الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية وإنسانية 268

آرام كربيت

2024 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المبدع يصفعك أمام أسئلته الوجودية. وبقدر ما هو يتعبك بقدر ما يفتح ذهنك على مسارات متعددة غائبة عنك.
يدخل الأماكن المعتمة جدًا، في الخلايا، في دهاليز الزمن وتلافيف الدماغ. يستنطق كل نسمة أو همسة أو بركان جديد أو جاف.
يهزك من رأسك إلى اخمص قدميك، يأخذك من يديك إلى دروبه ولا يتركك إلا وأنت مذهول، مستغرب، وفي حالة تشتت ذهني ووجودي.
ثم تقف على مبعد من نفسك، تنظر إلى نفسك، إلى السراب.
وتقول:
هل نحن وهذا الكون حقيقة أم وهم أو خيال أو عدم؟

بمجرد أن تزيح يدك عن الشيء يتحول إلى ماضٍ ينفصل عنك، ويتنكر لك.
وفي ذروة النشوة والتألق تشعر أنك تركض وراء ظلك أو وراء السراب، وكأن الذي بين يديك ليس بين يديك، إنه مجرد هوام أو سرقة زمن.
في الحقيقة نحن لا نملك حتى أصابع أيدينا، وكل شيء مجرد خواء وهارب ولا يقف عند أي إشارة او معبر أو موقف.

الأم بيدها جنين تشكله وفق مقاسات عقلها وتكوينها النفسي والعقلي، لهذا نحتاج إلى الأم الواعية، التي تحمل مسؤولية بناء كائن في هذه الحياة. أراقب في حياتي اليومية كيف تربي المرأة الشرقية ابنها والمرأة السويدية. الأولى، ابنها قلق جدًا في السنة الأولى يبان عليه هذا القلق والتوتر، لا يهدأ ولا يجلس في مكان واحد دقيقة واحدة، لا يترك أي شيء في البيت لا يكسره أو يمسكه، دائم البكاء. يحوز على المكان كله، ويتصرف في المكان كأنه مكانه لوحده، بينما الطفل السويدي كمان ابن سنة وفوق، تراه يتحرك ويتصرف بهدوء وصمت. حتى في الشارع لا تسمع صوته.
هذه السلوكيات لها علاقة بالتربية. نحن لا نعرف نربي أبناءنا، كما أننا نغذيه بكم هائل من الثقافات الدينية المختلفة، حب مطلق أو كره مطلق، والأمثال والقصص والحكايات، وننمي فيه ثقافة الجهل والتخلف.
لم أر أم زرعت في أبناءها حب القراءة أو الانصات إلى الحديث، أو يصمت عندما يحتاج المرء إلى الصمت. الأب يضرب الطفل، الأم ترطب خاطره، الأول يصرخ في وجهه الطفل، الثانية تصرخ في وجه الأب وتعاتبه لأنه صرخ أو ضرب الأبن.
لهذا يخلقون في الطفل شخصية مهزوزة مكسورة، تأتيه أوامر من أكثر من طرف ومتناقض تماما، لهذا نرى أنفسنا في المواقف عندما نكبر ولا نستطيع أن نركز على فكرة.
ونبقى مشتتي التفكير.
ونادرا نرى شخصا صلبا في مواقفه. النفس الضعيفة تبدأ من الأم، من فترة الطفولة، والأب مساهم مكمل لدور الأم في إنتاج طفل مهزوم من الداخل.

