤاه وتطلعاته واحلامه بوطن سيد معافى ونظام عادل..
نتواصل يومياً بحكم العمل..والصداقة.. مع العديد من الرموز الثقافية العراقية التي تشظت بفعل الديكتاتورية، والتسلط على طول منافي الارض وعرضها وتشتلت في جميع دول العالم ومدنه..وأغلبهم من اضاءوا وملأوا تلك الأصقاع والهموا أبناءها بفنهم وأدبهم وابداعاتهم الفكرية، والثقافية، وقدّموا صورة باهرة عن الانسان العراقي، وطليعته الادبية الواعية والملتزمة.. وخاصة اصطفافه المبدئي العالي مع قضايا وطنه .. وأستطيع القول أن احدا من مبدعينا لم يشكُ يوما من فاقة، أو عوز ، أو قلة اهتمام من المجتمعات التي احتضنته، ووفّرت له الرعاية والدعم الذي كان يفتقد اليه في وطنه ..ولكنَّ العين لا تخطئ تلك المرارة التي تتساقط من بين حروف المثقفين، وأصواتهم من تنكر العراق لخيرة ابنائه وتركهم في تلك المنافي الباردة دون كلمة او سؤال يدفئ جذورهم ويمنحها حياة وأمل قد نكون نحن هنا أحوج اليها منهم، خاصة وأننا عندما نتكلم عن المثقف العراقي المغترب، فنحن نقصد الخميرة الثقافية للعراق وذاكرته الابداعية في مستوياتها العليا ، بعد أن افرغ الديكتاتور، وبطانته المتملقة اللاعقة لقصاعة الوطن من خيرة مفكريه ومبدعيه اللهم الا الثلة التي أعانها الله على الصمود في المقبرة الكبيرة التي كانت تدعى العراق رأفة ورحمة بهذا الشعب، وإدامة لذاكرته الثقافية والفكرية..
يؤلم القلب، والضمير أن يطلب شاعر ايقوني كان – وما يزال - رأس النفيضة الأدبية ضد الديكتاتورية والنظام النافق أن يذكر تعريف عنه قبل قصيدته لأنه لا يتوقع أن يعرفه أحد من الجيل الجديد، أو أن يتحدث مبدع أنجز في غربته عشرات الكتب المكرسة عن أننا أول من تواصل معه من الصحافة العراقية بعد أربعة عقود من الغربة.. أو أن يسفح شاعر كبير دموعه على الهاتف شوقاً الى العراق واهله.. وغيرهم الكثير الكثير.. والسؤال هنا: هل ننتظر أن يقضي المبدع نحبه في المنافي البعيدة لكي نذكره بنشيد، أو مقال او بيان تعزية..وهل يستطيع العراق تحمل الخسارة الثقافية الباهظة التي يتكبدها من خلال استنزاف خزينه الفكري والثقافي على ارصفة المدن البعيدة..
نرى أن الوقت لم يتأخر – ولن يتأخر – عن التنادي ولملمة الجسد الثقافي العراقي الموزع بين منافي العالم ومدنه البعيدة.. ونقر أن الأمر أكبر من امكانيات وزارة الثقافة، بل يجب أن يكون هناك رؤية ومشروع متكامل تتبناه الدولة العراقية بمؤسساتها كافة وخاصة أذرعها الخارجية المنتشرة في العديد من بقاع الارض لتكون مثابة احتضان للمبدع العراقي وملاذ لحنينه، وأشواقه ولو بحفل شاي او تجمع للتعارف..والاهم متابعة الطبع العشوائي لتراث مبدعينا الكبار وضياعه دمه بين قبائل دور النشر والمكتبات، وأنا واثق أن مثقفنا الذي لم تخضع الأيام انتماءه وارتباطه لوطنه سيحيل هذه المراكز الى منطلقات للتواشج مع الوطن الأم ومراكز للاشعاع الحضاري والفكري..وقد يكون هناك –بالتأكيد- بقية للحديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سموتريتش يعلن أن إسرائيل ستغلق -الإدارة المدنية- | الأخبار


.. الجولاني عن حماة: تعرضت لمجزرة كبيرة قبل 40 عاما ارتكبها حاف




.. بمقابلة حصرية مع CNN.. شاهد ما قاله #الجولاني عن صلته بـ #ال


.. وزير الداخلية الأردني يقرر إغلاق معبر على الحدود مع سوريا




.. مدير مشفى كمال عدوان: أصبحنا تحت مقولة الجريح يعالج الجريح