الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كيف تعرقل الدول الإسلامية حقوق المثليين في العصر الحديث
مصطفى جمال علي
2024 / 8 / 20حقوق مثليي الجنس
في العصور الإسلامية المبكرة، تحديدًا خلال الخلافة الأموية والعباسية، كانت المثلية الجنسية، رغم وجودها الواضح في الأدب والشعر، تُعامل بازدواجية مثيرة للاشمئزاز. في الوقت الذي كان فيه شعراء مثل أبو نواس يكتبون عن الحب والعلاقات الجنسية بين الرجال دون خجل، كان الفقهاء، مدفوعين بنصوص دينية، يسارعون إلى إدانة هذه العلاقات، مستندين إلى قصة قوم لوط التي جُعلت عصا غليظة تُستخدم لسحق أي تعبير عن اختلاف جنسي. هذا التناقض الصارخ بين الإبداع الأدبي والتشدد الديني يعكس بوضوح نفاق المجتمعات التي تدّعي أنها تعيش وفق قيم عليا، لكنها في الواقع تعيش في حالة من القمع الفكري والأخلاقي.
في العصور الوسطى، تصاعدت موجات القمع لتصل إلى مستويات وحشية. في الأندلس خلال القرن العاشر، على سبيل المثال، تم تنفيذ عقوبات قاسية بحق المثليين، ليس لتحقيق العدالة، بل لتعزيز السلطة الدينية والسياسية. هذه العقوبات لم تكن تعبيرًا عن التمسك بالقيم الدينية فحسب، بل كانت أدوات قمع تهدف إلى تكميم الأفواه وتقييد الحريات الفردية. في أماكن أخرى من العالم الإسلامي، تراوحت العقوبات من الجلد إلى النفي وحتى الإعدام، في استعراض واضح للوحشية التي تمارسها الأنظمة باسم "الأخلاق"، بينما هي في الواقع تستغل الدين لتعزيز سلطتها المطلقة.
مع دخول العصر الحديث، لم يتغير شيء جوهريًا، بل تفاقمت الأوضاع. في ظل التأثير الغربي، تبنت العديد من الدول الإسلامية قوانين جنائية متشددة ضد المثلية الجنسية، مضيفة بذلك طبقات جديدة من القمع إلى قوانينها القائمة. ومع صعود الحركات الإسلامية المتشددة في القرن العشرين، ازدادت وتيرة الاضطهاد، حيث أصبحت عقوبات مثل الجلد والإعدام ممارسة شائعة. في إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تم إعدام المثليين علنًا كجزء من حملة لتطهير المجتمع، في مشاهد تعكس بربرية لا مكان لها في العالم المعاصر. وفي المملكة العربية السعودية و جمهورية العراق، تستمر الدولة في تطبيق الشريعة بوحشية لا تُغتفر، حيث يتم إعدام المثليين دون أي اعتبار لحقوق الإنسان الأساسية.
وفي الوقت الذي يدّعي فيه العالم الإسلامي أنه يحمل راية الأخلاق والقيم السامية، يظهر تناقضه بوضوح في مواجهة الضغوط الدولية الحديثة. مع انتشار قيم حقوق الإنسان التي تؤكد على الحرية الفردية، بما في ذلك حقوق المثليين، يظهر الخوف والتردد في العديد من الدول الإسلامية التي ترفض التخلي عن قوانينها القمعية. الضغوط التي تمارسها المنظمات الحقوقية الدولية، والمبنية على مبادئ الحرية الفردية وحقوق الإنسان التي تشكل أساس القيم الغربية، قوبلت بتعنت وتصلب من قبل الحكومات الإسلامية. هذه الحكومات، التي تخشى من فقدان سيطرتها المطلقة على الشعوب، تفضل الاستمرار في استخدام الدين كأداة للقمع، بدلاً من مواجهة حقيقة أن هذه القيم الغربية تمثل تقدمًا أخلاقيًا وإنسانيًا لا مفر منه.
وعلى الرغم من ذلك، بدأت بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة في الاستجابة لتلك الضغوط، وإن كان ذلك ببطء وبشكل محدود. في تركيا ولبنان، تم السماح ببعض الحركات الحقوقية التي تدافع عن حقوق المثليين، رغم أن هذه الحركات تواجه مقاومة شرسة من التيارات الدينية والاجتماعية المحافظة التي ترفض الاعتراف بالتغيير وتصر على البقاء في حالة من الجمود الفكري والأخلاقي. هذا الانفتاح المحدود على القيم الغربية في بعض المناطق لا يعكس رغبة حقيقية في التغيير، بل هو نتيجة لضغوط لا يمكن تجاهلها.
التباين بين القيم الغربية الحديثة التي تركز على حقوق الأفراد والقيم الإسلامية التقليدية التي تُستخدم كأدوات للقمع يظهر الصراع الواضح بين التقدم والرجعية. بينما يرفض العالم الإسلامي مواجهة هذا الصراع بجدية، يستمر في دفع ثمن تأخره الفكري والأخلاقي. إن الطريق نحو تحقيق المساواة الكاملة للمثليين في العالم الإسلامي يتطلب ليس فقط مواجهة هذه القيم التقليدية، بل رفضها تمامًا، والتحرر من القيود التي تُفرض باسم الدين، والانضمام إلى العالم الحديث الذي يحتفي بالحرية والكرامة الإنسانية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المفوضية الأوروبية تنوي تقديم تشريع يهدف إلى تسريع ترحيل الم
.. ممثل أمريكي: مشهد احتراق النازحين أفظع مقطع شاهدته على الإطل
.. ماكرون: يجب على نتنياهو ألا ينسى أن بلاده أنشئت بقرار من الأ
.. الجيش الإسرائيلي يستخدم معتقلين فلسطينيين دروعا بشرية.. ما ا
.. العربية تتابع تجهيز الطائرة الرابعة ضمن الجسر الجوي السعودي