صوت الأم هو الأبقى والأكثر جذرية في ذاكرة الإنسان، لاتزعزعه الثقافة ولا الفكر ولا أي مكتسب من مكتسبات الحياة.
وأكثر من يتأثر بهذا الصوت هي البنت، المرأة. البنت، المرأة تشبه أمها في أدق التفاصيل.
مشكلة هذا الصوت أنه يحفر في الذكرة العميقة، ذاكرة الموروث القادم بكل ثقله، الموروث القادم من الأعماق السحيقة للتاريخ، تاريخ المنطقة التي يعيش فيها المرء.
ما أقسى أن تكون الأم حاضنة أمينة للماضي بكل ثقله وأمراضه وعقده وتكوينه وتراثه وموقفها السلبي من أبناء جنسها، جنس المرأة بكل حطامه وهزائمه.
المرأة الجاهلة الأمية كارثة أكبر على حياة أبناءها على كل الصعد، أنها موجودة على سفرة الطعام وفي غرفة النوم وفي علاقات الأبناء مع خارج البيت أو في اللقاء الحميمي.
إنها موجودة في طريقة دخول الحمام أو الخروج منه.

فيلم حياة الماعز، اعتبره إدانة كبرى لدولة الهند.
السعودية دولة عبودية منذ عشرات القرون، بمعنى أنها ليست دولة حريات وحقوق الإنسان وديمقراطية، ولم تقل أنها دولة لكل مواطنيها.
كان فيها سوق العبيد إلى العام 1962، وكان فيها بيع وشراء العبيد والإماء والجواري.
في الفيلم من الواضح أن العبودية لا زالت باقية فيها.
عندما جاء الكفلاء بحثًا عن عبيدهم الموقوفين في السجن، تم ضرب العمال الهاربين من كفلائهم أمام السلطة وتحت نظر عينها.
أقول أن الإدانة هو للهند لأنها سمحت بتوريد العبيد إلى السعودية وفق صك رسمي، بيع وشراء قانوني، بعقود رسمية.
هذه الهند العنصرية، التمييزية، تعتبر الدولة الرابعة أو الخامسة الأكثر غنى على مستوى العالم في حسابات الناتج الاجمالي المحلي، متقدمة على بريطانيا، وربما العام القادم ستكون متقدمة على فرنسا أيضًا.
أنها تأتي بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان، بمعنى أنها تستطيع أن تمنح مواطنيها وظائف، وتهتم بشؤونهم بدلًا من السفر إلى بلاد لا قيمة للإنسان فيها.
ما هي فائدة الغنى في دولة ما، إذا كان الناتج الاجمالي المحلي الضخم لا يوزع على المجتمع، ويحسن مستواه المعيشي..
إن الغنى العمودي في دولة ما، هو عبودية بشكل أو أخر

لماذا عجز المسلمون عن تفسير القرآن إلى الان، هذا يستدعي سؤالا اخر:
المسلمون أي دين يعبدون؟
الا يستدعي هذا ترجمة القرآن إلى اللغة العربية، كما يقول الكثيرون؟
الإسلام اليوم في مرمى النار، وهناك عشرات الملايين يقرأونه ويحللونه أدبيًا وفكريًا وسياسيًا ودينيا، بينما المسلمين واجمين، ينظرون إلى ما يحدث حائرين، إلا من البعض الجاهل، وهذا يخرب ولا يغير.
أغلب الحكومات الإسلامية عملت، ولا تزال تعمل وصاية عليه، وتخربه من داخله كقطر مثلا ومصر.
يجب أن يتحرر الدين من السياسة، ويتحول إلى شأن خاص بين المسلم وربه، كما يحدث اليوم لمسيحيي أوروبا، الكنيسة الأوروبية.
وكان هناك مفكرين مسلمين دقوا ناقوس الخطر حول هذا الموضوع، كالرازي والتوحيدي والمعري وغيرهم كثر.
السؤال:
هل كان التنقيط قرارا للإيقاع بالنص القرآني، أو لخدمته أو لتدميره من داخله؟
نحن نأخذ ما جاء إلينا بحسن نية، لكن السياسيين القائمين على إدارة مصالحهم يعرفون ماذا يفعلون، لهذا على المسلم الحريص على دينه المبادرة على قراءة النص القرآني بعيد عن المشايخ، وعن السلطات الاسلامية الحاكمة، وإلا فإن هذا الدين سيواجه خطر القضاء عليه.
أنا لا أكتب من باب الحب أو الكره أو الحرص، أكتب ما أراه وأريد أن أعرف أين الحقيقة، ويدفعني هذا للسؤال:
هل ما نسمعه ونقرأه صحيح أم غلط وأين الغلط وأين الصح؟

ولدنا في بيئة تتعامل مع الحياة كحقيقة يقينية دون أي نقد أو بحث أو معرفة أبعاد جوهر هذه المفاهيم.
الحياة أكبر من الحقائق اليقينية، وأوسع، ولا يمكننا أن نركن إلى أي مفهوم مهما كان صغيرًا.
هناك آلاف المفاهيم يجري استخدامهم لتمييع الواقع والقفز عليه، ليس في منطقتنا فحسب، وأنما في العالم كله لتمرير سياسات على حساب البحث والدخول في جوهر كل مفهوم على حدى.
من الطبيعي أن يبقى الإنسان مشوهًا، خربانًا لأنه لم ولا يقبض على مصيره في ظل قوى مظللة تعمل على حرف التاريخ عن معرفة غاياته القريبة والبعيدة.

ليش، ولازم، وبالضرورة كلمتنا يجب أن تمشي على الأخرين.
ما هذ الجنون الذي في داخل كل واحد منا حتى نهزم الأخر.
ما هذا الإصرار على تنفيذ إرادتنا،. وكسر إرادة الأخرين؟

أنت لست جميلًا. شغفي بك لونك وزينك وجعلك جميلًا وجزء مني.
لهذا ارتقي بك، أحملك من عبك وأرحل بك إلى حيث لا أدري.
لا أحب أن اهبط أرضًا ولا أحط فوق سماء. أحب أن أبقى في اللامكان واللاحدود أو المحدود.
إن أبقى مجرد وجود يبحث عن وجود.
أنت ألم ولذة.
في داخل كل لذة ألم، وفي داخل كل ألم لذة. ففي اللحظة الذي يشعر المرء باللذة يرافقه ألم. والعكس صحيح.
وفي الألم جمال وفي الجمال لذة، وفي اللذة جمال، وفي الجمال ألم، وكلاهما، الألم واللذة، مثيران يفتحان الباب على احتمالات واسعة وكبيرة.
والألم واللذة يوسعان الخيال ويبنيان عالم من الاحتمالات. وفيهما طاقات كامنة ورغبات واسعة، وفقدان للهوية.

لم يذكر لنا التاريخ شعراء المعارضة.
ذكر لنا شعراء البلاط ونفخ فيهم روح الحياة وخلدهم لتبقى السلطة خالدة بهم.
الذي وقف في وجه السلطة تم قتله أو تقطيعه.
وفي تقطيعه كانت السلطة تريد ارسال إشارات للآخرين أن من يتمرد عليها فإنه يتمرد على الله ذاته.
بصراحة السلطة روجت كثيرًا لحنا مينه وفتحت له أبواب جرائدها ومطابعها.
لماذا المعارضون خونة في نظر النظام العائلي الحاكم، وحنا مينه وطني ومعزز مكرم؟
الفن والأدب موهبة هذا لا شك فيه ولكن البناء الأخلاقي والدفاع عن الضحايا هما اساس الفن والأدب.
كيف نتعاطف مع الضحية في الموهبة ونتخلى عنه عمليًا وسياسيًا على أرض الواقع؟
اعتقد أن هذه معادلة تحتاج إلى بحث معمق.

محاولة البناء الكلاّني بين الدولة الشمولية، تقديم نفسها كذات متجانسة أو متطابقة، لا يأتيها الباطل من ذاتها أو من غيرها وبين المجتمع إلى حد الكمال:
"هذا التجانس أو التطابق براني، خارج". أي هو تزييف للواقع. أي مصادرة الواقع باسم الدفاع عن الواقع.
هذا هو حال الدولة الشمولية التي تلغي الفوارق والانقسامات الشكلانية والعميقة لمصلحة استمرارها وبقاءها، عبر عرض نفسها كذات قومية أو دينية، نقية، صافية من الشوائب، كصورة عن يوتوبيا وهمية.
إن الدولة الحاملة للمشروع القومي أو الديني هو محاولة المأفلس، لإعادة الذات إلى الذات، أي تطابق الدولة مع حاملها، الديني أو القومي. هذا التطابق أو الكمال يجري ويستمر وفق صيرورة كامنة في الأذهان المستلبة، المغرقة في الاغتراب.
ومن خلال هذه الذات المغتربة تبني الدولة الشمولية ذاتها، شمولها وتسيدها وتموضعها لتبقى في القمة، مسوقة نفسها سياسيًا واجتماعيًا على حساب المجتمع.

إن مظاهر التعصب الديني والانطواء على الذات، ليس دليل عافية أو حالة طبيعية. وهذا التقوقع لا يدل على مواجهة الحداثة أو الدفاع عن الذات المهزومة.
إن هذا الاختراق للمجتمع يدل على أن الدولة في البلدان العربية والإسلامية هشة ومخلخلة، أي غير محصنة سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا، بل شريك وفاعل في دفع هذه البلاد نحو مسارات مغلقة، أدت إلى هنا.
يمكننا القول أن التعصب ينتشر في البنى الضعيفة، في البنى التي تعاني من انسداد الحراك الاجتماعي، في المناطق الفقيرة، المنعزلة عن حركة المجتمع وآليات عمله. أي، تعاني من اضطراب ثقافي اجتماعي.
من المؤسف مقارنة هذه البلدان في فترة الستينات بما هي عليه اليوم:
كان هناك روح الاستقلال يرفرف في عقل وقلب الناس، والحس الوطني الغامر بغد أفضل، ونبذ التعصب والكراهية والشعور العميق بالانتماء الى الوطن والبحث عن بدائل للنهوض.
كانت القوى العلمانية والوطنية على تماس مع مصالح المجتمع، والمجتمع قريب منها، لهذا كان يمكن البناء على هذا، كان من الممكن أن ننعم بوطن أجمل.

ماذا بقي من منطقتنا بعد العمليات الحضارية أو البربرية التي تعرضت لها على مدى عشرات القرون؟
هناك نزوع غريب عند الكثير منّا على تأكيد أن منطقتنا ما زالت عذراء، نقية، في حالة براءة وانطواء على الذات، لم يدخلها عابر من ذاتها أو خارج عنها. كأنها لم تتعرض للاغتصاب أو الرضات السياسية والعسكرية أو التأثيرات العميقة على مختلف المستويات: السوسيولوجية والثقافية والنفسية والفكرية والعقلية عبر تاريخها طويل.
إن الدعوة إلى الاصالة والخصوصية، لغم، فخ، لعزل مجتمعاتنا عن حركة التاريخ والتحولات التاريخية الذي تعرضت له وما زالت.
إن التركيز على الانتماء إلى منظومة فكرية دينية وحيدة متفردة، الإسلام، هو إهانة للواقع وحركة الواقع، وتقزيمه على مقاس قوى عقيمة تريد بقاءنا في عزلة تاريخية من أجل احتكار السياسة والتاريخ والمجتمع لمصلحة قوى لا علاقة لها بالدين ذاته وحركته وآلية استمراره وتطوره وارتقاءه.
إن الدين الإسلامي في القرن الواحد والعشرين يختلف في العمق والسطح عنه في القرن السابع. فقد امتزج في حضارات مختلفة وعظيمة، وأخذ وأعطى، ومر على جسده شعوب وأمم، تفاعل وانفعل، تداخل وتباعد، تمرن واكتسب المران، علم وتعلم، كان وما زال.
إن العلمانية مخرج لأزمة منطقتنا.
وإن إخراج الدين الإسلامي ذاته من عبث العابثين، ضرورة وحاجة. ووضع حد لمن يريد أن يحتكر المقدس ويقيسه على مقاسه الخاص. ومقاس مصالحه.

الملكية عملية منظمة يدخل في طياتها رجال أعمال, موظفين كثر, عمال صغار وكبار, ولها جهاز حكومي يسهر على حمايتها وتأمين القوانين والأنظمة اللأزمة لتسيير شؤونها ومصالحها
يتداخل السياسي بالاقتصادي بالنفوذ ليس على المستوى المحلي للدولة الواحدة, إنما على الصعيد العالمي.
لكسر هذه العلاقة القوية, المتينة, المتماسكة كحلقة متراصة تحتاج البشرية إلى فكر وممارسة, لتستطيع أن تكسر وتحكم هذه المعادلة على أرض الواقع وتضع الأسس لعالم إنساني مختلف يسود فيه الديقراطية الاجتماعية والسياسية.
عدا عن ذلك سيزداد الاستلاب والتهميش في البلدان المركزية, والموت والحروب الداخلية والبينية والدمار والتشويه في البلدان الفقيرة والعاجزة.

خلفية النص ينتج واقعًا على مقاسه.
فالإنسان لا يستطيع أن يعيش في هذه الحضارة بمعزل عن الحمولة الثقافة التي يستند عليها. ولإن هذه الثقافة معقدة, مركبة بشدة, تجعله في حالة صدام مع نفسه ومع محيطه وواقعه.
بالعموم, الفوارق الثقافية بين هذا المجتمع وذاك ليست كبيرة, لأن مضمون الحضارة واحد, قائم على تراتبية القوة.
لا أعرف لماذا تصطدمنا مشاهد القتل بالرغم من أننا نقرأ التاريخ وقرأناه على خلفية سحق كينونة الإنسان وقتله عبر أدوار متعددة, ودائما الضحايا هم البسطاء والمهمشين والفقراء, حطب أو وقود القوى المسيطرة.

العطش للحب هل هو حاجة أم رغبة بالإكتشاف أم فراغ أم تعويض عن الحرمان والحب؟ الحب هو محاولة امتلاك الأخر أو أنه يقوم على تجاذب جسدين إلى بعضهما.
الحب هو تملك الذات.

الرواية, أن تنتشل شخصياتك من مستنقع الحياة, بانتقائية كاملة. إن تأخذهم من هناك, وتضعهم بين أوراقك وأناملك وكلماتك. ثم تسقط عليهم الأقنعة, الثياب والألوان المتعددة. وتدفعهم إلى الواجهة ليعيدوا العبث في الحياة ومحاولة إعادة خلقها من جديد لتعود إلى الحياة دون أن تمس بمساراتها السائدة.
إن الرواية, ترصد الماضي, تنهل منه تصوراتها ومفاهيمها, تلعب في الميادين القديمة, في الحارات والمدن المنجزة, والناس الملوثين بعيوب الزمن وتناقضات العلاقات الاجتماعية المزيفة. إنها ترصد الوجع والزيف ولا تضع البدائل. إنما إعادة تدوير ما هو قائم. إعادة تدوير الأقنعة والأفكار والقيم السائدة. إنه كشف المنكشف, أو اكتشاف ما هو مكشوف.

يسحرني لون تكسر الحطب في الشتاءات الباردة. احتراقه, تمزقه, لونه الأحمر, تفتته في الكانون, مخلفًا وراءه الرماد. حميمية الأهل والوطن لا يعوضان. عاملان مركبان يحميان المرء من التصدع. الموقد أعادني للذكريات القديمة, إلى بيتنا القديم, إلى ذلك المكان الذي ولدت فيه. المكان الذي تتخلله الأشجار والأمسيات الجميلة.
أتذكر النار والبرد في كانون الشتاءات الباردة. صافرات البواخر, المراكب الكبيرة ترنو وتسترخي في الموانئ كالحيتان العملاقة. زمني هناك, طفولتي وذاكرتي ومقابر أجدادي. الكنيسة القديمة التي عمرت طويلًا, كانت معبدًا أرمنيا للإله مهير.

الثقافة, هي الوعاء, الحامل, الخزان الذي ينهل منه الإنسان تكوينه النفسي والفكري. ويتكئ عليها في حياته, يمد خطاه عبرها. وتوجهه, تأخذ بيده من مركب إلى مركب.
فالثقافة هي التي تشكله, تصوغه, وتعيد إنتاجه وفق تصوراتها المرسومة.
عندما تكون الثقافة مأزومة, عاجزة, غير قادرة على مواكبة التطور, يعيش المجتمع حالة غربة, إحباط. ويدخل الجميع في حالة اكتئاب.
الثقافة المأزومة, تنتج العنف, والعنف المضاد, ممكن تأخذ المجتمع إلى الموت والدمار.

النشوة العليا, حالة تصاعد, خروج من الزمن المألوف, ابتعاد كثير, التحام بزمن الوجود اللامتناهي.
نحن نبدو من الخارج سعداء, بيد أن الواقع يقول, نحن بحاجة إلى الشفقة.
العشق, تحليق عميق للاشعور, انغماس في أعماق الذات, في البعيد البعيد.
تحليق في اللامدى لهذا الوجود.

قال لها:
علينا أن نحافظ على هذا التراث الأرمني الغني بالإيحاءات الفنية, الموسيقى, الرقص والغناء والمسرح.
هؤلاء الرموز, يواكبون الطبيعة. هي وصيتنا, أن ندفعها إلى الأمام. المكان الذي نعيش فيه ثقيل, علينا أن نحرره, وننطلق إلى الفضاء, ليكون هذا العالم, فرح يمتزج بالفرح, ويسبح في هذا الوجود.

نحن غرباء, لا نعرف هذا العالم. نأتي إليه, ندخله, نسكن فيه, بيد أننا نبقى متفرجين, فارغين. ثم نخرج منه بعد أن نودعه قبل أن نعرفه. لدينا كم هائل من الكلمات بحاجة إلى إملاء من الداخل.
ردود الفعل الدولية, هي ردود سياسية بحتة, لا علاقة للقيم والمبادئ والإنسانية بهذه المسألة. عندما تكون للدول الكبيرة, خاصة الولايات المتحدة مصلحة في قضية ما, يستطيعون تحميلها بعد إنساني وأخلاقي وحميمي, ودفء, وبكاء غزير. وتهرع هوليود لإنتاج أفلام وبرامج.
أما إذا كان الشباب فوق, في الدول الكبيرة لا تعنيهم قضية ما فأنهم يتبرمون ويديرون الظهر, ويظهرون للناس على أن الأمر ليس بيدهم. وأنهم عاجزين, مساكين, العصافير تأكل خبزهم
هذا العالم ولد من ضلع أعوج.

اعرف ان الحزن مشاعر انسانية نبيلة, لكن علينا أن نعرف كيف نحول الحزن إلى عمل خلاق. هذا الحزن يجب ان يكون دافعا في البحث عن دولة, وطن, لجميع ابناء الوطن الواحد. الانتقام او القتل المعاكس ليس حلا. السياسة تستطيع ان تجعلك تبحث عن حلول دائمة وبشكل جديد. نحن ندور في المكان نفسه. وكتبت تعليقا حول الموضوع ذات
الاستبداد قمامة مغلقة يجلس عليه احط الناس خلقًا.
اليوم شعبنا ينظف بيته وينعتق. الانعتاق ليس لي وحدي أو لك وحدك, أنه انعتاقنا جميعًا.

هناك تشابه بنيوي بين الفكر القومي والديني. كلاهما هلامي, عائم, ليس له جذور حقيقية في أرض الواقع.
كلاهما استبدادي التكوين, لا يؤمن الا بنفسه. يتجاوز الصراع الداخلي في المجتمع ويستقر في عالم فضفاض ليس منه.
فكر يحلق في سماء المدينة الوهمية الفاضلة.

التابع الذي يعيش في الظل، النكرة، لا يمكن ان يكون ديكًا، أو فاعلًا مستقلًا.
سيكون أي شيء إلا أن يكون سيد نفسه.
التابع يقف على بنية نفسية مهزومة مكسورة، شخصية خائفة لا تملك شأن نفسها أو إرادتها
وما أكثر من سقط وتعرت أوراقه، وبانت دناءته، ودونيته وفقره الروحي والفكري.
وما أكثرهم في البلاد الاستبدادية، المنتجة الحصرية للضعفاء والخسيسين وضعيفي النفوس.

هؤلاء الذين يموتون في سبيل الله أو الشيطان، مغيبون، منفصلون عن الواقع، لا يدرون أنهم يموتون دفاعًا عن السياسة.
وكان الله وما يزال، السياسي الأول.
وعندما ترى سياسيًا يحاضر في الأخلاق والمبادئ توقف، توقف، على الأرجح أنه مخادع، يبيعك كلام في كلام من أجل تسخيرك لمصلحته، تتحول إلى رقم في جعبته.
السياسة فن الخداع، والله أمكر الماكرين.
لا تمشي وراء السياسي قبل نضوج الواقع الاجتماعي والسياسي، الاجتماعي السياسي، ووفق برنامج وطني واضح، يكون بناء الدولة وفق دستور معاصر، وواضح، فيه احترام لحرية المرأة والطفل والحياة والقدرة على تنفيذها، كما نص في قوانين الأمم المتحدة، ويكون من اساسيات العمل الفكري والسياسي.

هناك رفض شعبي كبير لحركة طالبان في أفغانستان، لم نر الاحتفالات الشعبية أو الترحيب أو الفرح على وجوه الناس، بل هناك حزن شديد، وخوف وضياع البوصلة على الناس.
أغلب الناس يرغبون في الهروب من بلادهم، لا يريدون العيش في ظل دولة دينية همجية مثل طالبان.
تصور أن الناس يقفون بالمئات في الشارع، يكتبون اسمهم والكنية ورقم جواز السفر ورقم التلفون ويرموه في سيارة واقفة في شارع السفارات الغربية، علّ أحدهم يرفق بهم ويقبل لجوءه
صحيح أنا لا أحب الولايات المتحدة وسياساتها، لكن الأفغان في ظلها عاشوا بمستوى أقل ما يقال، أنه أقل سوء من العيش في ظل حركة بربرية.
عندما يستقر الوضع السياسي، سيبدأ الصراع على السلطة، على أصوله، سيعاد إنتاج سلطة وراء أخرى، مرة وثانية وثالثة إلى أن تستقر السلطة في يد الأسوأ والأكثر دموية، مثل صدام أو حافظ الاسد أو القذافي، والأكثر خبثًا وديموغوجيا.
قدر هذه البلاد الفقيرة أن يحكمها قوى منفصلة عن الزمن وحركة الزمن والتاريخ، وسياق التطور القائم في العالم.

الحورية في الآخرة جاء في سير الشعوب كتعويض عن العجز الجنسي والنفسي والإنساني على الأرض.
هو تعبير عن الاغتراب الذاتي. والحرمان من تحقيق السعادة والفرح الداخلي.
عندما يعجز العقل عن تحليل الوقائع وعن تحقيق ذاته وعن فهم ذاته ووجوده وشروط حياته يبحث عن مخارج لا واقعية
العاجز حالم أصيل لحياة غير واقعية.
عندما تغلق أبواب الحياة الدنيا على الأرض، يلجأ الإنسان إلى السماء والفضاء أو يتفتق ذهنه عن أشياء لا واقعية.
سيبقى الإنسان غريبًا، ولن يرتوي نفسيًا ووجوديًا ما دام هو كائن مغترب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يستقبل زيلينسكي في الفاتيكان لمناقشة سبل السل


.. قوات الاحتلال تعتدي على مصلين حاولوا الوصول إلى المسجد الأقص




.. أسوياء مع مصطفى حسني - نفسي فداك يا رسول الله ..وتعرض أبو بك


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها




.. 92-Al-Aanaam